يشكو عبدالرزاق، معتقل إسلامي سابق في المغرب، قلة ذات اليد بسبب شح فرص العمل أمامه، بالنظر إلى صعوبة توافر وظائف لهذه الفئة من السجناء الذين أكملوا محكوميتهم السجنية أو نالوا حريتهم بفضل "عفو ملكي" في إحدى المناسبات الوطنية أو الأعياد الدينية.
ويطالب عبدالرزاق، مثل آلاف السجناء الإسلاميين السابقين الذين دخلوا السجن على ذمة قضايا الإرهاب، بالإدماج في المجتمع المغربي، من خلال تيسير فرص العمل لهم، وأيضاً بجبر الضرر والتعويض المادي على ما يعدونه ظلماً تعرضوا له إبان فترة السجن.
لا وظائف
يقول هذا المعتقل الإسلامي السابق إنه خرج من سجن "عكاشة" بمدينة الدار البيضاء قبل أكثر من خمس سنوات، بعد أن أكمل عقوبة السجن 10 سنوات بتهمة تتعلق بقضايا الإرهاب، غير أنه وجد مجتمعاً آخر غير الذي كان يعرفه قبل "ولوج الزنزانة"، على حد تعبيره.
وبرر المتحدث ذاته عدم ظفره بأية فرصة عمل رغم حصوله على شهادة الإجازة في القانون، بكون "الجهات التي تطلب موظفين ترفض ملفه باعتباره معتقلاً إسلامياً سابقاً موصوماً بتهمة التطرف والإرهاب"، مورداً أنها "تهم تنفر كل طالب عمل منه ومن باقي المعتقلين الإسلاميين القدماء".
وزاد المتكلم عينه بأن مطلب الإدماج داخل المجتمع المغربي ليس شعاراً احتجاجياً يراد منه فقط الاحتجاج، بل هو مطلب اجتماعي ملح لشريحة واسعة من السجناء السابقين الذين وجدوا أنفسهم بعد فترة السجن من دون عمل، من ثم من دون إمكانية لإعالة أسرهم وأولادهم.
وأكمل عبدالرزاق أن المجتمع المغربي يبدو غير مستعد لقبول هذه الفئة التي تنتسب إليه، إذ لا يقبل المعتقلون الإسلاميون السابقون في الوظائف، فيضطرون إلى تجريب مهن بسيطة، أو إلى العمل بائعين جائلين في الأزقة والأرصفة"، مبرزاً أنه حتى هذه المهن تظل صعبة المنال بالنظر إلى قلة ذات اليد، وأيضاً بالنظر إلى نظرة المجتمع لهم.
ويشرح المعتقل الإسلامي السابق النقطة الأخيرة بالقول إن كثيراً من الجهات، أفراداً وشركات ومقاولات، يجدون حرجاً كبيراً في القبول بتوظيف معتقل إسلامي سبق تجريب السجن بتهم الإرهاب، إذ يخشون من "عدم توبته" من تلك التهم، حتى لو كان اعتقاله ينطوي على ظلم وحيف وشطط".
وذهب المتحدث عينه إلى أن المعتقل الإسلامي السابق هو أيضاً مسؤول عن عدم الإدماج في المجتمع، لكونه يخرج من السجن دون أن يطور من ذاته، أو يفتح أمامه مجالات الشغل، من خلال التدريب والتكوين في المهن التي تحتاج إليها سوق العمل، خصوصاً مهن التكنولوجيا على سبيل المثال.
طرق الأبواب
والتأم المعتقلون الإسلاميون السابقون في إطار "التنسيقية المغربية لقدماء المعتقلين الإسلاميين" من أجل الدفاع عن حقوقهم، من بينها الإدماج في المجتمع، من خلال توفير فرص عمل لهم يعولون بها عائلاتهم حتى لا يظلوا عالة على المجتمع، وقد يعودون إلى مسارات التطرف والإرهاب.
وسبق لتنسيقية قدماء المعتقلين الإسلاميين أن ناقشوا مطالبهم الاجتماعية الملحة مع مؤسسة الوسيط، وهي مؤسسة رسمية تعنى بالوساطة بين المواطنين المتضررين ومؤسسات الدولة، غير أن "الوسيط" أحالهم إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لعدم الاختصاص في هذه الملفات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته عبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن مساندته فئة المعتقلين الإسلاميين السابقين، من خلال الدخول في "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" التي لها تجارب مهمة في توفير فرص شغل لعديد من السجناء.
والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية برنامج رسمي من إعداد الدولة هدفها محاربة الإقصاء الاجتماعي للفئات الفقيرة والمعوزة، ومكافحة الهشاشة التنموية، وتسهم في توفير فرص عمل لعدد من السجناء السابقين.
في المقابل يرى معتقلون إسلاميون سابقون أن فرص العمل التي تتوافر عبر "المبادرة الوطنية" هي بالخصوص موجهة للسجينات"العاديات" اللاتي ليست لديهن علاقة بملفات الإرهاب، إذ يساعدن على إنجاز مشاريع صغيرة، أو توافر دراجات نارية لهم للاشتغال عليها في حمل السلع أو حتى نقل الركاب".
جبر الضرر
إضافة إلى مطلب الإدماج في المجتمع المغربي يواصل المعتقلون الإسلاميون السابقون مساعيهم من أجل طلب التعويض وجبر الضرر في شأن ما تعرضوا له من ظلم في مسارات الاعتقال والمحاكمة والسجن.
وتشدد تنسيقية قدماء المعتقلين الإسلاميين على ضرورة تعويض المعتقلين الإسلاميين الذين لم تثبت ضدهم تهمة الإرهاب، سواء الذين قضوا بضعة أشهر في السجن أو الذين أكملوا مدة سجن طويلة، باعتبار أن سنوات السجن أفرزت خسائر نفسية واجتماعية لهؤلاء المعتقلين وعائلاتهم.
في هذا الصدد يقول الباحث في الشأن الديني والاجتماعي إدريس الكنبوري إن المغرب نهج سياسة جبر الضرر والتعويض لفائدة عديد من الفئات منذ عقدين أو أكثر، ودفع مبالغ مالية ضخمة للمعتقلين السابقين، سواء من اليسار أو المتورطين في محاولات الانقلابات".
واستطرد الكنبوري أنه دمج هؤلاء المعتقلون السابقون في مؤسسات الدولة، ومنحت لهم امتيازات ومناصب عليا"، مبرزاً أن "مطلب التعويض والإدماج لدى السجناء الإسلاميين السابقين يندرج ضمن السياق نفسه".
وشدد الباحث على أن "وظيفة الدولة هي ضمان حقوق المواطنين وإعادة إدماج السجناء في المجتمع، وليس خلق نوع من التمييز بينهم"، مردفاً أن "قضاء شخص مدة في السجن لا يعني طرده من لائحة المواطنة، وأن الدستور لم يميز بين أصناف المواطنين".
ولفت الكنبوري إلى أنه سبق للعاهل المغربي أن أقر عام 2004 في حوار مع "إل باييس الإسبانية" بحصول تجاوزات في الاعتقالات التي أعقبت تفجيرات الدار البيضاء"، ليخلص إلى أن "الاعتراف بالتجاوزات يعني ترتيب مستحقات على الدولة تجاه من طاولتهم التجاوزات".
يذكر أن المغرب أطلق برنامج "مصالحة" منذ سنة 2017 من أجل تصحيح مسارات ومراجعة أفكار عديد من المعتقلين الإسلاميين الذين سجنوا بتهم الإرهاب والتطرف، إذ بلغ عدد المستفيدين من هذه المبادرة 322 سجيناً.