ملخص
ما الأسباب والخلفيات التي قادت إلى تفجر الصراع حول الصحراء التي كانت مستعمرة إسبانية قبل عقود؟ وما أهم المحطات التي مرت بها وأبرز الفاعلين فيها؟
شكل اعتراف فرنسا أمس الثلاثاء بأحقية المغرب في الصحراء المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو الانفصالية والجزائر فصلاً جديداً من فصول مسلسل طويل من التجاذب بين الرباط والجزائر حول هذا الإقليم الغني بثرواته، مما يسلط عليه الضوء من جديد.
فبينما تسكت فوهات البنادق منذ فترة بين الجيش المغربي وعناصر جبهة البوليساريو، لم تتوقف الآلة الدبلوماسية لتحقيق مكاسب من كل طرف لسرديته تجاه الصحراء التي طالما شكلت عاملاً مقوضاً لحال التكامل الإقليمي التي حاولت تكتلات مثل اتحاد المغرب العربي تكريسها.
فما الأسباب والخلفيات التي قادت إلى تفجر الصراع حول الصحراء التي كانت مستعمرة إسبانية قبل عقود؟ وما أهم المحطات التي مرت بها وأبرز الفاعلين فيها؟
من أطول النزاعات
والنزاع في شأن الصحراء ليس وليد اللحظة بل يعود لقرون خلت، إذ احتلت إسبانيا هذه المنطقة عام 1884 وكانت غالبية سكانها من قبائل البربر، وفي عام 1934 أعلنت مدريد أن الصحراء أصبحت "إسبانية".
في عام 1957 طالب المغرب الذي حصل وقتها على استقلاله بأحقيته في الصحراء، مما دفع الأمم المتحدة عام 1965 إلى دعوة إسبانيا إلى إنهاء احتلالها.
عام 1973 تأسست جبهة البوليساريو وسط تضارب في الروايات حول الأسباب التي قادت إلى ذلك، إذ هناك رواية تقول إن عملية التأسيس جاءت بعد قمع القوات الإسبانية مظاهرات جماهيرية في منتصف يونيو (حزيران) 1970 في سياق ما عرف بـ"انتفاضة حي الرملة" بمدينة العيون، وهي انتفاضة تنادي بالاستقلال لكن إسبانيا قمعتها واعتقلت جل القيادات التي دعت إليها.
وهناك رواية ثانية تقول إن تأسيس البوليساريو جاء نتيجة لقمع السلطات المغربية مظاهرة لمجموعة من الطلاب في أزقة طنطان التي تتبع عمالة طرفاية عام 1972 على هامش احتفالات بالمدينة.
في أكتوبر (تشرين الأول) 1975 نظمت المغرب ما يعرف تاريخياً بـ"المسيرة الخضراء" تجاه الصحراء، وهي مسيرة شارك فيها نحو 350 ألف مغربي ومغربية بدعوة من الملك الراحل الحسن الثاني من أجل وضع حد "لاستعمار إسبانيا للصحراء".
وكان من نتائج هذه المسيرة أن دخل المغرب وإسبانيا في مفاوضات انتهت بانسحاب الإدارة الإسبانية عام 1976 ودخول المغرب إلى مدينة العيون التي تعد بوابة الصحراء، وفي العام نفسه أعلنت جبهة البوليساريو مدعومة من الجزائر أيضاً قيام "الجمهورية العربية الصحراوية"، وهي جمهورية لا تحظى باعتراف دولي.
معارك وادي الذهب
قبل انسحابها وقعت إسبانيا "اتفاق مدريد" مع كل من موريتانيا والمغرب، وهو اتفاق ينص على أن يقتسم البلدان الصحراء.
سارع الصحراويون، أي أهالي الصحراء، إلى رفض هذه الخطوة، وأعلنوا مطالبتهم بالانفصال عن المملكة المغربية ليؤسسوا جبهة البوليساريو التي صعدت من هجماتها ووتيرة تحريضها على الرباط. وكانت آنذاك مدعومة من ليبيا التي كان يقودها نظام معمر القذافي، في سياق خصومات سياسية بين الرئيس الليبي والعاهل المغربي.
وتعني تسمية البوليساريو "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" باللغة الإسبانية، وتلقت الجبهة دعماً مكثفاً من ليبيا والجزائر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى إثر انسحاب الإسبان اندلعت حرب عصابات بين الجبهة والمغرب عام 1976 استمرت لنحو 15 عاماً، وشرعت الحكومة المغربية في بداية الثمانينيات ببناء جدار رملي حول مدن العيون والسمارة وبوجدور من أجل تحصين المدن الغنية بالفوسفات وثروات أخرى من هجمات مسلحي جبهة البوليساريو الذين أرادوا تصعيد عملياتهم ضد القوات المغربية.
بموازاة ذلك قامت موريتانيا بتوقيع اتفاق في أغسطس (آب) 1979 تخلت بموجبه عن إقليم وادي الذهب الصحراوي بعد معارك مع جبهة البوليساريو، وبعد انقلاب عسكري على الرئيس الموريتاني آنذاك المختار ولد داداه.
وتراجع الزخم الإقليمي حول جبهة البوليساريو ومقاربتها للوضع في الصحراء مع دخول الجزائر أتون أزمة حادة وفوضى داخلية في نهاية الثمانينيات والتسعينيات وتخلي ليبيا عن دعمها، مما عزز مكانة المغرب.
وعلى رغم أن الوضع يبدو هادئاً الآن فإن النزاع حول الصحراء يعد واحداً من أطول النزاعات وأشدها حدة في القارة الأفريقية، ولجأ آلاف من الصحراويين إلى الجزائر حيث يوجدون في مخيمات تندوف وغيرها، فيما لا يزال مصير هذا النزاع غير معلوم.
وقف إطلاق نار
وتقدر منظمة الأمم المتحدة ووكالات شؤون اللاجئين التابعة لها أعداد اللاجئين الصحراويين بـ125 ألفاً يوجدون في مخيمات تندوف الخمسة.
وفي عام 1991 توصل المغرب وجبهة البوليساريو إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على أمل تسوية النزاع بشكل سلمي عن طريق مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة، لكن ذلك لم يحدث إلى حدود كتابة هذه الأسطر.
وتسيطر المغرب على نحو 80 في المئة من مساحة الصحراء، وتقول إن التفاوض على المنطقة "غير مطروح أبداً". وتم إثر التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار إقامة منطقة عازلة بطول المنطقة المتنازع عليها، في محاولة لفصل المناطق التي تسيطر عليها الجبهة عن تلك التي تسيطر عليها الحكومة المغربية، وتتمركز قوات حفظ السلام في هذه المنطقة ضمن مساع أوسع إلى تجنب التصعيد.
مقترح الحكم الذاتي
إلى ذلك دفعت المغرب بمقترح الحكم الذاتي في نيسان (أبريل) عام 2007، واعتبرت الرباط أن هذا "الحل الوحيد لإنهاء النزاع"، لكنه قابل للتفاوض مع جبهة البوليساريو.
وينص المقترح، الذي جاء استجابة من المغرب لدعوات مجلس الأمن الدولي، على أن "تتمتع الصحراء بحكم ذاتي لكن تحت سيادة المغرب في إطار وحدته الترابية"، وهو مقترح ترفضه جبهة البوليساريو التي تقترح في المقابل استفتاء على الانفصال.
وينص المقترح أيضاً على "نقل جزء من اختصاصات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى جهة الحكم الذاتي للصحراء ليدبر سكانها شؤونهم بأنفسهم بشكل ديموقراطي، بينما تحتفظ الحكومة المركزية في المغرب باختصاصاتها في ميادين السيادة، لا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية".
وبحسب المقترح أيضاً فإن "جهة الحكم الذاتي ستمارس اختصاصاتها التنفيذية من خلال رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي وينصبه الملك، ويتكون البرلمان من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية وآخرين منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة".
على المستوى القانوني والتشريعي ينص المقترح على ضرورة أن "تكون القوانين التشريعية والتنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات جهة الحكم الذاتي للصحراء مطابقة لنظام الحكم الذاتي في الجهة، وكذلك لدستور المملكة".
دعم دولي
على رغم أن 17 عاماً مرت على إماطة اللثام على مبادرة الحكم الذاتي فإن الجمود يسود المفاوضات الرامية إلى حلحلة النزاع حول الصحراء.
في المقابل اعترفت دول لها ثقل بأحقية المغرب في الصحراء ودعمها مبادرة الحكم الذاتي، ومن أبرز هذه الدول الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا وإسرائيل.
ويسعى المغرب إلى جعل الاعتراف بمبادرته أرضية لبسط سيطرته الكاملة على الصحراء، فيما يستمر التنديد من جانب جبهة البوليساريو والجزائر وسط محاولات للتصعيد ميدانياً.
بالعودة لأطراف النزاع فإن جبهة البوليساريو رأسها في 1973، وهو عام تأسيسها، مصطفى السيد الرقيبي لثلاث سنوات حتى مقتله في التاسع من يونيو (حزيران) عام 1976 خلال هجوم على العاصمة الموريتانية نواكشوط.
خلف الرقيبي، محمد عبدالعزيز الذي تولى الأمانة العامة لجبهة البوليساريو و"مجلس قيادة الثورة" منذ عام 1976 حتى وفاته عام 2016.
ويتولى الأمانة العامة الآن لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي الذي يترأس أيضاً ما يعرف بـ"جبهة البوليساريو"، وهو مسؤول طالما يثير حضوره أزمات بين المغرب والدول التي تستضيفه.
آخر هذه الدول كانت تونس التي استضافت إبراهيم غالي على هامش مؤتمر دولي على أراضيها في أغسطس 2022، ورداً على استقبال غالي قام المغرب باستدعاء سفيره من تونس ولا تزال العلاقات بين البلدين تراوح مكانها منذ ذلك الحين، ولم يعد السفيران التونسي والمغربي إلى عمليهما.