Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف نقرأ فلسفيا قضايا الشباب العربي اليوم؟

منظمة الـ"يونيسكو" تحتفل باليوم العالمي وتتوقع أن يصل عدد الشبان والشابات إلى نحو مليار و300 مليون في 2030

حماسة الشباب (صفحة شباب - فيسبوك)

ملخص

لا شك في أن تخصيص الأمم المتحدة يوماً عالمياً للشباب ينم عن تقدير عميق وتثمين لتلك الطاقة الشبابية الكبيرة القادرة على التغيير وصنع المعجزات وبناء المستقبل. في العالم يوجد ما يقارب ملياراً و200 مليون شاب (1.2 مليار) تراوح أعمارهم بين الـ15 والـ24 سنة، يمثلون 16 في المئة من سكان العالم. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الشباب بنسبة 7 في المئة بحلول عام 2030 ليصل إلى نحو 1.3 مليار شاب.

إن رفاهية الشبان والشابات في العالم اليوم ومشاركتهم وتمكينهم ضرورات تعد من العوامل الرئيسة للتنمية المستدامة والسلام في جميع أنحاء العالم. لذلك لا بد من معالجة تحديات التنمية التي تواجه الشباب مثل البطالة والإقصاء السياسي والتهميش والتعليم والصحة وما إلى ذلك، إضافة إلى الاعتناء بدور الشباب الإيجابي بوصفهم شركاء في تعزيز التنمية والحفاظ على السلام. من بين الموضوعات التي تهم الشباب واهتمت بها الأمم المتحدة وأعطتها الأولوية نذكر التعليم والعمل، والجوع والفقر والصحة والبيئة، وتعاطي المخدرات وجنوح الأحداث، وأنشطة شغل الفراغ والفتيات والشابات، والمشاركة والعولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وفيروس نقص المناعة البشرية، والشباب والنزاع والعلاقات بين الأجيال.

لأغراض إحصائية بحتة ومن دون المساس بأي تعريفات أخرى تضعها الدول الأعضاء، عرفت الأمم المتحدة "الشبان والشابات" بأنهم الأشخاص الذين تراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة. أقرت الجمعية العامة هذا التعريف بقرارها 36/28 لعام 1981. وتستند جميع إحصاءات الأمم المتحدة حول الديموغرافيا والتعليم والعمل والصحة إلى هذا التعريف. بناءً على هذا التعريف يعد الأشخاص الذين هم دون سن الـ14 أطفالاً. على رغم من هذا التعريف الأممي، تبقى الفروق الدقيقة لمصطلح "الشباب" موجودة، إذ يختلف من بلد إلى آخر، تبعاً لبعض العوامل الاجتماعية والثقافية والمؤسسية والاقتصادية والسياسية الخاصة بكل مجتمع.

محطات تاريخية رئيسة في الأمم المتحدة

 -في ديسمبر (كانون الأول) 1999، أقرت الجمعية العامة بقرارها 54/120 التوصية الصادرة عن المؤتمر العالمي للوزراء المسؤولين عن الشباب (لشبونة، 8-12 أغسطس (آب) 1998) بإعلان الـ12 من أغسطس يوم الشباب العالمي.

 -في عام 2015 اتخذ مجلس الأمن بالإجماع القرار 2250 الذي شجع الدول على النظر في إنشاء آليات من شأنها أن تمكن الشباب من المشاركة بشكل هادف في مجتمعاتها كبناء السلام ومنع انتشار العنف في جميع أنحاء العالم.

 -أكد المجلس من جديد بقراره رقم 2419 لعام 2018، الحاجة إلى التنفيذ الكامل للقرار 2250، ودعا جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة إلى النظر في سبل زيادة تمثيل الشباب عند التفاوض على اتفاقات السلام وتنفيذها.

أهمية يوم الشباب العالمي

يعد يوم الشباب العالمي مناسبة سنوية للاحتفال بدور الشباب، إناثاً وذكوراً، بما هم شركاء لا غنى عنهم في تعزيز التنمية المستدامة وتعزيز حقوق الإنسان. إضافة إلى ذلك، يعد هذا اليوم فرصة لزيادة وعي التحديات والصعوبات التي تواجه شباب العالم في هذا العصر. لذلك تنطلق الاحتفالات في هذا اليوم في كثير من البلدان بهدف تطوير مهارات الشباب، وذلك عبر رفع شعارات تتناول قضايا تهم الشباب، لتتم مناقشتها وإيجاد الحلول المناسبة لها. غني عن البيان أن كل دولة تحتفل بهذا اليوم بأسلوب يتناسب مع تقاليدها وثقافتها. ذلك بأن الشبان والشابات يجسدون الروح والعمود الفقري لأي أمة تسعى إلى النهوض والتقدم. لذلك من الضروري منحهم التحفيز الدائم، والاهتمام بآرائهم وإبداعاتهم، لكي يستمروا في الإبداع على كل المستويات السياسية والعلمية والثقافية والاقتصادية والمالية والتكنولوجية والاجتماعية وينقلوا تجاربهم إلى الأجيال المقبلة.

‏‎هناك مجموعة من الأهداف الرئيسة. منها التركيز على قضايا الشباب وتشجيعهم للمشاركة في تنمية مجتمعاتهم. إضافة إلى الإصغاء إلى آرائهم وتبادل الأفكار والرؤى المستقبلية معهم وتفعيل دورهم في وضع السياسات المستقبلية. ولا ننسى زيادة وعيهم التحديات والصعوبات التي تواجههم على المستويين المحلي والدولي. يذكر أنه يتم التركيز في كل عام على موضوع مختلف، بهدف لفت انتباه المجتمع الدولي إلى قضايا الشباب. ‏‎من هذه الشعارات مثلاً شعار "النهضة بالتعليم" في عام 2019، وشعار "إبداع" في عام 2016، وشعار "الشباب والصحة العقلية" في عام 2014.

 التنمية المستدامة لخطة 2030

يتمثل أحد المبادئ الأساسية لخطة عام 2030 للتنمية المستدامة في التأكيد أنه "لن يتخلف أحد عن ركب تحقيق أهداف التنمية"، وعلى أن هذه الأهداف وضعت لجميع الشعوب في كل الدول ومن كل الفئات العمرية. وقد أتى ذكر الشباب على وجه التحديد في أربعة مجالات هي: توظيف الشباب، وحالة الفتيات المراهقات، والتعليم، والرياضة من أجل السلام. نذكر على سبيل المثال الهدف الرابع (جودة التعليم) والهدف الثامن (العمل اللائق والنمو الاقتصادي). فالتعليم حق أساسي للشباب في كل مكان. تدعو الخطة إلى تعزيز فرص التعليم الشامل والعادل والجيد، وفرص التعلم للجميع والدفع باتجاه حصول الشباب على تعليم مجاني وجيد، وكذلك الوصول إلى فرص التدريب المهني بشكل منصف وعادل. أما بالنسبة إلى هدف العمل اللائق والنمو الاقتصادي، فقد أثبت انتشار البطالة ونقص العمالة وضعف جودة العمل أنها من الآفات والقضايا المرهقة لأي اقتصاد في العالم. هكذا نرى أن الشباب في صميم أجندة 2030، بوصفهم "حاملي راية 2030"، إذ يلعبون دوراً محورياً ليس بوصفهم مستفيدين من إجراءات وسياسات جدول أعمال التنمية فحسب، بل أيضاً بوصفهم شركاء في تنفيذه.

شعار عام 2024: من النقر إلى التقدم. مسارات الشباب الرقمية للتنمية المستدامة

تعمل الرقمنة على تحويل عالمنا وتغييره بالكامل، وتقديم فرص غير مسبوقة لتسريع التنمية المستدامة. تعد التقنيات الرقمية مثل الأجهزة المحمولة والخدمات والذكاء الاصطناعي أدوات أساسية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. تدعم البيانات الناتجة من التفاعلات الرقمية اتخاذ القرارات القائمة على الأدلة ذات التأثير العميق عبر الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بحيث تسهم التقنيات والبيانات الرقمية في تحقيق 70 في المئة في الأقل من الأهداف الـ169 للتنمية المستدامة، مع إمكانية تقليل كلفة تحقيق هذه الأهداف بنسبة كبيرة.

‏‎

يقود الشباب جهود تبني الابتكارات الرقمية، إذ استخدم ثلاثة أرباع الذين تراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة الإنترنت في عام 2022، وهي نسبة أعلى مما نجده لدى الفئات العمرية الأخر. هكذا يعترف بالشباب "أبناء العصر الرقمي"، بحيث يستخدمون التكنولوجيا لدفع التغيير وخلق الحلول. ومع اقتراب الموعد النهائي لأهداف التنمية المستدامة لعام 2030، يعد دور الشباب في الابتكار الرقمي أساسياً لمواجهة التحديات العالمية.

لماذا يتعثر فعل الإبداع عند الشباب العربي؟

رغم كل الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتعزيز قدرات الشباب في العالم وإطلاق روح الإبداع لديهم، يبقى الإبداع عند شباب العالم العربي إبداعاً هشاً ضعيفاً وضئيلاً مقارنة بما نجده في الدول المتقدمة، مع أن العالم العربي عالم فتي، ومع أن بعض البلدان العربية تتمتع بقدرات مالية هائلة وثروات طبيعية كبيرة قلما نجدها في البلدان الأخرى. لكن ما الأسباب التي تحول دون إبداع الشباب العربي، ولماذا يبدع الشاب العربي عندما يهاجر إلى بلد متقدم، ما الذي نجده في البيئة المجتمعية العربية ويعوق الإبداع؟

لا نقصد بالإبداع الإبداع العلمي فقط، بل الإبداع على جميع المستويات السياسية والعلمية والاقتصادية والتقنية وغير ذلك. ولعل ما يميز الإنسان الأوروبي أولاً ليس إبداعه العلمي أو التقني أو المالي، بل إبداعه السياسي الذي خلق دولاً مستقرة ومجتمعات حضنت الإبداع وشجعته ونمته وحافظت على مكتسباته. لذلك نرى شباباً بعمر الورد ينجحون ويبدعون ويحققون أعلى درجات النجاح. أما العبقريات الشابة العربية فإنها ما تلبث أن تنزوي وتنطفئ رويداً رويداً من دون أثر إبداعي يذكر. تلك مأساة الشباب العربي، بل مأساة المجتمعات العربية التي تحرم من النهوض لأن شبابها لم ينهضوا بعد.

السلطة السياسية

تؤدي السلطة السياسية في العالم العربي دوراً هداماً يحول دون إطلاق مزية الإبداع عند الشباب العربي. فنحن لا نجد في البلدان العربية سلطة سياسية ديمقراطية مستقرة، فغالبية هذه البلدان تعاني استبداداً قاتلاً يعوق حركة تقدم المجتمعات العربية، إذ سرعان ما يتحول إلى مافيا تأكل الأخضر واليابس وتسيطر على كل شيء. ماذا عساها تكون السياسة في العالم العربي، ولماذا نتحدث أصلاً عن قوى سياسية ما دامت لا تعمل من أجل المصلحة العامة؟

لنلاحظ أن "السياسة" عندنا لا تزال تتمحور حول الزعيم الأوحد وليس حول الخير العام أو مصلحة الأمة أو مصلحة الشعب العامة أو المجتمع أو الدولة. خير الشعب من خير الزعيم، وتماسك المجتمع من قوة الزعيم وبقائه، لا من رسوخ مؤسساته وتقاليده الدستورية. إذاً، لا سياسة خارج "الفرد الاستثنائي" بكل المقاييس. لا مؤسسات دولتية ولا مجتمع مدنياً، لا ديمقراطية ولا انتخابات حتى ولا ثقافة ولا فنون من دون الدوران حول الزعيم الراعي. باختصار، لم تستطع المجتمعات العربية بناء الدولة الحديثة بمرجعية شعبها ومؤسساتها وقوانينها. لذلك تحد الدساتير الغربية من سلطة الرئيس وتحول دون تحوله إلى زعيم مطلق، كما تفرض عليه أن يتداول السلطة مع غيره. وتندرج نظرية فصل السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، التي نظر لها مونتسكيو، في هذا المسعى بحيث تحد كل سلطة من طغيان السلطتين الأخريين وتراقبهما. لكن عندنا يتحول الزعيم الاستثنائي وزعيم الضرورة التاريخية إلى زعيم مطلق، إذ يجمع عملياً جميع السلطات في شخصه ولا يقبل أن ينافسه أو يحد من سلطته أحد، وإن أدت هذه السلطة المطلقة إلى كوارث وويلات مدمرة.

أيديولوجيا التضليل والتزييف

لا مجتمع من دون نوع من الأيديولوجيا تهدف إلى تعبئة الجماهير وتحريكها في اتجاه معين، لكن ما نعاني منه في المجتمعات العربية هو أيديولوجيات مقيتة تخدر العقل العربي وتمنعه من التفكير، بل تزيف وعيه وتخدره، إذ لا تسمح بأي نوع من النقد الفلسفي حتى لو كان نقداً بناء. وعليه، لا يمكن عقلاً تعود التخدير والتعطيل أن ينهض، حتى لو قرأ ألف كتاب. ماذا نفعل بالمؤدلج المصفح ضد الوعي الذي لا يشاهد إلا محطة واحدة ولا يستمع إلا إلى إذاعة واحدة ولا يقرأ إلا صحيفة واحدة وفوق هذا كله يقدس زعيمه مهما ارتكب من حماقات؟

لذلك لا ينمو الحس الفلسفي النقدي في المجتمعات العربية، إذ ليس من طبيعة المجتمعات المفرطة في التدين والتعصب والأدلجة أن تسهل قيام الفلسفة، لأن الفلسفة تعني التحرر من كل المرجعيات بما فيها المرجعيات الدينية، وذلك حتى يمكن العقل أن ينطلق ويفكر. لذلك لا تزدهر الفلسفة في بلادنا.

لا نجد في العالم العربي قراءات مستنيرة للدين تنسجم مع ما أنتجه الفكر الإنساني في القرون الأخيرة، بل قراءات ظلامية غير مستنيرة! وعليه، نحن في حاجة إلى فهم لا ديني، إلى فهم فلسفي، إلى فهم مستنير للدين. فلا يمكن من لم يطلع على الفكر الحديث أن يقدم الدين بطريقة مستنيرة! العلم، التفكير العلمي، المنهجية العلمية، النقد الفلسفي، كل هذا دليل على عقل صحي يفكر من دون وصاية ويبدع. وهذا ما نفتقده في العالم العربي. فالصراع الديني مرير ودموي لأن الدين وحده لا يكفي ليجعلك كائناً خيراً، إذ لا بد من قراءة فلسفية حديثة للدين. لذلك لا يمكننا أن نترك أمر الدين إلى رجال الدين فقط، إذ لا بد من فهم لا ديني للدين. عرفت التيارات الدينية ازدهاراً في البيئات العربية بعد فشل المشروع القومي. لكن ما لبثت هذه التيارات أن احترقت بنار السلطة، فسقطت وتبين أن النموذج الذي تطرحه ليس مغرياً ولا جذاباً ولا مناسباً العصر. يا للأسف! فإن هذه التيارات الدينية اجتذبت أعداداً هائلة من الشباب الذي صار شغلها الشاغل تطبيق الشريعة من دون التفكير في أي إبداع.

الفساد كالسرطان منتشر بدرجات متفاوتة في العالم العربي. وأكبر مثال على ذلك المثال اللبناني الذي أفلس الدولة والشعب وقضى على طموحات وآمال أجيال من الشباب اللبناني. فالشعب اللبناني يتنفس فساداً، بل هو راغب في الفساد أيضاً. ليست المرة الأولى التي تنحرف فيها رغبة المجتمع، كما هي حال رغبة المجتمع اللبناني الذي بدلاً من أن يرغب في الكرامة والعيش في ظل دولة كريمة تحترم حقوق الإنسان، فإنه رغب في الفساد وفي التبعية والعبودية لسلطة يخجل المرء من أفعالها القبيحة والإجرامية بحق المجتمع اللبناني.

تعاني المجتمعات العربية من بنية ذهنية متخلفة مزمنة. فالمجتمعات التي أنتجت "داعش" وأخواتها تعاني، لا شك في ذلك، من اختلالات ذهنية بنيوية عميقة. في الواقع، ليست الداعشية مذهباً بعينه، وليست مذهباً متعالياً على تاريخنا، ظهر بغتة من دون رضانا، ومن دون مقدمات ليستوطن بلداننا. فالنزوع الداعشي يعشعش في أنماط حياتنا وفي أساليب عيشنا ولم يغادرنا قط. الداعشية في كل مكان. وأتت من كل مكان. هي من هذه الشعوب، هي من هذا التاريخ وليست غريبة عنه، ولقد وجدت الفكرة الداعشية بيئتها الحاضنة ونبتت بيننا نباتاً حسناً كأنما نبتت في بيئتها الطبيعية، بل في بيئتها النموذجية.

نعم قد تكون هناك عوامل خارجية أسهمت في نشوء تنظيم "داعش". لكن العوامل الخارجية مجتمعة، لا تفعل فعلها لو أنها لم تجد نفسها في فضائها المناسب وفي تربتها الخصبة الحاضنة نموها وتطورها. وما لم يتم تفكيك البنية الذهنية هذه وتفويضها، فإنا لا نتوقع خيراً وإبداعاً من الشباب العربي.

السياقات التاريخية والعوامل الخارجية

لا شك في أن هناك سياقات تاريخية وعوامل خارجية تمنع قيام الدولة الحديثة في أي بلد عربي. فزرع إسرائيل في قلب العالم العربي ووجود تركيا وإيران على حدوده يمنعان من قيام دول ديمقراطية عقلانية في العالم العربي تساعد على إطلاق حرية الإبداع عند شباب العرب. ولا ننس من يتحكم بالبورصات العالمية والاقتصاد العالمي. فأقل من واحد في المئة من سكان الأرض يتمتعون بخيراتها في مقابل ثمانية مليارات ونيف لم يعودوا يملكون شيئاً وازناً، أو بالأحرى يملكون الفتات. لقد نجحت الرأسمالية المتوحشة في القضاء على جوهر الحداثة وأعادت إنتاج التفاوت بشكل رهيب، كما أعادت إنتاج نوع من العبودية المقنعة! فنحن، اليوم، بإزاء فئتين من البشر: فئة قليلة تملك المال والنفوذ والسلاح، وفئة تعد بالمليارات لا تملك قوت يومها! هل يمكن أن يستمر هذا الوضع، من ينقذنا، لماذا انقلبت الحداثة على نفسها، لماذا انقلب التنوير إلى ظلام؟ هذا ما يحول دون قيام دول قادرة قوية تهتم بشعبها وشبابها في حال لم يتحلَ الحكام العرب بوعي شديد وذكاء خارق.

التعليم: يزال التعليم في العالم العربي يعتمد أساليب التلقين ولا يزال يركز على تعزيز ملكة الحفظ حتى في ظل التطور التكنولوجي المذهل. فليس هناك من نقاش أو تحليل أو إعمال حقيقي للعقل إلا في دوائر ضيقة ومحصورة جداً. أسلوب التعليم هذا لا يطلق حرية الإبداع عند الشاب العربي، بل يقتلها في مهدها. لذلك لا نزال نستعمل كلمة "موسوعي" بالمعنى الإيجابي! الموسوعي الذي يدعي المعرفة في كل شيء أقرب إلى الثرثار! ثم ماذا تفيد موسوعية الشخص في عصر التكنولوجيا؟

التربية: سأل سبينوزا مرة: لماذا يعمل الناس ضد مصالحهم وهم يعتقدون أن في ذلك خلاصهم، واليوم، نسأل: لماذا لا ينجح التنوير في العالم العربي؟

في عصرنا الذي نعيش فيه، عصر الأشباه، أشباه الرجال وأشباه النساء، عصر أنصاف الجهلة وأنصاف المتعلمين، ينجح السافل لأنه عديم الأخلاق وعديم الانتماء إلى وطنه ولا يشعر بأي تعاطف مع مواطنيه، إذ هو مستعد أن يفعل أي شيء مهما كان شنيعاً حتى يصل إلى أهدافه (أكبر مثال على ذلك الفاسدون في لبنان الذين فعلوا ببلدهم ما يستحي به الحيوان)، ويبرز التافه فيضرب بصورة مذهلة بتفاهاته وسخافاته مهما كانت بذيئة ومنحطة على وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت للتافهين منابر يتوجهون بها إلى أمثالهم دونما أي مضمون جدي أو مفيد، ويدعي الثقافة والفلسفة الأحمق، إذ لا يطيق كثر صوغ المسائل وطرح الأسئلة والتفكير عموماً! هذا ما يفسر ما نحن عليه من بؤس ثقافي وانعدام للبحث العلمي الجاد، بل وانعدام للأخلاق وطغيان للحماقة. في هذا السياق، نطالب بالنبالة بدلاً من السفالة في السلوك، والرزانة بدلاً من التفاهة في الحياةـ والنباهة بدلاً من الحماقة في الفكر.

أي إنسان يسعى إلى منصب سياسي أو إداري رفيع ويلهث وراءه، في بلد تحكمه بالكامل طبقة سياسية فاسدة، فإنه يوافق ضمناً على امتهان كرامته والقضاء على كل ما إنساني جميل في جوانيته! حل المثقف الحديث الولادة محل الفقيه (المثقف التقليدي) في مساندة السلطان وتوليد ما يناسبه من الأفكار التي تسوغ ظلمه وطغيانه بعدما كان الفقيه يصدر فتاوى غب الطلب في خدمته. هذا المثقف أنعته بالمثقف البهلوان لأنه ينط من سلطان إلى سلطان ليبرر أفعاله القبيحة ويسوغها. هكذا تحول أستاذ الجامعة إلى مجرد موظف خبير ينتظر راتبه آخر الشهر وتنازل طواعية عن دوره التنويري. فطغت السلطة وتحولت إلى أكبر عائق أمام تقدم المجتمع وإبداع الشباب. يا للأسف! مهما كان السلطان جائراً، سيجد على الدوام من أكابر القوم من يقف إلى جانبه ويبرر له سوء أفعاله مهما كانت شنيعة. وعليه، لا يكفي ألا تلوث يديك بدماء الناس الأبرياء أو ألا تلوث سلوكك بأفعال قبيحة، إذ الأولى والأجدر بك ألا تلوث أفكارك بأفكار خبيثة ومبتذلة وظلامية. وهؤلاء الأخيرون هم الأخطر، لأنه بسبب ما يبدون عليهم من "براءة" ومن "استقامة" يفتكون بالبشر بأفكارهم السامة. إنهم وقود الديكتاتورية والظلام والجهل المقدس. ودعائمها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما يزيد الطينة بلة والمأساة حزناً متكاثراً وقوف المتعلم التقني أو المتخصص في علوم الطبيعة والحياة إلى جانب الديكتاتور. هؤلاء تحولوا إلى خدم للسلطان ولم يكونوا أداة للنهوض بالمجتمعات العربية. لذلك على المتعلم في أنظمتنا ومجتمعاتنا الاستبدادية أن يتحلى بالجرأة بما يكفي، لكن ليعارض السلطة والمجتمع بذكاء ويحاول بناء الدولة الحديثة التي غيابها أصل كل الشرور. فمجتمعاتنا، بسبب من الأيديولوجيات السائدة، مستعدة لأن تقتل أجمل العقول علماً واستنارة بلذة وسرور معتقدة أنها تنجز واجباً إلهياً مقدساً أو مصلحة قومية عليا.

التراث أو الثقافة التراثية

لم ننته من التراث بعد. فلا يزال الأموات أحياء فاعلين في حياتنا كلنا. لعلنا نحن الأموات وهم الأحياء حقيقة. لذلك يتم استحضار التاريخ والتراث دائماً، لكن لا لنقرأهما قراءة مستنيرة حديثة، بل ليرسما لنا طريق خلاصنا في القرن الـ21. وعليه، فهناك من يقرأ الواقع والتراث بعين الأيديولوجيا فيظهران مشوهين ومطابقين لما يريده منهما، إنما المطلوب أن نقرأهما بعين الناقد الفلسفي المتمرس والمتسلح وبأحدث ما أنتجته الفلسفة والعلوم.

من يقرأ الواقع والتراث بعين الأيديولوجيا يصاب بالعمى الفكري، فيظهران مشوهين ومطابقين لما يريده هو، فلا يظهران بما لهما وما عليهما، بل بمدى قربهما من أيديولوجيا القارئ. هذا جيد لأنه يناسبني، وذاك سيئ لأنه لا يناسبني، بغض النظر عن إنجازات كل واحد منهما.

هجرة الشباب

تعاني المجتمعات العربية من هجرة الأدمغة والعقول. وهذا ما يعوق تطوير النظام السياسي وازدهار البحث العلمي والبقاء في التخلف المزمن. ومن ثم، يعوق نهضة المجتمع وتمرين الشباب العربي على ممارسة في بلدانهم. هكذا نجد أن أفضل العقول لدينا تهاجر بلا رجعة.

هذا ما أحببت أن أقوله في يوم الشباب العالمي، آملاً أن يأخذ الشباب، لا سيما الشباب العربي، أدوارهم الطليعية الرائدة ويساهموا في نهضة مجتمعاتهم من خلال إبداعاتهم في كل المجالات.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة