Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عقدة التنين" ترافق ترمب وهاريس في سباق البيت الأبيض

أظهر استطلاع نشرته مؤسسة "غالوب" في مايو الماضي أن أكثر من 40 في المئة من المواطنين ينظرون إلى الصين باعتبارها العدو الأول للولايات المتحدة

لمن تميل كفة الصين: هل لترمب الذي عرفوه من قبل أم لهاريس التي تعد رئاستها في حال فوزها رئاسة ثانية لبايدن ورابعة لأوباما؟ (اندبندنت عربية)

ملخص

لمن تميل كفة الصين هل لترمب الذي عرفوه من قبل رئيساً لـ4 أعوام أم لهاريس التي تعد رئاستها في حال فوزها رئاسة ثانية لبايدن ورابعة لأوباما الرجل الذي يتلاعب بأوتار اليسار الديمقراطي الأميركي بنوع خاص؟

على مقربة أقل من ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، يتصدر السؤال عن تفضيلات الصين للرئيس الأميركي المقبل النقاش والجدل في الداخل الأميركي بنوع خاص، لا سيما أن استراتيجية الأمن القومي الوحيدة التي صدرت في عهد الرئيس جو بايدن، تضع الصين على رأس التحديات المقبلة للولايات المتحدة الأميركية، وقبل روسيا التي تقاتل في أوكرانيا، وربما تهدد الـ"ناتو" عما قريب.

ويشغل هذا التساؤل الرأي العام الأميركي، فيما يعيش مجتمع الاستخبارات حالة من القلق والترقب خوفاً من عمليات الاختراق السيبراني، وإشكالية الزيف العميق، التي يمكن للصين أن تلعب فيها دوراً متقدماً، دعماً للرئيس الذي ترغب في وصوله إلى البيت الأبيض ودرءاً وقطعاً للطريق على من لا تحب.

بحسب استطلاع رأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث ونشر في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، فإن الصين تشكل مصدر قلق رئيساً في السياسة الخارجية بالنسبة لنحو نصف الأميركيين، فيما أظهر استطلاع نشرته مؤسسة "غالوب" في مايو (أيار) الماضي أن أكثر من 40 في المئة من الأميركيين ينظرون إلى الصين باعتبارها العدو الأول للولايات المتحدة.

هل الصينيون بدورهم مهتمون إلى حد القلق بهوية سيد البيت الأبيض المقبل؟

المؤكد أن كبار القادة الصينيين، لم يذكروا شأن الانتخابات الأميركية علناً، وقد وعد الرئيس شي جينبينغ نظيره الأميركي جو بايدن بكاليفورنيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بأن بلاده لن تتدخل في اختيارات الأميركيين، غير أن هذا لا ينفي كون الاستراتيجية الرئيسة التي يُروج لها في الداخل الصيني، تقوم على تحويل البلاد إلى قوة تكنولوجية مكافئة للولايات المتحدة، وربما تفوقها. أما عن حديث المواجهة العسكرية، فهذا ما تعمل عليه الصين بهدوء وروية، ومن غير قعقعة سلاح مسموعة، حتى وإن كانت تسابق الزمن لامتلاك ترسانة نووية تراوح ما بين 500 و1000 رأس نووي، بحلول 2030.

لمن تميل كفة الصين، هل لترمب الذي عرفوه من قبل رئيساً لأربعة أعوام أم لهاريس التي تعد رئاستها في حال فوزها رئاسة ثانية لبايدن ورابعة لأوباما الرجل الذي يتلاعب بأوتار اليسار الديمقراطي الأميركي بنوع خاص؟

ما الذي يقلق أميركا من الصين؟

لعله يجب قبل الجواب عن السؤال المتقدم التوقف قليلاً أمام الإشكالية الأكبر، أي الرؤية الكلية الأميركية للصين، وما الذي يقلق العم سام مما يخبئه التنين القابع في بكين سواء بشأن القضايا الراهنة، أو في ما يتعلق بالمستقبل، وهو ما يمكن تسميته بـ"عقدة التنين".

وفق كبيرة المستشارين في شؤون الصين بوزارة التجارة الأميركية البروفيسور إليزابيث إيكونومي، "هناك مخاوف عميقة من فكر الصين الضارب جذوره في بطون التاريخ، فعادة ما ينجحون في مداراتها ومواراتها، لكن في لحظة معينة لا بد مما يقال همساً في المخادع أن ينادى به من فوق السطوح".

هنا وفي هذه المرحلة الزمنية، حيث حرب باردة جديدة تلوح في الأفق بين بكين وواشنطن، وربما بين واشنطن من جهة وبكين وموسكو من جهة ثانية، لم يعد الرئيس الصيني شي جينبينغ، يخفي طموحات بلاده ورغبته الشخصية في دخول التاريخ، مثل ماو تسي تونغ وشوان لاي في إعادة هيكلة العالم، فهو يريد تفكيك شبكة تحالفات واشنطن وتطهير الهيئات الدولية مما يصفه بـ"القيم الغربية"، ويرغب في إطاحة الدولار الأميركي وإسقاطه من عليائه، وتقليص سيطرة واشنطن الخانقة على التكنولوجيا الحيوية.

في نظام شي جينبينغ الجديد والمتعدد الأقطاب، سترتكز المؤسسات والأعراف العالمية على المفاهيم الصينية ذات الصلة بالأمن المشترك والتنمية الاقتصادية، والقيم الصينية حول الحقوق السياسية التي تحددها الدولة، والتكنولوجيا الصينية، ولن تضطر الصين بعد الآن إلى النضال من أجل الزعامة، وستضمن حصولها على دور محوري.

اليوم وفي يقين الرئيس الصيني، أن تلك الأهداف أصبحت قريبة المنال، وربما يعد مبادرة "الحزام والطريق"، الوريث الشرعي لطريق "الحرير القديم"، بداية القطبية الصينية القادرة على إزاحة العم سام من قطبيته المنفردة بمقدرات العالم، لا سيما بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي.

خلال المؤتمر المركزي للعمل المتعلق بالشؤون الخارجية الذي عقد في ديسمبر (كانون الأول) 2023، تفاخر جينبينغ بأن بكين "دولة كبرى واثقة من ذاتها ومعتمدة على نفسها ومنفتحة وشاملة، ولهذا أنشأت "أكبر منصة للتعاون الدولي" في العالم ومهدت الطريق أمام "إصلاح النظام الدولي".

جينبينغ لا ينفك يؤكد أن مفهومه للنظام العالمي يدفع في دروب مجتمع ذا مستقبل مشترك للبشرية، وأن بكين قادرة على تطوير الفكرة إلى مبادرة ومنها إلى إجماع دولي، وأن هذه الرؤية قابلة للتحقق من خلال تنفيذ أربعة برامج صينية هي، "الحزام والطريق"، و"مبادرة التنمية العالمية"، و"مبادرة الأمن العالمي"، و"مبادرة الحضارة العالمية".

هنا تطرح علامة استفهام، "كيف تتشابك خيوط وتتقاطع خطوط هذه الاستراتيجية العالمية، مع المرشحين للرئاسة الأميركية، ترمب الجمهوري وهاريس الديمقراطية؟".

إرث بايدن صراع أم منافسة؟

من المؤكد أنه لا يمكننا الحديث عن المشهد الصيني - الأميركي الحالي بعيداً من إرث بايدن، وبعد أربعة أعوام من إدارة لم يمكنها أن تحدد مستوى علاقاتها مع الصين، وهل هي علاقة صراع يمكن أن تقود إلى مواجهات عسكرية بعد الصدام السياسي أم إنها منافسة تجارية ومالية في غالب الأمر، يمكن الوصول معها إلى مستوى مقبول ومعقول من التعايش الثنائي؟

الجواب عن هذه الإشكالية جاء على لسان ألكسندر بيرنز، المحرر المشارك لشؤون السياسة العالمية في مجلة "بوليتيكو" الأميركية، معتبراً أن بايدن يحب أن يلخص نهجه تجاه الصين بعبارة موجزة "المنافسة"، وليس الصراع، وقد استخدم هذا المصطلح في أعمال قمة مجموعة الـ20 عام 2022 في بالي بإندونيسيا، بعد اجتماعه مع شي جينبينغ لإحياء علاقتهما المتوترة، واستخدم بايدن أيضاً هذه الرؤية مرة جديدة في خطاب الاتحاد في فبراير (شباط) 2023، بعد أيام من إرسال طائرات حربية لتدمير منطاد تجسس صيني قبالة ساحل المحيط الأطلسي.

بالنسبة للأشخاص الذين تابعوا سياسات بايدن تجاه الصين طوال الأعوام الثلاثة والنصف الماضية، يمكنهم القطع بأنها كانت واضحة بما فيه الكفاية. لقد فرض قيوداً مؤلمة على قطاع التكنولوجيا في الصين وضغط على الحلفاء الأوروبيين للقيام بالشيء نفسه. كما عمل على تعميق التحالفات العسكرية مع جيران الصين ووعد بتزويد أستراليا غواصات نووية تطاول الحواضن الصينية لا لتعزيز دفاعاتها فحسب، ولكن لإمكانية مهاجمة الصين أيضاً.

وفي أوائل العام الحالي، فرض قيوداً تجارية هائلة لا سيما في قطاع التكنولوجيا المتقدمة والرقائق منها بنوع خاص، كما فرضت إدارته قيوداً مكثفة على استثمار الشركات الأميركية في السوق الصيني. إنه نهج يهدف بلا شك إلى تقويض القوة الصينية مع ترك بعض المجال للحوار في شأن مسائل ذات اهتمام مشترك مثل التغير المناخي والحرب في أوكرانيا.

غير أن الإرث الذي تركه بايدن، لا يبدو واضحاً بما يكفي في عيون الأميركيين بالنسبة للصين، فقد أهمل أو أخفق في تقديم رؤية واضحة لناخبيه عن علاقة أميركا بالصين في حال فوزه بولاية ثانية، لا سيما أنه حاول أن يشرح ما يمكننا أن نسميه "سياسة واحدة في كل مرة"، لكنه لم يحدد صورة أكبر وأكثر وضوحاً من "المنافسة" وليس الصراع.

يترك بايدن البيت الأبيض مخلفاً من وراءه تركة ثقيلة مع "الصين المقبلة"، التي تحولت في الفترة الأخيرة أو في طريقها للتحول من أزمنة الردع النقدي أي استخدام فوائض أموالها السائلة لتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية حول العالم، وتعزيز تنافسيتها وقطبيتها المقبلة، إلى أوان الردع النووي، من خلال ترسانتها المقبلة، وهي تحولات طبيعية عادة ما تمر بها الأمم والإمبراطوريات الصاعدة في طريق القوة الدولية، إذ إن تمكنها الاقتصادي وهيمنتها المالية، تتطلبان وعند نقطة زمنية بعينها قدراً كبيراً من القوة المسلحة القادرة على الحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية خارج حدودها الإقليمية.

هل هاريس تدرك أبعاد هذا الإرث، وإذا كان كذلك، فما رؤيتها ومخططاتها للأعوام الأربعة من العلاقات مع الصين؟

دعونا نؤجل الجواب قليلاً وقبل أن نبحر على الجانب الآخر، أي رؤى ترمب نفسه للصين، وهل في بكين من يراه أفضل من هاريس، أم إن نظرة الصينيين لكليهما تكاد تكون واحدة؟

بكين وتحديات

قد يميل الأميركيون إلى التساؤل عما إذا كانت الصين تفضل إدارة هاريس أو إدارة ترمب الثانية، وربما يمكن توسيع التساؤل بمعنى هل تفضل الصين الديمقراطيين أم الجمهوريين؟ ففي عام 1972، أخبر الرئيس ماوتسي تونغ الرئيس ريتشارد نيكسون أنه يحب اليمين السياسي في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية. وعلى رغم أن ماو لم يقدم سبباً لهذا التفضيل، فمن المرجح أنه رأى أن نيكسون وغيره من الزعماء الغربيين ذوي الميول اليمينية، يولون اهتماماً أكبر للمصالح الاقتصادية والأمنية لبلدانهم، في حين كان الساسة على اليسار يميلون إلى تأسيس سياساتهم على الأيديولوجية والقيم السياسية.

غير أنه من الصعب الحكم على ما إذا كان الديمقراطيون أم الجمهوريون هم من قدموا مساهمة أكبر في العلاقات الأميركية - الصينية.

على سبيل المثال، على رغم أن نيكسون الجمهوري كان أول من كسر الجليد مع الصين، فإن الرئيس جيمي كارتر الديمقراطي هو الذي قرر إقامة علاقات دبلوماسية مع بكين. ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، كان هناك سبعة رؤساء ديمقراطيين وسبعة رؤساء جمهوريين في الولايات المتحدة، وفي عهودهم جرت اختراقات وأزمات كبرى في العلاقات الثنائية بين بكين وواشنطن.

وينطبق الشيء نفسه على التقييمات الصينية للحزبين اليوم، فعندما تولى ترمب منصبه عام 2017، كان اهتمامه الأول بالصين والعجز التجاري الهائل للولايات المتحدة، وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة تم التعامل مع العجز، فضلاً عن التفوق التكنولوجي للصين باعتباره قضية أمن قومي. ولم تكتف إدارة ترمب بوصف الصين بأنها "تنقيحية" ومنافس استراتيجي، بل حددت أيضاً الحزب الشيوعي الصيني باعتباره تهديداً لأسلوب حياة الأميركي والإعلام الحر، وبإطلاق "نهج حكومة كاملة عدواني".

هل اختلف المشهد كثيراً حين حل بايدن في البيت الأبيض؟

من الملاحظ أنه وعلى رغم كل الاختلافات المفترضة بينها وبين إدارة ترمب، فقد أظهرت إدارة بايدن استمرارية ملموسة مع سلفها في شأن الصين. وبصورة أساسية عزز بايدن التوجه العدائي بصورة عامة لسياسات حقبة ترمب من خلال نهج أكثر منهجية وتعددية، الذي أطلقت عليه إدارته اسم "الاستثمار والتوافق والتنافس".

وفي أول خطاب لبايدن عن السياسة الخارجية الأميركية في فبراير 2021، وصف الصين بأنها "المنافس الأكثر جدية" للولايات المتحدة، وتعهد مواجهة مباشرة للتحديات التي تشكلها على "ازدهار الولايات المتحدة وأمنها وقيمها الديمقراطية".

ماذا يعني ذلك؟ باختصار غير مخل، يعني أن الصينيين لا يرون أي فرق بين هاريس وترمب، ومع ذلك تبقى رؤية كل من المرشحين ذاتية تجاه الصين.

كيف ترى كامالا هاريس الصين؟

يحتاج رصد مواقف هاريس الخاصة بالصين إلى كتابات موسعة قائمة بذاتها، غير أنها في مجملها، لا تبدو أنها تحمل مودة للصين، وأنها ستكون نسخة مكررة من بايدن، لا سيما أن راسم سياسات الديمقراطيين من خلف الستار واحد، باراك أوباما!

يمكن أن نبدأ شيئاً من الرصد من عند وقت تنافست فيه مع نائب الرئيس آنذاك مايك بنس في "سولت ليك" بولاية يوتا في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، حين أطلقت هجوماً حاداً على الحرب التجارية التي شنتها إدارة ترمب، والتي فرضت رسوماً جمركية على بضائع صينية بقيمة 300 مليار دولار.

في المناظرة نفسها قالت، "لقد خسرتم تلك الحرب التجارية، لقد خسرتموها، ما حدث في النهاية هو أنه بسبب ما يسمى الحرب التجارية مع الصين، خسرت أميركا 300 ألف وظيفة في قطاع التصنيع، وعانى المزارعون من الإفلاس بسبب ذلك. نحن في حالة ركود في قطاع التصنيع بسبب ذلك".

لا يتوقف هجوم هاريس على الصين عند الإشكاليات الاقتصادية، بل يطاول قضايا الأمن القومي الأميركي والصراعات المحتملة مستقبلاً، فقد اتهمت هاريس الصين من قبل بأنها "تقوض العناصر الأساسية للنظام الدولي القائم على القواعد"، ووصفت سلوكها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان بأنه "مقلق".

ومن على متن السفينة الحربية "يو أس أس هوارد" في قاعدة يوكوسوكا البحرية في اليابان، كررت هاريس تعليقات الرئيس جو بايدن الداعمة لتايوان فقالت، "إن الولايات المتحدة ستواصل معارضة أي تغيير أحادي الجانب للوضع الراهن، وسنستمر في دعم دفاع تايوان عن نفسها، بما يتفق مع سياساتنا الراسخة".

في خطابها نفسه أكدت هاريس، أن "الصين تعمل على تقويض العناصر الأساسية للنظام الدولي القائم على القواعد، فهي تسعى إلى عرقلة حرية التجارة، وتستخدم قوتها العسكرية والاقتصادية لإرغام وترهيب جيرانها".

أظهرت هاريس في أكثر من مرة رؤيتها الخاصة بما اصطلح على تسميته "باكس أميركانا"، أي قيام الولايات المتحدة بالسعي الدائم للحفاظ على أمن وسلام العالم، واعتبارها الاستقرار في مضيق تايوان "سمة أساسية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة"، وأرسلت ما يمكن أن نعده رسالة شديدة اللهجة للقائمين على الأمر في بكين، "سنواصل الطيران والإبحار والعمل بلا تردد أو خوف، أينما ومتى يسمح القانون الدولي".

كانت هاريس على الدوام صريحة في شأن القضايا الحساسة التي تعكر صفو العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.

عملت بانتظام على التشريعات بصفتها عضواً في مجلس الشيوخ لتعزيز حقوق الإنسان في هونغ كونغ .

وعلى رغم أنه لا يوجد سجل لزيارة هاريس لتايوان أو الصين، سواء بوصفها عضواً في مجلس الشيوخ أو أثناء توليها منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا. ومع ذلك، فقد أشارت تصريحات أميركية مبطنة لكثير من المسؤولين إلى أن واشنطن ستستمر في تقديم الدعم غير الرسمي للجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، وبخاصة في أعقاب التهديدات العسكرية الصينية المتزايدة، وقالت هاريس في سبتمبر (أيلول) 2022 "سنواصل دعم تايوان في الدفاع عن نفسها، بما يتفق مع سياستنا الراسخة".

تلك التصريحات لا تعني أن هاريس تنصب العداء المطلق للصين، ذلك أنه منذ أن أصبحت نائبة للرئيس، تحدثت هاريس مع كل من الزعيم الصيني جينبينغ ورئيس تايوان لاي تشينغ تي، كما التقت لفترة وجيزة جينبينغ على هامش اجتماع قادة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ عام 2022.

وفي كل الأحوال لن تكون هاريس بالنسبة للصينيين لغزاً مغلفاً بأحجية، فقرّاء كتاب بايدن، لا سيما في عامه الأخير، يعون أنه كفيل بأن يرشدهم إلى الطريقة التي تفكر بها، والخطوات التي ستقدم عليها.

هل ترمب هو الخيار المفضل للصينيين على رغم المواجهات والمجابهات التي عرفتها رئاسته اليتيمة من قبل تجاه بكين؟

ترمب قد يكون خيار الصين المفضل

في اليوم التالي لإعلان الرئيس بايدن انسحابه من المنافسة الرئاسية، أجرت إحدى الصحف في الصين استطلاعاً غير رسمي عبر الإنترنت، وقد كان السؤال، "من تعتقد أنه يستطيع الفوز، الرئيس السابق ترمب أم نائبة الرئيس هاريس؟".

ربما كانت النتيجة مفاجئة وبمثابة انتصار ساحق لترمب، إذ حصل على ما يقارب 80 في المئة من الأصوات البالغ عددها 22 ألفاً.

يبدو اسم ترمب مألوفاً ومعروفاً في الصين، بل يتمتع بمكانة مرموقة في عموم البلاد، فهناك شركة عقارات تحمل اسم ترمب، وسيارة صينية الصنع تحمل اسم "ترمبشي"، وبعد محاولة اغتياله في الـ13 من يوليو (تموز) الماضي، كانت هناك موجة من الإشادة على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية بصلابة ترمب الذي ظل محل اهتمام الرأي العام لأعوام.

هل يمكن بالفعل أن يكون ترمب هو رجل الصين الذي فضلوه من قبل على بايدن، وفي النهاية يرونه مفضلاً عن هاريس؟

 قد يكون الأمر بالفعل على هذا النحو لأكثر من سبب، لا سيما أن ترمب هو بالضبط نوع الزعيم الذي تعرف الصين كيف تتعامل معه، فهو يتمتع بـ"أنا" ضخمة ويعتقد أنه وحده القادر على حل المشكلات من خلال الصفقات التي يعتقد أيضاً أنه وحده القادر على عقدها .

على سبيل المثال، يمكن للصينيين أن يتذكروا أن ترمب كان يرى أنه وحده القادر على حمل كوريا الشمالية على كبح جماح برنامجها النووي من خلال الاجتماع بزعيمها كيم جونج أون .

هل هذا هو الرجل الذي يعرف الصينيون كيف يعزفون على أوتاره التي تبدو متناقضة في بعض الأحيان؟

المعروف أن الصين لديها تاريخ في التعامل مع المسؤولين الأقوياء من خلال الإطراء والعلاقات الشخصية والمكآفات المالية. ويفضل القادة الصينيون مثل هؤلاء المسؤولين على أولئك الذين ينشغلون بالقواعد أو القوانين غير الشخصية.

خلال رئاسة ترمب، رأينا الصين تستغل هذه المنافع، فبمساعدة صفقات العقارات ومنح العلامات التجارية، أقام الصينيون علاقات مع جاريد كوشنر وإيفانكا ترمب. كما أنفق المسؤولون الصينيون ملايين الدولارات في فنادق ترمب، ولا شك أن مثل هذه الجهود ستتجدد في رئاسة ترمب الثانية.

وبعيداً من جاذبية غرور ترمب، فإن بكين ترى أن أهداف سياسته الخارجية تشكل تحسناً كبيراً مقارنة بأهداف هاريس – بايدن.

ولعل الشاغل الجيوسياسي للصين هذه الأيام هو إحباط سلسلة التحالفات والشراكات التي جمعتها إدارة بايدن رداً على سياساتها، فقد عزز الرئيس العلاقات الأميركية مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، وأعلن عن قواعد أميركية جديدة في الفيليبين، وعزز الثنائي مع فيتنام، وجند الدول الأوروبية للمساعدة في مواجهة الصين في التجارة والتكنولوجيا والعقوبات.

وهناك من بين القراءات التي تدفع الصينيين لاعتبار ترمب مرشحهم الأفضل، كونه كان مستهزئاً بالتحالفات الأميركية في ولايته الأولى، وكان أكثر من ذلك في تصريحات حملته الأخيرة، إذ شكك في التزامات أميركا تجاه حلف شمال الأطلسي، ودعم إنهاء المساعدات الأميركية المليارية لأوكرانيا، وقدم كلمات الثناء لزعماء يعدون عند الديمقراطيين وبخاصة الليبراليون "زعماء استبداديين"، كوصفه رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان بـ"الرجل القوي".

أما الأمر الأكثر أهمية من وجهة نظر الصين، فيتمثل في كون ترمب يعد بعلاقات أميركية - روسية أكثر دفئاً، تبدأ من عند إنهاء "الحرب العبثية" على حد وصفه بين روسيا وأوكرانيا، التي يقطع بأن الديمقراطيين هم من يؤججونها يوماً تلو الآخر.

هذا التفكير بلا شك يخدم الصين التي تقيم شراكات استراتيجية مع الروس في الأعوام الأخيرة، درءاً لخطط وخطر الديمقراطيين في واشنطن .

ومن وجهة نظر الصين فإن ابتعاد أميركا عن حلفائها واقترابها من روسيا، أمر يشكل فرصة ذهبية لتراجع أميركي عن المسرح العالمي، مما يمنح الصين مجالاً واسعاً لاستعراض طموحاتها الدولية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل يكون ترمب هو رجل الصين بالفعل؟

الثابت أنه بناء على سجله الحافل، يبدو من المنطقي أن نتوقع أنه إذا عاد ترمب إلى البيت الأبيض، فسيبدأ بخطابات رنانة ضد الصين، ثم مع التركيز على الدبلوماسية الشخصية، قد يبحث عن صفقة تجارية أخرى يمكنه الترويج لها بغض النظر عن نتائجها الحقيقية.

وفي كل الأحوال، فإن وعود ترمب بإضعاف العلاقات الأميركية مع حلفائها، ونهجه الشخصاني في الدبلوماسية وميله إلى المبالغة في الضجيج وعدم الوفاء بالوعود من شأنها أن تجعل من السهل على بكين تحقيق طموحاتها العالمية.

هل يمكننا استنتاج أمر نهائي؟

ربما الصين لا تخشى ترمب، بل ترحب بعودته إلى الرئاسة ثانية، وتعده خياراً أفضل من هاريس، وهو أمر ربما يعزز من فكرة تدخلات خارجية صينية مرئية أو خفية، لصناعة رأي عام مناسب لفوز ترمب من جديد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير