ملخص
على نحو طارئ قطع برلمان المملكة المتحدة عطلته واجتمع استثنائياً اليوم السبت ليقر قانوناً يسمح للحكومة بتأميم شركة "بريطانيا للصلب" بعدما فشلت مفاوضات إنقاذها مع المالك، حيث قررت مجموعة "جينغي" الصينية التخلي عن المصنع الذي يبلغ من العمر 160 عاماً، ويعمل فيه اليوم نحو 3 آلاف شخص.
هي المرة الخامسة منذ الحرب العالمية الثانية التي يلتئم فيها البرلمان البريطاني يوم السبت، وموضوع الجلسة المؤرخة في 12 أبريل (نيسان) 2025، هو تخويل الحكومة بتأميم شركة "بريطانيا للصلب" بعدما تراكمت خسارتها حتى قدرت بأكثر من 900 ألف دولار يومياً، فقررت المجموعة الصينية المالكة "جينغي" إغلاق المصنع البالغ من العمر 160 عاماً والتخلي عن نحو 3 آلاف موظف فيه.
كان النواب يقضون عطلة الربيع في أماكن متفرقة داخل البلاد وخارجها عندما وصل إليهم نداء الحكومة العاجل، حتى إن بعضهم وصله الاستدعاء عبر وسائل الإعلام، فتداعوا جميعهم إلى العاصمة لندن براً أو جواً أو بحراً، واجتمعوا تحت قبة البرلمان من أجل تمرير قانون طارئ يسمح للحكومة بإنقاذ أبرز منشآت صناعة يمتد تاريخها في المملكة المتحدة إلى أكثر من 300 عام، وقد وارتبط اسمها بالثورة الصناعية.
آخر مرة عقد فيها البرلمان يوم السبت كانت في 10 سبتمبر (أيلول) 2022 عندما اجتمع مجلس اللوردات لتأبين الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، كما انعقد مجلس العموم بـ19 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 لمناقشة اتفاق "بريكست" الذي اقترحه رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، وقبل ذلك عقدت جلسة للبرلمان بغرفتيه في الثالث من أبريل (نيسان) 1982 بعد يوم من إنزال القوات الأرجنتينية على جزر فوكلاند البريطانية، وقبلها بنحو 30 عاماً بسبب أزمة قناة السويس في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1956.
قبل الجلسة أعلن رئيس الحكومة كير ستارمر تفاصيل قانون الطوارئ الذي مرره البرلمان، ويتكون من 10 صفحات تتيح للحكومة المحافظة على أصول "بريطانيا للصلب" قيد التشغيل والسيطرة عليها في حال مخالفة المشغلين للتعليمات الرسمية، إضافة إلى تعويض خسارة كل من تضرر جراء عملية تأميم الشركة، وفرض عقوبات جنائية على المديرين التنفيذيين الذين يتجاهلون التوجيهات المرتبطة بمراحل هذه العملية.
استطلاع للرأي نشر قبل جلسة البرلمان بساعة واحدة، قال إن غالبية البريطانيين يؤيدون تأميم مصنع الصلب، ووفق النتائج التي أعلنتها مؤسسة "يوغوف"، وافق 57 في المئة على العملية بينما رفضها تسعة في المئة وتجنب 33 في المئة حسم أمرهم، كذلك أشار الاستطلاع إلى أن الدعم الأقوى للتأميم جاء أولاً من الذين صوتوا لحزب العمال في الانتخابات الأخيرة، تلاهم المؤيدون لـ"ريفورم" الذي يتزعمه نايجل فاراج.
ستارمر قال في خطاب، إنه تحرك لحماية مستقبل منطقة "سكانتورب" التي يقوم عليها مصنع الصلب وإنقاذ وظائف العاملين فيه، ذلك لأن هذه الصناعة ترفد الاقتصاد بسلعة استراتيجية بالغة الأهمية، كما أنها تنطوي على فرص كبيرة لأبناء المنطقة والمملكة المتحدة ككل، منوهاً بأن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على المصدرين لهذه السلعة ليست مشكلة المصنع أو غيره من المنشآت البريطانية المشابهة.
زعيمة المعارضة المحافظة كيمي بادينوغ غردت عبر موقع "إكس" أن حكومة حزب العمال هي من أفسدت المحاولات السابقة لإنقاذ "بريطانيا للصلب" بعدما تركت المفاوضات المعنية بيد النقابات، وعندما أصبح الأمر على المحك استدعت البرلمان من عطلته على نحو طارئ ووضعت أمامه خياراً يكلف دافعي الضرائب مبالغ كبيرة.
ثمة مخاوف طرحت خلال المناقشة البرلمانية في شأن مصير مشابه لمنشآت في ذات المجال أو قطاعات أخرى لا بد للحكومة أن تفكر بحلول لها، كما أعرب بعض النواب عن قلقهم إزاء باب التأميم الذي فتحته الحكومة العمالية منذ وصولها إلى السلطة في يوليو (تموز) 2024، حيث قامت بتأميم شركة تشغيل السكك الحديد، كذلك قررت إنشاء شركة لإنتاج الكهرباء النظيفة لتصبح هي المنتج الرئيس لهذه الطاقة.
ويعمل في صناعة الصلب 1160 منشأة تدعم بشكل مباشر 40 ألف شركة أخرى في أنحاء المملكة المتحدة، وفقاً لأرقام حكومية. كانت شركة "تاتا ستيل" في ويلز أكبر منتج لخام هذه السلعة لكنها أوقفت تشغيل فرن الصهر في سبتمبر 2024، معلنة عن خسائر يومية بقيمة 2.2 مليون دولار، قبل أن تتعهد الحكومة تقديم 650 مليون دولار كمساعدة للشركة من أجل الانتقال إلى أساليب إنتاج تراعي البيئة.
قائمة مصانع الصلب في المملكة المتحدة تضم أيضاً "ليبرتي ستيل" و"سيلسا" و"مارسيغاليا" و"أوتوكومبو"، وفي عام 2023 أسهمت هذه الصناعة بأكثر من 3 مليارات دولار في الاقتصاد البريطاني، أي ما يعادل 0.1 في المئة من الناتج الإجمالي واحد في المئة من الناتج الصناعي، حيث أنتجت المملكة المتحدة في ذلك العام 5.6 مليون طن من الفولاذ الخام تعادل 0.3 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي، فيما أنتجت الصين أكثر من مليار طن تعادل 54 في المئة من الإنتاج العالمي خلال الفترة ذاتها.