Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مش روميو وجولييت" مسرحية مصرية بعيدة من نص شكسبير

المخرج عصام السيد يغامر بتقديم عرض غنائي استعراضي للمرة الأولى

لقطة من المسرحية ( المخرج)

ملخص

يقدم المخرج عصام السيد على المسرح القومي في القاهرة عرضه المسرحي "مش روميو وجولييت"، وهو عرض غنائي استعراضي يلامس نص شكسبير من بعيد، ولا يقتفي أثره. لذلك جاءت كلمة "مش" ومعناها ليس، في عنوان العرض.

لعلها مغامرة أقدم عليها المخرج الكبيرعصام السيد، أحد أبرز المخرجين المسرحيين في مصر الآن، أن يقدم على خشبة المسرح القومي في القاهرة عرضاً غنائياً استعراضياً، من إعداده مع محمد السوري، صياغة شعرية أمين حداد، بخاصة أن غالب أعماله بعيد تماماً من هذا اللون.

العرض عنوانه "مش روميو وجولييت" أي إننا ومنذ البداية لسنا بصدد تقديم روميو وجولييت، نعم هو مستوحى من رائعة شكسبير المعروفة لكن الحكاية كلها مصرية خالصة، وتدور في واحد من أشهر وأعرق أحياء القاهرة "حي شبرا"، بل يمكن القول، إن شئنا الدقة، إن نص العرض بعيد بنسبة كبيرة من نص شكسبير، اللهم إلا تلك العلاقة التي ربطت بين شاب مسيحي (علي الحجار) وفتاة مسلمة (رانيا فريد شوقي) ثم اتضح أنها علاقة أخوة عادية يمكن أن تحدث بين جار وجارته، في هذا الحي المعروف عنه قوة الترابط والمحبة بين عنصريه (المسلمون والمسيحيون) ربما يشير هنا إلى أنها ليست علاقة عاطفية محتدمة كتلك التي كانت بين بطلي نص شكسبير، ولا وجود لصراع بين أسرتيهما، كما هي الحال في النص الشهير.

العلاقة الأخرى التي قد تبرر هذا العنوان، فضلاً عن حكاية الحب بين الشاب المسيحي والفتاة المسلمة، هي دعوة مدير المدرسة (عزت زين) إلى تقديم مسرحية بغرض تثقيف الطلاب وإحداث الترابط بينهم، فوقع الاختيار على نص شكسبير "روميو وجولييت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كانت "روميو وجولييت" الأصلية واحدة من المسرحيات التراجيدية التي تنتهي بمأساة، فإن الصياغة الشعرية البديعة، التي وضعها أمين حداد، مالت أكثر إلى الكوميديا، وإلى النهاية السعيدة التي تجعل المشاهد يخرج منتشياً، ومطمئناً إلى أن الدنيا ما زالت بخير، أو حتى في طريقها إلى الخير بواسطة الفن، الذي هو أقوى، وأكثر تأثيراً من المواجهات الأمنية، أو حتى الخطب العصماء التي يلقيها شيوخ وقساوسة عن الوحدة الوطنية، في أداء آلي مكرر، يبدو زائفاً، وغير مؤثر في كثير من الأحيان.

مدرسة الوحدة

يبدأ العرض بمعركة بين طلاب مدرسة اسمها "مدرسة الوحدة" في إشارة إلى الوحدة بين المسلمين والمسيحيين، لكن تلك الوحدة ليست موجودة بين الطلاب الذين انقسموا فريقين، مسلمون في ناحية ومسيحيون في ناحية أخرى، هم مختلفون ورافضون للعلاقة التي تصوروها بين المعلم المسيحي وزميلته المسلمة.

يقرر مدير المدرسة تقديم مسرحية "روميو وجولييت" يشارك فيها الطلاب بغرض تثقيفهم وجمع شملهم، وبغرض إثبات قدرة الفن على معالجة كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية، وتحدث بعض المفارقات الكوميدية، وقبل عرض المسرحية يقوم أحدهم، وهو طالب من المنتمين إلى التيار المتشدد بإشعال حريق في المسرح، لكن الأمور تمضي على خير ويتم إنقاذ المعلم الذي حاول إطفاء الحريق.

العرض في أغلبه مصاغ شعرياً، وهو أمر مرهق للممثلين وكذلك مربك لهم، فإذا لم ينتبه الممثل إلى طبيعة الأداء المسرحي، التي تختلف حتماً عن طبيعة الأداء الشعري، ربما انساق وراء الإيقاع الشعري وفقد قدرته كممثل مسرحي على توصيل رسالته بشكل جيد.

ويبدو أن المخرج عصام السيد أدرك ذلك، فجاء غالب العرض مسجلاً، واستخدم "البلاي باك" سواء في الغناء أو في بعض الحوارات الموقعة شعرياً، ليضمن من ناحية جودة الأداء، ومن ناحية أخرى لا يرهق ممثليه بالغناء كل ليلة، بخاصة أن معظمهم مؤدون وليسوا مطربين. وجاءت ألحان أحمد شعتوت واعية إلى هذا الأمر، لتكون تعبيرية في معظمها، بعيدة من فكرة التطريب، إلا في ما ندر، وإن استخدم بعض التيمات المتداولة، التي صافحت أذن المشاهد كثيراً.

مساحة واسعة

لا بأس بالتأكيد من تقديم الغناء مسجلاً، لكن مشكلة العرض هنا أن معظمه غنائي، أي إن مساحة الغناء به واسعة وتكاد تسيطر عليه بأكمله، الأمر الذي ربما يؤدي إلى بعض الآلية، سواء في الحركة، أو في تجسيد الانفعالات من قبل الممثلين، ما لم يكن لديهم وعي ودراية بطبيعة الأعمال المسرحية الغنائية، التي تقدم بطريقة "البلاي باك".

هذا أمر ربما لا يلحظه المشاهد العادي، الذي لا تشغله الحركة أو ردود الفعل بالنسبة إلى الممثلين، لكن المشاهد المتخصص أو المدرب من الجائز أن يشعر بأن هناك حيوية ما يفتقدها العرض، تتعلق تحديداً بالأداء التمثيلي.

يطرح العرض مجموعة من الأفكار التي أراد تمريرها ببساطة إلى المشاهدين، منها دور الفن في ترقية العلاقات بين الناس، وأن ننظر بقلوبنا إلى ما يدور حولنا، وليس بأعيننا فقط "بص للعالم بقلبك تلقى كل الدنيا جنبك" كما يطرح وجهة نظر جريئة في زواج المسلمة بالمسيحي أو العكس، هو لا يرفض الحب في معناه الإنساني الواسع، لكنه يشير إلى أن مصير تلك العلاقات العاطفية بين طرفين مختلفين دينياً، حتى وإن كانت تسعد طرفيها، فإنها تحدث شقاقاً وانشقاقاً بين الأسر، وتترك أثراً نفسياً سيئاً في أفرادها، بخاصة في مجتمع ما زال محافظاً في أغلبه، ويفضل عليها العلاقات الأخوية، ضارباً المثل بالعلاقة بين المعلم المسيحي والمعلمة المسلمة، اللذين عاشا كفردين في أسرة واحدة، لا أسرتين، وهو أمر ربما يبدو واقعياً بخاصة في الأحياء الشعبية مثل حي شبرا الذي كان يضرب به المثل في العلاقات الودية بين مسلميه ومسيحييه.

هموم آنية

الملاحظة الأساسية على العرض تتمثل في القضية التي يطرحها، وهي قضية ليست في متن الحياة الاجتماعية في مصر الآن، صوتها يكاد يكون خافتاً وهامشياً. ربما يكون المخرج معذوراً أن ابتعد عن القضايا الشائكة، أو التي تمس الهموم الآنية للمواطن المصري، فالأجواء ليست مهيأة لذلك، وسيف الرقابة سريع البتر، مما يدفع كثيراً من المخرجين إلى التعامل مع نصوص عالمية، عملاً بمبدأ الإبعاد الزماني والمكاني، أو نصوص محلية تبتعد، أو تبدو كما لو كانت تبتعد، من القضايا الساخنة، التي يكتوي المواطنون بنيرانها، والمهم هنا ذكاء هذا المخرج أو ذاك في تمرير أفكاره بعيداً من المباشرة. في كل الأحوال يظل الفيصل في كيفية صياغة الفكرة مسرحياً، سواء كانت بسيطة أو كانت عميقة ومركبة، قريبة من هموم المشاهدين أو بعيدة منهم.

في العرض عناصر جذب كثيرة، منها ديكور محمد الغرباوي، الذي جاء تعبيرياً، واهتم بالتفاصيل الدقيقة، واتسم بقدر عال من الوعي بطبيعة العرض وأجوائه، ليشكل مع إضاءة ياسر شعلان، واستعراضات شيرين حجازي، صورة جيدة للعرض وجاذبة لعين المشاهد. في العمق وعلى مستوى مرتفع واجهة المدرسة، كتعبير عن هيمنتها على المشهد، ويمين ويسار المسرح بانوهات ذات وجهين يتم تحريكها لتغيير المنظر، وترك مساحة واسعة للاستعراضات، أو لاستغلالها كأحد فصول المدرسة أو كشارع في الحي الشعبي وغيرها من المناظر.

 أيضاً فإن وجود مطرب في مكانة علي الحجار كان واحداً من عناصر الجذب المهمة، قدم مجموعة من الأغاني ضمن السياق الدرامي للعرض بجودة عالية ليست غريبة عليه، فضلاً عن أدائه التمثيلي الجيد في حدود طبيعة الشخصية التي يقدمها، وكذلك رانيا فريد شوقي في دور المعلمة المسلمة الذي لعبته بخبرة وتمرس، وعزت زين (مدير المدرسة) بحضوره المؤثر والراسخ، وقدرته على أداء الشخصية ممسكاً بأبعادها وتفاصيلها، وكذلك ميدو عادل ودنيا النشار وطه خليفة وآسر علي وطارق راغب والمطربة أميرة أحمد.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة