ملخص
يقارن كثيرون بين الاهتمام الدولي والعربي عام 2006 وما هو حاصل اليوم في حرب "الإسناد" أو الحرب "الاستباقية" ليصلوا إلى استنتاج يؤكد تراجع الاهتمام بلبنان.
على رغم الزيارات المكوكية إلى بيروت من مسؤولين دوليين لكبح أي تصعيد محتمل قد يعرض المنطقة بأكملها لانفجار كبير ثمة معطى يجول في أذهان الرأي العام بأن لبنان متروك عربياً ودولياً إما لتوقيت ما قد تنحو إليه إسرائيل من توسعة لاعتداءاتها أو لتوقيت إيران عبر وكيلها في لبنان "حزب الله" أكانت ذاهبة باتجاه توسعة مماثلة للحرب أو القبول بصفقة، وفي التوقيتين ثمة إنهاء للكيان اللبناني صيغة وميثاقاً وهوية.
ويقارن كثيرون بين الاهتمام الدولي والعربي عام 2006 خلال حرب يوليو (تموز) وما هو حاصل اليوم في حرب "الإسناد" أو الحرب "الاستباقية" كما يصفها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، ليصلوا إلى استنتاج يؤكد تراجع الاهتمام ببلاد الأرز. في المقابل يرى مصدر دبلوماسي مطلع على المعادلتين، ابتعاداً عن الوقائع والحقائق في الوقت عينه، ويستطرد "يبدو أن هناك من يتجاهل كل الاهتمام العربي والدولي الدبلوماسي بلبنان". ويدعو المصدر الدبلوماسي الذي رفض الكشف عن اسمه إلى انتظار الربع الأخير من هذا العام متوقعاً حصول تسوية تاريخية في لبنان لمصلحة دولة المواطنة الحرة السيدة العادلة المستقلة.
بين 2006 واليوم
خلال الحرب الثانية مع إسرائيل في يوليو 2006 حظي لبنان بدعم عربي ودولي واسع في مسعى لتجاوز الآثار السلبية للخلافات السياسية الداخلية ولآثار الحرب الإسرائيلية. وعلى رغم الهبة العربية لإعادة إعمار ما هدمته إسرائيل، وزيارة لافتة لأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة إلى الضاحية الجنوبية، فإن بعض الخلافات العربية أرخت بظلالها على الساحة اللبنانية وألهبت الخلافات الداخلية. فبين سوريا والسعودية حصل اختلاف في شأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي شكلت للنظر بقضية اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، واختلاف في شأن وصف الحرب الإسرائيلية على لبنان ومسبباتها، بين معسكري السعودية والأردن ومصر والدول الغربية من جهة وسوريا وإيران من جهة أخرى، وكان المعسكر الأول وصف خطف "حزب الله" للجنديين الإسرائيليين بالمغامرة.
وعن تلك المرحلة يتحدث الوزير الذي كان يتولى وزارة الخارجية اللبنانية بالنيابة، طارق متري لـ"اندبندنت عربية" ويؤكد أن هناك فرقاً كبيراً بين عام 2006 واليوم، ويعد أن الفرق الأساسي الأول هو أن رصيد لبنان المعنوي الذي كان عليه عام 2006 لدى العالم العربي والدولي كان أكبر مما هو عليه الآن، والأسباب تتعلق بأوضاع لبنان الداخلية وبالانهيار الذي أصاب مؤسساته السياسية والاقتصادية والعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية، إضافة إلى أنه فقد قدرته على أن تكون له دبلوماسية مستقلة قادرة على الإقناع والتأثير وحشد الصداقات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف متري "في بداية حرب يوليو لم يكترث أحد بلبنان وكانت الولايات المتحدة الأميركية حينها تريد إعطاء إسرائيل فرصة لتحقيق أهداف الحرب وهي إضعاف حزب الله عسكرياً إن لم يكن إنهاؤه، لكن تزامن اقتناع أميركا والدول الغربية بأن لبنان كان ضحية وأنه لم يعتدِ على إسرائيل بل معتدى عليه، وعززت صورة الضحية الاهتمام بلبنان والرغبة في الوصول إلى وقف إطلاق النار. أما الأمر الثاني الذي رفع من منسوب الاهتمام الدولي بلبنان فتمثل في عدم قدرة إسرائيل على تحقيق هدفها من الحرب، فهي دمرت لبنان لكنها لم تضعف حزب الله، وأدركت الدول العربية والغربية ذلك فأسهمت بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب".
تراجع قدرة الضغط
يضيف متري الذي قاد الدبلوماسية التي أوصلت إلى القرار الأممي 1701 الخاص بإنهاء الحرب، أن الوضع يختلف بعض الشيء بين حرب يوليو وحرب "الإسناد"، معتبراً أن الدول العربية تحاول بعقلها وقلبها وربما بلسانها فقط ومعها الدول الغربية المؤثرة، تجنيب لبنان حرباً مدمرة، لكن الفارق أن قدرة أميركا اليوم في الضغط على إسرائيل أضعف مما كانت عليه عام 2006، إذ كان يكفي حينها أن تقرر الإدارة الأميركية أن 33 يوماً من الحرب كافية وعلى إسرائيل أن توقف العمليات العسكرية ليصدر قرار من مجلس الأمن، بينما اليوم تحاول منذ أسابيع التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة ولم يحقق ضغطها حتى الآن أياً من أهدافه المعلنة بما فيها تجنيب لبنان حرباً إسرائيلية موسعة عليه.
أما على المستوى العربي فيعد متري أن "القدرة العربية تراجعت مقارنة مع عام 2006 على رغم من محاولة قطر ومصر لعب دور للوصول إلى وقف إطلاق نار في غزة، الذي قد يؤدي حكماً إلى تحاشي الانفجار الأكبر في المنطقة ولبنان، والأمر الثاني أن الدول العربية لم يعد لديها القدرات التأثيرية الإقليمية التي كانت تتمتع بها عام 2006، لكن هذا لا يعني عدم اهتمام بلبنان لكنها تعبت من محاولات مساعدته في حل أزمته السياسية وانتخاب رئيس للجمهورية من دون نتيجة".
في صلب المتابعة العربية والدولية
من جهته يرى مصدر دبلوماسي أوروبي أن "لبنان في صلب المتابعة العربية والدولية، والدليل الأكثر تعبيراً عن ذلك هو المسار الأول المفتوح في اللجنة الخماسية التي لم يتوقف عملها، على رغم صمت مقصود في الاتصالات التي تتولاها على أكثر من مستوى، أكان لتحييد لبنان من الحرب الشاملة، أو لإنهاء الشغور الرئاسي المفروض قسراً". ويؤكد المصدر الدبلوماسي أنه "في موازاة اللجنة الخماسية الدولية من الواضح أن فرنسا تسعى إلى تنسيق متنام مع الولايات المتحدة الأميركية لبلورة استراتيجية تمنع تحول لبنان إلى ثمن لأي صفقة محتملة".
ويتحدث المصدر عن تحرك ألماني معلن وغير معلن، لترتيب مرحلة ما بعد انتهاء الحرب أي تطبيق القرار 1701 ولا يغفل العراقيل التي يضعها "حزب الله" أمام تطبيقه، وكذلك دور إيطالي للدفع باتجاه تزخيم الدعم للجيش اللبناني، ويواكبه جهد استثنائي تقوم به بريطانيا باتجاه دبلوماسية خفض التصعيد مع سياسة ردع صارمة بالتنسيق مع أميركا، ناهيك بثباتها في تقديم دعم كبير لقوى الأمن الداخلي. ويسأل المصدر "هل كل ما سبق يوحي بغياب الاهتمام بلبنان؟".
خوف على تغيير هوية لبنان
وفي سياق الرعاية الدولية للبنان يذكر المصدر الدبلوماسي بالرسالة عالية السقف التي وجهها أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين في آخر زيارة له إلى بيروت التي أشار فيها مباشرة وبأصابع الاتهام إلى من يريد تغيير هوية لبنان الحضارية، ومن يصر على تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية وضرب الانتظام الدستوري واستباحة سيادته.
وإذ يعد المصدر أن المأزق القائم ليس في الدستور بل في تدميره من قبل أطراف معروفين، بما ينزع الشرعية حتى عن المواقع التي يتولونها، دعا إلى التوقف عند الزيارة اللافتة لسفير السعودية الدكتور وليد البخاري إلى السفير البابوي المونسنيور باولو بورجيا الأسبوع الماضي مما يذكر بصيغة لبنان الميثاقية.
ويكشف المصدر الدبلوماسي أنه "في الربع الأخير من هذا العام سنشهد على تسوية تاريخية في لبنان لمصلحة دولة المواطنة الحرة السيدة العادلة المستقلة"، مشيراً إلى أن "المجتمع الدولي يعلم أنها مصادرة من "حزب الله"، وما جولاتها سوى محاولات مكشوفة غير موفقة، داعياً إلى انتظار مسار التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان "يونيفيل" في مجلس الأمن في الأسابيع القليلة المقبلة، إذ من المتوقع أن "تعبر الدبلوماسية اللبنانية الرسمية عن انفصام شخصية قاتل".