ملخص
يكشف كتاب جديد عن أن الهاربين من سجن ألكاتراز - فرانك موريس والأخوة آنغلين - فروا إلى البرازيل بعد هروبهم عام 1962. ويقدم الكتاب أدلة وشهادات جديدة، تفصل نجاتهم وحياتهم في نهاية المطاف في أميركا الجنوبية، مما يتحدى الرواية الرسمية لوفاتهم
وصلت الرسائل إلى "صندوق بريد جورجيا"، وبلغت بمجموعها 17 رسالة، وهي عبارة عن خطابات كتبها من داخل السجن زعيم عصابة إيرلندية شهير ووجهها إلى ابن شقيقة اثنين من أبرز الهاربين من السجون وأكثرهم أسطورية.
جايمس "ويتي" بالدجر [زعيم مافيا من بوسطن] أقدم على مراسلة عائلة جون وكلارينس آنغلين، الأخوين اللذين التقاهما في السجن، واللذين، في ما بعد، هربا من ألكتراز مع سجين آخر عام 1962. ولم يعثر على أولئك الهاربين الثلاثة أبداً، إلا أن الـ "أف بي آي" افترضت وفاتهم وأغلقت الملف المتعلق بهم عام 1979 – العام ذاته الذي ظهر فيه فيلم كلينت إيستوود "هروب من ألكتراز" Escape from Alcatraz ليضيف بعداً أسطورياً جديداً على قصة كانت ذاعت شهرتها وتتحدث عن هروب ثلاثة مساجين إلى الحرية من سجن "الصخرة" [الاسم الذي عُرف به السجن لكونه على جزيرة صخرية مقابل مدينة سان فرانسيسكو].
وكان جيمس بالدجر اتصل بأفراد من عائلة آنغلين عبر رسول من قبله خلال احتفال بالذكرى السنوية الخمسين لحادثة الهرب والذي أقيم على الجزيرة الواقعة في ولاية كاليفورنيا والتي باتت اليوم منتزه وطني ولم تعد سجناً. من بين الأقارب الذين حضروا ذاك الحفل عام 2012 كان كين ويدنر، ابن ماري، إحدى بنات عائلة آنغلين المؤلفة من 12 شقيقاً وشقيقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد نشأ هو وأبناء عمومته من آل آنغلين وسط قصص خافتة وتلميحات وأحاديث قصيرة مقتطعة؛ وكانت علاقة القربة التي تجمعهم بالهاربين الماهرين والسيئي السمعة من سجن ألكتراز هي الحقيقة الوحيدة التي عرفوها على الإطلاق. كان ويدنر طفلاً رضيعاً يجلس على ركبة والدته وهي تشاهد التقارير الإخبارية عن هروب شقيقيها من السجن، ولكن الآن، بعد عقود من الزمان، كان فضوله ينمو - جنباً إلى جنب مع الرغبة في توضيح الحقائق بشكل أكثر تفصيلاً حول حياة أعمامه.
وهذا يتضمن ويشمل قصة نشأتهما، وتجربة حياتهما عندما كبرا، وطريقة خداعهما للسلطات، والأهم في كل ذلك ما ترويه العائلة عن نجاحهما في عملية الهروب السرية من سجن ألكتراز – ووصولهما في نهاية المطاف إلى أميركا الجنوبية، حيث أعادا تأسيس حياتهما وأنشآ عائلة في البرازيل.
ولدى ويدنر وأقاربه في هذا الإطار الصورة التي يعتقدون أنها قادرة على برهنة هذا الأمر – وذلك ترافقاً مع سعيهم لتعقب قريبيهما الضائعين منذ زمن في أحشاء بلد يحتل المرتبة السابعة عالمياً من حيث عدد السكان والاكتظاظ.
وزعيم العصابة "البوستنية" (نسبة لمدينة بوستن الأميركية) "ويتي" بالدجر سيقدم في السياق معلومات قيمة ضمن ذاك المسعى. بالدجر هذا الذي يدعوه ويدنر "جيمس"، قضى 16 عاماً هارباً من العدالة قبل أن يعاد اعتقاله عام 2011 ويدان بـ 19 جريمة.
ويقول ويدنر عنه "إنه يكنّ لجون وكلارينس تقديراً شديداً"، وهو كان التقى الأخوين للمرة الأولى في سجن بمدينة أتلانتا عام 1958، ثم انتهى معهما مرة أخرى في سجن ألكتراز. "غدونا أصدقاء بكل معنى الكلمة. ورحت أسأله عن الحياة التي عاشها في ألكتراز مع جون وكلارينس، وإن كان بوسعه أن يخبرني أي شيء لا أعرفه عن خالَيّ؟" يقول ويدنر.
