هدأت حدة الاضطرابات التي رافقت سوق صرف الدولار، مع بداية الأسبوع في لبنان، على الرغم من غضب شعبي عم الشارع يوم أمس (29 سبتمبر) بوجه سياسة التفقير والتجويع، بعدما تخطى سعر صرف الدولار مستوى 1600 ليرة، ليعود صباحاً إلى 1560 ليرة.
وصباح الثلاثاء 1-10-2019 أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة القرار الذي كانت تنتظره الاوساط المالية والاقتصادية والذي تضمن إجراءات استثنائية لتوفير الدولار للشركات المستوردة للنفط والأدوية والطحين. وجاء فيه:
" يمكن للمصارف التي تفتح اعتمادات مستندية مخصصة حصراً لاستيراد المشتقات النفطية (بنزين، مازوت، غاز) أو القمح أو الادوية الطلب من مصرف لبنان تأمين قيمة هذه الاعتمادات بالدولار الاميركي على ان تتقيد بما يلي:
أ - ان تفتح لكل عملية موضوع الاعتمادات المستندية حسابات خاصة لدى مصرف لبنان.
ب - ان تقدم الى مصرف لبنان نسخة عن المستندات المتعلقة بكل اعتماد مستندي سيما نص بوليصة الاعتماد المستندي واتفاقية التمويل الموقعة بين المصرف المعني وعميله بهذا الشأن.
ج - ان تودع في كل حساب خاص ولكل اعتماد مستندي على حدة، بتاريخ فتح الاعتماد:
- على الاقل، 15 % من قيمة الاعتماد المستندي المطلوب بالدولار الاميركي.
- و100% من قيمة الاعتماد المستندي المطلوب بالليرة اللبنانية، غير انه يمكن للمصرف المعني، بتاريخ ايداعه هذه القيمة، الطلب من مصرف لبنان تحويل ما يوازي هذه القيمة الى الدولار الاميركي على ان تبقى في الحساب الخاص المودعة فيه لفترة لا تقل عن ثلاثين يوما، او لغاية تاريخ الاستحقاق المبين في اتفاقات التمويل الموقعة مع كل عميل او لغاية تاريخ استحقاق القبولات المصرفية، أيا منها الأبعد".
الصراع الإيراني الأميركي
سياسياً، يبدو أن لأزمة الدولار بعداً غير نقدي، من الصراع الأميركي الإيراني، إلى العقوبات على سوريا، وصولاً إلى العقوبات على حزب الله. عوامل غير بريئة لما تشهده السوق اللبنانية من شح للدولار، وإجراءات مشددة من المركزي للحفاظ على احتياطاته.
الأزمة النقدية القائمة في لبنان، التي بدأ يتضح أن جزءًا منها مفتعل، تتداخل مع الصراع الأميركي الإيراني وخارج القطاع المصرفي الذي استُعمل كساحة معركة إضافية، تُسجل فيها النقاط.
وفي هذا الإطار، يوضح الخبير الاقتصادي غازي وزني أن ما حصل الأسبوع الماضي، لا يُفَسَّر مالياً أو تقنياً، فلماذا خلال أسبوع خلقت أزمة، فيما يدور لبنان في الحلقة ذاتها منذ أشهر؟".
ويقول إن عجز ميزان المدفوعات تراجع من 5.4 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، إلى أقل من 5 مليار دولار نهاية سبتمبر (ايلول) 2019، أي أن عجز ميزان المدفوعات تحسّن، لافتاً إلى أنّ وديعة غولدمان ساكس تُقدّر بقيمة 1.4 مليار دولار وأمّنت النقد الأجنبي للبنان. ويضيف أن قيمة ودائع البنوك تبلغ 120 مليار دولار والاحتياطي منها، أي 15 في المئة موجود في مصرف لبنان.
ويطرح وزني علامات استفهام كبيرة حول مَن يحاول دفع الوضع المالي في لبنان إلى التدهور، متسائلاً "لماذا خلقت أزمة خلال أسبوع من دون أسباب بارزة؟ فهي إذاً مفتعلة".
العقوبات على سوريا
في سياق آخر، تُظهر البيانات المالية للجمارك وبوضوح، ارتفاع استيراد الوقود إلى ضعفين، أي إضافة أكثر من 3 مليار دولار إلى استهلاك عام 2018، الذي سجّل 4 مليار دولار في إشارة واضحة إلى أن لبنان يستورد كميات وقود لا يستهلكها.
كما شكّل لبنان بديلاً للتجار السوريين، بحسب مراقبين دوليين كسوق بديلة عن سوريا لتمويل الاستيراد السوري بالعملة الصعبة أو حتى كسوق بديلة للوصول إلى الدولار، ما ضاعف الطلب على العملة المتأثرة أصلا بتراجع التدفقات النقدية إلى لبنان، وخلق عدم توازن بين العرض الاعتيادي والطلب غير الاعتيادي.
في هذا الإطار، يقول الخبير المالي لويس حبيقة إنّ كل العوامل تتداخل في الأزمة التي يعيشها لبنان سياسياً واقتصادياً ولا يمكن استثناء عامل، كمسبب وحيد لما شهدته السوق في المرحلة السابقة.
ويضيف أن الهلع وعدم الثقة لدى المواطنين كان لهما أيضاً تأثيراً مباشراً في عمليات سحوبات كبيرة ونقدية للدولار من المصارف، فالأموال النقدية في البيوت، فاقت ملياري دولار وهي ظاهرة لم يشهدها لبنان سابقاً، مؤكداً أن لا مشكلة في سلامة القطاع المصرفي اللبناني وقوته.
العقوبات على حزب الله
يرى بعض المحللين أن العقوبات على حزب الله التي بدأت ولم تنته بعد، بخاصة العقوبات على مصرف جمال ترست بنك، تطرح أيضاً علامات استفهام حول توقيت الأزمة التي عاشها لبنان.
وبحسب وزني، فإن الاستهداف سياسي، على الرغم من عدم وجود أدلة على ذلك، لكن هذا الأمر لا يعني أن لا يعيش لبنان أزمة.
فأزمة نقص السيولة بالدولار، ستزداد في المرحلة المقبلة كون الحكومة متقاعصة عن أداء واجباتها، خصوصاً في ما يتعلّق بالإصلاحات المطلوبة دولياً لإطلاق عجلة الاستثمارات والدعم الدولي .
والأهم، خطأ تحميل مصرف لبنان مسؤولية تأمين التمويل للاستيراد.
ولفت المراقبون مقدمة نشرة قناة المنار التابعة لحزب الله ليل الاثنين المنصرم عندما انتقدت بطريقة غير مباشرة سلامة، وكأنها تحمله مسؤولية الأزمة وقالت " فكيفَ سيَتِمُ التأمينُ (الدولار) بين ليلةٍ وضُحاها؟ وان كانت موجودةً، وهي موجودةٌ، فلماذا حُجِبَت عن الاسواقِ التي وصلَت حدَّ الغليان، ومعَها المواطنُ الذي ليسَ له عندَ هؤلاءِ ايُ حساب؟ سؤالٌ برسمِ الايام".
انتزاع فتيل أزمة متفجرة
وكان أشعل المتظاهرون الشوارع في لبنان مع نهاية الأسبوع الماضي، فقطعوا الطرق من الشمال إلى الجنوب، احتجاجاً على الوضع المعيشي المتردي وخوفاً من فقدان المزيد من قدرتهم الشرائية.
وارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، ليتلقف مصرف لبنان كرة النار، فيعلن سلامة من قصر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون أن "المصرف يؤمن حاجات القطاعين العام والخاص بالعملات الأجنبية وسيستمر بذلك، وفقاً للأسعار الثابتة التي يعلن عنها من دون تغيير".
إذاً، اجتاز لبنان مرحلة خطرة لن تكون الأخيرة، ليعود سعر الصرف هذا الأسبوع، إلى مستوياته الطبيعية في "السوق السوداء". وأكثر من ذلك، فقد أصدر قصر بعبدا تعميماً، حذّر فيه من مغبة التلاعب باستقرار البلاد تحت طائلة الملاحقة القانونية، كما تحرك النائب العام المالي علي ابراهيم لملاحقة الصيارفة المتلاعبين بالعملة، لتهدأ أولى العواصف، ولكن استمرار التلكؤ السياسي والتأخير في إجراءات إصلاحية فعلية وجذرية، تنقذ البلاد عبر تدفقات نقدية جديدة تعيد إطلاق عجلة النمو، يُنذر بأزمة غير مفتعلة، وقد لا يكون احتواؤها ممكناً في ظل نفاذ الوقت وأسلحة الدفاع عن الليرة.