ملخص
بدأت بعض الجيوش الأوروبية الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي والخوارزميات والتعلم الآلي لتحديد الأنماط والتوقيعات، بالتالي تحسين وعيها والحرص على عدم انقطاع المعلومات الحاسمة.
وسط المعارك المحتدمة في أوكرانيا والحديث عن تهديدات وأطماع روسية مستقبلية في القارة العجوز تضاف إلى الأخطار المحدقة التي يشكلها المهاجرون على التركيبة السكانية والاقتصاد، تكثف الدول الأوروبية جهودها التكنولوجية لتطوير أسلحة جديدة تعطيها القدرة والجهوزية اللازمتين لصد أي عدوان روسي محتمل على أراضيها وتمكنها من الاستعانة بأنظمة المراقبة والسيطرة للحد من تدفق المهاجرين الجارف.
ومع رفع إنفاقها العسكري، لا سيما في دولها الغربية والوسطى بنسب فاقت ما كان يحصل خلال الحرب الباردة، تتحدث المفوضية الأوروبية وصندوق الدفاع الأوروبي عن وجود ما يقارب 157 مشروعاً أوروبياً عسكرياً تكنولوجياً مقسماً بين مئات الشركات، الغاية منها ضمان امتلاك الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2027 نماذج أولية جاهزة للطائرات من دون طيار القتالية، وبرامج القيادة والتحكم، وأنظمة الراديو المتوافقة، والتكامل بين الدفاعات الجوية والأقمار الاصطناعية لمراقبة الأرض، ناهيك ببناء منصات سحابية لتخزين ومعالجة المعلومات المجمعة، وأنظمة إنذار مبكر جديدة للهجمات الصاروخية، وأصول قتالية بحرية وبرية جديدة.
ويأتي ذلك تزامناً مع نشر معهد "ستوكهولم الدولي لبحوث السلام" معلومات عن زيادة الإنفاق العسكري الأوروبي ليصل إلى إجمالي 552 مليار يورو في 2023، أي بزيادة تمثل نسبة 16 في المئة عما أنفقته البلدان المعنية في 2022.
الاتصالات وتقنيات الذكاء الاصطناعي
تذهب معظم الموارد العسكرية الأوروبية حالياً إلى تعزيز قنوات الاتصال وتبادل البيانات، وبذلك خصص صندوق الدفاع الأوروبي 25 مليون يورو لشبكة الجيل الخامس 5G المرتبطة بالمجال العسكري، والمبلغ نفسه للنماذج الأولية للاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، و24 مليون يورو لتطوير أنظمة مخصصة للمركبات غير المأهولة التي تعمل تحت الماء، فيما خصص 45 مليون يورو لنموذج أولي لبرنامج ذكاء اصطناعي من شأنه أن يجعل الوسائل الآلية ومراكز العمليات التي يديرها أفراد تتواصل تلقائياً مع بعضها بعضاً.
وبدأت بعض الجيوش الأوروبية الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي والخوارزميات والتعلم الآلي لتحديد الأنماط والتوقيعات، بالتالي تحسين وعيها والحرص على عدم انقطاع المعلومات الحاسمة. وفي العام الماضي، دعمت شركة "كهرباء فرنسا" نموذج اتصال لقيادة أسراب من المركبات ذاتية القيادة بمبلغ 4 ملايين يورو، وذهب المبلغ ذاته، لتعزيز الكابلات البحرية التي تعد العمود الفقري للإنترنت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وللتأكد من أن البيانات التي تجمع توفر تمثيلاً دقيقاً في الوقت الفعلي للأخطار المحتملة، تدير شركات "ليوناردو" و"إيرباص" و"أريان غروب" مشروع بقيمة 157 مليون يورو لدمج المعلومات والبيانات المستقاة على منصة واحدة.
في المقابل، يحاول الاتحاد الأوروبي جاهداً حماية نفسه من انقطاع الاتصالات، لذا أبدى دعمه القوي لخطة تقودها إستونيا تتعلق بتكنولوجيا الملاحة وجوهرها استغناء الطائرات من دون طيار عن إشارات الأقمار الاصطناعية واعتمادها عوضاً عن ذلك على التحليل في الوقت الفعلي لما تراه الآلة.
طائرات من دون طيار ومنظومة اعتراضية
وعلى صعيد متصل يبحث صندوق الدفاع الأوروبي عن نماذج أولية لأسلحة جديدة، وهذا ما دفعه لتخصيص 30 مليون يورو لصناعة أسلحة ذكية وشديدة الدقة، و20 مليون يورو لابتكار أربعة طرق في الأقل لتوجيه الطائرات من دون طيار في بيئات "غير مسموح بها"، والتي تعني وفقاً للمصطلحات الدبلوماسية مناطق الحرب أو تلك التي تتميز بعدم الاستقرار الشديد.
وفي مشروع مماثل، بدأ الاتحاد الأوروبي بإنفاق 98 مليون يورو من إجمال 290 مليون يورو اللازمة لتطوير طائرة من دون طيار ضخمة الحجم يطلق عليها اسم "يورودرون". وخصص 11 مليون يورو أخرى من صندوق الدفاع الأوروبي إلى النموذج الأولي لطائرة من دون طيار صغيرة موجهة ذاتياً، فضلاً عن 10 ملايين يورو لشركة "كوانتوم سيستمز" الألمانية للطائرات من دون طيار ذات الإقلاع العمودي، و30 مليون يورو لشركة "سكاي دويلر" الإسبانية لطائراتها ذاتية القيادة التي تعمل بالطاقة الشمسية.
وهناك أيضاً 50 مليون يورو مخصصة لإنشاء طائرة من دون طيار جديدة مجهزة بـ"وظائف قاتلة" يصفها الملحق الخاص بالموافقة التي قدمتها المفوضية الأوروبية لبرنامج الدفاع الأوروبي 2024 بأنها "طائرة عملية مستقلة بالكامل تضرب أهدافاً مختلفة وتقدم حلولاً لتنقل القوات والاشتباك مع العدو، والغاية الأساسية منها تحليل الجوانب الأخلاقية والقانونية لدمج الطائرات من دون طيار القتالية المستقلة في القوات المسلحة الأوروبية".
وتسعى الدول الأوروبية لامتلاك منظومة دفاع اعتراضية فعالة، وقد أعلنت عن ذلك على لسان رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك في مايو (أيار) الماضي بقوله إن الدول الأوروبية تستعد للكشف عن خططها لبناء نظام دفاع جوي وصاروخي شبيه بمنظومة "القبة الحديدية" الإسرائيلية بكلفة تصل إلى 4 مليارات يورو.
مشاريع متنوعة
إضافة إلى ما تقدم، أعلنت المفوضية الأوروبية أيضاً عن مشاريع دفاعية فائزة ضمن برنامج 2023، أهمها مشروع "الدبابة المدرعة الرئيسة لأوروبا"، وهو برنامج يقتضي تطوير تقنيات جديدة ليتم دمجها على دبابة جديدة كلياً، وتتقاسم 40 شركة مبلغ 20 مليون يورو من التمويل لتطوير التقنيات الجديدة، بما في ذلك شركتا الدفاع الإيطالية والألمانية "ليوناردو" و"راينميتال"، كما خصص مبلغ مماثل لترقية بنية الدبابة ضمن مشروع تقوده مجموعة "تاليس" الفرنسية.
وستنفق المفوضية الأوروبية ما يقارب 288 مليون يورو لتطوير سفينة حربية صغيرة الحجم للاتحاد الأوروبي في مشروع ستتعاون بموجبه مع شركة "فينكانتييري" الإيطالية لصناعة السفن واليخوت، ويضاف ذلك إلى تخصيص 25 مليون يورو لبناء نموذج أولي لقارب ذاتي القيادة بطول 12 متراً يركب على أجنحة مائية (أي مع إخراج الهيكل من الماء).
بناء برنامج ذكاء اصطناعي
من ناحية أخرى تلحظ المشاريع العسكرية الأوروبية إنفاق 26 مليون يورو لبناء برنامج ذكاء اصطناعي تنصب مهمته على توفير الحماية من الهجمات السيبرانية والقيام بهجوم مضاد، و80 مليون يورو لدراسة تطوير منظومات دفاعية ضد الأسلحة الأسرع من الصوت، و27 مليون يورو لإنشاء نظام صاروخي جديد بمدى 150 كيلومتراً، و40 مليون يورو لسفينة شحن عسكرية، و44 مليون يورو مخصصة لمركبات غير مأهولة تعمل تحت الماء وتكون مزودة بتقنيات هجومية.
التمويل والتحالفات
لتمويل هذه المشاريع الضخمة، استطاعت الدول الأوروبية خلق قنوات متنوعة لتغذية الصناعة العسكرية، فإلى جانب صندوق الدفاع الأوروبي، توجد خطة "الاتحاد الأوروبي للابتكار الدفاعي" بقيمة ملياري يورو والممتدة لفترة سبع سنوات لدعم الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وهناك أيضاً صندوق الاستثمار الأوروبي الذي يديره بنك الاستثمار الأوروبي والذي يساعد في تمويل المجال الدفاعي، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتقنيات المزدوجة المدنية والعسكرية.
في الأيام الأخيرة، وقع صندوق الاستثمار الأوروبي اتفاقاً مع صندوق ابتكار حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهو أول صندوق رأس مال استثماري سيادي متعدد الجنسيات مدعوم من 24 دولة من أصل 32 تشكل التحالف الأطلسي لتوفير أموال "صديقة" للشركات المبتكرة في التقنيات الرائدة مثل الذكاء الاصطناعي والفضاء والروبوتات والمواد الجديدة والتكنولوجيا الحيوية، وزيادة القوة الاستثمارية وتسريع نتائج استراتيجيات الأعمال.
بدوره يقوم حلف شمال الأطلسي باستكشاف الشركات الناشئة من خلال برنامج تسريع الأعمال الخاص به المسمى "ديانا"، إذ قام العام الماضي بتمويل 44 منها في قطاعات الطاقة والاتصالات والمراقبة وأشباه الموصلات والروبوتات، ومن بين المستفيدين شركة "أركس روبوتيكس" الألمانية التي تصنع مركبات دفاعية موجهة ومعداتها قيد الاستخدام بالفعل من قبل جيوش ألمانيا والنمسا والمجر وسويسرا ونشر جزء منها على الجبهة الأوكرانية.