Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"لاهوت السلطة"... لماذا تدعم شخصيات دينية عودة ترمب؟

في المقابلة التي أجراها مع ماسك، تحدث ترمب عن أنه أصبح أكثر تديناً بعد محاولة اغتياله، وبينما يحاول الرئيس السابق العودة للبيت الأبيض، فإن عدداً من الشخصيات الدينية مصممة على مساعدته في تحقيق هذا الهدف

دونالد ترمب ومايك بنس وقادة دينيون يؤدون صلاة أثناء توقيع إعلان في المكتب البيضاوي عام 2017 (غيتي)

ملخص

حركة الإصلاح الرسولي الجديدة تدعم دونالد ترمب في سباقه الرئاسي، وتتسلل إلى الساحة السياسية الأميركية بشكل ملفت.

في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، في غرفة روزفلت بالبيت الأبيض، وقف الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب خلف مكتبه مرتدياً بدلة زرقاء اللون، وعيناه مغمضتان، يحيط به 25 شخصاً يرتدون ملابس رسمية، ويغمضون أعينهم. وباستثناء بعض الأشخاص فقط، كان الحضور غالبه من الرجال البيض في منتصف العمر، يضع من هم أقرب إلى ترمب في المسافة أيديهم عليه فيما تغرق الغرفة في سكون الصلاة.

ومن بين الوجوه المشتبه بها المألوفة، أي رموز اليمين الإنجيلي المعروفة، مثل رئيس منظمة"American Values"  غاري باور، وكبير قساوسة الكنيسة المعمدانية في دالاس "First Baptist Dallas" روبرت جيفريس، ورئيس مجلس بحوث الأسرة توني بيركنز، برزت شخصيتان هما المبشرة التلفزيونية بولا وايت كين، ورئيس "المؤتمر القومي للقيادة المسيحية من أصل إسباني" صموئيل رودريغيز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن الشخصيتين الأخيرتين المذكورتين هما زعيمان في حركة دينية تلعب دوراً متزايد الأهمية على الساحة السياسية الأميركية، وهي حركة الإصلاح الرسولي الجديدة أو "New Apostolic Reformation"، التي تسعى بنشاط إلى بناء شبكة دينية واسعة، هدفها إعادة انتخاب ترمب لسدة الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني)، لضمان استمراره في تنفيذ مهمته المتمثلة في تحويل أميركا إلى دولة دينية.

تأسست هذه الحركة في منتصف التسعينيات على يد سي بيتر واغنر، وهو قس وأستاذ لاهوت من نيويورك. يعتقد أتباع هذه الحركة أن فكرة الرسل والأنبياء لم تختف مع عصر المسيح، بل إن قادة حركتهم هم أنبياء ورسل معاصرون.

وتتميز الحركة بتبنيها لمفهوم "لاهوت السلطة"، وهي العقيدة بأن الله يريد من أتباعه الوصول إلى السلطة عبر الأنظمة المدنية حتى يتمكن المسيحيون من السيطرة على المجتمع. ويعتبر تفويض "الجبال السبع" ركيزة هذه الحركة، إذ يقدم مخططاً لكيفية "إعادة أميركا لكنف المسيح"، عبر فرض النفوذ المسيحي على السياسة والتعليم والأسرة والفنون والإعلام وقطاع الأعمال والدين.

وصفت مجلة "Religion Dispatches" الإلكترونية هذه الحركة بأنها "واحدة من أهم الحركات الدينية والسياسية المسيحية في عصرنا"، وأشارت إلى دور قادة الحركة في الحملات الانتخابية لترمب "والشخصيات المتوافقة مع توجهاته، بدءاً من إدارات المدارس وصولاً إلى المناصب المنتخبة على مستوى الولايات".

ووصف لانس والناو، وهو واعظ أميركي أسهم في نشر استراتيجية "الجبال السبع"، على موقعه الإلكتروني بأنها "حركة لا يمكن إيقافها".

وقد تخلط بعض وسائل الإعلام بين حركة الإصلاح الرسولي الجديدة ومفهوم "القومية المسيحية"، لكنهما في الواقع يمثلان تيارين مختلفين تماماً، فالقومية المسيحية تزعم أن أميركا تأسست كدولة مسيحية وتركز على الهوية الوطنية أكثر من الدين، وترتبط بالنزعة الوطنية وتفوق العرق الأبيض، وتعيد تصور تاريخ البلاد وقيمها لتناسب هذه الرؤية.

أما حركة الإصلاح الرسولي الجديدة فهي متجذرة بعمق في الدين، إضافة إلى أنها متعددة الأعراق، وتؤمن بعودة الرسل والأنبياء في العصر الحديث، بما في ذلك نساء مثل وايت-كين، وتتمثل رؤيتها في "تطهير" مواقع السلطة من "القوى الشيطانية"، واستبدالها بمسيحيين ملتزمين بإقامة "ملكوت الله" على الأرض.

وتحذر منصة "Talk to Action"، وهي منبر متخصص في تحليل اليمين الديني، من أن هذه الحركة تميل إلى شيطنة الأقليات مثل الأميركيين المسلمين ومجتمع الميم+، وتروج "لأفكار اقتصاد متطرف ومتحرر يعارض بشكل قاطع أي تدخل حكومي في الرعاية الصحية، كما تدعو إلى تطهير المجتمع أو تدمير الرموز والنصوص المقدسة المرتبطة بمعتقدات أخرى".

وترى رئيسة قسم الدراسات الدينية في جامعة بنسلفانيا والخبيرة في الشؤون الإنجيلية أنثيا بتلر أن علاقة ترمب بحركة "الإصلاح الرسولي الجديدة" تقوم على المصلحة المتبادلة، فبينما بعض السياسيين منجذبون فعلياً لأفكار الحركة، يرى آخرون، مثل ترمب، فيها فرصة سياسية لا تعوض.

وتضيف بتلر: "ترمب لا يتبنى بالضرورة معتقداتهم الدينية، لكنه يدرك تماماً أنه يستطيع استغلالهم لتعزيز سلطته، فهو يعلم أن هؤلاء الناس يملكون طموحاً سياسياً، وأنهم مستعدون لدعمه للوصول إلى السلطة، مما يمهد الطريق لهم أيضاً لتحقيق أهدافهم".

وتشير بتلر إلى أن حادثة محاولة الاغتيال التي تعرض لها ترمب في تجمعه الانتخابي في بنسلفانيا في يوليو الماضي، تستخدم الآن من الحركة دليلاً على "اختياره الإلهي"، وتقول: "هذه الحادثة مثالية بالنسبة إليهم، لأنهم سيؤولون النصوص الدينية لإثبات أنه حقاً رجل الله، وأن الله أنقذه ليكون رئيساً، هذا هو سبب تفاؤلهم الشديد وثقتهم في فوزه في نوفمبر".

لطالما كان الدستور الأميركي ضامناً للفصل بين الكنيسة والدولة، وهو مبدأ احترمه معظم الرؤساء قبل السبعينيات، وحافظوا على خصوصية معتقداتهم الدينية، لكن هذا النهج التقليدي شهد تحولاً جذرياً مع وصول الديمقراطي جيمي كارتر إلى السلطة.

ويقول ريتشارد هاتشيسون في كتابه "God in the White House" بدا الإيمان المعمداني الإنجيلي (للرئيس كارتر) واضحاً للعيان بشكل غير مسبوق إذ لم يتردد (كارتر) في الحديث علناً عن تجربة ’الولادة الجديدة‘ في المفهوم المسيحي. وهذا النهج وضع معياراً جديداً للمرشحين الرئاسيين اللاحقين الساعين إلى كسب أصوات الإنجيليين".

وفي أعقاب عهد كارتر، بدأت شعبية اليمين الديني تتزايد، وبدأ الإنجيليون ينحازون بقوة نحو الحزب الجمهوري، وبرزت خلال فترة رئاسة رونالد ريغان قضية معارضة الإجهاض كمحور أساس في أجندته السياسية.

ووصف مؤسس منظمة "Focus on the Family" الإنجيلية الأميركية البارزة جيمس دوبسون أميركا بأنها متورطة في "حرب أهلية" جديدة، وأشار دوبسون، الذي كان من بين القادة الدينيين الذين صلوا من أجل ترمب في البيت الأبيض عام 2019، إلى أن هذه الحرب تتميز بصراع بين رؤيتين للعالم لا يمكن التوفيق بينهما.

لكن بتلر تقول إن حركة الإصلاح الرسولي الجديدة تختلف عن الإنجيلية التقليدية، إذ تميل أكثر إلى الكنيسة الخمسينية والمسيحية الكاريزماتية الجديدة، التي تركز على المواهب الروحية مثل تحدث اللغات الروحانية والتنبؤ"، وترى بتلر أن التنبؤ هو ركيزة هذه الحركة، وتضيف: "ماضي ترمب وزيجاته الثلاث وعلاقته المزعومة بإحدى نجمات الأفلام الإباحية وتصرفاته الأخرى لا تقلل من قيمته في أعينهم، يجب أن نفهم أن ترمب في نظرهم (شخص ارتكب خطايا) ولكن الله خلصه بل واصطفاه لتحقيق غايته".

ويرى الإنجيليون وأتباع حركة الإصلاح الرسولي الجديدة أن موقف ترمب المناهض للإجهاض والتعيينات التي نفذها في المحكمة العليا بشكل خاص إلى جانب سياسته إزاء إسرائيل تمثل ركائز أساسية ومهمة، وفي هذا السياق تقول الدكتورة بتلر: "إنهم لا ينتظرون عودة المسيح، بل يرون أنفسهم في معركة راهنة ضد ما يعتبرونه شراً متجسداً في الديمقراطيين والليبراليين والمتحولين جنسياً، ويعتقدون أن الله منحهم فرصة زمنية لخوض هذه المعركة".

واسترجع هنا حدثاً وقع قبل أكثر من عقد، إذ حضرت قداساً لحركة الإصلاح الرسولي الجديدة في ضواحي أوستن بولاية تكساس، خلال تلك الفترة لرصد الدعم الذي قدمته الحركة لريك بيري، حاكم ولاية تكساس السابق، في مسعاه الذي باء بالفشل للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، وخاطب القس آرت سيرنا الحضور في تلك الليلة قائلا: "نحن جزء من جيشه، ولكل منكم دور يؤديه".

وبدأ رجل خلفي، يرتدي قميص بيسبول فضفاضاً، في التحدث بلغة غير مفهومة قبل أن يسجد على الأرض بين المقاعد متمتماً بكلمات غير واضحة. ثم اتجه القس آرت سيرنا نحو رجل مسن يقف في مقدمة القاعة ووضع يديه على صدره، وفجأة بدأ الرجل يرتجف بشكل لا إرادي قبل أن يحرك رأسه للخلف ويغمض عينيه.

وبعد انتهاء طقوس القداس، التقيت بوب لونغ، وهو رجل مرح ذو شعر أشيب يدير هذه الكنيسة ويعتبره أتباعه رسولاً. أخبرني أن حركة الإصلاح الرسولي الجديدة "تبحث عن المرشح الأكثر محافظة الذي يتبنى وجهة نظر محافظة اقتصادياً واجتماعياً"، وهو ما فسره لونغ بأنه يعني تبني "رؤية عالمية مستمدة من تعاليم الكتاب المقدس"، وعلى الموقع الإلكتروني لكنيسة لونغ، يصف هدفها بأنه تنشئة "مجموعة مجهزة لاقتحام كل مجال من مجالات الثقافة والتجارة والحكومة المدنية".

عندما انتقدت حركة الإصلاح الرسولي الجديدة، قائلاً إنه لا ينبغي لها التدخل في السياسة وذكرت أن توماس جيفرسون كان أول من وصف "جدار الفصل" بين الكنيسة والدولة، رد لونغ بأن الحكومة المدنية نفسها من اختراع الله. لكنه أضاف موضحاً: "هذا لا يعني حكماً دينياً في القرن الـ21. فلا أحد يريد ذلك باستثناء الإسلام وبعض الأديان الأخرى في العالم".

وجرت هذه المحادثة بيني وبينه قبل أكثر من عقد من الزمان، إذ أخبرني بأن الإجهاض وزواج المثليين سيصبحان غير قانونيين وأن أميركا بحاجة إلى التوبة عن خطايا الأمة. وأضاف أن إحدى هذه الخطايا هي "السماح بسفك دماء 55 مليون جنين بريء في أرضنا، منذ قرار "رو" ضد "ويد" عام 1973."

ولكن في صيف عام 2022، وبفضل تعيينات ترمب خلال فترة رئاسته، ألغت المحكمة العليا ذات الميول المحافظة قرار "رو"، منهية بذلك الحق الدستوري في الإجهاض في أميركا.

ونشر مركز الفكر المحافظ "The Heritage Foundation" خطة طموحة تحمل اسم "مشروع 2025" بهدف الترويج لسياسات يمينية يأمل واضعوها في إعادة تشكيل الحكومة الأميركية بشكل جذري في حال فوز ترمب في انتخابات نوفمبر المقبلة.

وأخبرتني بتلر أن جوهر مشروع 2025 يركز على القضايا الدينية سواء تعلق الأمر بالتعليم أم الهوية الجنسية أم الموقف من المثليين والمتحولين جنسياً، فإن الهدف النهائي واضح وهو إنشاء نظام حكم ذي صبغة دينية. [هؤلاء الناس] ليسوا مهتمين بالديمقراطية، بل بتحقيق الحرية لأنفسهم فقط، وليس لأي شخص آخر، ويميلون إلى السلطوية، وهذا سبب إعجابهم بترمب، وكل ما يدور في فلك ترمب حالياً".

وفي أواخر يوليو، شهدت مدينة أو كلير الصغيرة بولاية ويسكونسن إقامة تجمع إحياء ديني متنقل، وهو تقليد متجذر في الإنجيلية الأميركية منذ القرن الـ19. وشارك في هذا التجمع، إلى جانب النائبة الأميركية المثيرة للجدل مارجوري تايلور غرين، نخبة من الدعاة و"الأنبياء" المنتمين إلى حركة الإصلاح الرسولي الجديدة.

وكان والناو هو النجم الأبرز في هذا الحدث، وحمل هو وزملاؤه من الدعاة رسالة واحدة واضحة: "صوتوا في نوفمبر، وأسهموا في إعادة انتخاب دونالد ترمب". وأعلن الموقع الإلكتروني "The Courage Tour" أن "صحوة أميركا تبدأ هنا"، داعياً إلى "احتضان التحول والإصلاح"، وأشار الموقع إلى أنه سيعلن مزيداً من المحطات في الفترة التي تسبق انتخابات نوفمبر.

ويصعب في بريطانيا أن نتصور سياسياً بارزاً يستغل الدين بشكل مكثف لكسب التأييد، فمزج السياسة بالدين قد يوقع المرء في ورطة جسيمة. لكن في الولايات المتحدة، وخصوصاً في الحزب الجمهوري اليوم، نجد العكس تماماً. فعيوب ترمب أو حتى جرائمه لا تهم، ومؤيدوه يعتقدون أن الله خلصه، وأنه الآن المختار لقيادة معركتهم من أجل استرجاع روح أميركا.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير