ملخص
"قامت أحزاب سياسية بجهود من أجل إنهاء حالة قطيعة انتخابية مزمنة بين منطقة القبائل وصناديق الاقتراع، ومنع أية محاولة استغلال وتوظيف للتشويش على الرئاسية المقبلة"
يراقب الشارع والطبقة السياسية في الجزائر تعاطي منطقة القبائل مع الانتخابات الرئاسية المقررة في الـ7 من سبتمبر (أيلول) المقبل، منذ ترشح يوسف أوشيش، السكرتير الأول لحزب "جبهة القوى الاشتراكية" الذي يعرف انتشاراً واسعاً في محافظات تيزي وزو وبجاية والبويرة وبومرداس، على اعتبار أن مختلف الاستحقاقات التي عرفتها البلاد لم يتجاوب معها سكان هذه المناطق التي سجلت أضعف نسب المشاركة.
نقاط من مطالب المنطقة
ويبدو أن المرشح أوشيش يراهن على منافسة قوية وتحقيق نتيجة تمنح حزبه ومناصريه ومحبيه والمتعاطفين معه بعض الأمل في الوصول إلى السلطة ذات مرة، وتعيد الاعتبار إلى العمل السياسي بخاصة في منطقة القبائل التي باتت سمة المقاطعة ترافقها في كل الانتخابات، ولعل ما جاء في برنامجه الانتخابي كفيل بالكشف عن "نوايا أوشيش"، بحسب تلك المناطق.
ومن أهم ما وعد به السكرتير الأول لـ"جبهة القوى الاشتراكية" في حال وصوله إلى كرسي الرئاسة، إحداث تحول في النظام السياسي عبر تقليص ما وصفه بـ"تغول" السلطة التنفيذية، ومنح مزيد من الصلاحيات للبرلمان، والتوجه نحو اللامركزية كنمط للحكم في المحافظات، وإطلاق سراح معتقلي الرأي عبر عفو رئاسي.
وفي ما يخص مجال الثقافة والهوية، أوضح المرشح أوشيش أنه سيعمل على وضع قانون عضوي لتجسيد الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية كبعد من أبعاد الهوية الجزائرية، وإنشاء أكاديمية اللغة الأمازيغية وتعميم تعليم تلك اللغة كمادة دراسية إجبارية، إضافة إلى إنشاء وكالة وطنية لحماية وترقية التراث التاريخي الجزائري، وخلق مدينة فنية لتطوير الفنون والسينما، وهي أبرز مطالب منطقة القبائل.
ترشحه ليس محسوماً
لكن هل يتمكن مرشح "الأفافاس" من كسب رهان منطقة القبائل قبل بقية مناطق الجزائر، لا سيما بعد زيارة منافسه القوي الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون إلى مدينة تيزي وزو حيث حظي باستقبال جماهيري كبير عكس كل التوقعات التي تنبأت بفشل الخطوة، الأمر الذي أظهر دعم كثيرين للمرشح تبون في المنطقة.
وفي السياق، يقول الباحث في الشؤون المحلية عبدالرحمن بوثلجة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "حزب جبهة القوى الاشتراكية متجذر بقوة في منطقة القبائل، وأيضاً في الكثير من مناطق البلاد، على اعتبار أن كوادره وقياداته ليسوا كلهم من منطقة القبائل بل من مختلف المناطق"، موضحاً أن الكتلة الانتخابية الأكبر التي يمتلكها هي بمنطقة القبائل.
ويتابع بوثلجة أن مسألة إشراك القبائل لا تتوقف على مشاركة أوشيش من عدمها في الرئاسيات المقبلة، لأن المنطقة معروف تعاطيها المتذبذب مع الانتخابات، "لذا قد يساعد ترشح السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية في رفع نسبة المشاركة، لكن حضوره ليس الضامن الوحيد"، مضيفاً أن بقية المرشحين سواء تبون أو حساني لديهما الكثير من المناصرين والمتعاطفين في منطقة القبائل، "وقد لاحظنا خلال زيارة الرئيس تبون إلى محافظة تيزي وزو الحضور الكبير للمواطنين، والشيء نفسه مع حساني الذي ينتمي إلى التيار الإسلامي المعروف بحضوره في المنطقة". وختم أن مشاركة أوشيش على رغم قوة حزبه في المنطقة إلا أن رفع أو خفض نسبة المشاركة مسألة لا يحسمها وحده بل تتعلق بالوضع الانتخابي عامة وتوجهات بقية مناطق البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نوع من المصالحة
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار سيغة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن ترشح أوشيش مؤشر قوي على عودة حزب "جهة القوى الاشتراكية" إلى الممارسة السياسية، وأيضاً "مؤشر هام على استعداد الحزب الذي يمتلك قاعدة نضالية كبيرة في منطقة القبائل، كما يكشف عن استراتيجية استشرافية وضعها الحزب للاستحقاقات والمحافل الانتخابية".
ويعتقد سيغة أن حزب "جبهة القوى الاشتراكية" يتحين الفرصة للانتخابات التشريعية والمحلية، من خلال إظهار قدرة الحزب على تأطير وعائه الانتخابي بخاصة في منطقة القبائل وإنجاح إشراكهم في الاستحقاق المرتقب، معتبراً أن هناك نوعاً من المصالحة السياسية التي بادر بها الرئيس تبون لا سيما خلال زيارته لمدينة تيزي وزو، كما أن الحرائق التي تعرضت لها المنطقة في الأعوام الماضية وما تبعها من تضامن، أسهم بشكل كبير في إعادة اللحمة وتعزيز التماسك واسترجاع الثقة بين السكان والسلطة.
مكانة خاصة حركت الرئيس والأحزاب
وتحتل القبائل مكانة خاصة لدى السلطة والأحزاب، لرمزيتها الثورية والسياسية، ما جعل انتخابات 7 سبتمبر المقبل نقطة التقاء الجميع من أجل إخراج المنطقة من دائرة المقاطعة، وهو ما بادر به الرئيس تبون عبر تنقله في زيارة خاصة إلى مدينة تيزي وزو، ولقاءاته مع مختلف فعاليات المجتمع المدني والطبقة السياسية والرياضية، كما قام بتدشين إنجازات عدة وإطلاق مشاريع.
وقبل ذلك، قامت أحزاب سياسية بجهود من أجل إنهاء حالة قطيعة انتخابية مزمنة بين منطقة القبائل وصناديق الاقتراع، ومنع أية محاولة استغلال وتوظيف للتشويش على الرئاسية المقبلة، إذ نظم حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" لقاء سياسياً في مدينة تيزي وزو، ركز فيه الأمين العام للحزب مصطفى ياحي، على ضرورة أن تشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة إقبالاً من سكان المدينة وكامل المنطقة، بما "يمثل أفضل رد على الكيانات الإرهابية التي تطالب بانفصال المنطقة".
ودعا ياحي، مواطني ولاية تيزي وزو والمنطقة، إلى المشاركة بقوة في الانتخابات الرئاسية المقبلة والإدلاء بأصواتهم بكل حرية وديمقراطية وشفافية، وحث على المزيد من اليقظة والتجند من أجل إحباط وإفشال أي خطوات تهدف للتشويش على سير موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
تخوف من الانفصاليين
فيما اعتبر رئيس حركة "مجتمع السلم" عبدالعالي حساني، الانتخابات الرئاسية المقبلة فرصة لإنهاء حالة العزوف والمقاطعة الانتخابية في منطقة القبائل، وقال إنه "يتوجب اعتبار الانتخابات الرئاسية الثانية بعد الحراك الشعبي السلمي العملاق فرصة لاستدراك الاختلالات المتعلقة بالعزوف السياسي وضعف نسب المشاركة، وضرورة التأكيد على البعد الوطني وحماية الوحدة الوطنية من التفكك والاستهداف ومعالجة إشكالية مقاطعة جهات مهمة من الوطن الانتخابات".
إلى ذلك، وصف الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" عبد الكريم بن مبارك، منطقة القبائل بـ"العزيزة والأمازيغ الأحرار"، وقال إن "منطقة القبائل قدمت تضحيات كثيرة في سبيل تحرير الوطن والحفاظ على وحدة الشعب ونسيجه الاجتماعي والثقافي".
وحتى المرشح يوسف أوشيش حرص على مهاجمة كل من يتربص بمنطقة القبائل، حيث كانت مختلف تصريحاته تصب في سياق حماية المنطقة وبلاده من محاولات زرع اليأس وإثارة الفوضى، وقال في آخر تجمع له بمدينة تيزي وزو منذ أسابيع، إنه "من الضروري التمسك بوحدة الوطن والحفاظ على أمانة الذين ضحوا بالنفس والنفيس، لتحيا الجزائر حرة موحدة"، ودعا سكان المنطقة إلى قطع الطريق أمام دعاة الانفصال وكل المتطرفين السياسيين الذين لا يخدمون إلا مصالحهم الشخصية، مشدداً على أن "دعاة الانفصاليين لا مكان لهم في منطقتنا في منطقة القبائل الأحرار".