Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سمات مستقبل العلاقات السودانية - الإيرانية؟

تحاول طهران توسيع نفوذها السياسي وروابطها الاقتصادية مع الدول الأفريقية لتخفيف آثار العقوبات الأميركية عليها

قدم حسن شاه حسيني (يسار) في الـ21 من يوليو الجاري أوراق اعتماده لقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، سفيراً ومفوضاً فوق العادة لإيران لدى السودان (إعلام مجلس السيادة السوداني)

ملخص

اكتشفت إيران أن تشكيل تحالفات صغيرة متعددة الأطراف مع دول من ضمنها السودان في مجال السياسة الخارجية يمكن أن يكون مفيداً أكثر من علاقاتها مع قوى دولية مكلفة. ويخشى المجتمع الدولي من تعزيز إيران قوتها البحرية بالحصول على قناة نفوذ في شرق السودان، ومن خلال الحدود البحرية السودانية يمكنها تعطيل الممر المهم في البحر الأحمر مباشرة، ومن طريق الحوثيين.

منذ تشكيل الحكومة الانتقالية بعد سقوط نظام عمر البشير في السودان عام 2019 بدأت تظهر ملامح عودة إيران التدريجية للمشهد السوداني ضمن انفتاحها على دول الإقليم، وأسهم في هذا الانفتاح تعليق إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استراتيجية "الضغوط القصوى" التي فرضها الرئيس دونالد ترمب بعد قراره عام 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015. وبعد تعليق المفاوضات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران في شأن إعادة الالتزام بالاتفاق النووي استغلت طهران الفرصة وعادت لإطلاق استراتيجيتها للنفوذ الإقليمي وتجديد العلاقات الدبلوماسية مع الشركاء القدامى مثل السودان.

 

وبدأت استعادة العلاقات بمحادثات بين طهران والجيش السوداني العام الماضي خلال لقاء جمع وزيري خارجية البلدين السابقين في أذربيجان، السوداني علي الصادق والإيراني حسين أمير عبداللهيان في يوليو (تموز) 2023، على هامش اجتماع اللجنة الوزارية لحركة عدم الانحياز. وأبدى الوزيران استعدادهما لإعادة العلاقات الدبلوماسية، بعد ثماني سنوات من انقطاعها، وبعد خطوات عدة، وصلت العلاقة الثنائية بين البلدين إلى التبادل الدبلوماسي، إذ قدم حسن شاه حسيني في الـ21 من يوليو الجاري أوراق اعتماده سفيراً ومفوضاً فوق العادة لإيران لدى السودان، بينما غادر في اليوم ذاته سفير السودان الجديد لدى إيران عبدالعزيز حسن صالح متوجهاً إلى طهران لاستئناف مهامه الدبلوماسية.

توسيع النفوذ

إضافة إلى محاولة إيران توسيع نفوذها السياسي وعلاقاتها الاقتصادية مع الدول الأفريقية لتخفيف آثار العقوبات الأميركية المفروضة عليها، تستخدم إيران صادراتها العسكرية كوسيلة لتحقيق أهدافها، وحدث هذا في السودان عندما قامت بتزويد الجيش السوداني بطائرات مسيرة من نوع "مهاجر-6"، وهي مسيرة ذات محرك وتحمل ذخائر موجهة، ساعدت الجيش على استعادة بعض المناطق من قوات "الدعم السريع"، وذلك على أمل الحصول على قاعدة عسكرية في البحر الأحمر. وعلى رغم نفي السودان، في وقت سابق، أن تكون إيران قدمت طلباً للخرطوم من أجل إنشاء قاعدة بحرية، فإن صحيفة "وول ستريت جورنال" ذكرت أن إيران ضغطت باتجاه إقامة القاعدة، مقابل تزويد السودان بسفينة حربية، لكن الجيش السوداني رفض الطلب.

 

هذه الحوافز للسعي وراء فرص اتبعتها طهران مع دول أفريقية أخرى، منها دول تمر بظروف مشابهة كتلك التي يمر بها السودان من عدم استقرار سياسي واقتصادي، أو لاعتبارات استراتيجية، ظهرت في تعاونها مع النيجر بهدف الحصول على اليورانيوم، وكذلك ما تردد بتزويد الجيش الفيدرالي الإثيوبي بطائرات مسيرة أثناء الحرب مع قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي". وعند زيارة وزير الدفاع لشؤون المحاربين القدامى في مالي ساديو كامارا، طهران في مايو (أيار) العام الماضي، أكدت له إيران قدرتها على تزويد باماكو بالمعدات العسكرية وتبادل الخبرات، وسعت إلى تجديد العلاقات الدبلوماسية مع جيبوتي ومصر.

توجيه التحركات

وظلت السمة المميزة لسياسة إيران الخارجية طوال الفترة الماضية، جيوسياسية الملامح، مما أسهم ضمن عوامل أخرى في توجيه تحركاتها تجاه محيطها الإقليمي والدولي. والآن برزت عوامل أخرى تفسر استعادة علاقاتها مع السودان. الأول، على مدى ما يقارب العامين من الحرب المشتعلة في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، استغل "الحرس الثوري" الإيراني فشل المجتمع الدولي في الوصول بطرفي النزاع إلى هدنة تمهيداً لوقف الحرب، فحافظ على علاقة غير رسمية مع الجيش الذي بدأ في تلقي المساعدة العسكرية والفنية من طهران، ثم تحولت إلى علاقة دبلوماسية رسمية. وهو نموذج صارخ لسياسة إيران التي تستخدم فيها بصورة متزايدة التدخل في مناطق الصراع لتعزيز أهدافها العسكرية والتجارية والاستراتيجية. والثاني، إدراك إيران أنها تمتلك أقل من 20 سفارة في أفريقيا، مما دفعها إلى تطوير علاقاتها الدبلوماسية لفك عزلتها الدولية. وفي إطار بناء شراكات تساعدها على تجاوز العقوبات الدولية مع خلق أرضية جديدة لـ"محور المقاومة"، وكان هذا التحول الاستراتيجي بتحرك وفود تجارية إيرانية نحو أفريقيا، تبعه ما ظهر في القمة الإيرانية - الأفريقية التي جمعت وزراء اقتصاد أكثر من 40 دولة أفريقية، في أبريل (نيسان) الماضي. وقام الرئيس السابق إبراهيم رئيسي بجولة أفريقية في يوليو 2023 شملت كينيا وأوغندا وزيمبابوي، في أول جولة لرئيس إيراني منذ أكثر من 10 سنوات. والعامل الثالث، تحاول إيران التبرؤ من كونها أحد الفواعل الإقليمية المصدرة لنسخة "الإسلام السياسي" بطابعه الشيعي الطائفي، مما جعل بعض الدول الأفريقية مترددة في الشراكة معها، ولنفي ذلك تحاول الترويج إلى أنها مساهمة في الحرب ضد الإرهاب. أما العامل الرابع، فاكتشفت إيران أن تشكيل تحالفات صغيرة متعددة الأطراف، في مجال السياسة الخارجية يمكن أن يكون مفيداً أكثر من علاقاتها مع قوى دولية مكلفة، أما في حال علاقاتها مع الصين وروسيا فإنها ربما تكون داعمة لوجودها في السودان، لا سيما لو كان ذلك على حساب وجود أو تأثير قوى دولية أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اهتمام بالقدرات

وتأتي استعادة إيران علاقتها مع السودان في صميم ما توليه طهران خلال الفترة الأخيرة من اهتمام بقدراتها الدبلوماسية والعسكرية، تؤكده تحركاتها للتركيز على العلاقات مع دول الجوار، وتلك في مجالها الحيوي، ومن تعدهم شركاء استراتيجيين. وأحد التحولات في سياستها الخارجية هو الاتجاه إلى السودان، وتأتي أهمية التوقيت تزامناً مع تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين من جهة، واتجاه الدولتين لإيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر من جهة أخرى. وإذا اختير القائم بأعمال وزارة الخارجية علي باقري كني وزيراً للخارجية الإيرانية في التشكيلة الوزارية الجديدة لحكومة الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان، فإن علاقات إيران ستنسجم مع السودان في ظروفه الحالية، خصوصاً إذا كانت إيران ترى الوضع الحالي امتداداً لنظام الرئيس السابق عمر البشير. ولدى كني الذي استهل نشاطه في بدايات مسيرته الدبلوماسية بإدارة الشؤون العربية والأفريقية بوزارة الخارجية الإيرانية معرفة بطبيعة دول المنطقة ستساعد في بث الدفء في العلاقات بين إيران والسودان، كما أن كني الذي ينتمي إلى التيار "المحافظ" يتمتع بنفوذ ديني وسياسي وأسري كبير في دائرة المرشد الأعلى، فهو نجل رجل الدين البارز محمد باقر باقري كني، العضو السابق في مجلس خبراء القيادة، وعمه الثوري المحافظ محمد رضا مهدوي كني، كان من أبرز طلاب الخميني، وشغل مناصب عدة مهمة منها رئيس الوزراء الإيراني بالوكالة، ورئيس مجلس خبراء القيادة، ووزير الداخلية، ووزير العدل. وشقيقه مصباح الهدى باقري كني صهر المرشد الأعلى علي خامنئي، متزوج بهدى خامنئي. ولأنه شغل منصب مساعد كبير المفاوضين الإيرانيين في البرنامج النووي الإيراني، سعيد جليلي رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والمرشح الرئاسي السابق في منافسة بزشكيان، فإنه تأثر بجليلي المعارض لأي تقارب إيراني مع الغرب. ولأنه محسوب على رجال الدولة العميقة فإنه يمكن أن يحدث اختراقاً في الحكومة "الإصلاحية"، وباعتباره من الشخصيات الموثوق بها في هيكل النظام الإيراني، فربما يحد ذلك من طموحات بزشكيان في مجال العلاقات الخارجية، ليعطي الأولوية للمضي في المسار الذي ابتدره رئيسي، وهو التركيز على العلاقات مع السودان والدول الأفريقية الأخرى.

مستقبل العلاقات

في حين أن الصراع في السودان حظي باهتمام عالمي أقل من الصراع في أوكرانيا وغزة، لكن باستعادة علاقاته مع إيران، من المرجح أن يجذب أنظار المجتمع الدولي، لتوقعات بأن يسمح الجيش السوداني للنظام الإيراني بزيادة وجوده الأمني في هذه المنطقة الاستراتيجية. ومن شأن الوضع الجديد أن يمكن طهران من بناء قنوات نقل الأسلحة إلى حركة "حماس" في قطاع غزة، مما يعيد إلى الأذهان تنفيذ إسرائيل هجوماً صاروخياً على بورتسودان عام 2009، ومصنع اليرموك العسكري بالخرطوم عام 2012. ويخشى المجتمع الدولي من تعزيز إيران قوتها البحرية بالحصول على قناة نفوذ في شرق السودان، ومن خلال الحدود البحرية السودانية، يمكنها تعطيل الممر المهم في البحر الأحمر مباشرة، ومن طريق الحوثيين.

اتجاهان يحكمان مستقبل العلاقات الخارجية الإيرانية مع السودان، الأول، في حال آلت حقيبة الخارجية للتيار "الإصلاحي"، فستنطلق السياسة الخارجية الإيرانية من إدراك حقيقي لقدرات إيران السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتأخذ في الاعتبار ضعف هذه العوامل في الوقت الحالي، ووفقاً لهذا الإدراك تضع تصوراً لعلاقتها مع السودان وتراعي من خلالها طبيعة تحالفاتها الإقليمية والدولية وعضويتها في المنظمات الإقليمية. أما الاتجاه الثاني، فهو في حال كانت وزارة الخارجية من نصيب المحافظين المتشددين، فستواصل علاقة البلدين ممارسة نوع من الدبلوماسية الثورية، والبراغماتية في أوجه عدة.

وبين هذا الاتجاه وذاك، فإن الرئيس "الإصلاحي" بزشكيان الذي ظل يؤكد ولاءه للمرشد لديه رؤية متشابكة، جاءت في مقاله بصحيفة "طهران تايمز" كشف خلالها عن سياسة "انتهاز الفرص"، التي بفضلها سيعود التوازن إلى العلاقة مع جميع الدول، وبأن أبرز أجندة السياسة الخارجية للحكومة الـ14، هو العلاقة مع أوروبا وأميركا وعدها "ليست طريقاً مسدوداً ولا طريقاً سريعاً، بل هو طريق شديد الانحدار يمكن أن يكون أكثر سلاسة مما هو عليه اليوم". وفي الوقت ذاته أكد تعزيز العلاقة مع الشرق، إذ يرى أنها ليست بالضرورة مع "الشرق الأيديولوجي"، وإن كانت ثمة نقطة التقاء بين هاتين الرؤيتين، فيمكنها أن تحدد علاقات إيران مع السودان.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل