Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاندماج الضعيف للمهاجرين في بريطانيا يهدد مكاسب التنوع الثقافي

5 مجموعات عرقية يقارب تعداد أفرادها 15 مليونا غالبيتهم يعيشون في تجمعات بمدن عدة

غالبية المهاجرين في بريطانيا يعيشون في تجمعات عرقية أو دينية (غيتي) 

ملخص

يعيش المهاجرون في بريطانيا في الغالب على صورة تجمعات لها اقتصادها ومدارسها ومراكز عبادتها الخاصة مما يقلل من تفاعلهم مع السكان الأصليين، إضافة إلى أن استمرار ولاءات الأجانب التقليدية في بلدانهم الأم تصعب انخراطهم الكامل في الوطن الجديد وتهدد مكاسب التنوع الثقافي، الذي أوصل أبناء المهاجرين إلى قيادة ثلاث دول في المملكة المتحدة عام 2023.

قبل نحو 10 أيام وقعت أعمال شغب في مدينة ليدز شمال بريطانيا، على خلفية قيام موظفي الرعاية الاجتماعية بأخذ أربعة أولاد من عائلة بحجة "تصاعد العنف بين الأبوين في المنزل إلى حد بات يهدد سلامة الأطفال"، مما أثار نقمة العائلة الغجرية الأصل في منطقة تسكنها غالبية ساحقة من تلك الأقلية، فتعرض الناس لعناصر الشرطة الذين يرافقون موظفي الرعاية وقلبوا سيارتهم ثم أحرقوا حافلة للنقل من طابقين في شوارع المنطقة.

والحادثة الأخيرة بغض النظر عن سببها جددت النقاش حول تجمعات الأقليات في بريطانيا، ومشكلة الاندماج "المنقوص" لهذه التجمعات أو لفئة من أفراد الجيل الأول من مهاجريها أو حتى الثاني والثالث في بعض الأحيان، واللافت أن المشكلة لا تتقلص مع الوقت بسبب الزيادة المستمرة في القادمين من مختلف أنحاء العالم، وتحولت إلى مادة دسمة لحشد اليمين ضد الأجانب سواء لدوافع اقتصادية أو سياسية أو مجتمعية أو دينية.

رسمياً، تصنف بريطانيا السكان من أصول مهاجرة في خمس مجموعات عرقية تضم 19 فئة وفق المنشأ الجغرافي. وأولى المجموعات وأكبرها بحسب إحصاءات عام 2021 تضم الآسيويين بأكثر من 5.5 مليون نسمة، والثانية البيض من دول عدة حول العالم بمجموع 3.7 مليون، والثالثة السود بتعداد 2.4 مليون، والرابعة مختلطة بـ1.7 مليون، أما الخامسة فتجمع 1.3 مليون من أقليات تصنف بصورة مستقلة بينهم 300 ألف عربي.

وأكبر الجاليات في بريطانيا تتحدر من الهند بأكثر من 1.8 مليون نسمة، ثم الباكستانيين بنحو 1.6 مليون، وبعدهما الأفارقة السود بما يقارب 1.5 مليون، وفي الغالب يعيش أبناء الأقليات في تجمعات كبيرة موزعة على جميع مدن الدولة ولكن بنسب متفاوتة أكبرها في العاصمة لندن، حيث بات المهاجرون يشكلون ما يزيد على 60 في المئة من التركيبة السكانية، وأقلها في منطقة "نورث إيست" بأقل من 10 في المئة ومثلها إقليم ويلز.

تحديات كبيرة

الكاتب في شؤون المجتمع راكيب إحسان ومؤلف كتاب "ما وراء المظالم.. ما يخطى به اليسار حول الأقليات العرقية" يقول إن الهجرة والتعددية الثقافية تخلق تحديات كبيرة ستزداد خلال الأعوام المقبلة، إذ توقع مكتب الإحصاء الوطني انتقال نحو 14 مليون شخص إلى بريطانيا بين عامي 2021 و2036، وهذا يفوق عدد سكان لندن ومانشستر وبرمنغهام مجتمعين اليوم، وهم في غالبيتهم الساحقة من خارج دول الاتحاد الأوروبي.

وبحسب إحسان تحولت الأعداد القياسية للوافدين إلى مشكلة بسبب فشل الدولة البريطانية في دمج هؤلاء في المجتمع، فالتنوع ليس جيداً في حد ذاته إذا لم ينخرط الأجانب في ثقافة السكان الأصليين، كما أن التعدد العرقي والديني ينطوي على منافع جمة ولكن تعقيداته كبيرة وتحتاج إلى معالجة، مشدداً على ضرورة بدء حديث "صادق وشفاف" فوراً في شأن الهجرة بسلبياتها وإيجابياتها للوصول إلى نهج جديد في الاندماج قبل فوات الأوان.

يستدعي إحسان أمثلة كثيرة على فشل دمج الأقليات في المجتمع البريطاني، فيقول إن بين عامي 1998 و2020 منح ربع المواطنين الأجانب المدانين بجرائم إرهابية حق اللجوء أو كانوا يطلبونه، كما أن الاضطرابات العنيفة التي شهدتها مدينة ليستر خلال أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) 2022 في تصادم شبان من المسلمين والهندوس يؤكد استمرار النزاعات الدينية والقومية بينهم، كذلك الحال في الشجار الجماعي الذي دار بين الشباب الأفغاني والروماني في مدينة بورنموث وأدى إلى تدخل الشرطة على نطاق واسع.

ومن الأمثلة أيضاً وفقاً للكاتب المختص تلك المعركة الطائفية التي اشتعلت خلال العام الماضي جنوب لندن بين المؤيدين والمعارضين للرئيس أسياس أفورقي من أبناء الجالية الإريترية، إضافة إلى تلك الاحتجاجات في مراكز المدن بعد هجوم "حماس" على إسرائيل خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إذ إن كثيراً من الشباب المسلمين قاموا بتمجيد الحركة ورددوا شعارات عربية تحرض على "الجهاد" وهتفوا بشعارات معادية للسامية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التعددية الثقافية

تتسع قائمة الأمثلة التي تشير إلى إشكالية التعددية الثقافية غير المحصنة والمعالجة بالاندماج، وخلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عدت وزيرة الداخلية ما قبل الأخيرة في عهد حكومة حزب المحافظين السابقة سويلا برافرمان أن "التعددية الثقافية أفشلت بريطانيا"، وحذرت برافرمان حينها من أن استمرار تدفق المهاجرين وبخاصة غير الشرعيين إلى المملكة المتحدة وعدم اندماجهم في المجتمع سيدفع بالبريطانيين نحو نفور أكبر من الأجانب، وسيشحذ همم تيارات وأحزاب يمينية شعبوية للتنافس في الاستحقاقات المختلفة.

صدقت نبوءة برافرمان في ما يتعلق بصعود اليمين السياسي المتطرف على أنقاض الاندماج غير المكتمل في البلاد إن جاز التعبير، فقد فاز حزب "ريفورم" اليميني بزعامة ناجل فاراج بخمسة مقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحل الحزب الذي كان يحمل اسم "بريكست" سابقاً في المرتبة الثانية في عدد الأصوات بعد حزب "العمال" الحاكم في 26 منطقة انتخابية، ناهيك بالضرر الذي ألحقه بحزب المحافظين في أماكن عدة.

ويقول نائب رئيس حزب "ريفورم" بن حبيب إن تجاهل الحاجة إلى صهر المهاجرين في المجتمع البريطاني قاد إلى "ظهور مجتمعات موازية وثقافات منعزلة تسير بالتوازي مع ثقافة البلاد فلا تتقاطع معها ولا تتأثر بها"، منوهاً في حديث مع صحيفة "ذا تلغراف" إلى أن الارتفاع القياسي في أعداد المهاجرين وبخاصة في زمن حكومات المحافظين المتعاقبة منذ عام 2010، ترافق مع ازدياد لوائح وقوانين الشمول والتعدد والمساواة من دون العمل على قضايا الاندماج، "فاتسعت الهوة كثيراً بين المهاجرين وسكان البلاد الأصليين".

خلال عام 2023 أجرى مركز "مراقبة الهجرة" في المملكة المتحدة استطلاعاً للرأي حول عدد المهاجرين ورؤية البريطانيين للأجانب في الدولة، فأظهرت الأرقام أن 52 في المئة في الأقل من سكان البلاد يطالبون بخفض أعدادهم و33 في المئة يعتقدون أن القادمين من الخارج يضرون البلاد، ليس من الناحية الاجتماعية أو الثقافية فحسب وإنما على الصعيد الاقتصادي أيضاً، وهذا بحد ذاته محط خلاف وجدل كبيرين بين دراسات تقول إن سوق العمل تحتاج إلى مزيد من العمالة الأجنبية، وأخرى تعد أن الشركات تهرب من تطوير ودعم اليد العاملة البريطانية بالاعتماد على العمالة الأجنبية الرخيصة نسبياً.

 

حلول وتحديات

يعتقد "مركز المراقبة" أن الحل الوحيد للتحديات الناجمة عن الهجرة وبخاصة الأمنية منها هو دمج المهاجرين في المجتمع البريطاني، ولكن ذلك لن ينجح من دون أولاً وضع حدود قصوى لأعداد المهاجرين الذين يمكن استقبالهم، وثانياً إقرار آليات واضحة للتعامل معهم من أجل ضمان اندماجهم بدءاً من اللغة وانتهاء بالإقامة والعمل، وما بينهما من اختبارات للحصول على الجنسية والتأكد من وصول القيم البريطانية إلى الأجانب.

ويلفت المركز إلى أن الهجرة تبدأ صغيرة ثم تتراكم تدريجاً وبعدها تتحول إلى استيطان يليه لم شمل العائلات. منوهاً بأن المهاجرين وعائلاتهم يميلون للعيش في تجمعات بالمدن الكبرى مثل لندن، وعندما يزداد عدد الأفراد من نفس الخلفية في المنطقة يمكن للمهاجرين وعائلاتهم إنشاء أعمالهم التجارية ومدارسهم وأماكن عبادتهم، ومثل هذه التجمعات المتماسكة تصعب حدوث تفاعلات اجتماعية بينهم والسكان الأصليين.

ويقول المركز إن "كثيراً من المهاجرين وبخاصة من البلدان النامية يتحدرون من مجتمعات عشائرية ذات مستويات ثقافية منخفضة، مما يجعلهم أقل تقبلاً للاندماج". وعلى سبيل المثال يتحدر بين 60 و70 في المئة من الباكستانيين البريطانيين من منطقة في كشمير يلتزم أبناؤها بنظام تقليدي أبوي، وعلاوة على ذلك سمحت التطورات السريعة في تكنولوجيا المعلومات والنقل للمهاجرين بالبقاء قرب بلدانهم الأصلية، فيعيشون حياة "مزدوجة الوطنية" بين ثقافتين مختلفتين على رغم أنهم قد تكون لديهم جنسية أجنبية.

من وجهة نظر الصحافي البريطاني ستيفن بوش تمثل المملكة المتحدة نموذجاً رائعاً للتنوع الثقافي، ويكفي أنه قبل أشهر فقط كانت قيادة ثلاث دول فيها في يد أبناء المهاجرين، ريشي سوناك في بريطانيا وحمزة يوسف في اسكتلندا وفوغان غيثينغ في ويلز، لكنه يلفت إلى تحديين رئيسين يواجهان هذا التنوع أولها الزيادة المستمرة في تدفق المهاجرين من دون خطة حكومية، وضعف آليات دمج المهاجرين في المجتمع اقتصادياً واجتماعياً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير