Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلكترا الإغريقية تنتقم لأبيها في مسرحية مصرية

الكاتب متولي حامد والمخرج أيمن مصطفى يستدعيان النص القديم بوعي حداثي

من جو مسرحية "مرايا إلكترا" المصرية (خدمة الفرقة)

ملخص

"مرايا إلكترا" مسرحية مصرية مقتبسة من النص الإغريقي القديم، وفيها تُقدم أسطورة البطلة التي تحدت السلطة للإنتقام من موت والدها في طريقة جديدة. ينجح  العرض المسرحي في تبرير استدعائها هنا والآن، بما يطرح النص من أسئلة تخص لحظتنا الراهنة.

يواصل "مسرح الشباب" في مصر بقيادة المخرج سامح بسيوني تقديم تجاربه النوعية التي تطمح إلى التجديد والمغايرة وتسعى إلى التماس مع مسماه "مسرح الشباب" في انطلاقه ومغامرته، وربما في جنونه وتطرفه الفني، إذا جازت التسمية. هذه المرة يقدم المسرح عملاً فنياً شديد التركيب كثير الأسئلة عميق الرؤية. فيه من الخبث الفني والجهد التقني والتشكيل الجمالي ما يجعله واحداً من الأعمال التي تتعدد دلالاتها وتحفز خيال متلقيها على التفكير والسؤال، فضلاً عن إمتاعه بصرياً.

"مرايا إلكترا" هو العنوان الذي اختاره الكاتب متولي حامد لنص العرض، وفيه تشريح نفسي دقيق، بحسب رؤيته، لشخصية إلكترا، التي جاءت منقسمة إلى ثلاث شخصيات، الأولى تلك التي تحلم بحضن الزوج، كأي أنثى، وتنتظر من شرفتها، كل صباح، مرور ذلك الفلاح الوسيم، الذي يقود ثوره وسط الضباب، والثانية هي تلك الجادة والحازمة التي تحلم بالسيف وتنتظر عودة شقيقها أوريست من منفاه، ليأخذ بثأر أبيه الملك أغاممنون، من قاتليه، أمها كليمنسترا وعشيقها إيجست، الذي اغتصب العرش، وأصبح زوجها، وبين الأولى والثانية تقف إلكترا الحائرة والمترددة.

صراع نفسي محتدم، وعلى درجة عالية من التوتر بين الشخصيات الثلاث ينتهي بقيام الثانية، الحالمة بالانتقام واسترداد عرش أبيها، بقتل الأولى والثالثة. وسط هذا الصراع يعود أوريست من منفاه، إذ يحمله البحر في مركب أسطوري، مرتدياً أفخر الملابس العصرية، وحاملاً معه هداياه لأخته من مناديل ملونة يتخيل جمالها على رؤوس بنات آرغوس وقت الحصاد، لترد عليه إلكترا بأنهم في هذه المدينة، المتشحة بالسواد، يزرعون فحسب، تعبيراً عن الجفاف والتردي الذي أصاب المدينة بعد مقتل ملكها المحبوب أغاممنون.

تيار كهربائي

لم يكتفِ أوريست بمناديله الملونة، بل حمل معه أيضاً زجاجات المشروبات الغازية الحديثة، وعقوداً لتوصيل التيار الكهربائي إلى المدينة، وكذلك عقود عمل لرجالها في كل البلاد، وأخباراً عن رحلات إلى المريخ، واختيار آرغوس عاصمة ثقافية للعام بعد القادم، وإنشاء جمعية خيرية للحفاظ على البيئة، ورابطة نسائية لمكافحة تسوس الأسنان.

هكذا انهارت أحلام إلكترا في أوريست، الذي عاد من دون شعر يغطي صدره، كما كانت تنتظره، عاد ومعه عصافير ملونة لم تلبث الغربان، التي تملأ سماء المدينة، أن قتلتها. تسأله إلكترا مرات كثيرة: أين سيفك؟ فتأتي الإجابة بأن معه سيفاً بالفعل، منحوه له في منفاه، لكنهم لم يمنحوه شفرة فتح الحقيبة التي بها السيف.

أوريست العصري عاد مشوهاً وممسوخاً ومتخاذلاً، وإن انقسم على نفسه لحظات عابرة، إذ يظهر له أوريست الفارس، الذي يدعوه إلى الانتقام، والأخذ بثأر أبيه، لكنه سرعان ما يعود إلى أوريست الراغب في السلام والعيش الهادئ، والقائل إن من يزرع الرياح لا يحصد سوى العاصفة، وهو لا يعلم أن الاكتفاء بالدعاء خلال الصلوات لن يجعل إيجست يتنازل عن عرشه، ذلك أن إيجست قاتل ومغتصب، ولا يجدي معه سوى السيف. السيف الذي يراه أوريست العصري يؤدي إلى الموت، يراه أوريست الفارس أدى إلى حياة إيجست.

اغتصاب الحق

إن عصرنة أوريست هنا، ومسخه وتشويهه إلى هذه الدرجة، لها ما يبررها، فهي تفتح المجال واسعاً للتأويل والسؤال، وربما ألقت بظلها على الصراع العربي - الإسرائيلي، وطرحت فكرة اغتصاب الحق، وانتشار الغربان التي تسحق العصافير، وهل يكون استرداد الحق بالدعاء، أم بالسيف، فالأمر هنا لا يتعلق بالانتقام وحده، أو بالقتل وحده، بقدر ما يتعلق بأنهما الطريق الوحيدة لاسترداد الحق، في ظل واقع لا يعترف سوى بالقوة. وربما أيضاً فتحت العصرنة المجال لما هو أبعد من ذلك، كل بحسب تأويله.

وبقدر عمق النص وشعريته ومغامرته وسعي كاتبه إلى تبرير استدعاء الأسطورة لتلامس هنا والآن، جاءت رؤية المخرج أيمن مصطفى، الذي أجهد نفسه كثيراً ليقدم صياغة مسرحية جمالية تليق بنص العرض، وبما يطرحه من أسئلة، سواء في رسم خطوط الحركة التي تنوعت بين المستقيمة والمنحنية والمتعرجة، والدائرية، كل بحسب الموقف المراد تجسيده، في شكل مدروس ومتقن، باعتبار الحركة تعبيراً عن دواخل الشخصية المرتبطة بالباعث الذي يولد الدافع ثم الفعل، إذ بدت الحركة هنا، في دقتها، مترجمة للأفكار، وحاملة للمشاعر والمعاني، بخاصة الحركة المستقيمة لإلكترا الحالمة بالسيف، تعبيراً عن حزمها وإصرارها وجديتها.

البناء بالصورة

وفق أيمن مصطفى في توظيف حركة ممثليه بصورة عبرت عن طبيعة كل شخصية، مما يشير إلى قراءته الجيدة للنص وتحليل شخصياته ودوافعها، ومن ثم كيفية تقديمها، وهو ما نجح الممثلون: حسام الجندي وريهام سالم وميرنا هشام وبرين شوقي شامخ ومحمد زكي ومحمد عز العرب في ترجمته بصورة واعية ومنضبطة أدت إلى توصيل الرسالة غير مشوهة أو ممسوخة مثل أوريست مخيب آمال منتظريه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسط ديكور تعبيري صممه محمد سعد تبدو كآبة وتداعي آرغوس واتشاحها بالسواد، وهيمنة فكرة الانتقام، من خلال السيف المجسد يمين المسرح، كما تبدو مداخلها وأسوارها متهدمة، تعبيراً عما طالها على يد مغتصبيها، وسط هذا الديكور، المشارك في بناء دراما العرض، دارت الأحداث، وحرص المخرج على فكرة البناء بالصورة، التي جاءت في فخامة النص، لتراكم، بلغتها هي، طبقات أخرى فوق لغة النص، تمنحها قوة تعبيرية وجمالية أكثر، فالعرض يغري بالخطابة، وهو ما حرص المخرج على تجنبه، وكانت الصورة هي الغالبة، من خلال التشكيلات التي قدمها، سواء بأجساد الممثلين، أو من خلال بعض الرقصات التي صممها مناضل عنتر، وقدمها سهيلة عامر ومهاب الخديوي وشادي المهدي وصلاح خوجلي، وكذلك من خلال توظيف إضاءة أبو بكر الشريف، التي اتسمت بحساسيتها الشديدة واستجابتها السريعة للأحداث المتلاحقة، سواء بالبؤر الضوئية، أو بالإنارة الكاملة، أو المحمولة، ليشكل ذلك كله سينوغرافيا العرض، على خلفية موسيقية أعدها المخرج مزجت بين الحدة والتوتر والتصاعد والصفاء لتنقل إحساس المشهد إلى الجمهور وتلفت نظره أكثر إلى ما يجري أمامه فوق الخشبة.

ينتهي العرض برحيل أوريست كما جاء لتقف إلكترا وحدها رافعة سيفها، ولا يخبرنا بأكثر من ذلك، فقط يتركنا لنقلب الأمور على أوجهها كافة، ونطرح أسئلتنا حولها، نطرحها في ضوء ما يحدث لنا وحولنا، لنحدد نحن في أي طريق نمضي.

وعلى رغم معالجة أسطورة إلكترا في عدة أفلام وأوبرات ومسرحيات برؤى مختلفة بدءاً من سوفوكليس حتى عصرنا الحالي، فقد جاءت "مرايا إلكترا" بمثابة مغامرة فنية جديدة، تجرأ فيها صانعا العرض الكاتب والمخرج على عمل كلاسيكي واكتشفا فيه طاقات كامنة لم تستنفد بعد، ونجحا في تبرير استدعائه هنا والآن.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة