ملخص
الجبهة الداخلية للجيش الإسرائيلي تجهيز ملاجئ جماعية وآلافاً من صناديق الطعام لسكان الشمال لاستعمالها في حال نشوب حرب شاملة مع "حزب الله"
منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 اعتاد الإسرائيليون الذين يقيمون في البلدات القريبة من قطاع غزة جنوباً والحدودية مع لبنان شمالاً العيش مع دوي صفارات الإنذار والركض إلى الملاجئ هرباً من الصواريخ، لكنهم هذه المرة يتخوفون أكثر من أي وقت مضى من تصعيد خطر يصعب إيقافه.
ومع تزايد تهديدات إيران و"حزب الله" بعمليات انتقامية على وقع اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران والقيادي البارز بـ"حزب الله" فؤاد شكر في بيروت، يهرع الإسرائيليون لشراء المؤن والمستلزمات وغيرها من السلع المتعلقة بالطوارئ وتخزينها في الملاجئ التي من المتوقع المكوث فيها أياماً عدة.
وبينما تؤكد التقييمات الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية أن إيران و"حزب الله" غير مهتمين حالياً بحرب إقليمية شاملة وأن هجماتهما المرتقبة ستكون "محدودة لأيام معدودة"، ترتفع الأصوات الإسرائيلية المطالبة بتوجيه ضربات استباقية، وعدم إطالة فترة الانتظار التي قد ترهق أعصاب الإسرائيليين داخل الملاجئ وتعطل برامجهم الشخصية.
وأيد 48 في المئة من الإسرائيليين الذين شاركوا في استطلاع نشرته إذاعة "103FM" قيام إسرائيل بهجوم استباقي، فيما قال 34 في المئة إن عليها أن ترد فقط في حال شن الهجوم. ووفقاً لقواعد الأمان العامة في إسرائيل فإنه فور وقوع هجوم بالصواريخ على أية مدينة تدوي صافرات الإنذار في جميع الأنحاء معلنة للمواطنين أن أمامهم بين 40 و60 ثانية فقط ليلجأوا إلى مأوى حصين. وبحسب ما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فإن الجبهة الداخلية للجيش تجهز ملاجئ جماعية وآلافاً من صناديق الطعام لسكان الشمال، لاستعمالها في حال نشوب حرب شاملة مع "حزب الله".
ويشترط قانون الدفاع المدني الإسرائيلي منذ عام 1951 أن تحوي جميع المنازل والمباني السكنية والمنشآت الصناعية في إسرائيل ملاجئ محصنة مضادة للقنابل والصواريخ، لحماية الإسرائيليين عندما تنطلق صفارات الإنذار. لكن منذ عام 1991 حينما ضرب النظام العراقي في عهد صدام حسين آنذاك إسرائيل بـ39 صاروخ "سكود" قتلت 74 إسرائيلياً، أصبح بناء الملاجئ ضرورة دائمة تم على إثرها سن قانون جديد يجبر المقاولين وأي مطور عقاري على إنشاء غرفة محصنة.
وبحسب تقديرات صحيفة "الغارديان" البريطانية عام 2017 يوجد في إسرائيل نحو مليون ملجأ. وبينما تؤكد إحصاءات رسمية إسرائيلية صدرت عام 2020 نجاح إسرائيل في تأمين ملاجئ لنحو 6 ملايين فرد من سكانها البالغ عددهم نحو 9 ملايين نسمة، تشير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إلى أن نحو ثلث الإسرائيليين لا يمتلكون ملاجئ في مبانيهم أو يعيشون قرب ملجأ عام يمكنهم الوصول إليه قبل سقوط صاروخ أو قذيفة.
معايير خاصة
حاجة إسرائيل الملحة لبناء الملاجئ لم تقتصر عند المناطق الساخنة المحيطة بقطاع غزة وعلى الحدود مع لبنان، إذ أدى توسع الصراع خلال العقدين الأخيرين إلى زيادة الحاجة للملاجئ في المدن الكبيرة التي تستهدف بالصواريخ، وتمتلك مدينة تل أبيب 168 ملجأً تحت الأرض و356 آخرين موجودة في المؤسسات التعليمية أو مباني البلدية الأخرى، في حين تضم مدينة حيفا التي يقطنها نحو 280 ألف نسمة 110 ملاجئ عامة يمكن الوصول إليها بسهولة عبر الإنترنت، إضافة إلى وجود لافتات إرشادية في الشوارع، ناهيك بمئات الملاجئ الخاصة داخل المباني السكنية.
وتعرف الملاجئ التي توجد داخل كل شقة سكنية باسم "مماد" وهي التي يمتلكها وفقاً للإحصاءات نحو 65 في المئة من الإسرائيليين الذين يستخدمونها خلال فترة الهدوء كغرفة للأطفال لما تتمتع به من حماية قصوى، إذ إن البنية الأساس للملاجئ المنزلية مصممة لحماية من فيها من هجمات الصواريخ بعيدة المدى، وقادرة على تحمل الانفجارات والشظايا الصاروخية بحيث تظل قائمة ومحمية، حتى لو انهار المبنى بالكامل. وإلى جانب "مماد" توجد في إسرائيل الملاجئ الجماعية التي تبنى أسفل مبان خاصة لحماية جميع سكان المبنى وتعرف باسم "مماك"، والملاجئ الجماعية العامة في الشوارع والمعروفة باسم "ميكلات".
ويبنى غالب الملاجئ المحصنة من الخرسانة المسلحة التي لا تقل سماكة جدرانها عن 30 سم، مع نافذة ثقيلة محكمة الإغلاق وباب فولاذي وتتوافر بها مقابس كهرباء لشحن الهواتف وتشغيل التلفاز إضافة لأنظمة تهوية لحماية من بداخلها من انفجار الصواريخ، كما يمكن تحويل بعض مواقف السيارات تحت الأرض وآلاف المستشفيات إلى ملاجئ مضادة للقنابل النووية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن وجود مدارس محاطة بالكامل بالخرسانة المسلحة ونوافذ مقاومة للتحطم، وثقها المصور آدم راينولدز في معرض له بين من خلاله أن عدداً من الملاجئ في إسرائيل جهزت للاستخدام على نطاق أوسع، تشمل استوديوهات للرقص وفصولاً مدرسية ومراكز مجتمعية وحانات وصالات رياضية وأماكن للعبادة. وهو ما ينسجم مع الجهود المعلنة من الصندوق القومي اليهودي "كيرين كايميت" الذي أعلن أكثر من مرة عن قيامه بجهود عدة لتحسين الحياة داخل الملاجئ وجعلها أكثر رفاهية. كما أن بعض أبواب الملاجئ أصبحت أوتوماتيكية، إذ إنها تفتح بمجرد إطلاق الجيش إنذار دخول الملاجئ وتغلق لكسب الوقت.
وتبلغ مساحة الملجأ العام متوسط الحجم نحو 100 متر مربع، ويمكن أن يستوعب بصورة مريحة نحو 200 شخص في أماكن إقامة متفرقة. ولم تكتف إسرائيل بجعل الملاجئ جزءاً من منظومتها الانشائية في الأماكن العامة والشوارع وداخل كل بيت إسرائيلي فحسب، وإنما طاولت المنشآت الطبية كذلك، إذ إن بعض المستشفيات التي تقع عند الحدود الجنوبية مع قطاع غزة تمتلك ملاجئ خاصة يمكنها في حالات الطوارئ نقل الأقسام الحساسة إليها، ومستشفى برزالاي في عسقلان أنشأ طوابق عدة تحت الأرض مؤمنة ضد الصواريخ، ومخصصة لحماية المرضى.
حاجة ملحة
في ظل الحاجة الإسرائيلية الملحة لتطوير الملاجئ العامة القديمة وبناء مزيد منها في الأماكن التي تشهد نمواً سكانياً متزايداً، عملت الحكومة الإسرائيلية منذ عام 2018 على خطة بقيمة 5 مليارات شيكل (1.45 مليار دولار) لبناء ملاجئ ومواقع محصنة في البلدات والمستوطنات الواقعة حتى 20 كيلومتراً من الحدود السورية واللبنانية. وخلال عام 2020 بدأت تنفيذ المرحلة الأولى من خطة "درع الشمال" التي تشمل بناء 600 ملجأ، إلا أن تقرير مراقب الدولة لعام 2020 أكد أن ما يقارب 30 في المئة من المواطنين الإسرائيليين لا يمكنهم الوصول إلى الملاجئ قرب منازلهم، بما في ذلك أكثر من ربع مليون شخص يعيشون قرب الحدود مع قطاع غزة ولبنان.
وبالنسبة إلى كثير من الإسرائيليين فإن توافر "مماك" في منازلهم الخاصة أو داخل شققهم السكنية تصاحبه كلف مالية باهظة أدت لإحجامهم عن الاستعانة بها. ووفقاً لإحصائية نشرت خلال مايو (أيار) الماضي، فإن من بين مليوني شقة هناك نحو 800 فقط لديها غرفة آمنة. وعلى رغم أن الكنيست قرر تخفيف الشروط من أجل تيسير إجراءات بناء الغرفة المحصنة في المباني السكنية إثر هجمات أكتوبر، فإن سكان المستوطنات في شمال إسرائيل وفقاً لما جاء في صحيفة "واللا" الإسرائيلية يطالبون الحكومة بتسريع بناء الملاجئ، في ظل تخوفات من رد عسكري من إيران و"حزب الله" على عمليات الاغتيال الأخيرة.
وانتقد السكان وفقاً للصحيفة بطء وتيرة بناء الملاجئ وقلة الدعم المقدم من تل أبيب، وأشاروا إلى مقتل الإسرائيلي نير بوبكو من كيبوتس (مجمع ريفي) "غوشيريم" بشظايا صاروخ الأسبوع الماضي. وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل تقدم دعماً سنوياً بنسبة ستة في المئة لبناء الملاجئ، إلا أن الكلفة العالية لبناء الملجأ لا تزال تشكل عبئاً على السكان، فيما دعا رئيس موشاف (نموذج زراعي مشابه للكيبوتس) بيت هليل إلى زيادة الدعم إلى 80 في المئة لتسريع بناء الملاجئ.
وبدروه، أكد رئيس بلدية حيفا يونا ياهف في مقابلة لإحدى الإذاعات المحلية الإسرائيلية، أنه في حال اتساع الحرب مع "حزب الله" فإن "سكان المدينة سيبقون في الملاجئ ومواقف السيارات تحت المباني"، مشيراً إلى أن البلدية قامت بتجهيزها من أجل المكوث فيها لمدة أربعة أيام متواصلة في الحد الأدنى".
حماية الشمال
في المقابل، تؤكد الجبهة الداخلية الإسرائيلية أنها تجري أبحاثاً دائمة للنظر في قدرة الملاجئ على الصمود في وجه التهديدات أياً كانت، وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل أيام إلى أن الحكومة الإسرائيلية مددت البرنامج السريع لبناء الملاجئ لعام آخر، ووافقت على 3650 طلباً لبناء ملاجئ إسرائيلية في المنازل.
ومطلع العام الحالي أعلنت وزارة الأمن الإسرائيلية وكجزء من برنامج "حماية الشمال" على تجديد 160 مبنى في أشكلون عسقلان، و190 مبنى في نهاريا و40 مبنى في معالوت ترشيحا (شمال إسرائيل). وبحسب ما أعلن عنه فإن نحو 200 ملجأ إضافية في المدن الثلاث تمر بمراحل متقدمة من عملية التجديد، وجاء أن "الأعمال تجري بصورة مكثفة ومتزامنة". وتنضم هذه المدن إلى مدينة كريات شمونة الشمالية التي تم تجديد وتحديث 229 مبنى فيها.
ولحل مشكلة الكلف أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بوجود خيار آخر رخيص يمكن بناؤه وفقاً لقانون الحكومة يعرف "Mini shelter- مخبأ صغير"، وهو عبارة عن كبائن فولاذية صغيرة داخل المنزل مغطاة بطبقة من الأسمنت تصلح لاستضافة عدد ضئيل جداً من الأفراد، نشرت في عدد من المدن الجنوبية التي لم تقم فيها مخابئ جماعية تكفي لاستيعاب السكان كافة حال وقوع أي طارئ. وبموازاة ذلك أعلنت قيادة الجبهة الداخلية تطوير تطبيق يحمل اسم Red Alert أو "الإنذار الأحمر" لتحذير مواطنيها للاحتماء من صواريخ "حماس" والنزول للملاجئ بالسرعة القصوى، بحيث يقوم التطبيق أوتوماتيكياً بإرسال التحذير عبر الهواتف الذكية وإطلاق نغمة تحذيرية ونشر اسم المنطقة التي يستهدفها الصاروخ.
يوم القيامة
في وقت يؤكد فيه الجيش الإسرائيلي نشر بطاريات القبة الحديدية و"مقلاع داوود" وغيرهما من أسلحة الدفاع الجوي، لمواجهة أي هجوم بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، ونجاح اختبار نظام اعتراض "إل آر إيه دي" بعيد المدى المصمم لصد عدد من التهديدات بما يشمل صواريخ كروز، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جلسات وزارية عدة في مركز إدارة الأزمات القومية الموجود بملجأ تحت الأرض، معد ليتحمل جميع أنواع الهجمات التقليدية والكيماوية والبيولوجية وحتى هجوم نووي مباشر.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية يحوي الملجأ عدداً من القاعات وغرف الإقامة والقيادة المرتبطة بوزارة الدفاع في تل أبيب، كما يتيح للحكومة الإسرائيلية إدارة الدولة في الأزمات وبخاصة الحروب أو بالكوارث الطبيعية، كالزلازل. وقد صممت الهياكل المحصنة لتتحمل ضربة نووية وهي مجهزة بأنظمة طاقة وتنقية المياه والهواء من المواد البيولوجية والكيماوية، وتنعدم فيه إشارات البث الخلوي (الهواتف المحمولة)، مما يمنع عمليات التجسس.
وشبهت الصحيفة "مركز إدارة الأزمات القومية" الإسرائيلي كملاجئ "يوم القيامة" التي أنشأتها دول كبرى حول العالم بتحصينات تصل كلفتها إلى ملايين الدولارات، لمواجهة نهاية العالم التي قد تقضي على البشر من زلازل وكوارث طبيعية وحروب وضربات نووية، إذ يتناسب البقاء بداخلها لفترات طويلة فهي مبنية من الحديد الصلب الخالص، وتصل القدرة الاستيعابية في بعضها إلى نحو 44 شخصاً، وتحوي مؤونة من الطعام لكل شخص تكفي لنحو عام أو أكثر.