Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الماركسية وعلم الاجتماع في نظرتهما الى المجتمعات الشرقية

كتاب يكشف المنطلقات الاستشراقية التي اعتمدها ماركس وفيبير في رؤيتهما

الفيلسوف كارل ماركس (مؤسسة ماركس)

ملخص

يعالج كتاب "ماركس وفيبر... المجتمعات الشرقية بعيون الحداثة الغربية" تعريف شكل المجتمع الحديث وتفسير موقع الحضارة الغربية ضمن العلاقات الحضارية البينية، مع تبلور الأشكال الاجتماعية الجديدة في بداية القرن الـ19. وهو من المواضيع المهمة في الدوائر الفكرية في أوروبا، لا سيما بعد ظهور السوسيولوجيا بوصفه علماً مهمته الأساسية تفسير المجتمع الحديث.

يعتقد عالم الاجتماع التركي لطفي سونار أحد الأساتذة البارزين في جامعة إسطنبول، أن بعدين أساسيين برزا في مهمة تعريف شكل المجتمع الحديث، أولهما الحاجة لإيجاد حلول لمشكلات اجتماعية واسعة النطاق، مما كان السبب الرئيس لنشأة التمييز بين التقليدي والحديث الذي صاغ كل الفكر السوسيولوجي الكلاسيكي تقريباً، ولم يبتعد ثانيهما عن هذا التمييز، إذ تعلق بموضعة الأشكال الاجتماعية الحديثة من خلال المقارنة بالأخرى من نوعها التي ظهرت عبر تاريخ البشرية. وكما ورد في مقدمة سونار لكتابه "ماركس وفيبر... المجتمعات الشرقية بعيون الحداثة الغربية" الذي صدر أخيراً مترجماً إلى العربية (المركز القومي للترجمة) بتوقيع مجدي عبدالهادي، فإن فلسفة التاريخ والاستشراق قدم الأرضية الفلسفية لسوسيولوجيا المجتمعات الشرقية، وضمن هذا السياق، وضع الشرق في البداية والغرب في النهاية في الفكر السوسيولوجي لفترة التأسيس هذه، فوصف الشرق عموماً بالركود، مقابل الغرب التقدمي، "بما أثبت الطبيعة الفريدة للصور الاجتماعية الحديثة باستبعاد الشرق من صيرورة التقدم التاريخي"، وهكذا لم تكن التحليلات حول المجتمعات الشرقية تستهدف في نهاية المطاف تفسير ذلك الشرق، "بل تحويله لنموذج مضاد يوضح الغرب ويجليه بمنطق المخالفة". الكتاب صدرت طبعته الأولى عام 2014، وصدرت منه طبعة ثانية عام 2014 تحت عنوان Marx and Weber on Oriental Societies: Shadow of Western Modernity

وفي هذه الفترة التي تشكل فيها الفكر السوسيولوجي، كانت طبيعة هذه التصنيفات واسعة الانتشار هي ما حدد طابع ذلك الفكر إلى حد كبير، وقد صاغ كل من كارل ماركس (1843 – 1883) وماكس فيبر (1864 – 1920) تحليلاتهما الأساسية انطلاقاً من تلك القاعدة، وفي سياق رسم حدود المجتمع الحديث، لجأ كلاهما مثل من سبقهما إلى الشرق بوصفه نموذجاً مضاداً يمثل "الآخر". وبحسب سونار، يمكن القول إن ماركس وفيبر اتفقا تماماً في تحليلاتهما للمجتمعات الشرقية على رغم تعارضهما السوسيولوجي التقليدي.

المجتمع الحديث

ويوجد سببان أساسيان لفحص ماركس للمجتمعات الشرقية، أولهما هو فهم الآثار المحتملة للتطورات العالمية على الثورة الأوروبية المأمولة. ومن هنا اهتم ماركس بالهند والصين وروسيا والبلاد الخاضعة للحكم العثماني آنذاك، لجهة تأثيرهم المحتمل على التوازن الأوروبي، مما يرجع بحسب قوله إلى أن التطورات ذات الأهمية الجوهرية لمستقبل البشرية إنما تحدث في المجتمع الحديث، بالتالي يستحق الآخرون اهتماماً وبحثاً لجهة مدى تأثيرهم على ذلك المجتمع. أما الهدف الثاني، فيتجاوز ذلك المستوى السياسي إلى حاجة ماركس النظرية لنموذج نقيض في سياق تفسيره للمجتمع الحديث، فاستخدم الشرق بالتوازي مع فكر المرحلة التاريخية، كأداة ذرائعية لتعريف الغرب. أما فيبر فحلل المجتمعات الشرقية في سياق بحث الأخلاقيات الاقتصادية لأديان العالم، لاستكمال التفسيرات حول مولد المجتمع الحديث مستلهماً البروتستانتية، فاكتملت دراساته المستقلة التي خصصها للمجتمعات الصينية والهندية وبلاد ما بين النهرين، بتقييماته المتفرقة للمجتمعات الإسلامية. ووجه فيبر هذه الدراسات المقارنة واسعة النطاق نحو النضال ضد فقدان الإيمان بالحداثة، المتصاعد في العالم الثقافي لفترته التاريخية، عندما ساد التشاؤم المناخ الفكري بعد العقد الأول من القرن الـ20، فسعى إلى إنعاش ذلك الإيمان وإثبات فرادة المجتمع الحديث من خلال الدراسة المقارنة للمجتمعات الشرقية على أساس مصادر استشراقية راسخة. وفي هذا السياق تعلق السؤال الأساسي في سوسيولوجيا كل من ماركس وفيبر بتفسير المجتمع الغربي الحديث، فحاولا ضمن هذا الهدف المشترك، تطوير تفسير مقارن مع المجتمعات الشرقية، كما كان الأمر في النظرية السوسيولوجية المبكرة، متخذين في ذلك مكانهما ضمن تقليد الفكر الغربي الذي يعرف الغرب بجعل الشرق آخر مختلفاً.

الاستبداد الشرقي

وبينما لم يحول ماركس أطروحات الاستبداد الشرقي إلى تفسير نظري شامل، فإن فيبر طور نموذجاً كاملاً يتمحور حول الباتريمونيالية، الذي سيصبح موضع قناعة وتأييد عميق بعد رحيله، كما يؤكد المؤلف. ويرتبط ذلك الاختلاف بتطور مصادرهما، لأن الاستشراق كان لا يزال في مراحله المبكرة أثناء حياة ماركس، فيما تحول بصورة عميقة وتأسس بعد سبعينيات القرن الـ19. وإضافة إلى ما تقدم، أثر التطور في التشكيل الاجتماعي الحديث على مناهجهما، فحيث كانت المجتمعات الشرقية تقيم على أساس المجتمع الحديث، فقد شكلت التغيرات التي حدثت في أوروبا طريقة التعامل مع هذه المجتمعات، وحيث كتب ماركس أعماله في عصر كان شكل المجتمع الحديث قد تحدد، لكن من دون تأكيد شامل، كتب فيبر عندما كان ذلك الشكل قد استقر في الغرب، فشملت كتاباته تفسيرات شاملة ومنهجية للمجتمعات الشرقية. ولكي يوضح ماركس الطبيعة الفريدة للمجتمع الحديث، استخدم المجتمعات الشرقية مجرد موضوع للمقارنة، فيما ميزها فيبر كآخر مختلف تماماً، وملأ الفجوات في نظرية ماركس التي نتجت من موقفه غير الحاسم بسبب موقفه النقدي من المجتمع الحديث. وفي ضوء ذلك، ارتكز فيبر بصورة أكبر على الواقعية، فيما قدم ماركس مقاربة أكثر تجريدية وفلسفية. ويلاحظ المؤلف أن ماركس تخلى عن المادية التاريخية القائمة على أولوية العوامل الاقتصادية، وشدد على أولوية العوامل السياسية في المجتمعات الشرقية، ففي رأيه تتحدد الظروف الاقتصادية في الشرق بالميول السياسية الاستبدادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتغاضى فيبر كذلك عن بعض القواعد الأساسية لسوسيولوجيا التأويل خاصته، وبدلاً من تحليل المجتمعات الشرقية وفقاً لشروطها ومعانيها الخاصة، فحصها من منظور غربي، باستخدام مصادر انتقائية بطريقة تضمنت مفارقات تاريخية. وعلى أي حال فإن ماركس وفيبر اتفقا في التخلي عن الاتساق المنهجي في تحليلاتهما، لتحقيق أهدافهما المتسقة مع أهداف الاستشراق في تلك الحقبة التاريخية. وفي ضوء هذه الاستنتاجات، يدعو لطفي سونار إلى إعادة فحص موقفي ماركس وفيبر في تاريخ علم الاجتماع، وإخضاع ثنائيتهما بوصفهما نقيضين نظريين، والتي لا تزال مهيمنة على الأدبيات السوسيولوجية، للمساءلة في سياق الأهداف الرئيسة التي تشاركاها في ذلك العلم.هذا ليس كتاباً تقليدياً يستهدف استعراض أفكار قطبي علم الاجتماع المعروفين، بل هو فحص تفصيلي نادر نسبياً لمنطقة قليلاً ما يطرقها أحد، وهي الموقع التحليلي والمنهجي للمجتمعات الشرقية في سوسيولوجيا العلمين الكبيرين اللذين على اختلافهما حد افتراض التنافر الكامل بينهما، واعتبارهما الخطين النقيضين في كل المعرفة السوسيولوجية الحديثة – على ما في ذلك الوصف من مبالغة دفعتها متطلبات الصراع النظري والأيديولوجي في فترة الحرب الباردة بين الكتلتين الرأسمالية والشيوعية – فإنهما قد اتفقا، كل بطريقته على تطابق يثير الدهشة، في موقفهما التحليلي قبل الأيديولوجي من تلك المجتمعات، بالتقائهما في تبني نظرة غربية تقليدية غلبت عليها “المركزية الأوروبية”، التي نمطت تلك المجتمعات في صورة الشرق الراكد المتخلف، الذي حبسه نمط الإنتاج الآسيوي بتعبير ماركس، أو الباتريمونيالية الهيدروليكية بتعبير فيبر، بعيداً من التطور التاريخي الذي انفتحت أبوابه حصراً للغرب المتفرد بالحداثة، صانع الحضارة الرأسمالية غير المسبوقة تاريخياً في هذا التصور الذي لا يخلو من شوفينية حضارية غريبة على العلم.  

اقرأ المزيد

المزيد من كتب