Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التمسك بالعملة النقدية ضروري... ولكن هل البنوك البريطانية أهل للثقة؟

نبهنا العطل المعلوماتي الذي ضرب العالم أخيراً إلى أوجه القصور والمعوقات التي تشوب مجتمعاً غير نقدي، ولكن القواعد الجديدة التي استحدثتها البنوك والمؤسسات المالية الرامية إلى إغلاق فروع محلية لها وإيقاف أجهزة الصراف الآلي عن العمل قد أغفلت مسألة أوسع

نزل عطل الشبكة الالكترونية وقع الكارثة على المودعين والمسافرين وغيرهم، وعلت اليوم أصوات مطالبة بالتمسك بالعملة النقدية  (بي أكس هير.كوم)

ملخص

هل في المستطاع الاستغناء عن العملة النقدية كلياً؟ العطل الأخير في شبكة الانترنت أظهر مشكلات التعويل الكامل على العملة الرقمية وإغلاق المصارف البريطانية فروعها الصغيرة

إذا كان أكبر انقطاع تكنولوجي يشهده التاريخ قد حمل معه أي خير، فهو أنه ذكّر العالم باعتمادنا اللامحدود على تكنولوجيا ليست بمنأى عن التعطل [فتتوقف عجلتها]؛ وأن الأنظمة غير التلامسية [في البطاقات الذكية] ليست الوسيلة الموائمة للدفع أثناء انقطاع إلكتروني، وإن للنقود التقليدية مزاياها الخاصة.

بعد مرور أيام على وقوع العطل المعلوماتي العالمي الذي أصاب مصارف وشبكات نقل وهيئة "الخدمات الصحية البريطانية" ("أن أتش أس" NHS) البريطانية بالشلل، ارتأت هيئة التظيم المالي في مدينة لندن أن تكبح جماح الطاغوت الذي كان يدفعنا نحو مجتمع غير نقدي تماماً استبدل تعاملات رقمية بعملته الورقية أو النقدية.

وبموجب القواعد الجديدة التي أعلنتها "هيئة التنظيم المالي" البريطانية (اختصاراً "أف سي أي" FCA)، يتعين على البنوك والمؤسسات المالية أن تبقى في حال تأهب لـ "[احتمال] ما يسمى "الصحارى النقدية"، والمقصود هنا المناطق حيث لا تتوفر أية وسائل متاحة لسحب الأموال النقدية، سواء في فروع تلك المؤسسات أو من أجهزة الصراف الآلي، وتالياً اتخاذ ما يلزم من تدابير لتأمين نقد يسد ثغرات مالية كبيرة.

يمكن لعامة البريطانيين ومنظمات المجتمع المحلي والمجموعات التمثيلية أن يطلبوا من "هيئة التنظيم المالي" النهوض بعمليات تقييم [للمشكلة]. وقد تؤدي إلى منع الفروع المصرفية من إغلاق أبوابها قبل إيجاد البدائل المناسبة. ومن شأن الأخيرة أن تشمل مثلاً مراكز للتعاملات المصرفية أو مكاتب بريد أو ماكينات الصراف الآلي التي في مقدور العملاء الاستعانة بها لإتمام عمليات إيداع الأموال وسحبها على حد سواء. من المقرر أن تدخل هذه الإجراءات حيز التنفيذ في سبتمبر (أيلول) المقبل، ولكن 14 بنكاً ومؤسسة مالية سبق أن حصلت على إخطارات بأن العقوبات الجديدة ربما تطاولها في حال عدم الالتزام بالقواعد.

في الحقيقة، إننا إزاء فكرة جديرة بالثناء، لا سيما أنه بصورة عامة، تعتمد الفئات الأكثر ضعفاً من السكان على النقد بصورة كبيرة أو حتى كلياً. كذلك نجد أن الأسر ذات المداخيل المتدنية جداً مقارنة مع غيرها، أي تكسب أقل من 15 ألف جنيه إسترليني سنوياً، لا تملك ما يكفي من إمكانات رقمية [تمكنها من إتمام العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الإلكترونية].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن مع ذلك، يتساءل جزء مني أيضاً ما إذا كانت تلك الإجراءات مثالاً على أن "هيئة التنظيم المالي" البريطانية أشبه بالملك كنوت العظيم King Cnut، ذلك أن المملكة المتحدة غارقة فعلاً في مد رقمي [وفق الأسطورة، وضع ملك إنجلترا كنوت عرشه على الشاطئ وأمر المد القادم بالتوقف ولكن حركة المد استمرت على وقع قوانين الطبيعة]. وتشير الهيئة الناظمة [التنظيمية] نفسها إلى أنه بين عامي 2015 و2021، تراجع الحجم السنوي للمدفوعات النقدية بنحو الثلثين.

وعلى رغم حجم الضرر الناجم عن العطل الذي طرأ على البرامج التقنية العالمية، ما زالت الأموال النقدية تفقد قوتها. وفق أرقام أصدرتها هيئة التداولات المالية البريطانية "يو كاي فاينانس" UK Finance، يظهر أن حجم المدفوعات النقدية المسددة العام الماضي انخفض بنسبة سبعة في المئة.

وقد ازدادات حال الأموال النقدية تعقيداً بعض الشيء بفعل جائحة "كورونا" والخوف من تلوث اليدين بالفيروس [تنتقل العملة الورقية من يد إلى أخرى بين الناس، ومعها تتنقل أيضاً أي فيروسات ربما تكون ملوثة بها]. وفي 2022، ارتفعت المدفوعات النقدية للمرة الأولى منذ عقد من الزمن. ولكن التحليل الذي نهضت به شركة "أكسنتشر" الاستشارية يشير إلى أن النقد، الذي ما زال ثاني أكثر وسيلة شعبية لتسديد ثمن السلع، سوف يتراجع إلى المركز الثالث هذا العام. وبحلول 2027، سينخفض إلى المركز الخامس.

شخصياً، لن أنتقد البرلمان البريطاني أو هيئة التنظيم المالي لسعيهما إلى حماية الفئات السكانية الضعيفة التي ترغب، أو تحتاج، إلى استخدام الأوراق النقدية التقليدية. في الواقع، لا بد من أن يكون هذا الخيار متوفراً أمامهم تماماً. كذلك ينبغي أن يكون متاحاً لنا جميعاً. وقد ذكّرتني الفوضى التي أحدثتها شركة الأمن السيبراني الأميركية "كراود سترايك" في مجال تكنولوجيا المعلومات بأنه ربما عليّ أن أبقي في متناولي ورقة نقدية بقيمة 20 جنيهاً إسترلينياً أو ورقتين اثنتين، تحسباً لأي طارئ.

ولكن هذا الواقع لا يغير حقيقة مفادها أن المجتمع غير النقدي قادم، وأن جهوداً كثيرة لا بد من بذلها كي نكون على جاهزية تامة ومناسبة لهذا التحول. لا بد من تغيير الأولويات. في المتوسط، وجدت "هيئة التنظيم المالي" أن الحرمان من الخدمات الرقمية، الذي يُقاس بالقدرة الرقمية المتدنية أو الوصول المحدود إلى التكنولوجيا الرقمية، يزيد من اعتماد شخص ما على النقد أربعة أضعاف مقارنة مع شخص في متناوله ما يلزم من وسائل وخدمات رقمية.

بناء عليه، لا تكمن المشكلة الكبرى في الافتقار إلى سيولة نقدية بين أيدينا بقدر ما تكمن في الافتقار إلى الخدمات الرقمية. والأخيرة تسبب مشكلات يواجهها الناس تتجاوز المدفوعات [لا تقتصر على تسديد مبلغ أو ثمن سلعة]؛ ذلك أن مجموعة واسعة من الخدمات الحكومية وغيرها من خدمات تابعة للدولة أصبحت رقمية في الدرجة الأولى، أو حصرياً.

الآن، وقد وُضعت هذه القواعد موضع التنفيذ، على "هيئة التنظيم المالي" أن تساعد من هم على الجانب المتعثر من الشرخ الرقمي على صرف أموالهم.

© The Independent