Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد رحيل الشيخة حسينة... بنغلاديش تنزلق في دوامة العنف الطائفي

حذر جوى من أن الوضع في البلاد "يبدو مثل سوريا وأفغانستان" فيما أشار يونس إلى مؤامرة ضد حكومته

لم يتوقف العنف في بنغلاديش رغم رحيل رئيسة الوزراء (أ ف ب)

ملخص

منذ رحيل الشيخة حسينة يواجه المواطنون الهندوس وغيرهم من الأقليات عنفاً من قبل إسلاميين اعتدوا على معابد ومنازل ومصالح الهندوس الذين يشكلون نحو 8 في المئة من السكان البالغ عددهم 170 مليون نسمة، مما أدى إلى موجة نزوح قسري لمئات المواطنين إلى الهند. 

بعد أسابيع من الاحتجاجات التي قادها طلاب الجامعات جراء الغضب من نظام الحصص في الوظائف الحكومية، اضطرت رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة للاستقالة والفرار من البلاد مع تحول التظاهرات التي بدأت سلمية إلى العنف. لكن في تكرار لمشهد الانتفاضات العربية، لم يتوقف العنف برحيل رأس النظام السياسي، بل تحول إلى عنف طائفي تقوده مجموعات من أتباع التيارات المتطرفة. 

منذ رحيل الشيخة حسينة يواجه المواطنون الهندوس وغيرهم من الأقليات عنفاً من قبل إسلاميين وآخرين ممن اعتدوا على معابد ومنازل ومصالح الهندوس الذين يشكلون نحو 8 في المئة من السكان البالغ عددهم 170 مليون نسمة، مما أدى إلى موجة نزوح قسري لمئات المواطنين إلى الهند، التي اضطرت نهاية الأسبوع الماضي إلى احتجاز العشرات ممن حاولوا عبور الحدود، بينما ينتظر مئات آخرون السماح بدخولهم.

يشكل الهندوس الأقلية الأكبر عدداً في بنغلاديش ذات الغالبية المسلمة، لكن ما يزيد حالة الاحتقان تجاههم هو اعتبارهم مؤيدين لحزب الشيخة حسينة "رابطة العوامي" الذي يقدم نفسه على أنه حزب علماني إلى حد كبير، ويرتبط بعلاقات قوية مع الهند. ومن ناحية أخرى، يُنظر إلى حزب "بنغلاديش الوطني" المعارض على أنه متحالف مع باكستان. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووسط غياب الشرطة التي قامت بالإضراب احتجاجاً على قتل زملائهم، أفادت وكالات الأنباء عن مهاجمة مئات المنازل الهندوسية ونهبها وإحراقها، وإلحاق أضرار بالمعابد في غاشور وباغيرهات وماجورا ودكا. وحرق المتطرفون منزل راؤول أناندا، الموسيقي الهندوسي البارز الذي التقى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الماضي. كما وردت تقارير عن قيام متطرفين بإحراق منازل المسلمين من الطائفة الأحمدية، وهي أقلية مسلمة يتم تكفيرها في باكستان.

وقالت ديبرا براتيفا داس، وهي كاتبة من الأقلية الهندوسية، إن "الهجمات تحدث في المناطق الريفية في الغالب"، بينما في المناطق الحضرية، "يحمي الطلاب من المدارس والكليات والمدارس الدينية المعابد". وأضافت أن بنغلاديش كانت معتادة على العنف الطائفي أثناء التحولات السياسية، لكن من غير المرجح أن يواجه الجناة العدالة لأن "الأحزاب السياسية تلوم بعضها البعض على الهجمات".

الفرار إلى الهند

ونقلت صحيفة "اندبندنت" شهادات لبعض الفارين من العنف؛ فتقول ريما داس التي وصلت الهند مع طفليها قبل أيام بعد رحلة استمرت نحو 48 ساعة، إن منزلها في ضاحية باغريهات تعرض للنهب وإشعال النيران فيه من قبل بعض الغوغاء. وتضيف "أنا وعائلتي على قيد الحياة لأننا تمكنا من الهرب قبل الهجوم. لجأنا أولاً إلى منزل صديق زوجي في قرية مجاورة. ابنتاي وأنا لدينا تأشيرة سياحة لذا قررنا الانتقال إلى غرب بنغال والبقاء مع أقاربنا حتى ينتهي العنف". 

كما تمكنت شيبا بال ذات الـ46 سنة، من الهروب إلى هاريدسبور في الهند، لحصولها على تأشيرة قبل اندلاع العنف، لكن أخيها اضطر إلى البقاء ومواجهة مصيره لعدم تمكنه من الحصول على تصريح دخول. وفي حين تقدر بال جهود الحكومة الانتقالية الجديدة في بنغلاديش بشأن محاولة تهدئة التوترات ووقف العنف ضد الأقليات، فإن المشهد في بلدها جعلها تتساءل "كم ستستغرق الأمور قبل أن يسيطر المتطرفون على البلاد؟".

وفق عدد من الفارين الذين تحدثوا لوسائل الإعلام، فإن الأشخاص الذين يحملون تأشيرات طبية تم منحهم الأولوية للدخول إلى الهند، على أولئك الذين يحملون تأشيرات سياحية وتجارية، لكن سُمح لهم بالعبور بعد إقناع مسؤولي الهجرة الهنود بأنهم في وضع بائس. 

أفغانستان جديدة

مشهد هدم المعابد والتماثيل البوذية في بنغلاديش جنباً إلى جنب مع الاعتداء على الأقليات ونهب وإحراق منازلهم يدفع بمخاوف بشأن سيطرة المتطرفين على البلاد التي عانت بين عامي 2013 و2017 موجة من صعود الجماعات الإرهابية الموالية لتنظيمي "داعش" و"القاعدة". ووفق تقرير سابق لمؤسسة "جيمس تاون للأبحاث"، هناك قلق بشأن ظهور مجموعات جهادية جديدة مثل "جماعة الأنصار"، التي تهدف أنشطتها إلى إحياء وتعزيز المشاعر الجهادية، وقد تؤدي إلى تجدد الحملات المسلحة في بنغلاديش.

ونقلت صحيفة "ديلي تليغراف"، عن أنيسة إسلام وهى طالبة شاركت في الاحتجاجات ضد الشيخة حسينة "لقد حاربنا من أجل الديمقراطية، أتمنى ألا يستغل المتطرفون الإسلاميون الوضع ليشقوا طريقهم نحو السلطة".  

وحذر ساجيب جوى نجل الشيخة حسينة، من أن الوضع في بنغلاديش "يبدو مثل سوريا وأفغانستان"، قائلاً في مقابلة مع وكالة "أنباء إندو آسيا": "اليوم بنغلاديش تشبه سوريا أو أفغانستان. لا يوجد قانون ولا نظام. بعد هذا، الأمر متروك لحكومة (محمد) يونس، إذا كانوا يعتقدون أن بإمكانهم السيطرة، ربما سنحظى بالديمقراطية مرة أخرى. إذا لم يتمكنوا من ذلك، فستصبح بنغلاديش مثل أفغانستان".

وأضاف جوى أن "أعمال الشغب والنهب والتخريب مستمرة في كل مكان. هناك القليل من الأمن في مدينة دكا حيث يتم نشر الجيش هناك. ولكن خارج دكا، إذا نظرت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك فوضى كاملة. لا توجد شرطة ولا يوجد قانون ونظام". وتابع "أنتظر لأرى كيف ستسيطر الحكومة الموقتة على هذا لأن الحكومة الموقتة إذا لم تتمكن من تحقيق القانون والنظام، عندها ستصبح بنغلاديش أفغانستان".

اتهامات لباكستان

ألمح جوى بوقوف باكستان وراء الفوضى في البلاد، قائلاً إن إسلام أباد طالما كانت ضد استقلال بنغلاديش، "لقد قاتلنا للاستقلال عنهم. لذا، أظن أن الاستخبارات الباكستانية متورطة في إثارة الاحتجاجات". 

كانت الشيخة حسينة، التي اضطرت لمغادرة منصبها، الأسبوع الماضي، وشركاؤها السياسيون ألقوا باللوم على الجماعة الإسلامية في التحريض على العنف خلال الاحتجاجات الطلابية الأخيرة ضد نظام الحصص للوظائف الحكومية. وحظرت حكومتها مطلع أغسطس (آب) الجاري حزب الجماعة الإسلامية وجناحها الطلابي "إسلامي شهاترا شيبير" والهيئات المرتبطة بها، باعتبارها منظمات "متشددة وإرهابية" بعد أسابيع من الاحتجاجات العنيفة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة الآلاف.

يشيد مؤيدو الشيخة حسينة بقيادتها بنغلاديش خلال نهضة اقتصادية بارزة تعود إلى حد كبير لقطاع الصناعة وغالبية قواه العاملة من النساء، ويتركز نشاطه في مجال النسيج وتصدير الملابس. وبعدما كانت بنغلاديش إحدى أفقر دول العالم عندما نالت استقلالها عن باكستان عام 1971، باتت تحقق نمواً بمعدل يزيد على ستة في المئة سنوياً منذ عام 2009. وانخفضت معدلات الفقر وحصل أكثر من 95 في المئة من السكان البالغ عددهم 170 مليون نسمة على خدمة الكهرباء، وتجاوز معدل دخل الفرد المستوى المسجل في الهند عام 2021.

كما نالت حسينة الإشادة إثر الحملة التي أطلقتها ضد المتشددين الإسلاميين في الدولة ذات الغالبية المسلمة بعد أن اقتحم خمسة متطرفين مقهى في دكا يرتاده رعايا غربيون وقتلوا 22 شخصاً عام 2016. وأُعدم خمسة من كبار القادة الإسلاميين وشخصية معارضة بارزة خلال العقد الماضي بعد إدانتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال حرب الاستقلال الدامية عام 1971. 

أثارت المحاكمات احتجاجات حاشدة وصدامات عنيفة، فيما وصف معارضوها المحاكمات بأنها صورية وذات دوافع سياسية لإسكات الخصوم. لكن عدم تسامح حكومة حسينة تجاه المعارضة أثار الاستياء داخلياً وقلقاً في عواصم أجنبية أبرزها واشنطن، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات عام 2021 على فرع النخبة من قوات الأمن البنغلاديشية وسبعة من كبار ضباطها بتهمة ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.

مؤامرة ضد الحكومة

ودعا رئيس الحكومة الانتقالية الحائز على جائزة نوبل محمد يونس، إلى إنهاء الهجمات في أول خطاب له لدى وصوله إلى العاصمة دكا قادماً من باريس.وقال وهو محاط بقادة طلاب شباب: "مسؤوليتنا هي حماية الجميع. إذا كنتم تؤمنون بي وتثقون في قيادتي، يرجى التأكد من عدم تعرض أي شخص للأذى في هذا البلد. إذا لم تتمكنوا من الاستجابة لهذا الطلب، فإن وجودي هنا لا يخدم أي غرض".

وأشار يونس أيضاً إلى أن الهجمات التي استهدفت الأقليات في بنغلاديش قد تكون جزءاً من مؤامرة لتشويه سمعة الحكومة الموقتة، على رغم أنه لم يحدد من قد يكون مسؤولاً.

المزيد من تقارير