Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السمك لأغنياء غزة فقط… الحرب تحرم العامة من غلة البحر

اختفاء الأعشاب والطحالب من قاع المحيط بسبب القذائف الإسرائيلية

ملخص

في غزة يعد السمك مصدر الغذاء الوحيد المتوافر في الأسواق لكن ثمنه مرتفع للغاية وتحول من طعام للعامة إلى وجبة للأغنياء

على لوح خشبي صغير أخذ يعرض الصياد الفلسطيني جاد قليلاً من الأسماك التي التقطتها شباكه من شاطئ بحر غزة، وأمام المتسوقين ينادي "سردين غزة لوكس البحر الطازج" في محاولة منه لجذب انتباه المارة.

كثير من الناس تزاحموا أمام البسطة الشعبية التي يقف خلفها جاد، وجميعهم يسألون عن سعر كيلوغرام كل نوع سمك، وكان الجواب "85 دولاراً"، وعلى الفور وبسبب كلفته العالية غادر المتسوقون المكان بصمت.

يدرك جاد أن السعر مرتفع جداً على سكان غزة، وهذا يجعل الإقبال على شراء الثمار البحرية ضعيفاً جداً، وأن المقتدرين مالياً فقط يستطيعون شراء الأسماك في فترة الحرب، أما بقية الطبقات الاجتماعية في القطاع فلن تتمكن من أكله.

أسباب الصيادين

لأسباب كثيرة أصبح سمك غزة للأغنياء فقط، يقول الصياد جاد "لقد تغير البحر كثيراً في فترة الحرب، وكذلك اختلفت المهنة عن وقت السلم، ولم تعُد غزة التي كانت تعرف بـ’مدينة الصيد‘، كذلك"، إذ يواجه صيادو غزة أخطار الحرب الإسرائيلية أثناء الصيد بعد تشديد تل أبيب حصارها على غزة، مما ترتب عليه اختفاء غالبية أنواع الطعام من السوق المحلية، وبات الحصول على الدجاج واللحوم الحمراء وحتى الخضراوات أمراً مستحيلاً، لا سيما في شمال القطاع.

ويضيف جاد أن "الطعام الوحيد المتاح لسكان غزة الآن هو السمك، ولكن فكرة صيد الكائنات البحرية أمر مرعب للغاية، باختصار لا يوجد وقود لتشغيل ما تبقى من مراكب الصيد التي نجت من محرقة نفذها الجنود في ميناء غزة، كما أن النزول إلى البحر يكلفنا يومياً سقوط أكثر من ثلاثة صيادين ضحايا نتيجة استهداف جنود البحرية الإسرائيلية".

ويتابع "نحن نبيع دماً، كل لحظة لنا في البحر يفتح جنود الجيش الإسرائيلي النار علينا، نموت بصورة يومية ونحن نعيش تفاصيل الخوف والرعب والقذائف والأعيرة النارية".

تفسير علمي

ليس هذا السبب الوحيد الذي أدى إلى ارتفاع ثمن سعر السمك في غزة، فهناك تفسير علمي آخر، إذ يقول أستاذ العلوم البيئية عبدالفتاح عبد ربه "تحولت مدينة الصيد إلى مدينة صحراوية".

فثلاثة أسباب وراء عملية زيادة أسعار السمك، يشرح عبد ربه "أولاً يمنع الجيش الإسرائيلي الصيادين من الدخول إلى عمق البحر، ويضطر البحار إلى ممارسة الصيد من مسافة قريبة من الشاطئ، ولا يُعدّ شاطئ غزة مكاناً مناسباً لعيش الأسماك، وما هو موجود على الشاطئ نسميه فئة ضالة وصلت إلى هنا بالخطأ، بالتالي لن يتمكن الصياد سوى من اصطياد كمية قليلة جداً من الأسماك لبيعها في الأسواق".

قبل الحرب، كان يبحر أكثر من سبعة آلاف صياد في بحر غزة، يصطادون سنوياً 28 ألف طن من الأسماك، إذ كانوا يبتعدون أكثر من 10 أميال بحرية، ويمارسون مهنتهم بواسطة أدوات صيد متقدمة نسبياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن في فترة القتال كل كذلك تغير، إذ يبحر نحو 700 صياد فقط، كل يوم تقتل البحرية الإسرائيلية ثلاثة منهم، وتمكن هؤلاء من اصطياد 900 كيلوغرام فقط خلال أشهر الحرب الـ10، وغالبيتها اصطادوها بواسطة أدوات بدائية وقرب شاطئ غزة، على مسافة لا تتجاوز الميلين.

أما السبب الثاني بحسب أستاذ العلوم البيئية، فيتمثل في اختلاف نوعية السمك وحجمها، إذ بسبب الحرب تغيرت طريقة تكاثر الأسماك وباتت تهرب الأنواع المتعارف عليها إلى بيئة آمنة، ولهذا لم يعُد يجد الصيادون كائنات بحرية في شاطئ غزة.

قذائف غيرت طبيعة البيئة البحرية

في حين أن السبب الثالث له علاقة مباشرة بالحرب، ويوضح عبد ربه أن "البحرية الإسرائيلية تطلق بصورة مستمرة قذائفها في بحر غزة، فتصل هذه القنابل إلى عمق المياه، ولكل سلاح تأثير كيماوي وإشعاعي، مما انعكس على البيئة البحرية وأثّر في التنوع الحيوي في بحر غزة".

بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق الساحلية، أجرى عبد ربه جولة بحرية استنتج خلالها أنه "في عمق البحر لم أجد أعشاباً بحرية ولا نباتات، لقد أصبحت نهاية العمق عبارة عن رمال صفراء فقط، فنتيجة القذائف التي تسقط في المياه تحولت أرض البحر إلى صحراء".

العوامل العلمية إلى جانب الإجراءات العسكرية للجيش الإسرائيلي تجاه الصيادين، إضافة إلى عدم وجود أدوات صيد، كلها تسببت في تحول هذا الغذاء من طعام شعبي يستطيع جميع سكان غزة شراءه إلى وجبة خاصة للأغنياء فقط.

حرفة الصيد تدمرت

يقول الصياد مصطفى إن الإقبال على سوق السمك أصبح ضعيفاً جداً، "الناس تشتري سمكاً بسبب قلة الموارد الأخرى، فلا يوجد أي طعام في أسواق شمال غزة، فقط السمك، لكن ثمنه مرتفع للغاية، إذ وصل سعر كيلوغرام ’البوري‘ مثلاً إلى 120 دولاراً، والأشخاص المقتدرون مادياً هم من يستطيعون شراءه".

ويضيف أن "الذين لا يملكون المال فمن أين سيشترونه، يعني أنا أصطاد وأبيع السمك ولا أستطيع شراءه، لدي سبعة أفراد ولإطعامهم لا بد من شراء ثلاثة كيلوغرامات، ثمنها تفوق قدرتي الشرائية".

ويقول نقيب الصيادين الفلسطينيين نزار عياش إن إسرائيل قضت على مهنة الصيد بالاستهداف والاعتقال والملاحقة، لكن ذلك تجلى بوضوح في الحرب الحالية، إذ دمرت ميناء غزة وحرقت المراكب وأعدمت الصيادين"، مردفاً أن "إسرائيل سمحت باستيراد السمك المجمد، مما وفر نوعاً قليلاً من التنوع الغذائي لكن في جنوب القطاع، أما شمال غزة فلا يوجد أي غذاء نهائياً وشراء السمك هناك لمن يملكون العملة الإسرائيلية أو الأميركية وهؤلاء فئة قليلة جداً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير