Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليمين المتطرف أزمة مبكرة تواجه الحكومة البريطانية الجديدة

مسؤولون سابقون لا يستبعدون دوراً روسياً في احتجاجات الشعبويين الأخيرة

الشرطة اعتقلت أكثر من 100 شخص في احتجاجات لليمين المتطرف خلال اليومين الماضيين (غيتي) 

ملخص

شهدت بريطانيا خلال اليومين الماضيين احتجاجات على خلفية جريمة قتل وقعت في مدينة ساوثبورت وراح ضحيتها ثلاثة أطفال، وبينما يتوقع مسؤولون سابقون في الدولة وقوف أطراف خارجية خلف هذه الاحتجاجات، يقول ساسة ومحللون إن الحكومة يجب عليها التعامل بجدية مع التصاعد الملحوظ لليمين المتطرف في البلاد.

في الشهر الأول من عهد الحكومة البريطانية الجديدة انفجر اليمين الشعبوي غضباً في شوارع البلاد على خلفية أحداث عدة وقع أبرزها يوم الإثنين الماضي في مدينة ساوثبورت الساحلية شمال غربي البلاد، حيث اقتحم شاب مسلح بسكين معهدا لتعليم الأطفال الرقص فقتل 3 فتيات وجرح 8 أخرين بين صغار وبالغين استقرت حالاتهم أخيراً وفق تقارير طبية.

على خلفية حادثة ساوثبورت وما سبقها في مدن ليدز ومانشستر وكِنت، قرر رئيس الوزراء كير ستارمر الاجتماع مع قيادات الشرطة في بريطانيا، وقال متحدث باسم الحكومة الجديدة إن ستارمر يشدد على "مواجهة أعمال الشغب بحزم، ويؤكد على إظهار قوة القانون الكاملة لهؤلاء الذين يعبثون بأمن البلاد".

وفق مراقبين ومختصين لا تحتاج الحكومة العمالية الجديدة إلى أكثر من القوة لمواجهة أنصار اليمين المتطرف عندما يحاولون إثارة الشغب والبلبلة في البلاد، ولكن مكافحة الفكر الشعبوي تتطلب حسابات أكثر تعقيداً في ظل توقعات بوجود أيادٍ خارجية خلف احتجاجات الشعبويين في البلاد خلال اليومين الماضيين.

ثمة ما يجب فعله أيضاً تجاه وسائل التواصل التي يستخدمها اليمين الشعبوي في بث أفكاره والدعوة إلى تجمعاته وتظاهراته، هذا إضافة إلى أن انتشار المعلومات المغلوطة والمفبركة عبر هذه المنصات يسهل كثيراً على أرباب التيار استخدامها في حشد الشارع وتعبئة الرأي العام البريطاني ضد المهاجرين.

حادثة ساوثبورت

على مدار الأيام الماضية التزمت الشرطة بالقوانين التي تحظر نشر اسم الجاني في جريمة ساوثبورت لأنه لم توجه له تهمة القتل بشكل رسمي، ثم أعلنت اليوم أن الشاب اسمه أكسل موغانوا روداكوبانا وهو ينحدر من عائلة رواندية مهاجرة بحسب مصادر مختلفة، ولكن غياب هذه المعلومة خلال اليومين الماضيين استغلته جماعات اليمين الشعبوي لحشد الشارع الغاضب من الحادث.

استغل الشعبويون بداية رواية سربتها وسيلة إعلامية خارجية أو مزيفة وفق بعض التحليلات، تقول إن منفذ عملية الطعن التي وقعت في مركز يعلم الأطفال الرقص بمدينة ساوثبورت هو مهاجر مسلم من أصل سوري يسمى علي الشقاطي قدم البلاد العام الماضي عبر زورق أبحر به من سواحل فرنسا.

الأصوات المؤثرة في اليمين المتطرف وعلى رأسهم الناشط المعروف باسم تومي روبنسون، اعتبرت أن الشرطة تتكتم على اسم المجرم لأنه مسلم وبالتالي هي تحاول أن تحمي الجالية في المدينة والدولة على حساب السكان الأصليين، ودعا هؤلاء أنصارهم إلى التظاهر وإظهار الغضب إزاء سياسة الدولة.

في اليوم التالي لجريمة ساوثبورت هاجم ملثمون مسجد المدينة، وعندما تصدت الشرطة لهم انقلبوا على عناصرها ورموهم بالحجارة والأجسام المعدنية مما تسبب بإصابة أكثر من 50 بين ضابط وفرد، اعتقل عدد من مثيري الشغب وخرجت التصريحات الرسمية المهددة لهم، ولكن التحريض لم ينته هنا.

ليلة أمس الأربعاء دعي أنصار اليمين للتظاهر أمام مقر الحكومة وسط العاصمة لندن، كان الحشد مثيراً للشغب فاعتقلت الشرطة 100 متظاهر اشتبكوا مع عناصرها وتعرضوا للمباني والشوارع بالتكسير والتخريب، وهنا أصبح لزاماً على رئيس الوزراء عقد اجتماع مع قوات الأمن لبحث تداعيات المشكلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سلسلة جرائم

نشاط اليمين الشعبوي تصاعد قبل جريمة ساوثبورت بأيام عدة، حيث وقعت سلسلة من الحوادث في شهر يوليو (تموز) الماضي وظفها أرباب هذا التيار في التحريض ضد المهاجرين ودعوة سكان البلاد الأصليين إلى التظاهر والاحتجاج ضد الأجانب تحت شعارين هما "كفى يعني كفى" و"لنستعد بلادنا".

في الثامن عشر من يوليو الماضي، تعرض عناصر للشرطة في مدينة ليدز شمال البلاد إلى الاعتداء الجسدي وحرق سياراتهم من قبل مهاجرين من أصول غجرية عندما كانوا يرافقون موظفي الخدمة الاجتماعية لأخذ أطفال من ذويهم بعد أن "ارتفع العنف الأسري في المنزل وبات يهدد سلامة الأولاد".

بعد أسبوع تقريباً، وتحديداً يوم الخامس والعشرين من الشهر ذاته تعرض جندي بريطاني لعملية طعن 12 مرة في مدينة كِنت شرق البلاد نفذها مهاجر من أصل أفريقي يدعى أنتوني إيسان، أثارت الحادثة ضجة كبيرة في الشارع لأنها تحدث للمرة الأولى ولكن لم تتعامل الشرطة معها كعمل إرهابي.

لم تهدأ حادثة طعن الجندي حتى ضرب شرطي شاباً باكستاني الأصل على رأسه في مطار مانشستر وأثار غضب الجالية المسلمة في المدينة، أوقف الضابط بعدها عن العمل على رغم أن تصرفه تلا ضرب الشاب وأخيه لـ 4 عناصر شرطة في المطار حتى أسعفوا إلى المستشفى ومن بينهم شرطية كسر أنفها.

هذه الحوادث جميعها أحالها اليمين المتطرف إلى المهاجرين، وحشد الرأي العام خلف قضية واحدة هي "أن الدولة باتت تخشى على حياة الأجانب وتحرص على سلامتهم وأمنهم أكثر من السكان الأصليين، وهذا يدفع بالوافدين من الجيل الأول أو أبنائهم وأحفادهم نحو التعرض للبريطانيين والاعتداء عليهم".

الاختبار الأكبر لتأثير الخطاب الشعبوي في الشارع كان في تمكن قياداته وأربابه من حشد أكثر من 100 ألف شخص في تظاهرة لليمين المتطرف التأمت يوم السبت الماضي وسط لندن، وفي اليوم التالي هرب روبنسون خارج الدولة قبل ساعات قليلة فقط من إصدار الشرطة مذكرة اعتقال جديدة بحقه.

دور خارجي

رئيس الحكومة وصف أفعال اليمين المتشدد بـ"البلطجة وإهانة المجتمع المكلوم" لكن مواجهة هذا التيار عبر ممارسة القوة في قمع أفراده ومنعهم من إثارة الشغب والاعتداء على الشرطة والمدنيين والممتلكات ودور العبادة وغيرها، لا تكفي برأي ريتشارد ديرلوف، الرئيس السابق للاستخبارات البريطانية الخارجية.

يقول ديرلوف في حديث مع إذاعة "أل بي سي" إن القناة التي بثت الخبر المفبرك عن مرتكب جريمة ساوثبورت قد تكون مشروعاً للكرملين، وهو لن يتفاجأ أبداً إذا كانت أعمال الشغب التي وقعت في تلك المدينة أو غيرها تحدث بتحريض من موسكو، لافتاً إلى أن بريطانيا في حرب متعددة الميادين مع روسيا.

ولفت السير ديرلوف إلى أن الواقع الافتراضي مساحة واسعة للمواجهة واستخدام المعلومات المغلوطة في الصراع بين روسيا والغرب، واصفاً الحرب بين الطرفين بالرمادية والغامضة في كثير من الجبهات التي لا يستطيع الناس ملاحظتها وإدراكها، لذا يعول على يقظة الحكومة والجهات المختصة لرصد الأمر.

ستيفن ماكبارتلاند، وزير الدولة لشؤون الأمن في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، أيد في حديث مع الإذاعة ذاتها رأي الرئيس السابق لجهاز MI6، وقال إن "دولاً معادية تستخدم جريمة القتل في ساوثبورت للتحريض على العنف في بريطانيا، وتتصدر روسيا قائمة المشتبه فيهم في هذا".

ماكبارتلاند يؤكد أن "المعلومات المضللة لتقويض الديمقراطية هي جزء كبير من كتاب قواعد اللعبة الروسية"، لافتا إلى أنه في مايو (أيار) الماضي طردت الحكومة البريطانية ملحقاً دفاعياً روسياً واتهمت جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بارتكاب هجمات إلكترونية خبيثة منهجية تهدف لتقويض الديمقراطية.

 

تساؤلات فاراج

تداعيات جريمة ساوثبورت ازدادت أيضاً بسبب تساؤلات طرحها النائب الجديد وزعيم حزب "ريفورم" اليميني نايجل فاراج حول سبب عدم إفصاح الشرطة عن اسم المجرم، حيث خرج فاراج على الناس بمقطع مصور فحواه إن سبب غضب الشارع هو إخفاء هوية قاتل الأطفال من دون تفسير مقنع للناس.

نائبة رئيس الوزراء أنجيلا راينر، قالت إنه لا ينبغي لفاراج أن "ينشر الأكاذيب عبر الإنترنت وكان يتوجب عليه كنائب أن يتوجه بأسئلته التي طرحها في الفيديو إلى مجلس العموم ليعرف الناس والمشرعون إجابتها ويحصل الجميع على توضيحات من شأنها تبديد المخاوف وتفسير سلوك الشرطة في ساوثبورت.

من جهته، قال النائب العمالي جوش سيمونز الذي كان يدير مركزاً لأبحاث مكافحة الفكر الشعبوي، إن الحكومة يجب أن تستمر في العمل لمواجهة الكراهية التي تحاول تيارات اليمين المتطرف نشرها، لافتاً في حديث مع صحيفة "بوليتكو" إلى أن الرد المناسب على العنف هو إظهار التفهم والتعاطف مع الناس.

بالنسبة للوزير الأول السابق في اسكتلندا حمزة يوسف يتوجب على حكومة بريطانيا المضي نحو حظر "رابطة الدفاع الإنجليزية" التي يتهمها البعض بالوقوف وراء الاحتجاجات التي شهدتها مدن عدة خلال اليومين الماضيين، وهو مقترح تدرسه الحكومة العمالية جدياً بحسب تصريح وزيرة الداخلية إيفت كوبر.

و"رابطة الدفاع" هي حركة سياسية أنشأها ناشطون يمينيون من بينهم تومي روبنسون في 27 يونيو (حزيران) 2009، وتصنف ضمن اليمين الشعبوي من قبل معارضيها ووسائل إعلام محلية، إلا أن الجماعة تنفي رسمياً أن تكون موجهة سياسياً، وتقول إنها "تعارض العنصرية وهدفها المعلن هو محاربة أسلمة إنجلترا".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات