Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يثير وصف ترمب بـ"غريب الأطوار" ذعر الجمهوريين؟

الديمقراطيون يسلطون الضوء على غرابة تصرفات الرئيس السابق وأنصاره ويستخدمون هذا النهج كسلاح سري لإزعاجه وتمهيد الطريق لفوز كامالا هاريس بالبيت الأبيض

دونالد ترمب شخص غريب الأطوار، أليس كذلك؟ (رويترز)

ملخص

يوصف دونالد ترمب بـ"غريب الأطوار" من قبل خصومه وهو تحول في استراتيجيات الهجوم السياسي، إذ يستخدم هذا الوصف الآن لإبراز خروج ترمب وأنصاره عن المألوف في السياسة، مع التركيز على أن هذه الاستراتيجية قد تكون فعالة في سياق سياسي غير تقليدي، على رغم أنه قد تبدو متأخرة بعض الشيء.

لنقلها بصراحة، دونالد ترمب شخص غريب الأطوار، أليس كذلك؟ من اللافت للنظر كيف نصفه بالغرابة اليوم، بعد مرور ثمانية أعوام على تعاملنا معه على أنه سياسي شرعي كنا ننظر إلى تصريحاته وقراراته بجدية شديدة، بل وفي كثير من الأحيان نشعر بالخوف الشديد من تصرفاته المحتملة. إن وصف ترمب بـ"غريب الأطوار" قد يبدو وكأنه أقل وصف يمكن أن نطلقه عليه في هذا القرن، لكن لماذا يثير هذا الوصف ردود فعل قوية من ترمب ومؤيديه؟

إن كنتم لم تتنبهوا للأمر، فإن حملة الهجوم الجديدة ضد الجمهوريين ذكية رغم بساطتها إذ تتمحور بشكل أساسي حول إبراز "غرابة" ترمب و"الترمبية" كظاهرة غير طبيعية بتاتاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ماذا يعني ذلك على أرض الواقع؟ يعني حرفياً ما تتخيلوه: التركيز على جوانب معينة من شخصية ترمب وأسلوبه من خلال الإشارة إلى تصريحاته الغريبة وغير المألوفة، ووصفه أشد مؤيديه بأنهم خارجون عن المألوف، والتركيز على مظهره وسلوكه وطريقة حديثه الغريبة. ونرى هذا النهج واضحاً في خطاب الديمقراطيين البارزين خلال المقابلات الإعلامية، بل إن حملة هاريس ذهبت إلى حد وصف ترمب بأنه "عجوز وغريب للغاية" في بيان رسمي.

وتكتسب هذه الرؤية قوة متزايدة لكونها حقيقة جلية، فأنصار ترمب من الجمهوريين يتسمون بغرابة أطوار تفوق بكثير ما نعهده لدى المحافظين التقليديين. وفي الماضي، كانت هذه الغرابة تعد ميزة جاذبة، وذلك ما جعل الناخبين يقبلون على ترمب وينتفضون ضد هيلاري كلينتون التي جسدت النهج السياسي المعهود بهدف "هز أركان المؤسسة السياسية" واختيار شخصية من خارج الأوساط السياسية، بيد أن المزاج العام قد تغير اليوم إذ إن هناك رغبة ملحوظة للعودة إلى السياسة التقليدية وإن بدت رتيبة، ولذلك لم تعد "الغرابة" في الأداء السياسي تحظى بذات الجاذبية التي تمتعت بها سابقاً.

فمن المستغرب أن حركة سياسية بنيت على الإهانات والأكاذيب والتضليل تبدو الآن منزعجة للغاية من وصف بسيط ومباشر. لكن يبدو أن هذه الاستراتيجية الجديدة تؤتي ثمارها بشكل ملحوظ، إذ شهدنا أخيراً رد فعل دفاعياً من فيفيك راماسوامي، المرشح الجمهوري السابق للرئاسة، الذي تحول إلى مؤيد متحمس لترمب، إذ وصف راماسوامي هذا الأسلوب في الهجوم بأنه "غبي وصبياني". لكن هذا الرد يبدو متناقضاً بشكل صارخ مع سلوك ترمب نفسه في الماضي الذي قام بتقليد صحافي من ذوي الإعاقة بشكل ساخر خلال خطاب انتخابي.

فقد حاول السيناتور ماركو روبيو قلب الطاولة على خصومه، إذ ينقل عنه قوله، "لقد وصفونا بالغرابة، لذا سأصفهم بأنهم أكثر غرابة منا". لكن هذه المحاولة تبدو غير مجدية في السياق الحالي، وذلك لسببين رئيسين: أولاً، قائد الحزب المنافس (الديمقراطي) هو محام بارع ومحنك، بينما قائد الحزب الجمهوري يثير الجدل بتصرفات غير تقليدية، مثل الإشارة المتكررة إلى شخصية "هانيبال ليكتر" الشريرة في تجمعاته الانتخابية.

وفي تصريح لافت للنظر، كشف حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز عن استراتيجية جديدة في التعامل مع خصومه السياسيين وعبر تيم خلال حوار أجرته معه شبكة MSNBC، بصراحة عن مخاوفه قائلاً، "جل ما يسعون إليه هو التحكم في حياتنا، من الكتب التي نقرأها إلى خصوصية غرف الفحص الطبي، وعلينا أن ندرك خطورة هذه الأفكار الغريبة دون مواربة. يكفي الاستماع إلى تصريحاتهم لفهم حقيقة نياتهم".

وبصفته أستاذاً مدرسياً سابقاً، يفترض أن تيم والز يدرك جيداً الأثر المدمر الذي يمكن أن يخلفه وصف شخص ما بـ"غريب الأطوار"، فهذا من أقسى ما يمكن أن يقوله طفل لآخر. ومن منطلق تجربة شخصية كطفل اتهم بالغرابة سابقاً، يمكنني التأكيد أنه ليس هناك ما هو أسوأ من النبذ بسبب خصائصك الفريدة. فهذا الوصف، في جوهره، هجوم على كل السمات الحساسة التي تشكل هويتك الفريدة.

وفي حين يتجاوز كثر منا هذه العقلية مع الوقت ويتعلم تقبل كونه غريب الأطوار، يبدو أن المشروع الجمهوري برمته يستند إلى مفهوم "الوضع الطبيعي". فالرسالة الضمنية لديهم تقول، "نحن الفئة المقبولة اجتماعياً، وكل ما يختلف عنا في المظهر أو السلوك أو المعتقد هو خارج عن المألوف". ويسعى الجمهوريون بحسب ادعائهم، لاستعادة صورة أميركا المثالية، تلك الصورة الحنينية لأحياء تحيط بها الأسوار البيضاء، إذ الأبواب غير موصدة والأطفال مهذبون. غير أن هذا الموقف يفقد صدقيته حين يختار رئيسهم السابق نائباً لا يتورع عن وصف النساء العازبات بعبارات مهينة كـ"عوانس يعشن مع القطط".

والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن الاعتراض على استخدام الألقاب المسيئة، في حين كان هذا النهج هو السمة البارزة للحزب الجمهوري طوال الأعوام الثمانية الماضية؟ لقد أطلق دونالد ترمب من الألقاب على خصومه السياسيين والفكريين ما يكفي لتخصيص صفحة كاملة لها على موسوعة ويكيبيديا.

وتراوح ألقاب ترمب ما بين المحيرة، كوصفه مايكل بلومبيرغ ذي الطول المتوسط بـ"ميني مايك"، والمسيئة، مثل نعت إليزابيث وارن بـ"بوكاهونتاس" بعد ادعائها أصولاً أميركية أصلية. وللإنصاف، بعضها، كما في حالة "رون المتقدس" في إشارة إلى رون ديسانتيس، قد يثير الضحك فعلاً. يبدو ترمب أشبه بطالب متنمر في المدرسة لا يعرف كيف يتصرف حين يواجهه من يتنمر عليهم في النهاية.

ويرى بعض المراقبين، وبحق، أن وصف أفعال ترمب بـ"الغريبة" لا يعكس حجم الأضرار التي ألحقها بالعالم على مدى العقد الماضي. فربما تكون أوصاف مثل "عنصري" أو "متحيز ضد المرأة" أو حتى "شرير" أكثر دقة في وصف سلوكه وتأثيره.

لكن الواقع أن ترمب وأنصاره يتعرضون لهذه الأوصاف وغيرها منذ دخوله المعترك السياسي إذ إن هذه المصطلحات المشحونة بالعواطف والذاتية، فقدت معناها الحقيقي. فكلمة "فاشي" مثلاً أصبحت مرادفاً لـ"شخص لا أحبه"، حتى عندما تكون وصفاً دقيقاً، أما "غريب"، فهي كلمة محايدة عاطفياً، مجرد تقرير واقع يحمل نوعاً من الاستخفاف.

لا يمكن إنكار غرابة هؤلاء وأنصارهم حتى لو اتفقت معهم في المبدأ، فأسلوبهم في طرح مواقفهم يبقى غريباً. فالترويج لنظريات المؤامرة، والحديث المتواصل عن "أجندة مجتمع الميم"، وإطلاق سيل من الإهانات الغريبة، كل هذا لا يجذب سوى غريبي الأطوار. والسؤال هنا: هل تريد حقاً أن تصنف ضمن هذه الفئة؟

وإذا كانت هناك شكوك حول فعالية هذه الاستراتيجية، فلننظر إلى ما حدث في المملكة المتحدة أخيراً. فعلى رغم أن حزب العمال لم يشن هجوماً مباشراً يبرز مدى غرابة المحافظين بعد 14 عاماً على توليهم السلطة، فإن هذه الفكرة شكلت تياراً قوياً في حملتهم الانتخابية. ونجح كير ستارمر في تقديم حزب العمال بوصفه "حزب العودة إلى الأساسات الممل"، في حين كان ريشي سوناك منشغلاً بالتعامل مع شخصيات مثل سويلا برافرمان التي أدلت بتصريحات غريبة ومنفرة لم تلقَ صدىً لدى الناخبين.

يبدو أن الجمهوريين راهنوا على استمرار نهج ميشيل أوباما القائل "حين ينحدرون، نرتقي" من قبل خصومهم. لكن من الواضح أنهم لم يستعدوا لسيناريو مفاده أن يقرر الديمقراطيون النزول إلى مستواهم في النهاية. فالجمهوريون يجدون أنفسهم عاجزين تماماً أمام اتهامهم بالغرابة، وكل محاولة لدحض هذا الاتهام لا تزيدهم إلا غرابة في نظر الناخبين.

من المثير للاهتمام أن الديمقراطيين وجدوا أخيراً أسلوباً فعالاً للرد. لكن الغريب حقاً هو أنهم استغرقوا كل هذا الوقت للوصول إلى هذه النتيجة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء