ملخص
من الصعب قطع الشك باليقين حول روايتين، واحدة خلاصتها أن إدارة بايدن أعطت نتنياهو الضوء الأخضر للقيام بالاغتيالات التي نفذها مباشرة بعد عودته من أميركا واستقبال الأبطال له في الكونغرس، وثانية موجزها أن نتنياهو خدع بايدن وطمأنه إلى الرغبة في هدنة بغزة
لا ثقة بأميركا، يقول خصومها وبعض حلفائها، لكنها هي القوة العظمى الوحيدة التي لا مهرب لدى خصومها وحلفائها من الاضطرار للتسليم بالحاجة إلى انتظار ما يمكن أن تقدمه دبلوماسيتها في صراع الشرق الأوسط. فما ينطبق عليها هو قول الشاعر "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم". وما بقي محل متابعة منذ حرب غزة خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023 هو الدعوات إلى ضغط أميركي على نتنياهو لدفعه إلى التخلي عن العراقيل أمام هدنة في غزة. وقف نار وتبادل مخطوفين وأسرى بين "حماس" وإسرائيل. صفقة تنقذ المنطقة من الانزلاق نحو حرب واسعة مدمرة.
وهي حرب، خلافاً لحرب 1973 وسواها من الحروب العربية - الإسرائيلية، ليست من أجل تسوية للصراع بل من أجل حل راديكالي يحتاج إلى حرب دائمة خلال 100 عام أخرى من الصراع. والظاهر أن مصلحة إدارة الرئيس جو بايدن تلتقي مع مصالح الغالبية الساحقة من حكومات المنطقة وشعوبها في تخفيض التصعيد وإنهاء حرب الإبادة في غزة، بالتالي وقف حرب الإسناد عبر "وحدة الساحات".
وليس قليلاً ما بذلته واشنطن ومعها القاهرة والدوحة من جهود لترتيب مفاوضات من أجل الهدنة وصفت بأنها "الفرصة الأخيرة"، لكن التجارب أكدت أنه لا شيء اسمه فرصة أخيرة في صراع مفتوح. فالفرص تبقى مفتوحة، مهما تكن المصاعب والعثرات.
ذلك أن أميركا تلعب بورقتين في وقت واحد، ورقة الحشد العسكري المؤثر في البحر المتوسط والبحر الأحمر للحيلولة دون تطور القتال الحالي إلى حرب إقليمية، والتلويح بأنها إذا حدثت لن تبقى حرباً إقليمية لأن أميركا ستنخرط فيها.
وهذا الانخراط هو ما يعمل له ويراهن عليه نتنياهو الذي لا مخرج أمامه من مأزق الحرب في غزة وحروب الإسناد على أيدي "حزب الله" و"الحشد الشعبي" في العراق، والفصائل الموالية لإيران في سوريا والحوثيين في اليمن إلا بتوسيع الحرب ودخول أميركا فيها، فضلاً عن الإعلان أن واشنطن مستعدة للدفاع عن إسرائيل ضد أي هجوم إيراني كبير. وفضلاً أيضاً عن موافقة وزارة الخارجية الأميركية على صفقة أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والورقة الثانية هي وقف النار في غزة بما يوقف القتال على جبهات الإسناد، ثم يقدم فرصة لفتح أفق سياسي أمام الفلسطينيين نحو دولة فلسطينية. ومن هنا قول رئيس السلطة الوطنية محمود عباس أمام البرلمان التركي إنه "لا دولة في غزة ولا دولة من دون غزة".
والواقع أن أميركا لعبت دورين مختلفين في حربين، حرب 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل وحرب غزة. في حرب 2006 كانت وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس جورج بوش الابن كوندوليزا رايس تراهن على "شرق أوسط جديد" تشكل الحرب "آلام ولادته". شرق أوسط تعيد واشنطن تشكيله لكن رهانات واشنطن على "شرق أوسط أميركي" انتهت إلى "شرق أوسط إسلامي" بقيادة إيران، كما قال المرشد الأعلى علي خامنئي. إسرائيل فشلت عسكرياً والسيد حسن نصر الله أعلن "النصر الإلهي". وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة لعبت دور "المقاومة الدبلوماسية" بما أدى إلى صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن، وهو القرار الذي لا بديل من الحرب سوى تطبيقه.
أما في حرب غزة، فإن إدارة الرئيس بايدن دعمت إسرائيل في شعار "القضاء على ’حماس‘" بداعي أن ذلك يفتح الطريق إلى "حل الدولتين" الذي ترفضه "حماس" وحكومة نتنياهو ومعها الكنيست وتراهن عليه السلطة الوطنية في رام الله، لكن الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق الهدف المعلن على مدى 10 أشهر، وبقيت "حماس" تقاتل في غزة وتقصف إسرائيل بالصواريخ من منطقة مملوءة بالدبابات الإسرائيلية وتحتفظ بالأسرى، وتتولى قيادتها التفاوض على قدم المساواة مع إسرائيل والوسطاء.
ومن الصعب قطع الشك باليقين حول روايتين، واحدة خلاصتها أن إدارة بايدن أعطت نتنياهو الضوء الأخضر للقيام بالاغتيالات التي نفذها مباشرة بعد عودته من أميركا واستقبال الأبطال له في الكونغرس، وثانية موجزها أن نتنياهو خدع بايدن وطمأنه إلى الرغبة في هدنة في غزة، ولهذا انتقد بايدن اغتيال إسرائيل للقائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، أقله لأن الاغتيال يعرقل الصفقة المفترضة في غزة.
وما انتهت إليه الإدارة الأميركية على مسافة أسابيع من الانتخابات الرئاسية وبعد أن تخلى بايدن عن خوض المعركة لمصلحة نائبته كامالا هاريس وصار "بطة عرجاء" هو توظيف الحرب الحالية من أجل الحفاظ على "الستاتيكو". فما يهمها هو وقف النار في غزة وإنهاء كابوس الحرب الإقليمية في المنطقة. وما يهم إيران هو الحفاظ على "حماس" في غزة وتجنب مواجهة مع أميركا وحتى مع إسرائيل تهدد مشروعها النووي. أما الردود على الاغتيالات فإنها تبقى تحت سقف الحرص على تجنب أن تؤدي إلى حرب شاملة. وأما التفاوض على هدنة فإنه لن يصبح ورقة مطوية مهما تكن المصاعب.
وليس سراً أن كوندوليزا رايس اعترفت بأن أميركا "سعت على مدى 60 عاماً لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب الديمقراطية، لكنها لم تحصل على أي منهما".