Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخدرات من عظام بشرية وسم الفئران تفتك بشعوب أفريقيا

تعتبر مورداً أساساً لعدد من الجماعات الإرهابية والمسلحة في القارة والكسب غير المشروع في ظل استشراء الفقر

صورة من فيديو عرض على حساب جهاز الدرك الوطني الجزائري على فيسبوك (الدرك الجزائري)

ملخص

يحصي مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أكثر من 1200 مادة مخدرة جديدة تنتشر في 141 دولة مختلفة في العالم، عشرات الأنواع منها تصنّع في القارة الأفريقية

تجتاح تركيبات جديدة معدلة كيماوياً من المخدرات دولاً أفريقية عدة بات استهلاكها من طرف شباب المنطقة يلقى رواجاً ويفتك بعقولهم، مما فرض تحديات أمنية واجتماعية وصحية حتّمت على الحكومات مواكبة ظهور هذه المواد الاصطناعية لرصدها ومكافحتها، منها ما هو مصنوع بهياكل عظام بشرية وأخرى من منظّفات وسم الفئران.

ويحصي مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أكثر من 1200 مادة مخدرة جديدة تنتشر في 141 دولة مختلفة في العالم، عشرات الأنواع منها تصنّع في القارة الأفريقية، وتحمل أسماء غريبة تشكل أخطاراً صحية بسبب مكوناتها المتنوعة وغير المعروفة في كثير من الأحيان.

وقبل أيام كشفت الجهات الأمنية في الجزائر عن ترويج واحد من أخطر أنواع المخدرات المحظور عالمياً الذي لم يكن معروفاً من قبل، وهو عبارة عن مواد ضارة بمختلف الألوان والرسوم تُستهلك كحبوب أو جيلاتين أو سوائل، تم تهريبها عبر الحدود، وأحدثت هلعاً وسط المواطنين. وبحسب أفراد الفرقة الإقليمية للدرك الوطني في لافونتان بالجزائر العاصمة، "هذا المخدر هو عبارة عن مكب ثنائي إيثيلاميد حمض الليسرجيك" أو ما يُعرف بـ"أل سي دي"، تمّ ضبطه بحوزة أحد المشتبه فيهم، بكمية تقدر بـ2201 قطعة مخدر على صورة طابع بمختلف الألوان والرسوم.

تلك الشحنة من المخدرات تم ترويجها من قبل شخص أدخلها بطريقة احتيالية إلى الجزائر، وأكدت السلطات المعنية أن "هذا المخدر دخيل على المجتمع ومحظور عالمياً، والفرقة الإقليمية للدرك الوطني في لافونتان هي أول مصلحة أمنية عالجت هذا النوع من المخدرات في البلاد".

الحبوب المهلوسة

وعادة تسجل الجزائر خلال عملياتها ضبط كميات كبيرة من القنب الهندي والحبوب المهلوسة والكوكايين، غير أن هذا النوع الجديد غير معروف ويشكل مصدر قلق مثله مثل المواد الأفيونية الاصطناعية الأخرى، من "الفنتانيل" و"الترامادول" إلى مصادر مصنعة محلياً تجتاح القارة السمراء على غرار "الكوش" و"القذافي" و"غبار القرد" و"خذني يا رب".

ووجد مخدر "الزومبي" طريقه للانتشار في غرب أفريقيا، مما أسفر عن مقتل عشرات شهرياً. ففي سيراليون تفشى هذا العقار المصنوع من عظام بشرية المعروف أيضاً باسم "الكوش"، مسجلاً ارتفاعاً في حالات الدخول إلى المستشفيات المرتبطة بإدمانه بنسبة 4000 في المئة بين 2020 إلى 2023، وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء من الشباب تراوح أعمارهم ما بين 18 و25 سنة.

وأعلنت سيراليون حالة الطوارئ الوطنية، بعدما شهدت البلاد ارتفاعاً حاداً في تعاطي "الكوش"، مما أجبر ضباط الشرطة على حراسة المقابر في العاصمة فريتاون، لمنع الشباب من استخراج الهياكل العظمية واستخدامها في تصنيع المخدرات.

وتبيّن أن الكوش مصنّع من مجموعة متنوعة من المواد، بما في ذلك المواد الكيماوية السامة والأعشاب، والقنب، والمطهرات، ولكن أحد مكوناته الرئيسة عظام بشرية مطحونة، لأنها تحوي آثاراً من الكبريت، التي يتزعم أنها يمكن أن تعزز تأثير المخدرات.

ويتسبب العقار في مقتل شخصين اثنين كل أسبوع في سيراليون، وتم العثور للمرة الأولى على آثار من المواد الأفيونية القوية المعروفة باسم "نيتازين" بين متعاطي المخدر، وفقاً لتقرير أصدرته المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وهي منظمة غير ربحية. وقالت عقب أبحاث عليه، "يمكن أن تكون قوة بعض المواد أقوى من الهيروين بما يصل إلى 100 مرة وأقوى من الفنتانيل بما يصل إلى 10 مرات"، مما يعني أن المتعاطين قد يحصلون على تأثير من كمية قليلة جداً، مما يعرضهم لخطر متزايد من تناول جرعة زائدة والوفاة".

"الكوش"

وأظهرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعات من الشباب في الغالب، عاجزين تقريباً، يجلسون في الشوارع بأطراف منتفخة بسبب إساءة استخدام "الكوش". فهذا العقار يتسبب في نوم الأشخاص أثناء المشي، وارتطام رؤوسهم، والسير وسط حركة المرور. وقد اشتكى المستخدمون من الشعور بوخز في الرأس وآلام في الرقبة والمفاصل. لذلك أعلن رئيس سيراليون جوليوس مادا بيو، هذا العام الحرب على هذه المادة، ووصفها بـ"الوباء والتهديد الوطني".

لكن مسألة انتشاره لم تعد تقتصر على سيراليون وحسب، إذ تشير تقارير دولية إلى أنه ينتشر في مختلف أنحاء غرب أفريقيا، إذ وصل عدد المدمنين على المخدر إلى أكثر من مليون شخص في المناطق الحضرية في ليبيريا وغينيا.

وتتعدد الأنواع المخدرة التي لا تقل خطراً عن "الكوش" وتتفشّى أيضاً في دول أفريقية منها، مخدر يسمى "القذافي"، وهو خليط من "الترامادول" والمشروبات الكحولية المنشطة، وينتشر في ساحل العاج، ليدفع بعدها السلطات عام 2023 لحظر استيراد هذه المشروبات وتصديرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتُسجّل الأمم المتحدة نوعاً آخر يُسمى "غبار القرد" ينتشر في نيجيريا وهو عبارة عن مزيج من مشروب يسمى الجِن الكحولي محلي الصنع وبذور الحشيش وأوراقه وجذعه وجذوره.

أما "نياوبي" واسع الاستهلاك في مدن كثيرة بجنوب أفريقيا، يتكون من مزيج من الهيروين منخفض الجودة مع الماريجوانا ومواد تنظيف كيماوية وسم الفئران وغيرها من المواد الضارة. وفي ملاوي ينتشر كوكتيل خطر يُحضر في المنزل ويسمونه "يا رب خذني".

ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فقد ضبط نحو 97 في المئة من "الترامادول" العالمية في تلك المنطقة بين عامي 2017 و2021، خصوصاً في نيجيريا وبنين وساحل العاج.

ومنذ العقد الأول من القرن الـ21، بدأ "الترامادول" في الانتشار في غرب أفريقيا مع تزايد شبكات توزيع المنتجات الصيدلانية في المدن والقرى. ويوصف هذا المسكن الأفيوني بصورة عامة في حالات الألم الشديد أو بعد الجراحة، وهو معروف بصورة خاصة بزيادة القدرة على العمل ومقاومة الجهد البدني لفترة أطول.

وقال مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في بيان له، "لا تلبث أسواق المخدرات المحلية في أفريقيا أن تتنوع، فكان يهيمن عليها الحشيش المتوفر من مصادر محلية، وتنتشر فيها الآن أنواع كثيرة من المخدرات العابرة، وبهذا التنوع تتفاقم التحديات الصحية القائمة، لا سيما أن خدمات العلاج من تعاطي المخدرات محدودة في غرب أفريقيا".

تجارة المهلوسات

ويُرجع الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية محمد تورشين في تصريح إلى "اندبندنت عربية" إيجاد هذه المخدرات طريقها للانتشار، إلى نشاط الجماعات المسلحة في تلك الدول، إذ لطالما كانت المسألة مؤرقة جداً للدولة الأفريقية والأوروبية، وبمثابة تهديد حقيقي لكل الشباب والأجيال.

وقال تورشين إن "هذه التنظيمات تعمل في التجارة التي تدر لها أرباحاً كبيرة، على غرار تجارة المخدرات والمهلوسات والإتجار بالبشر"، ويَعتقد أيضاً أنها وجدت رواجاً ومساحة لها في التعاطي بين عدد كبير من الشباب، مما انعكس بصورة سلبية على حياة كثير من الأفراد، في مقابل تحقيق أرباح ضخمة وجذب عدد من الجهات ورجال الأعمال للتورط في هذه القضية.

واقترح الباحث حلاً لقضية انتشارها بالدعوة لإستراتيجية تشترك فيها الحكومات، خصوصاً أن تدفق المخدرات مرتبط بالهجرة غير الشرعية.

وبهذا المعنى، فقد أصبحت عمليات تهريب المخدرات المصدر الأول والأساس لتمويل أنشطة الجماعات المتطرفة في المناطق الأفريقية الهشة. وأظهرت التحقيقات أن الجماعات الإرهابية سواء تلك التي تتبع تنظيم "القاعدة"، أو التي ترتبط بتنظيم "داعش"، كلاهما متورط في نقل شحنات المخدرات المحملة بالكوكايين وصمغ القنب. ويعد مخدر "الكوش" من أخطر أنواع المخدرات التي تقوم الجماعات المتطرفة بتهريبها والتجارة فيها، بحسب صحيفة "ذا تايمز".

ويتحدث في هذا السياق، المتخصص الأمني الجزائري أكرم خريف في تصريح إلى "اندبندنت عربية" عن مسارات أخرى لتدفق مخدري "الكبتاغون" و"الترامادول" إلى القارة الأفريقية، وذلك عبر طرق معروفة تلقى رواجاً بين سوريا وليبيا، ومسار السودان عبر ليبيا، حيث تنتشر صناعة الأدوية، ومع الحرب والضغوط تحولت إلى صناعة الكبتاجون، مؤكداً أن "ليبيا أصبحت محطة كبيرة لترويج المخدرات".

و"الكبتاغون" هو التسمية التجارية لعقار نال براءة اختراع في ألمانيا في أوائل الستينيات من القرن الماضي، وهو مؤلف من أحد أنواع الإمفيتامينات المحفّزة ويدعى فينيثلين، ومخصص لعلاج اضطرابَي نقص الانتباه والأرق من بين حالات أخرى.

ناقوس الخطر

ولفتت الباحثة المتخصصة في شؤون الساحل الأفريقي ميساء نواف عبدالخالق، إلى أن "مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة دعا في وقت سابق دول القارة إلى تعزيز قدراتها من أجل إجراء الاختبارات المختبرية في مسعى إلى مساعدة هيئات إنفاذ القانون والوكالات الصحية في الحد من انتشار المخدرات المستحدثة".

‎وأشارت ميساء نواف عبدالخالق في تصريح خاص إلى أن "القنب لا يزال المخدر الأكثر إنتاجاً وتهريباً واستخداماً في القارة الأفريقية، على رغم أن هناك زيادة في عمليات تهريب مواد مخدرة أخرى، تشمل الكوكايين من أميركا اللاتينية والهيروين والميثامفيتامين من جنوب غربي آسيا"، إذ تُستخدم أفريقيا ممراً لتهريب هذه المخدرات إلى أوروبا وغيرها من الأماكن.

وحذّرت عبدالخالق من هذه الآفة التي تعتبر مورداً للكسب غير المشروع في ظل استشراء الفقر والجهل بين الشعوب الأفريقية. وأكدت ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة من قبل الدول الأفريقية لمواجهة هذه المعضلة، مبينة أنها تعتبر مورداً أساساً لعدد من الجماعات الإرهابية والمسلحة في الدول الأفريقية.

ودقت ناقوس الخطر من تحول تجارة المخدرات إلى أكبر مصدر لتمويل الإرهاب في العالم ومن بينها دول الساحل الأفريقي، وهو يحتم قيام الدول بالبحث عن آليات قانونية جديدة لتجريم الناشطين في هذا النشاط المدمر للبشرية.

ويتوقع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة زيادة تعاطي المخدرات في أفريقيا بنسبة 40 في المئة بحلول عام 2030.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير