ملخص
عندما تنظر هذه الدول إلى الولايات المتحدة، فإنها ترى إما أن واشنطن لم تعد قادرة على كبح جماح إسرائيل، أو أن واشنطن لم تكن تعلم على الإطلاق، أو أن واشنطن أعطت إسرائيل الضوء الأخضر.
وسّعت إسرائيل نطاق أهدافها في المنطقة خلال الأسبوع الجاري، فالاتهامات المباشرة تؤكد وقوفها وراء عملية قتل الزعيم السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية أثناء زيارته لطهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
وجاء اغتيال هنية بعد يوم واحد من إعلان تل أبيب قتلها القيادي البارز في "حزب الله" فؤاد شكر في بيروت، رداً على هجوم مزعوم للجماعة اللبنانية أدى إلى مقتل 11 طفلاً في بلدة مجدل شمس التي تسيطر عليها إسرائيل في مرتفعات الجولان.
اللافت أن مقتل هنية، الممثل الرئيس لحركة "حماس" في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، جاء بعد أيام من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن وإلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي حظي خلاله بسيل من التصفيق، لا سيما عندما تحدث عن عزمه مواصلة الحرب حتى يقضي على "حماس" وعلى أي تهديد مستقبلي يمكن أن ينطلق من قطاع غزة تجاه إسرائيل، بينما لم يخُض في أي تفاصيل عن الهدنة. وليس ذلك فحسب، فكان لافتاً كذلك انتهاز انتهاز نتنياهو للخطاب للتأكيد على الأخطار الإيرانية وعلى تهديدها ووكلائها لاستقرار المنطقة، حتى إنه طرح فكرة تشكيل تحالف إقليمي تحت اسم "التحالف الإبراهيمي" من أجل مواجهة المحور الإيراني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شدّد نتنياهو في خطابه على أن "انتصار" إسرائيل سيكون أيضا انتصاراً للولايات المتحدة، داعياً البلدين إلى "البقاء متحدين" بعد تسعة أشهر على اندلاع الحرب مع حركة "حماس"، وقال على وقع تصفيق حار من أعضاء الكونغرس، لا سيما الجمهوريين منهم "في الشرق الأوسط يواجه محور الإرهاب بقيادة إيران، أميركا وإسرائيل وأصدقاءنا العرب. هذا ليس صراع حضارات. إنه صراع بين الهمجية والحضارة".
وبينما يمثل مقتل هنية ضربة مزدوجة لـ"حماس" وإيران، فربما تكون تلك العملية عالية المستوى لاغتيال هنية حظيت بدعم أميركي أولاً، إذ كان هنية في طهران بتأشيرة دبلوماسية، وجواز سفر دبلوماسي كضيف في حدث مهم للغاية، مما اعتبره بعضهم هجوماً على تنصيب الرئيس.
كما فعل عام 2015 ركز نتنياهو على إيران ومخططاتها الخبيثة في المنطقة، فوفق زميل مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ستيفن كوك، سعى نتنياهو إلى تسليط الضوء على التهديد الذي تشكله إيران ووكلاؤها، ليس لإسرائيل فحسب، بل للولايات المتحدة أيضاً. فمن الواضح أن نتنياهو ذهب إلى واشنطن للحصول على الدعم العسكري والدبلوماسي حال قرر الإسرائيليون تصعيد صراعهم الحدودي المستمر مع "حزب الله".
عقب الإعلان عن مقتل هنية، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة "ليست على علم أو متورطة" في مقتله، ووسط مخاوف من هجوم انتقامي من إيران ووكلائها في المنطقة يستهدف إسرائيل، أكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أن الولايات المتحدة ستدافع عن إسرائيل إذا تعرضت لاعتداء.
في حين لم تتضح تفاصيل العملية حتى الآن ومن أين وُجهت الضربة الصاروخية التي استهدفت قيادي "حماس" في مقر إقامته وفيما لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم بصورة رسمية بعد، ومن ثم إذا كان ثمة تنسيق استخباراتي بين واشنطن وتل أبيب، ومدى الاختراق الأمني في صفوف الحرس الثوري لتنفيذ عملية اغتيال داخل العمق الإيراني، لكن بدا أن نتنياهو عاد من واشنطن محملاً بكثير من الدعم، خصوصصاً من الجمهوريين.
أعلنت تل أبيب منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أنها ستستهدف كل قيادات "حماس" وتقضي عليها، ويقول مراقبون إن إسرائيل كان بوسعها أن تقتل إسماعيل هنية في قطر، حيث كان يعيش، أو في تركيا، أو في أي دولة عربية أخرى زارها، ولكنها اختارت أن تفعل ذلك في طهران، واختارت أن تفعل ذلك في اليوم التالي لتنصيب الرئيس الإيراني الجديد، إذ لم يكُن الأمر مجرد اغتيال، بل كان مصمماً لإذلال إيران.
ويقول أستاذ الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط لدى جامعة جون هوبكينز فالي نصر إن مصر والسعودية وقطر والإمارات كانت جميعها تأمل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار من شأنه أن ينهي الحرب بين إسرائيل و"حماس" في غزة، وكانت تأمل في ألا يتصاعد الوضع إلى صراع أوسع نطاقاً يضر بمصالحها، وهذا هو الاتجاه الذي تسير فيه الأمور تحديداً.
ويضيف نصر أنه "عندما تنظر هذه الدول إلى واشنطن، فإنها ترى إما أن واشنطن لم تعُد قادرة على كبح جماح إسرائيل، أو أن واشنطن لم تكُن تعلم على الإطلاق، أو أن واشنطن أعطت إسرائيل الضوء الأخضر. وكل هذه السيناريوهات ليست جيدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة. فالحلفاء في المنطقة يعتمدون على الولايات المتحدة للحفاظ على السيطرة والعمل كقوة من أجل الاستقرار. لذا فإن الانطباع بأن إسرائيل قادرة على تجاوز الولايات المتحدة لتصعيد الأمور في المنطقة ليس مصدراً للهدوء".
وترى الزميلة لدى مجموعة الأزمات الدولية تهاني مصطفى أنه منذ بداية الحرب لم ترسم الولايات المتحدة خطوطاً حمراء، وفي الحالات التي حاولت فيها وضع خطوط ما، كانت هذه الخطوط تتغير باستمرار، وتقول "ما دام أن الولايات المتحدة تسمح لإسرائيل بالإفلات من العقاب مهما كان، فإن إسرائيل ستستمر في ذلك.. لا أستطيع حقاً أن أتحدث عن المنطق لدى الإدارة الأميركية، لكن من الواضح جداً أن شيئاً كهذا لا يزال غير كافٍ لمحاولة كبح جماح إسرائيل".
ما زال المراقبون في العواصم الغربية يعتقدون بأن نتنياهو سيواصل الإقدام على إجراءات أحادية بغض النظر عن نصيحة الولايات المتحدة، ليعاقب "حماس" على هجمات السابع من أكتوبر، إذ إن هدفه ليس السلام مع الحركة لكن القضاء عليها، وهو هدف يلقى قبولاً ليس داخل إسرائيل فحسب، بل في واشنطن كذلك.
ويقول الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس إن مسؤولي البيت الأبيض يعتقدون بأن القنوات الرئيسة لقيادة "حماس" كانت داخل غزة، وليس هنية من قاعدته الخارجية في قطر، وربما يأملون في أن يمنح موت قائد "حماس"، نتنياهو مساحة أكبر للتفاوض.