Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مهرجانات التخرج" في جامعات مصرية... محاكمات شعبية وأكاديمية

اتهامات الانفلات تطاول الأساتذة ومطالبات بالتقنين والأزهر يدخل على خط الأزمة

بروتكولات حفلات التخرج في كل دول العالم لها شروط معينة وطرق معروفة (مواقع التواصل)

ملخص

أكثر المتشبثين بفكرة حرية التعبير عن السعادة بشتى الطرق يترددون كثيراً أمام الدفاع عن رقص الطلاب خلال حفلات تخرجهم في مصر، إذ يبدو المشهد مربكاً تماماً حينما يتعلق الأمر بمحفل أكاديمي له تقاليده الوقورة

"هل يجوز الرقص في حفلات التخرج؟"، سؤال متداول في محركات البحث يرغب أصحابه في الحصول على إجابة فقهية، ففي حين أن كلمتي الرقص وحفل التخرج في الصعب أن يجتمعا في سؤال ديني، إلا أن التقاليد التي استحدثها طلبة مصريون في هذه المراسم حيرت الجميع وسيطرت على الاهتمام لدرجة أن المواقع المعنية بطرح الفتاوى الدينية استقبلت أسئلة كثيرة على الشاكلة نفسها وكأن الرقص في المناسبات الأكاديمية بات بنداً أساسياً، فمن المعتاد أن تقترن الأسئلة عن الرقص بالأفراح والمناسبات الاجتماعية، لكن الغرابة هذه المرة تنبع من التعايش مع مفردات حفلات التخرج الجديدة على أنها أمر مسلم به، ويجب البحث عن مدى ملاءمتها دينياً وفقاً للبعض.

باتت هناك سلسلة من الوقائع في هذا الشأن وأحدثها إحالة واقعة طالب بجامعة الزقازيق في محافظة الشرقية شمال شرقي القاهرة إلى التحقيق بعد وصلة رقص تفاعل معها أساتذته أثناء تسلمه شهادة تخرجه في حفل كبير بالجامعة حضره لفيف من القيادات الأكاديمية مرتدين الزي الرسمي المعروفة في مثل هذه المناسبات.

ولعل ما أربك حسابات المدافعين عن حرية التعبير عن البهجة بجميع الصور هو اقتران هذا الفعل بمؤسسة علمية لها معايير وتقاليد، بخاصة أن بروتكولات حفلات التخرج في كل دول العالم بما فيها أكثرها انفتاحاً لها شروط معينة وطرق معروفة، سواء في ما يتعلق بتحية الشرف وطابور العرض والملابس، إذ يحتفي الأساتذة بتلاميذهم الناجحين الذين اجتهدوا ويجب منحهم الشرف الأكاديمي، كما أن الطلاب يسعدون بمشاركة هذا الإنجاز مع الأهل والكل يلتقط الصور ويلقي بالقبعات، دون الخروج عن الأعراف المتفق عليها، نظراً إلى الحرص على مراعاة طبيعة المحفل العلمي، بالتالي فالقطاع الأكبر لم يعترض على الرقص في حد ذاته، لكن على تكرار تلك المشاهد في حفلات التخرج الأكاديمية على وجه التحديد، دون مراعاة طبيعتها. وبينما يجري التحقيق في الواقعة الجديدة تتزايد المطالبات بضرورة التركيز في ردود الفعل برمتها على الأساتذة الذين شاركوا بالتشجيع، والذين لم يشددوا مسبقاً على ضرورة الالتزام بالقواعد.

التحقيق بتهمة الرقص

أمام تكرار تلك الوقائع أصدر الدكتور محمد كمال أستاذ مساعد القيم والأخلاق في جامعة القاهرة بياناً رسمياً وجهه للمسؤولين في وزارة التعليم العالي طالب فيه بضرورة تقنين تنظيم تلك الحفلات وحصرها داخل الجامعة، وأن يتم الإشراف على فقراتها لتراعي المعايير الأكاديمية، ومن جانب آخر طالب بتوقيع العقوبة على الأساتذة الذين صفقوا وابتسموا للطالب، معتبراً أن هذا التصرف خصم من هيبة ومكانة الأستاذ الجامعي.

شكك كثر في مدى ما يمكن أن تصل إليه الجامعة في ما يتعلق بعقاب الطالب المتخرج في كلية التجارة قسم اللغة الإنجليزية، والذي اختار تلك الطريقة التي باتت شائعة للتعبير عن بهجته بإنهاء دراسته الجامعية، بخاصة أنه لم يعد على قوة الجامعة من الأساس، التي قالت في بيانها الرسمي، "نود التنويه إلى أن هذه الواقعة هي تصرف فردي للتعبير عن فرحة طالب بتخرجه، لكنها خرجت عن السياق العام والمألوف بصورة لا تتوافق مع خصوصية ومكانة الجامعة كبيت للعلم والعلماء، وبناءً على ما سبق تم بحث الموضوع، وإحالته للتحقيق".

 

 

من جهته يشير أستاذ القيم والأخلاق الأكاديمي إلى أنه لا يحق للجامعة قانوناً اتخاذ أي إجراء تأديبي مع الخريج الذي تسلم شهادته وانقطعت صلته بها، ولم يعد على قوتها، والحالة الوحيدة التي يمكن معاقبته فيها هو أن يرتكب مخالفة جنائية على أرضها، وهذا لم يحدث بكل تأكيد، ولكنه شدد على أن الأساتذة المنوط بهم عدم الخروج عن المبادئ التي ينادي بها تنظيم قانون الجماعات، يجب التحقيق معهم لأنهم أخطأوا وارتكبوا مخالفة صريحة، مذكراً بالمواد التي تتطرق لهذه النقطة في قانون تنظيم الجامعة، إذ إن بعض مواده تطالب أعضاء هيئة التدريس بالتمسك بالقيم الجامعية، كما أنه من الممكن أن يعزل أحدهم من الجامعة إذا ثبت قيامه بفعل من شأنه أن يمس كرامة الوظيفة أو أن يظهر ازدراءً لشرف المهنة، وبالطبع ينص القانون أيضاً على عدم قيام الطلبة بأي فعل يصنف على أنه مخل بالشرف والكرامة.

تورط الأساتذة

بالعودة لبيان جامعة الزقازيق نفسها وصف بالفعل ما حدث بأنه خروج عن الأعراف والتقاليد الجامعية يشير الدكتور محمد كمال إلى أن الجامعة من حقها معاقبة الأساتذة الذين قد ينتهكون شرف مهنتهم ورسالتها وقدسية الحرم الجامعي في مواضع كثيرة، موضحاً أنه حتى إذا ثبتت مخالفتهم للوائح خارج أسوار الجامعة فيجوز تطبيق العقوبة عليهم وفقاً لنوع المخالفة، مذكراً بحوادث سابقة تم فيها فصل الأساتذة بالفعل. ويؤكد كمال على خصوصية هذه الواقعة التي جرت داخل الحرم الجامعي، إذ إن باقي الحفلات التي شهدت وصلات رقص للطلبة وتصدرت الاهتمام كانت من تنظيم شركات خاصة في قاعات احتفالية ليس للمؤسسة التعليمية سلطة عليها، على رغم أنها كانت تشهد حضور بعض القيادات الجامعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الملاحظ أن هناك موجة مجتمعية غاضبة نظراً إلى تعمد تحويل حفلات التخرج إلى ما يشبه المنافسات في الرقص الشرقي بين الطلبة، مثلما هو حال الواقعة التي أثارت الجدل واستدعت علماء الدين للتعليق عليها، وبينهم أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الدكتور عباس شومان، حين قال "ما يحدث في حفلات التخرج تجاوز كل الحدود، ليس من الخريجات والخريجين فحسب، ولكن من بعض أولياء الأمور، وبعض هيئات التدريس".

وأشار شومان إلى التناقض في المشهد الذي يتضمن أساتذة يرتدون الزي الأكاديمي الرسمي الذي يرمز عادة للوقار وطلبة يقدمون وصلات رقص مطولة، مطالباً أيضاً بمحاسبة المعلمين بصورة صريحة، مضيفاً "ارتداء بعض أعضاء هيئة التدريس الأرواب التي يرتدونها عند منحهم شهادات الدكتوراه أثناء حفلات التخرج الراقصة إهانة للجامعات ومنتسبيها، يجب أن يحاسبوا عليها".

ليس الرقص وإنما مكانه

ما منح الموقف برمته زخماً أكبر من أية واقعة مشابهة مضت هو أن الحفل أقيم بين جنبات قاعات الجامعة الحكومية، فتفجرت تلك الآراء الغاضبة المطالبة بوضع حد لما يحدث، بخاصة أن الفترة ذاتها شهدت ظهور فيديوهات لفتاة تحتفل بتخرج دفعتها بكلية الخدمة الاجتماعية في جامعة حكومية أخرى، ترقص وهي تعلق حول عنقها شريطاً مثبتة فيه أوراقاً نقدية، كل هذا وهي ترتدي روب التخرج، وفي التفاصيل المتداولة أن عائلتها أصرت على إهدائها مبلغاً مالياً كبيراً تعبيراً عن سعادتهم بإنهائها المرحلة الجامعية، فيما الآراء تنوعت ما بيت إشادة بدعم الأهل المادي والمعنوي ومشاركتهم ابنتهم فرحتها بالوسيلة التي تفضلها، معتبرين أن الرقص فعل لا يشكل خطورة على المجتمع ولا يوجد ما يجرمه في القوانين، وأن المبالغة في التعبير عن القلق من فيديوهات رقص حفلات التخرج أمر غير مفهوم.

في المقابل عاب الفريق الأكبر على الأهالي مشاركة أبنائهم الرقص بهذه الطريقة في مناسبة أكاديمية، مشيرين إلى أن لكل مقام مقالاً، وأن الرقص في المناسبات الخاصة كالأفراح وأعياد الميلاد أمر معتاد بالفعل في ثقافة المصريين حتى كبار السن يرقصون تعبيراً عن سعادتهم بتزوج الأبناء والأحفاد وبنجاحهم كذلك، لكن تحويل حفلات التخرج إلى فرصة لاستعراض مهارات هذه النوعية من الرقص أمر غير مقبول ويكرس لمفهوم خاطئ سيستمر حتماً ويتطور إلى ما هو أبعد بتشويه الصورة الأكاديمية تماماً إن لم يتم التصدي له.

خلط في المعايير

المتخصص في علم الاجتماع الدكتور وليد رشاد يبحث في أسباب تلك الظاهرة، معتبراً أن هناك دافعاً أساساً يسهم في زيادة انتشارها، وهو إقامة حفلات التخرج بعيداً من الحرم الجامعي، بل في قاعات أفراح، إذ تتم المراسم على نغمات الدي جي وخلافه. وتابع "ثقافة المكان عامل مهم في هذا الأمر فمعظمها حفلات تخرج غير رسمية بل ينظمها الطلبة خارج أسوار الجامعة ويدعون إليها الأساتذة، ووفقاً لطبيعة المكان الذي تقام فيه تسقط الحواجز بينهم وبين الطلاب، وهي الحواجز التي يتم التخفيف منها بعض الشيء في الرحلات والأنشطة البعيدة من قاعة الدرس وتبلغ مدى أكبر بكثير في هذه النوعية من المواقف".

اللافت أن هذه السمات التي باتت سائدة هي أمر عادي، لكن إذا حدثت في الأمسية التي تلي حفل التخرج الأكاديمي فمن المعروف أن حفل الطلبة والأستاذة الذي يتم فيه توزيع الشهادات مع الالتزام بقواعد محددة في الملبس والتصرف، عادة يعقبه حفل آخر بلا قيود أكاديمية ويحتفل فيه الطلبة بمفردهم أو بصحبة الأهل في مكان مختلف، وهو تقليد شائع ومعروف عالمياً، وبالطبع يتم تداول تفاصيله عبر السوشيال ميديا، وربما يرغب البعض محلياً في القيام بالأمر على تلك الشاكلة، ولكن ما يحدث في الوضع المصري أنهم يسعون إلى المزج بين المناسبتين الأكاديمية والخاصة، فتكون النتيجة أزمة مشتعلة ومطالبات بإنقاذ سمعة الصرح الأكاديمي.

 

 

ينبه المتخصص في علم الاجتماع أيضاً إلى مبدأ التقليد الذي يتسم به كثير من الشباب، حيث يرغبون في المزايدة على سابقيهم من المحتفلين بتخرجهم بهذه الطريقة ويحاولون التفوق عليهم. وأضاف، "التقليد والبحث عن (الترند) وخطف اللقطة والمبالغة الكبيرة في التعبير عن السعادة والرغبة في تحويل أي احتفال شخصي لآخر جماعي بلا خصوصية هي صفات أساسية لأبناء هذا الجيل الذي يُستقى كثير من معارفه وسلوكياته من السوشيال ميديا، كما أن الخطر في تعدد حالات الرقص بهذه الصورة، أنها تأتي بلا سياق، بل تنتشر في محافظات بعيدة من القاهرة، على رغم أن الشائع أن هذه المناطق أكثر التزاماً بالتقاليد، وأعتقد أنه إذا تم تقنين تلك الحفلات وفق أسس محدد داخل أسوار المؤسسة الجامعية ستعود لها قدسيتها".

العملية التعليمية في قفص الاتهام أيضاً

كان من أشهر الفيديوهات التي تم تداولها في هذا الصدد أيضاً طالبة كلية المريض التي تخرجت أخيراً في أكاديمية السويس، إذ ظهرت الفتاة وهي ترقص بصحبة والدتها في حفل تخرجها، وحقق الفيديو الخاص بها ملايين المشاهدات على "تيك توك" بعد تداوله من قبل رواد الحفل أنفسهم، وحصدت الشابة تعليقات قاسية لدرجة أنها ظهرت هي والأم في لقاء تلفزيوني لتبرير الموقف، كما أن الأخيرة أجهشت بالبكاء مراراً. وقبلها أيضاً حققت فتاة كلية التربية في جامعة أسيوط شهرة بعد ما ظهرت ترقص رقصاً شرقياً على أنغام أغنيات شعبية في حفل تخرجها وكانت وصلة رقصها مثار تعجب ودهشة نظراً إلى عدم ارتباطها بأية صورة بمراسم حفل التخرج، ولكنها أبدت عدم تحرجها مما حدث، وأن من حقها أن تفرح بأنها أنهت دراستها بنجاح.

ويمتلئ الإنترنت بفيديوهات رقص شرقي احترافي لطالبات بمفردهن أو مع ذويهن وطلبة يرقصون رقصاً شعبياً على نغمات أغنيات المهرجانات، وسط تعليقات معظمها مستهجنة، معتبرة أن ما يحدث تدني وانفلات، وربما يكون نابعاً من تدهور العملية التعليمية نفسها، فلم يعد الطلبة يتعاملون بالجدية الكافية مع مفرداتها من الأساس، وكل ما يهمهم هو الحصول على شهادة أياً كانت ظروف اقتناصها، وهو ما فجر نقاشاً موازياً بأنه من الأفضل الاهتمام بتنقية المسار التعليمي أولاً، والذي يعاني مشكلات كثيرة قبل محاكمة الراقصين والراقصات، مذكرين بأن الرقص طوال الوقت هو فعل بشري احتفائي، كما أنه وسيلة يفضلها المصريون للتعبير عن الفرح في غالبية المناسبات وبين جميع الطبقات، لكن الفئة الأكثر اعتدالاً طالبت بأن يتم تدريب الطلاب أولاً على برنامج الحفل وطريقة المصافحة والتعامل على المنصة وفق أسس متفق عليها كي لا تحدث تجاوزات في محفل علمي، وأية فقرات أخرى يمكن أضافتها لحفل خاص مختلف تماماً عن الطابع الرسمي.

بالعودة لفكرة الرقص الاحتفالي عند المصريين يمكن تذكر الأزمة التي صاحبت رقص معلمة بإحدى مدارس المنصورة في محافظة الدقهلية شمال البلاد في رحلة نيلية وتداول الفيديو على نطاق واسع قبل عامين، إذ اضطرت المعلمة حينها إلى ترك وظيفتها بعد الانتقادات اللاذعة التي لاحقتها بأنها خالفت الأعراف ولم تراع متطلبات مهنتها. والفترة نفسها تقريباً شهدت حكماً قضائياً من المحكمة الإدارية العليا بعزل الأستاذة بقسم اللغة الإنجليزية منى برنس من جامعة قناة السويس بعد وصلات رقص علنية نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبرتها المحكمة حطت من هيبة الأستاذ الجامعي وخالفت رسالتها ومسؤوليتها عن نشر القيم.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات