ملخص
قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو "تتواصل محادثاتنا الدبلوماسية في شأن السودان لليوم الثاني، ونحن نعمل بلا هوادة مع شركائنا الدوليين من أجل إنقاذ الأرواح وضمان تحقيق نتائج ملموسة".
مع تواصل مفاوضات جنيف الخاصة بالسودان لليوم الثاني لوضع حد للحرب المندلعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، فضلاً عن وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين في مناطق الصراع، أكد رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان اليوم الخميس تمسك بلاده بتنفيذ "إعلان جدة" بحسب الرؤية التي تم تقديمها إلى الأطراف التي شاركت في هذا المنبر.
وقال البرهان خلال تلقيه اليوم اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بحسب بيان صادر عن مجلس السيادة السوداني إنه "ليس هناك مانع للجلوس مع المسهلين لمنبر جدة للنقاش معهم حول كيفية التنفيذ مع تأكيد الرفض لتوسعة قائمة المسهلين".
"نتائج ملموسة"
يأتي ذلك في حين قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو اليوم إنه يرغب في رؤية "نتائج ملموسة" خلال محادثات وقف إطلاق النار التي انطلقت في سويسرا.
وكتب بيرييلو على منصة "إكس"، "تتواصل محادثاتنا الدبلوماسية في شأن السودان لليوم الثاني، ونحن نعمل بلا هوادة مع شركائنا الدوليين من أجل إنقاذ الأرواح وضمان تحقيق نتائج ملموسة".
قال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض للصحفيين الخميس إن إدارة الرئيس جو بايدن تركز على دفع طرفي الصراع في السودان إلى عقد محادثات سلام لإنهاء الحرب الأهلية.
وأضاف كيربي "لا نزال نصب تركيزنا بالأساس على إعادة الطرفين في السودان إلى الطاولة"، مضيفاً أن واشنطن تشارك بقوة في الجهود الدبلوماسية المبذولة في تلك العملية.
ويغرق السودان منذ أبريل 2023 في حرب بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، وضعت البلاد على شفير المجاعة.
ومع نهاية اليوم الأول من المحادثات، كررت واشنطن دعوتها إلى الجيش السوداني للانضمام إلى طاولة الحوار، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل في واشنطن "أكدنا أن من مسؤولية ’الجيش‘ أن يكون حاضراً وسنواصل القيام بذلك".
رفض "التهديد والوعيد"
ومجدداً، رفض السودان الذي يقوده بحكم الأمر الواقع قائد الجيش، الدعوة إلى المشاركة في المحادثات اليوم عبر وزير المال جبريل إبراهيم، وكتب على "إكس"، "طبع الشعب السوداني يرفض التهديد والوعيد".
وأضاف إبراهيم أن الحكومة السودانية "لن تقبل وساطة مفروضة ولن تكون طرفاً في مفاوضات هدفها تشريع احتلال الميليشيات الإجرامية المنشآت المدنية وضمان مكانتها مستقبلاً على الساحتين السياسية والأمنية".
وباءت بالفشل كل جولات التفاوض السابقة التي أجريت في جدة، وفي نهاية يوليو (تموز) الماضي دعت واشنطن الطرفين المتحاربين إلى جولة جديدة من المفاوضات في سويسرا أملاً في وضع حد للحرب المدمرة المستمرة منذ ما يقارب 16 شهراً.
وترمي المحادثات إلى توسيع نطاق إيصال المساعدات الإنسانية وإيجاد آلية مراقبة وتدقيق لضمان تطبيق أي اتفاق.
وقال مجلس السيادة الانتقالي في السودان اليوم إنه سيفتح معبر أدري الحدودي لمدة ثلاثة أشهر لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المواطنين المتضررين من الحرب.
وأوقفت الحكومة تسليم المساعدات عبر المعبر الحدودي في فبراير (شباط) الماضي، معلنة أن قوات "الدعم السريع" كانت تستخدمه لنقل الأسلحة.
وترغب واشنطن في إشراك الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والأمم المتحدة بصفة مراقبين في محادثات جنيف التي ترعاها مع السعودية وسويسرا ويفترض أن تستمر لـ10 أيام على أبعد تقدير. لكن الحكومة السودانية بقيادة الجيش احتجت على إشراك الإمارات في حين تعتبر الولايات المتحدة أن أبو ظبي والقاهرة يمكن أن تكونا "ضامنتين" لعدم بقاء أي اتفاق حبراً على ورق.
لكن ما أثر غياب الجيش عن هذه المفاوضات على مسألة وقف القتال بين الطرفين المتحاربين؟ وما السيناريوهات المتوقعة في شأن المشهد السوداني؟.
منح الشرعية
يقول المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية اللواء معتصم عبدالقادر إن "مفاوضات جنيف كما أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان ستبنى على التعهدات التي تم الاتفاق عليها بين الجيش والدعم السريع في منبر جدة في الـ11 من مايو (أيار) 2023، لكن يبقى السؤال لماذا حددت واشنطن الأجندة والوسطاء والمكان وتريد أن تنتقل إلى مقرها الأساسي، مما اعتبره الجيش السوداني محاولة للتنصل من الاتفاق السابق والبدء بمفاوضات جديدة يمكن أن تفضي إلى منح شرعية للدعم السريع الذي يتلقى حالياً هزائم في دارفور والخرطوم وسنار والجزيرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف عبدالقادر أن "لذلك يتمسك الجيش برؤيته، وهي أن ما يحدث في البلاد عبارة عن تمرد لقوة نظامية كانت تتبع له وأن الوضع الإنساني يجب معالجته بناءً على ما ورد في القانون الدولي المتخصص في هذا الجانب الذي كان ضمن مرجعيات مفاوضات جدة، بالتالي فإن أي محاولة لفرض رؤية غير ذلك ستكون في رأي بعضهم مسألة أميركية داخلية متعلقة بالانتخابات".
وأشار إلى أن "الشيء المؤسف أيضاً أن هناك محاولات لاستبعاد المسؤولية الأخلاقية والقانونية بحق الدول المتورطة في هذه الحرب من خلال دعمها للميليشيات، لذلك في اعتقادي أن الجيش سيمضي في عملياته العسكرية ومن خلفه الشعب السوداني، خصوصاً أن هناك شبه إجماع وسط السودانيين بعدم التنازل عن الثوابت وعدم إعطاء أي دور للدعم السريع في المرحلة المقبلة وفي مستقبل البلاد وهو ما صرح به المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان".
ولفت عبدالقادر إلى أن أي محاولة تهدف إلى إضفاء شرعية سياسية أو عسكرية على الدعم السريع مسألة تجاوزها الشعب السوداني، فلا توجد أي خيارات سوى خروج هذه الميليشيات من منازل المواطنين ومن الأعيان المدنية، وأن تتم محاكمة كل الذين ارتكبوا جرائم بحق المدنيين ودمروا البنى التحتية للدولة وأن تمضي الدولة السودانية في مشاريعها من أجل إنفاذ مدنية الحكم وما إلى ذلك من القضايا السياسية.
أمر مؤسف
في المقابل، يرى عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود المتقاعدين السودانيين (تضامن) العميد وليد عز الدين عبدالمجيد أن "غياب القوات المسلحة السودانية عن المشاركة في هذه المفاوضات أمر مؤسف للغاية، لذلك أصبح الموقف في غاية التعقيد ونتيجته الأولى استمرار الحرب، مما يعني تمدد المعارك والقتال إلى مناطق جديدة وبالضرورة سيكون تأثير ذلك بالغاً في تدهور الوضع الإنساني من نزوح ومجاعة وفقدان للأرواح وتفشي أمراض تحت تقلبات مناخية كالأمطار والسيول".
ورجح أن "تتوصل مفاوضات جنيف في ظل غياب الجيش السوداني إلى توقيع اتفاق منفصل لإدخال المساعدات عبر مناطق الدعم السريع وهذا اعتراف بحقيقة وجود هذه القوات كطرف فاعل وتوقعات كبيرة بفقدان إقليم دارفور".
وقال "من الواضح أن القوى الإقليمية والدولية تعمل بكل ما في وسعها على إيقاف هذه الحرب التي دخلت شهرها الـ17، فضلاً عن أنها تركز على فتح المسارات الآمنة وإيصال المساعدات الإنسانية وإنقاذ الوضع المزري لإنسان السودان، إذ تتعامل لتنفيذ خطواتها العملية مع قوات الدعم السريع وهذا له ما بعده، وبحسب تصريحات المبعوث الأميركي إلى السودان بأن المفاوضات ستستمر لـ10 أيام وأعتقد بأنها فرصة للقوات المسلحة السودانية للمشاركة وإلا فإن مخرجات التفاوض لن تكون في مصلحتها وستفقد كثيراً، ومحاولة الهرب إلى المعسكر الشرقي وإيران ستكون عواقبه وخيمة".
تدابير حازمة
وتوقع القيادي في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) عروة الصادق من جهته أن يتخذ المجتمع الدولي تدابير ومواقف حازمة تتمثل في ممارسة أقسى مستويات الضغط على قيادة الجيش والحركة الإسلامية، واستخدام التدابير الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية لإجبارهما على الدخول في جهود سلام حقيقية.
ويرى أنه على رغم أن الدعم السريع خطت خطوات كبيرة بالذهاب إلى جنيف، لكن كان يجب أن تتبعها خطوات عملية على الأرض بخفض التوتر وإطلاق سراح المدنيين المحتجزين في سجونها، والتحكم بعناصرها الذين ينتهكون حقوق الإنسان.
وقال "من المؤسف أنه في وقت تتراص صفوف السودانيين في اللجوء والنزوح داخل البلاد وخارجها ومطالبتهم بالسلام المستدام، تتمنع قيادة الجيش استجابة لضغوط عناصر حركة الإخوان، مما يجعل كل مسؤولية قائمة وتالية ملقاة على عاتق قيادة الجيش وكان عليها أن تتحلى بالشجاعة بإرسال وفد مفاوض إلى جنيف وأن تكف عن الإذعان لإرادة مشعلي الحرب، وحينها ستكون حققت النصر الحقيقي واستعادت الكرامة الحقيقية لملايين الفارين من الحرب وحفظت حياة نصف سكان البلاد المهددين بالمجاعة".
ونوه إلى أنه من المهم ألا تنحصر مفاوضات جنيف بالبيانات والإدانات والتنديد، فعليها أن تعلن عن التزامات إنسانية وشروط توفر لها آليات التنفيذ والمراقبة وحماية المدنيين وأن يدفع العالم بكل قوته في سبيل وقف الحرب وغوث المتضررين.
ورأى أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة في شأن الأزمة السودانية، أولها تصاعد الوضع العملياتي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق ملزم أو لم يستجِب الجيش، والثاني تحقيق وقف إطلاق نار بإلحاق الجيش للتفاوض، مما يحتاج إلى قوة رقابة إقليمية أو دولية لأن هناك عناصر ستعمل على خرقه، ويتمثل السيناريو الثالث في الضغط الدولي باستخدام أدوات عقابية وملاحقات جنائية برفع توصية لمجلس الأمن لتنفيذ الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وحدد عروة الصادق السيناريو المستبعد في جمود الأوضاع وبقائها كما هي عليه لأن هناك تحركات وتحشيداً وقصفاً مدفعياً ومحاولات للإجهاز على الفاشر والتوغل إلى المدن الآمنة، خصوصاً القضارف بشرق البلاد والتمدد إلى إقليم النيل الأزرق من قبل قوات "الدعم السريع" في وقت تنتظر القوات المسلحة السودانية أسلحة نوعية في طريقها لحسم المعركة، مما يعني شيئاً واحداً هو استمرار الانتهاكات وضياع المقدرات واتساع رقعة الجوع وازدياد أعداد المتضررين والضحايا.