Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخطوط العراقية... طيران "مكسور الجناح"

مراقبون يطالبون بتقليص 5500 موظف إلى النصف وإنهاء العصر الورقي وإفساح المجال للقطاع الخاص

جندي ينظر إلى إحدى طائرات الخطوط العراقية قبل سنوات (أرشيفية - أ ف ب)

ملخص

تعاني نصف طائرات الخطوط العراقية البالغة 52 طائرة من أجيال مختلفة أعطالاً أخرجتها من الخدمة بسبب نقص قطع الغيار الاحتياطية الضرورية خصوصاً المحركات، بحسب أحد العاملين في الشركة.

بعيداً من تاريخها الممتد إلى نحو ثمانية عقود يرى متخصصون أن الخطوط الجوية العراقية سقطت في مستنقع الإهمال الحكومي المتواصل والإدارات الفاسدة، مما جعلها تتراجع كثيراً في ظل سيطرة أشخاص من غير الاختصاص في النقل الجوي على مقاليد الأمور فيها، بل وتسجيل تدخلات غير مسؤولة من وزراء النقل لا علاقة لهم بالقطاع في العراق.

وعلى رغم كونها أحد أقدم خطوط الطيران في الشرق الأوسط، فإن إغراق الشركة بموظفين لا حاجة لها بهم، جعلها تعيش أسوأ ظاهرة بطالة مقننة في تاريخها، إذ وصل عددهم إلى ما يزيد على 5500 منتسب، وهو ما يضع عراقيل أمام محاولات علاج المشكلات أو النهوض بها.

مع هذه الأوضاع الصعبة باتت اعتراضات المؤسسات الدولية المتخصصة على عدد المنتسبين والتوظيف الكمي تزيد الطين بلة، وفي نهاية المطاف قادت كل هذه الظروف الخطوط الجوية العراقية إلى دخول دائرة الحظر أميركياً وأوروبياً منذ عام 2015.

وفي كل مرة تحاول إدارة الخطوط العراقية إدامة عملها والاستمرار في دفع رواتب العاملين فيها والتطوير لتحقيق أرباح والاعتماد على المتخصصين في علوم النقل الجوي والضيافة لمواكبة شركات الطيران النظيرة ورفع كفاءتها وفق المعايير العالمية، يصطدم القائمون على خطط التطوير بالواقع المكبل.

 

 

هدر للجهود

قدر المتخصصون أن شركة الخطوط الجوية العراقية تحتاج إلى ألفي موظف فقط في أعلى تقدير، لكن الإدارات فيها تدرك أن قرار تقليص عدد المنتسبين لا يمكن تحقيقه من دون قرار من الدولة، كونها لا تملك صلاحية إخراج الفائضين عن حاجتها، ومعظمهم عينتهم الأحزاب النافذة والمحاصصة السياسية التي تشهدها البلاد، فمع كل وزير جديد لحقيبة النقل يرسل قائمة بموظفين جدد يجري تعيينهم من دون اختبارات مسبقة تحدد مدى صلاحيتهم للعمل في قطاع النقل الجوي.

وقال أحد العاملين في الخطوط العراقية، طلب عدم ذكر اسمه، إن ما يزيد الأمر سوءاً الأعطال التي أصابت نصف طائرات الشركة البالغة 52 طائرة من أجيال مختلفة، أي إن 25 طائرة خرجت من الخدمة بسبب نقص قطع الغيار الاحتياطية الضرورية خصوصاً المحركات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأرجع غياب قطع غيار الطائرات المعطلة إلى عدم توفر الأموال لشراء المحركات. وضرب مثلاً بمشكلة حدثت أخيراً مع شركة تركية تعاقدت معها الخطوط العراقية لتوفير محركات لتشغيل الطائرات المتوقفة لكن لم يجرِ الدفع فامتنعت عن توفير المحركات.

حظر أوروبي

متخصص آخر في الخطوط العراقية، طلب أيضاً عدم ذكر اسمه، قال إن "الحظر الأوروبي المفروض على الخطوط الجوية العراقية منذ عام 2015 كسر ظهر المؤسسة، بعد أن رصد المراقبون الدوليون المعنيون بجودة وكفاءة الخدمة أكثر من 280 ملاحظة فنية سلبية ترتبط بأداء وأسلوب عمل الشركة ولا تتوافق مع المعايير الدولية شديدة الحساسية، التي تحتاج إليها الشركات المماثلة، وعدم استجابة المعنيين والمسؤولين عنها لتجاوز هذا الواقع وتحسينه كونها غارقة بتركة من المشكلات الفنية والإدارية".

وأكد مدير الخطوط الجوية العراقية السابق كفاح حسن جبار في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "مشكلة الخطوط الجوية العراقية مرتبطة بالأزمة العامة في الإدارة والتعينات الكيفية التي تفرض على الشركة على رغم أنها مؤسسة ينبغي إدراك عملها النوعي الحساس المتعلق بالنقل الجوي الذي يحتاج لكادر نوعي، يجري اختياره واختباره بدقة عالية، لكن الواقع لا يمت بصلة لمهمة الشركة وعمها بإخضاعها لتغيرات مستمرة، بل وإقصاء الإدارات الكفؤة فيها حين يعترضون على التجاوزات الفنية والإدارية".

محاصصة سياسية ضاغطة

بحسب جبار، فإن نظام المحاصصة الحزبية والسياسية فرض تعيينات بين الحين والآخر حتى غرقت الشركة في بحر من الموظفين يقدر 5500 موظف فرضوا عليها من خارج حاجتها الفعلية الكاملة سواء في الإدارة والتسويق، في حين أن حاجتها الفعلية لا تزيد على نصف هذا العدد من المنتسبين النوعيين ومن الكفاءات المشهود لها في هذا المجال الحيوي مع إخضاعهم أولاً لاختبار كفاءة.

وقال، "أذكر مرة حين كنت أتولى إدارة الشركة في عام 2017 وردني كتاب من وزارة النقل بتعيين 1500 موظف جديد، لا أحتاج لهم مطلقاً ولم أطلب تعيينهم، ولا دراية لهم بعلوم النقل الجوي، لكن لم يكن لي حق الاعتراض لأنهم معينون من جهة عليا"، على حد قوله.

 

 

مدير الخطوط الجوية العراقية السابق يرى أن الشركة تواجه منافسة شديدة من شركات طيران نظيرة تمكنت من توظيف الخبرات الدولية والموازنات المفتوحة، بل وتطير لأماكن عمل الخطوط العراقية داخلياً وخارجياً، والإدارات فيها ذات صلاحية ومرونة عالية تفتقدها خطوطنا بسبب كونها تخضع لمعايير حكومية روتينية لا تتناسب ومهمتها السريعة التي تحتاج القرار والصلاحية الكاملة في البيع والشراء والتسويق.

الحلول المتاحة

لكن ومع هذه النظرة السلبية يرى كفاح حسن جبار أن الحل يبدأ بإلغاء مفهوم "الناقل الوطني" فشركات الطيران في العالم خرجت من عباءة القطاع العام الحكومي، بسبب المنافسة المستمرة وتغيرت صيغ العمل التي استدعت السرعة والفورية في حل المشكلات، بوجود إدارات كفؤة وقادرة على اتخاذ القرارات وبصلاحيات كاملة، وتفكر دوماً في المنافسين وسبل تطوير عملها يومياً، وتراعي سوق المنافسة والتسويق والعمل التجاري ونظام الترويج والإنفاق المستمر على تواصل النجاح، وتخطي مفاهيم باتت بالية في التعيينات لأشخاص غير مؤهلين ولا يملكون خبرات في علوم الطيران، والتدريب المستمر للكوادر، وتحسين مستوى التعامل مع الركاب.

وقال جبار، إن خريطة التطوير السابقة تتطلب إنفاقاً مستمراً لا تقدر عليه الشركات الحكومية الخاضعة للروتين الطويل الموروث من القرن الماضي، إذ لا تزال تتعامل بالورق وتخلفت عن "الأتمتة" التي سرعت العمل في العالم كله وجعلته مواكباً لإيقاع العصر، فقطاع النقل يجب ألا يخضع لمعايير المحاصصة السياسية والحزبية كما هو مفروض حالياً، بل يجب أن يخضع لكفاءة مجلس إدارة كفء ومقتدر علمياً وفنياً يملك الصلاحية والقرار السريع لمصلحة إنجاح عمل الخطوط، ويحقق لها الأرباح في تقليص الكادر وفق حاجته الفعلية، ويعمل بمرونة عالية وثقة كي يتمكن من النجاح بعيداً من الروتين المتبع تحت الإدارة الحكومية الرسمية.

 

 

ولا يتحقق كل ما سبق من دون إعادة هيكلة للخطوط الجوية العراقية وعرضها للاكتتاب والحصول على داعمين لها من القطاع الخاص من أصحاب رؤوس الأموال العاملين في حقول الطيران وعلى دراية بآلية العمل فيه والسعي إلى التجديد وضخ دماء جديدة من خبرات شابة في التضييف ومجالات التسويق والتدريب والمكاتب الأمامية في الداخل والخارج ومغادرة العصر الورقي.

ويرى كثيرون أنه لا بد من سعي الدولة متمثلة في رئاسة الوزراء واتخاذ إجراءات سريعة تتمثل في فصل شركة الخطوط الجوية العراقية عن وزارة النقل، وإعادة ربطها بمجلس الوزراء كما كانت في السابق، وتفعيل قانون الشركات فيها لتتحرر من ضغوط الروتين الذي يكبل عملها، كذلك إعادة هيكلتها بما يتوافق والمهام التي تقوم عليها، من خلال مجلس إدارة جديد وكفء له صلاحيات ترشيق كادرها، وفق معايير حديثة في الكفاءة والمؤهلات العلمية والفنية الفاعلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير