ملخص
إن اغتيال إسرائيل لزعيم "حماس" إسماعيل هنية في طهران قد يظهر براعة إسرائيل في ساحة المعركة، إلا أنه يحول هنية إلى شهيد ويدفع "حماس" ومعها إيران و"حزب الله" إلى عمليات انتقامية من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد التوترات في الشرق الأوسط
للوهلة الأولى سيبدو أن قدرة إسرائيل على توجيه ضربة قاتلة إلى شخصية فلسطينية تعتبر عدوها الرئيس، في قلب العاصمة الإيرانية، في منتصف الليل، تشكل دليلاً على إتقانها العمل في ساحة المعركة الحديثة. وكما حدث مع استهدافها للقائد العسكري المخضرم في "حزب الله" فؤاد شكر في بيروت قبلها بساعات، أظهر اغتيال زعيم "حماس" إسماعيل هنية في طهران أنه لا يوجد مكان للاختباء لدى أعداء إسرائيل.
لكن التاريخ الطويل لإسرائيل في استهداف وتصفية قيادات الجماعات التي تمارس العنف ضدها، يشير إلى أن مثل هذه الاغتيالات قد تثبت في نهاية المطاف عدم فعاليتها في قمع الجماعات الإرهابية والمتمردين، الذين تقف خلفهم قاعدة شعبية قوية.
لا شك في أن تحويل هنية إلى شهيد، من شأنه أن يرضي كثيراً من الإسرائيليين الذين ينظرون إليه باعتباره العقل المدبر وراء الهجوم المدمر الذي وقع في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، الذي أسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح بين الإسرائيليين، واختطاف رهائن جرى نقلهم إلى قطاع غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن هذا الاستشهاد قد يضفي على قضيته الحازمة شرعية ووزناً أكبر، ففي وقت كان فيه هنية يقيم بأمان في دولة قطر بعيداً من العنف الدائر في غزة، كان يمكن لإسرائيل أن تدعي أنه غير مبال بالكلفة البشرية التي ألحقتها استراتيجيته بالناس. أما الآن وبعد رحيله، فبات من الصعب إقناع سكان غزة العاديين بالتشكيك في ولائهم له والقول لهم: "لماذا تقاتلون من أجل شخص يعيش حياة ملياردير في الدوحة فيما أنتم تتضورون جوعاً هنا وتنزفون".
قد يفضي اغتيال زعيم "حماس" إلى شل عمل الحركة لفترة من الوقت، لكن إسماعيل هنية نفسه كان أحد أفراد مجموعة من القياديين، برزت بعدما قتلت إسرائيل مؤسس "حماس" الشيخ أحمد ياسين في مارس (آذار) من عام 2004.
حتى لو افترض قبل الضربة الإسرائيلية التي استهدفت هنية، بأن حركة "حماس" في قطاع غزة كانت في حال احتضار وعلى وشك الانهيار - وهو أمر دونه شكوك كبيرة - إذ بدأت مؤشرات واضحة بالبروز على احتمال اندلاع صراع أوسع نطاقاً سواء في لبنان، حيث تصاعد التوتر مع "حزب الله"، أو في العراق مع الميليشيات الشيعية هناك، أو في اليمن حيث يدأب الحوثيون على استهداف سفن الشحن التجارية التي تعبر البحر الأحمر، كما ميناء إيلات في إسرائيل. وهذا إن دل على شيء فهو يشير إلى أن الصراع في غزة ربما يكون مجرد المرحلة الأولى من صراع أكبر وأوسع نطاقاً في منطقة الشرق الأوسط.
فيما يعتقد بعض الإسرائيليين أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ربما استعاد - من خلال القضاء على زعيم حركة "حماس" - بعضاً من الهيبة السياسية التي كان فقدها بسبب الإخفاقات الأمنية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، بما يتيح له الآن التفاوض على وقف لإطلاق النار، إلا أن السلام يتطلب في الواقع موافقة الطرفين عليه. فبعد هذه التطورات من المرجح أن تسعى حركة "حماس" إلى الانتقام، وستنضم إليها في هذه المعركة إيران و"حزب الله" وغيرهما من الجماعات الموالية لطهران في العراق، وجماعة الحوثيين في اليمن، حتى قطر نعت دورها كوسيط بين الجانبين وقالت إنه انتهى باغتيال إسماعيل هنية.
من الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يقبل إطلاقاً فكرة التوصل مع الفلسطينيين إلى حل إقامة دولتين، ويبدو أن أية فرصة للتوصل إلى تسوية بين الجانبين باتت مستحيلة الآن، إذ تآكلت الثقة بينهما قبل فترة طويلة من أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، ويجب ألا ننسى أن كثيراً من الإسرائيليين الذين يوجهون الشتائم والانتقادات إلى نتنياهو، لا يقومون بذلك فقط بسبب الاتهامات بالفساد الموجهة إليه وإلى طبيعته الأنانية التي تهدف إلى تحقيق مصالحه الخاصة، بل أيضاً بسبب فشله في ضمان أمنهم وحمايتهم من الهجمات الفلسطينية، وفي الواقع اختفت في إسرائيل الحركة التي كانت تنادي بالسلام مع الفلسطينيين.
في إطار آخر لطالما حذر نتنياهو من أن إسرائيل قد تشن ضربة ضد إيران لمنعها من تطوير أسلحة نووية، ومن الممكن أن يؤدي الإذلال الإسرائيلي لطهران إلى استفزازها وتسريع وتيرة برنامجها النووي، وهو ما من شأنه أن يزيد من خطر اندلاع صراع كارثي في منطقة الشرق الأوسط.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن كان حذر إيران من أن الولايات المتحدة ستتدخل لحماية إسرائيل من أي تكرار للهجمات بالصواريخ وبالطائرات المسيرة التي كانت شهدتها إسرائيل في شهر أبريل (نيسان) الأخير، لكن هذا الموقف قد يجعل الأميركيين في المنطقة - كما الإسرائيليين - أهدافاً محتملة لضربات انتقامية من جانب طهران وحلفائها، مثل "حزب الله"، وكذلك في كل من العراق وسوريا حيث توجد قواعد عسكرية أميركية.
أخيراً لا بد من القول إن إيران فقدت ماء الوجه وتعرضت للإذلال، ومن غير المرجح أن تتراجع إسرائيل أو الولايات المتحدة تحت ضغط الدعوات إلى الانتقام، وهذان الواقعان من شأنهما أن يفتحا الباب على مصراعيه أمام تصاعد دائرة العنف.
مارك ألموند هو مدير "معهد أبحاث الأزمات في أكسفورد"
© The Independent