Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأطفال المبتورو الأطراف ضحايا قذائف حرب السودان

أرقام رسمية تؤكد فقدان 10 آلاف صغير جزءاً من أجسادهم جراء إصابات بالقذائف

يعيش آلاف الأطفال السودانيين مبتوري الأطراف ظروفاً جسدية ونفسية بالغة الصعوبة (حسن حامد)

ملخص

تسقط عشرات قذائف "الدعم السريع" من مدينة بحري على الأحياء السكنية في محلية كرري ومناطق متفرقة بأم درمان تقابلها غارات الطيران الحربي للجيش السوداني، ويتسبب القصف المتبادل في وقوع قتلى وإصابات وسط المواطنين بخاصة الأطفال.

مع كل يوم من أيام الحرب المحتدمة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" التي دخلت شهرها الـ16، من دون أفق لحل يوقفها، تتضاعف معاناة الأطفال الذين يدفعون الثمن الأكبر للصراع المستعر، إذ تعرضوا لأحداث تنوعت ما بين القتل والعنف الجنسي والاختطاف، وكذلك الحرمان من التعليم وفقدان الأهل نتيجة الموت أو الإصابات والإخفاء القسري.

وتعددت مآسي اليافعين خلال الحرب نتيجة القصف العشوائي وتبادل إطلاق النار، مما نتج منه إصابات خطرة، واضطر كثير منهم إلى إجراء عمليات بتر لأطرافهم بسبب التأخر في تقديم الرعاية الطبية، ويعيش الآلاف منهم ظروفاً جسدية ونفسية بالغة الصعوبة بعد أن فقدوا الحركة، في وقت يحاول فيه آخرون العيش بطرف صناعي بديل على رغم الأوجاع والآلام.

تبادل القصف

وفي ظل تصاعد وتيرة المعارك تسقط عشرات القذائف التي تطلقها قوات "الدعم السريع" من مدينة بحري على الأحياء السكنية في محلية كرري ومناطق متفرقة بأم درمان. وفي المقابل يشن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني غارات جوية مكثفة على مواقع وتجمعات "الدعم السريع"، ويتسبب هذا القصف المتبادل في وقوع قتلى وإصابات وسط المواطنين.

 

 

وبحسب المجلس القومي لرعاية الطفولة السوداني فإن أكثر من 10 آلاف طفل فقدوا جزءاً أو أجزاء حيوية من أجسادهم جراء إصابات بالقذائف النارية.

مأساة طفلين

هيمنت مشاعر "الصدمة" و"الذهول" على السودانيين داخل وخارج البلاد، غداة حادثة سقوط قذيفة طائشة في حي الواحة بمدينة أم درمان قبل أربعة أسابيع، مما أدى إلى إصابة الطفلين الشقيقين فارس (10 سنوات) وتقوى (12 سنة).

في صباح ذلك اليوم لم يدر بخلد الصغيرين أن حياتهما ستنقلب رأساً على عقب، إذ ذهبا إلى دكان في واحد من شوارع الحي بخطوات واثقة وأرجل مكتملة، لكن القصف العشوائي من قبل قوات "الدعم السريع" في مدينة بحري تجاه أحياء أم درمان كان مكثفاً، وفي لمح البصر سمعا صوت دوي كبير، ولم يجدا نفسيهما إلا وهما ممددان على الأرض، وتسببت شظايا قذيفة انفجرت قربهما في إصابات بالغة لهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعقب إسعافهما إلى مستشفى النو في أم درمان، أجريت عملية للطفل فارس إبراهيم وبترت قدمه ويده اليسرى بسبب الحادثة، في حين بترت القدم اليسرى لشقيقته تقوى.

وتداولت منتديات السودانيين بمواقع التواصل الاجتماعي صورة الطفلين الشقيقين مع تعليقات تتحدث عن مآسي الحرب وتأثيرها في الصغار، ووجدا تعاطفاً غير مسبوق. وأشار كثير منهم إلى أن حادثة "فارس وتقوى" إذا لم تغير موقف طرفي الصراع وداعمي الحرب تجاه المدنيين فليس هناك أمل في وقف القتال.

ذعر وخوف

في منطقة شرق النيل بالخرطوم أصابت شظايا القصف الجوي قدم الطفلة هناء محجوب من منطقة أسفل الركبة، وسببت لها قطعاً وصل إلى العظام والأوتار والشرايين.

تقول والدتها نفيسة حسين "أصابنا الذعر من خطر الإصابة، وبعد جهود كبيرة نقلنا الطفلة إلى المستشفى لتلقي العلاج، واتخذ الأطباء مضطرين خيار بتر رجل (هناء)، وبسرعة بتروا قدمها اليسرى من أسفل الركبة وأجروا لها جراحة سريعة لتطبيب جرحها بعد البتر". وأضافت "نفكر جدياً في تركيب طرف اصطناعي لها، لكن نفاد المدخرات المالية يحول دون ذلك، لدينا سيارة في إحدى الولايات الآمنة سنضطر إلى بيعها حتى نتمكن من القيام بالخطوة لكي نعيد البسمة إلى طفلتنا".

وأوضحت الأم نفيسة أن "عدد الأطفال الذين تعرضوا لإصابات خطرة وبترت أطرافهم في أحياء منطقة شرق النيل كبير للغاية، بخاصة مع تزايد عمليات القصف الجوي وهجمات الطائرات المسيرة على مقار قوات (الدعم السريع) ونقاط التفتيش قرب المناطق السكنية".

عمليات بتر

وفي ظل انهيار القطاع الصحي بالسودان بات مستشفى النو في أم درمان الوحيد القادر على التعامل مع الأحداث اليومية التي تشهد سقوط قتلى ومصابين. وفي هذا الصدد أشار الطبيب المتطوع شهاب عثمان إلى "ارتفاع أعداد الأطفال الذين فقدوا أطرافهم جراء سقوط القذائف في الأحياء السكنية، فضلاً عن معاناة أسرهم في توفير الأدوية والمستلزمات الطبية".

 

 

ونوه بأن "عمليات البتر تتم في مستشفى النو بأم درمان مجاناً، إذ أجريت نحو 300 عملية بتر أطراف لأشخاص أصيبوا بسبب المعارك خلال فبراير (شباط) الماضي". ويتابع عثمان "لا يجد الأطباء أمامهم خياراً آخر غير البتر لتجنب المضاعفات، وأحياناً يكون القرار صعباً، ويضطرون إلى المفاضلة بين إنقاذ حياة المصاب أو بتر الأطراف".

وأردف الطبيب المتطوع "المشاهد مؤلمة وصادمة وتدمي القلوب خصوصاً إصابات الأطفال، وما يزيد من معاناة الطفل وعائلته هو نقص الأدوية اللازمة بعد العملية وأهمها مسكنات الألم". وواصل بالقول "التعافي من البتر هو عملية طويلة، تبدأ بالجراحة الأولية التي يتم إجراؤها عادة في ظل رعاية صحية متكاملة، لكن مع انهيار النظام الصحي في السودان، فإن الأطفال الذين يخضعون لتلك العمليات يعانون مزيداً من المضاعفات، كذلك فإن شراء الأطراف الاصطناعية وتركيبها ليس سوى الخطوة الأولى، لأن الصغار يحتاجون إلى رعاية طبية كل ستة أشهر أثناء نموهم".

آثار نفسية

تقول المتخصصة النفسية نجوى الأمين إن "تجربة فقدان الطفل طرفاً أو عضواً من جسده صادمة تؤثر في حياته طوال العمر، لكن النظريات العلمية الحديثة تتيح سبلاً للدعم ومساعدته على استعادة توازنه النفسي وحمايته من اضطرابات ما بعد الصدمة". وأضافت أن "الأثر النفسي الناتج من عملية الفقد يتوقف بصورة كبيرة على عمر الطفل وحجم الصدمة، لذا يحتاج إلى جلسات علاج خاصة حتى يتهيأ لتقبل حياته الجديدة، ويتم التخفيف عنه من خلال تركيب أطراف اصطناعية بصورة سريعة". وأوضحت أن "الروح المعنوية لمن يعيش معهم الأطفال مهمة للغاية وتساعد كثيراً في الاستجابة للعلاج، إذ يحتاج اليافعون إلى رؤية أناس أكثر شجاعة وقوة في المواجهة لتخطي الصعوبات بأمان وسلام نفسي".

 

 

وتحذر المتخصصة النفسية من إهمال هذه الفئات وعدم استحداث أقسام وعيادات لتقديم استشارات ودعم نفسي، لأن تداعيات آثار الحرب على الصحة النفسية للأطفال ستلقي بظلالها لسنوات، مما يستوجب اتباع نهج شامل وطويل الأمد لتوفير خدمات معالجة المشكلات النفسية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات