Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حسن سامي يوسف أسس رواية تلفزيونية مغايرة

 الكاتب الفلسطيني رحل في دمشق عن 79 سنة وأبدع في الدراما والسينما والأدب

الكاتب والسيناريست حسن سامي يوسف (صفحة الكاتب - فيسبوك)

ملخص

رحل الكاتب الفلسطيني حسن سامي يوسف في دمشق عن 97 عاماً بعدما شارك في إحياء نهضة في عالم الدراما العربية عبر كتابة أبرز السيناريوهات، عطفاً إلى مساره الأدبي والسينمائي.

قضى الكاتب الفلسطيني حسن سامي يوسف (1945- 2024) حياته مترحلاً من نزوح إلى آخر، فمنذ عام 1948 فتح الطفل الفلسطيني عينيه على يدي أبيه تنتشلانه طفلاً رضيعاً من بين القذائف ودوي الرصاص في قريته لوبيا (شمال فلسطين) إلى مخيم للاجئين في بعلبك اللبنانية. ولم يطل المقام بالعائلة حتى عادت وكررت نزوحها إلى مخيم اليرموك في دمشق. المكان الذي عد عاصمة للشتات الفلسطيني سيصبح ميداناً هو الآخر لمعارك دامية خلال أعوام الحرب السورية، ليكرر يوسف ترحاله مجدداً والانتقال للعيش طويلاً في غرفة بأحد فنادق دمشق، ومنها أخيراً إلى بيته في محلة صحنايا غرب العاصمة السورية.

بين ترحال وآخر واكب السيناريست الفلسطيني أحداثاً سياسية وانقلابات اجتماعية وعسكرية كبرى، فالطفل الذي تلقى تعليمه الأساس في مدارس منظمة الأونروا سيلتقي باكراً في مدرسة "دير ياسين" الدمشقية بمعلمه غسان كنفاني (1936-1972) والذي غرس في نفسه حباً عميقاً لبلاده المحتلة، إذ كان يقول له "تذكر يا حسن دائماً. واحد زائد واحد يساوي فلسطين". هذا الحدث الرئيس في حياته سيعود إليه يوسف بعد أعوام في روايته "الفلسطيني"، والتي استعاد الكاتب من خلالها طفولته في مخيمات النزوح مسجلاً سفره المفقود على هيئة روايات وأفلام ومسلسلات تلفزيونية.

بعد نيله الشهادة الثانوية في مدرسة عبدالرحمن الكواكبي بدمشق عمل حسن سامي كممثل مع فرقة "المسرح الوطني الفلسطيني" التي أسهم في تأسيسها مع كل من زيناتي قدسية ويوسف المقبل وعبدالرحمن أبو القاسم، ومن ثم سافر عام 1968 إلى الاتحاد السوفياتي السابق ضمن بعثة دراسية على حساب وزارة الثقافة السورية، وتخرج عام 1973 في معهد فغيك حاملاً شهادة الماجستير في كتابة وعلوم السيناريو السينمائي. الاختصاص الذي سينقله بقوة إلى مختبر الكتابة والمعالجة الدرامية، ويجعله مشرفاً على دائرة النصوص في المؤسسة العامة للسينما لأعوام طويلة.

كتب حسن سامي يوسف في البداية للسينما عدداً من الأفلام كان أبرزها "قتل من طريق التسلسل" و"الاتجاه المعاكس" و"غابة الذئاب" و"يوم في حياة طفل" و"بقايا صور". وجميعها أشرطة روائية طويلة حققها كل من المخرجين محمد شاهين وسمير ذكرى لتكون هذه التجارب شبه الوحيدة في مجال الكتابة للفن السابع، والتي لم تحقق النجاح المطلوب لكنه في المقابل أشرف على المعالجة الدرامية لعدد من الأشرطة السينمائية التي شكلت نقلة في السينما السورية مثل "نجوم النهار" لأسامة محمد، و"الطحالب" لريمون بطرس و"صعود المطر" لعبداللطيف عبدالحميد.

الواقعية الجديدة

انصرف بعدها يوسف للتأسيس لما عرف بأعمال الواقعية الجديدة في الدراما التلفزيونية السورية، والتي اشتقها الراحل من مكابدات طويلة مع الحياة وقراءة عميقة ومتأنية للواقع، وكان أبرزها مسلسلات "شجرة النارنج" و"أيامنا الحلوة" و"نساء صغيرات" و"الغفران" و"زمن العار" و"أسرار المدينة" و"فوضى". وشكل عبر هذه الأعمال شراكة لافتة مع رفيق دربه السيناريست نجيب نصير وأسسا لأول ورشة كتابة مفتوحة عن هواجس المستضعفين وآلامهم، وصورا معاً بيئات مجهولة ومنسية في المجتمع السوري، إذ تعاون يوسف ونصير لتحقيق هذه الأعمال مع أبرز مخرجي الموجة الجديدة في الدراما التلفزيونية السورية وكان منهم سليم صبري وهشام شربتجي وحاتم علي وسمير حسين ورشا شربتجي.

لكن تعاونه الأبرز كان مع المخرج ليث حجو والذي كتب له يوسف بالشراكة مع نجيب نصير عملين من أهم الأعمال التلفزيونية المعاصرة. الأول جاء عام 2006 بعنوان "الانتظار"، وفيه أطل كل من حجو ويوسف على أحزمة الفقر والحارات العشوائية حول دمشق، أما العمل الثاني فجاء بعنوان "الندم" عام 2016 وهو المسلسل الذي سيحوله يوسف إلى رواية بعنوان "عتبة الألم"، وفيها استعاد الكاتب الفلسطيني عبر خمسة مشاهد وعديد المشاهدات توقيعه عام 2000 على بيان الـ99 الشهير مع نخبة من مثقفين وفنانين سوريين، طالبوا السلطة بإنهاء الأحكام العرفية وتعطيل العمل بقانون الطوارئ والإفراج الفوري عن المعتقلين، والعودة الطوعية للمبعدين والمنفيين.

المدن والعنف

حدث ذلك خلال الفترة التي عرفت بـ"ربيع دمشق" والتي يمكن ملاحظة تأثيرها في أحداث الرواية كما في المسلسل المأخوذ عنها، إذ حرص الروائي الفلسطيني على اتخاذ صوت الراوي لسرد أحداث متصاعدة ومتشابكة عن بدايات العنف في المدن السورية وما آل إليه واقع الحريات العامة عبر حكاية كاتب ينسلخ عن عائلته، فيرفض ميراثها لمصلحة الانخراط في واقع بؤساء الحرب والمفقودين والمغيبين قسرياً، ليجد نفسه متورطاً في أحداث تختلط فيها وقائع روايته مع شخصيات الحرب التي يعايشها عن قرب.

وجاءت أعماله الروائية هي الأخرى من رغبة شخصية لديه لإنعاش القريحة الأدبية لبلاده، والتي كان يقول عنها يوسف إنها توقفت عند روايات غسان كنفاني وسميرة عزام وجبرا إبراهيم جبرا وبعدهم إلياس خوري وإبراهيم نصرالله، ولهذا جاءت رواياته من مثل "رسالة إلى فاطمة" و"بوابة الجنة" و"الزورق" و"الغفران" كمحاولة لتقديم معالجة عميقة للمأساة الفلسطينية، والتي لم يتعامل معها كوقائع بل كجوهر إنساني تتحرك فيه الشخصيات كما لو أنها داخل سيناريو سينمائي واحد، فالشتات والتهجير والنكبة والهزيمة والخوف والرغبة في الصراخ كلها كانت مفردات أساسية لعمل هذا الروائي والذي كان لا يأبه من نعت رواياته بالسيناريوهات، فالسيناريو بالنسبة إليه منطق لا مجال فيه لكم كبير من الإنشاء والوصف.

احتفظ صاحب "هموم الدراما" حتى اليوم الأخير من حياته بالوثائق التي تثبت ملكيته للأرض التي ورثها عن أبيه في قريته "لوبية"، وهي وثائق مكتوبة باللغات الثلاث العربية والإنجليزية والعبرية، وهناك نسخة منها في وزارة المستعمرات البريطانية وهذه المستندات تعود إلى عام 1947 وكان دائماً يوسف يقول "يمكنهم أن يتلاعبوا بهذه المستندات، لكن ما أعرفه أن أبي وزع الأرض علي أنا وأخوتي يوسف ومحمود وحسن وهذه الأرض أرضي كانت وستبقى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم نجاح أعمال يوسف التلفزيونية والصدى الواسع لها في العالم العربي فإن ذلك لم يشفع له في الاستمرار، فلقد تمت مقاطعته من شركات الإنتاج وتم تأجيل توقيع العقود معه لأكثر من سيناريو حققها في الأعوام الأخيرة، ومنها سيناريو مسلسل "الأمير الأحمر" مع المخرج جود سعيد، وسيناريو مسلسل "صلاة الغائب" مع المخرج سمير حسين. النصان اللذان ظل يوسف يبحث لهما عن ممول من دون جدوى حتى أيامه الأخيرة، وعن ذلك كان الكاتب حسن سامي يوسف قال "أنا كاتب مغروس في وحل الواقع ولا أستطيع أن أصنع مسلسلاً عالقاً في الفراغ وغير محدد المعالم، أكان من حيث الزمان أو المكان أو الشخوص أو من حيث الهم قبل هذا كله، حتى لو أصبحت عاطلاً عن العمل قولاً وفعلاً".

تفرغ يوسف في آخر أيامه لكتابة الرواية وكان يعمل على رواية بعنوان "البرتقالة الزرقاء" ولم يسعفه الوقت لإكمالها، فلقد فاضت روحه صباح اليوم الجمعة في بيته بضاحية صحنايا عن عمر ناهز 79 سنة، وأعلن ابن أخيه وليد يوسف وفاته بمنشور عبر صفحته على "فيسبوك" من دون ذكر سبب الوفاة. وقال "على مهلك وين رايح، يا مسك فايح، الروائي والسيناريست حسن سامي يوسف في ذمة الله. عمي حسن، الله يرحمك ويجعل مثواك الجنة".

ونعاه عدد من المثقفين والفنانين السوريين وفي مقدمتهم المخرج الليث حجو الذي كتب عبر صفحته على "فيسبوك" قائلاً "أثناء عرض مسلسل ’الندم‘ وصل لحسن سامي يوسف تعليق يسأله ما أدراك كفلسطيني بنا كسوريين وبطبيعة مشكلاتنا لتكتب عنها؟ وترك هذا التعليق لدى حسن أثراً كبيراً حتى يومه الأخير، ولكن كل محاولات عائلته ليترك دمشق أثناء مأساتها واللحاق بهم إلى أوروبا باءت جميعها بالفشل، وحتى القاهرة لم تستطع أن تبقيه بعيداً من دمشق أكثر من عام. كل ذلك لم يجعله يتخلى عن الشام، وبقي يروي قصصها التي يعرفها حق المعرفة. الشريك الفلسطيني السوري، وداعاً أبا علي".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة