Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اغتيال هنية: قراءة في قواعد الاشتباك واشتباك القواعد

هددت إسرائيل "بالانتقام" لمقتل 12 وجرح عشرات الدروز في قرية مجدل شمس بالجولان السوري المحتل

لا شك في أن اغتيال هنية بقلب طهران يشكل حرجاً واختراقاً أمنياً موجعاً لدولة تعتمد على أجهزة أمنية متعددة (أ ف ب)

ملخص

استغرق تنفيذ عمليتي الاغتيال ببيروت وطهران أياماً من الترقب والتوتر وإغلاق مطار بيروت وتوقف الطيران العالمي عنه ومناشدة دول العالم رعاياها بمغادرة لبنان بأسرع وقت.

باغتيالها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في قلب العاصمة الإيرانية طهران، تكون إسرائيل أضافت إلى سجلها خرقاً جديداً للقانون الدولي وجريمة تضاف إلى سلسلة من انتهاكاتها ضد الإنسان وضد المنطقة برمتها. عملية الاغتيال جاءت في طهران بعد ساعات من اغتيال قيادي كبير في "حزب الله" اللبناني هو فؤاد شكر، بقصفها مقر وجوده في الضاحية الجنوبية لبيروت ليلة البارحة الثلاثاء. وأدناه ملاحظات عامة على ثلاثة أصعدة بعد التصعيد الإسرائيلي خلال الساعات الماضية.

على الصعيد الإسرائيلي:

-هددت إسرائيل "بالانتقام" لمقتل 12 وجرح عشرات الدروز السوريين في قرية مجدل شمس بالجولان السوري المحتل. لفّ الغموض تلك العملية، ولا يعرف بالضبط من أين أتى التفجير الذي أدى إلى المجزرة، وأنكر "حزب الله" المسؤولية عنه، ورفض أهالي القرية تعازي بنيامين نتنياهو الذين لا يعترفون باحتلاله للجولان وما زالوا يتمسكون بسوريتهم وعروبتهم، مما يزيد العملية غموضاً، فلِمَ تريد إسرائيل الانتقام لمقتل سوريين لا يعترفون باحتلالها أراضيهم أصلاً ويرفضون حتى الحصول على الهوية الإسرائيلية؟.

-استغرق تنفيذ عمليتي الاغتيال في بيروت وطهران أياماً من الترقب والتوتر وإغلاق مطار بيروت وتوقف الطيران العالمي عنه ومناشدة دول العالم رعاياها بمغادرة لبنان بأسرع وقت، مما يعني أن إسرائيل تتحكم عملياً في حركة الطيران والسياحة والحرب والسلم في محيطها.

-يبحث نتنياهو عن انتصارات شعبوية للداخل الإسرائيلي بعد ما قارب السنة من حرب إبادة على قطاع غزة من دون القضاء على "حماس" أو إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في القطاع. وكانت إسرائيل أعلنت عن مقتل القائد العسكري
"الحمساوي" محمد الضيف قبل أيام، لكنها لم تستطِع إثبات ذلك، مما يُعدّ ضربة معنوية لها، فراحت تبحث عن تعويض معنوي لفبركة خبر مقتل محمد الضيف، ناهيك عن فشلها في قتل أو أسر القائد العسكري لـ"حماس" بغزة يحيى السنوار.

-الدقة التي أصابت بها إسرائيل بناية حارة حريك في الضاحية الجنوبية والدقة التي أصابت بها مقر إقامة إسماعيل هنية قبل ساعات وعلى بعد آلاف الكيلومترات، تطرحان تساؤلات حول عدم قدرتها على اغتيال السنوار أو الضيف على بعد مئات الأمتار من قواتها داخل غزة. ولعل ذلك ما يؤكد أن هدف إسرائيل من حربها على غزة هو الإبادة والتطهير العرقي والتجويع والتهجير للفلسطينيين في القطاع وليس القضاء على "حماس" وإنقاذ الرهائن كما تعلن في أهدافها من وراء الحرب.

على صعيد إيران:

-لا شك في أن اغتيال هنية في قلب طهران وهو في ضيافة النظام الإيراني، وفي وقت تستنفر الأجهزة الأمنية والعسكرية لمناسبة تنصيب رئيس الجمهورية المنتخب حديثاً مسعود بزشكيان، يشكل حرجاً واختراقاً أمنياً موجعاً لدولة تعتمد على أجهزة أمنية متعددة و"حرس ثوري" ينشد تصدير الثورة إلى أنحاء العالم كافة، ولكنه لا يستطيع حماية عاصمة الثورة وقائدة "محور المقاومة". فاغتيال هنية ليس الاختراق الأمني الأول لإيران، فسبقته اغتيالات وتفجيرات لعلماء ومسؤولين إيرانيين، كما أن مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبداللهيان ومسؤولين آخرين في مايو (أيار) الماضي ما زال يطرح الشكوك حول أيادٍ إسرائيلية وراء سقوط طائرته.

-باغتيال قاسم سليماني في يناير (كانون الثاني) 2020، واغتيال قادة "الحرس الثوري" في القنصلية الإيرانية بسوريا خلال أبريل (نيسان) الماضي، وسلسلة اغتيالات لقادة في "الحرس الثوري" داخل العراق وسوريا، ثم اغتيال إسماعيل هنية، تجد إيران نفسها تحت ضغط شديد بضرورة الرد على الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، وهدد المرشد الأعلى علي خامنئي بالانتقام، كما هدد مسؤولون إيرانيون بذلك، ولكن تبقى عملية الاغتيال بحد ذاتها لغزاً يقف أمامه المراقبون حيارى!. كيف تمّ الاختراق واغتيال ضيف كبير للنظام في طهران وفي توقيت حساس جداً؟.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على الصعيد الفلسطيني:

-ما مقتل إسماعيل هنية إلا حلقة في سلسلة من التضحيات التي قدمها القادة الفلسطينيون على مدى الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي لبلادهم، بدءاً بأسماء مثل كمال عدوان وكمال ناصر وغسان كنفاني وأبو حسن سلامة وأبو علي مصطفى وخليل الوزير وأبو أياد وأحمد ياسين مؤسس حركة "حماس" وعبدالعزيز الرنتيسي وقوافل من الشهداء من الشعب الفلسطيني الذين يسقطون يومياً في صراع لن يتوقف إلا بانتهاء الاحتلال وإيقاف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني. لكن القيادات الفلسطينية، وعلى رغم التضحيات الهائلة التي يقدمها شعبها، إلا أنها قيادات لا تزال متفرقة ولا تستقر على صف واحد في مواجهة عدوها، ومتوزعة الولاءات بين أطراف إقليمية ودولية مختلفة، ولعل مقتل هنية اليوم يكون تذكيراً لها بأهمية توحيد الصفوف ووحدة النضال لانتزاع حقوق شعبها المشروعة، وإن كان كثيرون يشكون بذلك.

-كان إسماعيل هنية رئيس الوفد الفلسطيني إلى المفاوضات التي ترعاها قطر ومصر والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف حرب الإبادة في غزة، وكان نتنياهو يسوّف ويماطل ويضع العراقيل تلو العراقيل لإجهاض أي اتفاق لوقف الحرب، بما في ذلك مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه. ولكن اغتيال هنية يعني نهاية مجلجلة لمثل هذه المفاوضات، كما صرح بذلك رئيس الوزراء القطري ووزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني بتساؤل يحمل الإجابة "كيف تجري مفاوضات فيها طرف يقتل الآخر؟".

هل يكون اغتيال هنية بداية للتهدئة في المنطقة ووقف الحرب في غزة؟ هل يحاول نتنياهو تسويق التهدئة داخلياً "بأنني قضيت على الصواريخ الآتية من غزة، واغتلت رئيس مكتبها السياسي، وسأدخل الآن في مفاوضات من أجل إطلاق سراح الرهائن لدى ’حماس‘؟". هل خضع نتنياهو لضغوط أميركية أثناء زيارته الولايات المتحدة بالتهدئة قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ هل جاء اغتيال هنية للتهدئة على جبهة غزة لفتح جبهة الشمال ضد لبنان؟ هل تكتفي إيران بردّ رمزي على إهانتها باغتيال ضيفها في عاصمتها كما ردت برمزية ضمن "قواعد الاشتباك" المتفق عليها مع الأميركيين والإسرائيليين بعد قصف قنصليتها في دمشق خلال أبريل الماضي؟ أم تقوم إيران باشتباك "قواعدها" كافة في العراق وسوريا ولبنان واليمن نيابة عنها؟.

هذه تساؤلات الاحتمالات، ولكن المؤكد أن اغتيال فؤاد شكر وقبله صالح العاروري في لبنان، ثم اغتيال إسماعيل هنية في طهران، تظهر حقيقة مؤلمة وهي أن المنطقة بقياداتها وقادتها تحت رحمة السطوة الإسرائيلية القادرة على الوصول إليها في أي مكان، مما يعني أن إسرائيل تختار أهدافاً للاغتيال وفق حساباتها لتحويل النتائج لمصلحتها. المؤكد الذي لا يقبل التنظير أن إسرائيل بسياساتها العدوانية واحتلالها المستمر، هي ضمانة، ضمن عوامل عدة غيرها، لاستمرار الفوضى والحروب والنزوح والاقتتال في المنطقة.

المزيد من آراء