"وقد شاركني بأشياء كثيرة – ثم، في نهاية المطاف، قال لي، ’سأخبرك بأمر لم أخبره لأحد من قبل‘. وبدأ يروي بتفصيل بالغ عن دوره في عملية الهروب وكيف قام بمساعدتهم بذلك"، يقول ويدنر لـ"اندبندنت".
التقى بالدجر الأخوين آنغلين للمرة الأولى في السجن بمدينة أتلانتا عام 1958، وفق ما يكتب ويدنر وشريكه في التأليف مايك لينش في كتابهما الجديد "ألكتراز: الهروب الأخير" Alcatraz: The Last Escape. والأخوان اللذان نشآ في منطقة فقيرة بولاية فلوريدا وأظهرا ميلاً مبكراً للجرائم الصغيرة – مما أثار استياء والدهما في الغالب – انتهى بهما الأمر مرة أخرى خلف قضبان السجن بعد اتهامهما بسرقة مصرف في ألاباما، وقد اعتقلا مع شقيق ثالث لهما، هو ألفريد.
وقد نقل جون وكلارينس على نحو منفصل إلى سجن ألكتراز، حيث بدآ، مع سجينين آخرين هما فرانك موريس وآلين ويست، بالتخطيط للهرب. فأخذوا يجمعون المواد خلسة، وبدأوا بتنفيذ خطة متعددة الجوانب، تتضمن: حفر الأرض بواسطة الملاعق وغيرها من الأدوات للوصول إلى خارج السجن عبر نفق يقودهم إلى الحرية، وإخفاء أعمال الحفر وتغطيتها بقطع ثياب وأوان مرذولة، وصناعة مجسمات رؤوس بشرية لها أجسام كي يضعوها في أسرة زنازينهم لخداع الحراس في ليلة الهروب [للإيحاء بأنهم نائمون]، وصناعة سترات نجاة وعوامة من معاطف ضد المطر جمعوها من سجناء آخرين.
كما خططوا لربط العوامة، أو الطوف، بمركب نقل تابع للسجن، ليتم بعد ذلك نقلهم من خليج سان فرانسيسكو بواسطة مركب ينتظرهم جرى تأمينه عبر وسيط في عالم الجريمة هناك، ميكي كوهين، والذي كان أفرج عنه من ألكتراز قبل أشهر من عملية الهروب المخطط لها.
كان بالدجر يقدم المشورة طوال الوقت، بحسب ما أخبر ويدنر في رسائله، وعرض الخبرة التي اكتسبها من هوايته المفاجئة في الغوص.
ويقول ويدنر لـ"اندبندنت"، "لقد علمهم كيفية صناعة ملابس الغوص. والجنوني جداً في الموضوع يتمثل بأن كل ما أخبرني إياه يؤيد ما يرد في ملفات الـ’أف بي آي‘. فهم لم يأخذوا معهم أي قطعة من ثيابهم الموجودة في الزنازين... بل استخدموا إسمنتاً مطاطياً وطلوا به دواخل سراويلهم التي تركوها مقلوبة لفترة (كي تجف)، والأمر عينه فعلوه بقمصانهم، ثم لفوا كواحلهم بقطع قماش سوداء وجدوها داخل زنزانة جون. لقد كانوا مطليين بالأسود كي تصعب رؤيتهم [في الليل]، وذاك أسهم أيضاً بمنع الماء من التسرب إلى داخل ثيابهم بسرعة، فتمكنوا من المحافظة على دفء أجسامهم لوقت أطول – ثم طبعاً قام (بالدجر) بتعليمهم كيفية النجاة إن سبحوا في قلب تيار مائي. لقد لقنهم أموراً كثيرة من التي ينبغي على الغواصين معرفتها".
وفي النهاية فقط موريس والأخوان آنغلين تمكنا من حفر النفق. آلين ويست من جهته لم يتمكن من توسعة الحفرة في زنزانته على نحو كاف في ليلة 11 يونيو (حزيران) 1962، وقد بذل رفاقه جهداً كبيراً لمساعدته، لكنهم اضطروا أخيراً لوقف جهودهم. وقد أفيد في ما بعد عن سماع ويست يبكي داخل زنزانته.
على أن الرفاق الثلاثة تمكنوا من الخروج إلى خارج مجمع السجن، ووصلوا إلى الماء، على رغم تعرض موريس لجرح كبير في ساقه جعله ينزف على الطوف، الذي ربطوه بواسطة سلك معدني بالمركب المقصود – كي يعبروا سراً المياه الداكنة (المحيطة بسجن "الصخرة")، ويجري في ما بعد انتشالهم من المياه كي يستقلوا مركباً أبيض كان بانتظارهم، وفق مروية الكتاب الجديد.
وقادهم ذاك المركب إلى البر، حيث التقى الثلاثة بصديق وبإحدى شقيقات الأخوين آنغلين قبل أن يتوجهوا إلى مطار صغير، حيث كان صديق طفولتهم، فريد بريتسي، بانتظارهم في مقصورة القيادة بطائرة صغيرة. وقد أقلعت الطائرة بهم نحو المكسيك، وهناك قضوا بعض الوقت قبل الانتقال إلى البرازيل التي افترضوا أنها أكثر أماناً بالنسبة لهم، فلا يكتشف أمرهم أحد. من هنا فإن فضل بالدجر عليهم كبيراً في تلك المغامرة بأسرها.
ويقول ويدنر لـ"اندبندنت"، "التعليمات الأهم التي زودهم بها، هي: ’عندما تصلون إلى البرازيل تزوجوا بسيدة من هناك، وانجبوا أطفالاً، وبذلك لن يكون بوسعهم أبداً العثور عليكم وإرجاعكم إلى السجن".
وهذا تماماً ما فعله خالاه، بحسب ما يصر ويدنر على القول – وأيضاً بحسب الشهادة المباشرة التي يوردها الكتاب عن لسان أحد الأقارب وأحد الأصدقاء اللذين زعما بأنهما زارا الأخوين.
فريد بريتسي من جهته، الذي يعرف عائلة آنغلين من أيام فلوريدا، يقول إنه زار الأخوين عام 1992 وهو لديه كنز من الصور والقصص المتعلقة بهما – حتى أنه لم يمانع في إعلان هويته حين روى قصة إيصالهما بالطائرة إلى بر الأمان، وهو ذهب أيضاً في النهاية لزيارتهما في منزلهما بأميركا الجنوبية.
روبرت، الخال الآخر لـ كين ويدنر – والملقب تحبباً في أوساط العائلة بـ "الأنكل مان" (Uncle Man) – أظهر من جهته خجلاً واضحاً إثر فرار شقيقيه. وهو، بحسب الكتاب، زارهما في المكسيك وتحدث عن حياتهما هناك مع ألفريد الذي كان لا يزال في السجن بفلوريدا – مسبباً تغييراً حاداً بمزاج ذاك الشقيق، الذي للأسف توفي في ما بعد خلف القضبان بظروف غامضة.
روبرت كان الفرد الوحيد في عائلة آنغلين الذي جرى إخضاعه مراراً لاستجواب على آلة كشف الكذب، ورأت السلطات بوضوح أنه كان يعرف أكثر مما يفصح – وكانوا محقين في ذلك وفق ما تبين، خصوصاً بعد الإفادات التي تفوه بها للعائلة وهو على فراش الموت عام 2009.
"التأكيد النهائي جاء من [مان] نفسه عام 2009 قبل وقت قصير من وفاته"، وفق ما يذكر ويدنر في الكتاب الجديد، "فقد قال هذه الكلمات لأمي وشقيقتي: ’شقيقاكِ بخير وكنت على تواصل دائم معهما طوال أكثر من خمس وعشرين سنة‘".
لم يعرف ويدنر عن اعتراف خاله ذاك قبل عام 2012 مع الذكرى السنوية الخمسين للهروب (من ألكتراز)، وذلك على رغم وجود مؤشرات طوال أعوام في أوساط العائلة – التي أحست أنها "مطاردة" من قبل السلطات – تقول بتحرر الأخوين من السجن وبلوغهما شط الأمان. ومن المؤكد أن بطاقات عيد الميلاد، والهدايا السنوية من الورود لأم الرجلين، وحتى حضور امرأتين غريبتين غامضتين "ضخمتين" محجبتين جنازتها، كانت كلها مؤشرات على نجاتهما.
وعملية الغوص المعمقة التي قام بها ويدنر بالسجلات العامة والعائلية، تشير إلى الأمر نفسه، إذ تقدم أدلة أقوى عن حياة الأخوين آنغلين المستأنفة في مكان آخر بعد فرارهما من السجن. ويشير ابن شقيقة الأخوين إلى أن الفضل في "براعته بتحليل المعلومات والوصول للصورة الأكبر بعد الغوص في التفاصيل" يعود إلى مهنته وتخصصه بتكنولوجيا المعلومات مع (شركة) ’جورجيا باسيفيك‘".
والكتاب الذي شارك ويدنر بتأليفه اليوم يتضمن تفاصيل عدة من اعترافات أدلى بها رجل وهو على فراش الموت زعم أنه كان على متن المركب الذي استلم الهاربين في ليلة الفرار. وتقدم هذه الاعترافات أيضاً تفاصيل عن كيفية عثور فريق البحث عن الهاربين على طوف مضمخ بالدماء على جزيرة قرب ألكتراز – وهي دماء مصدرها على الأرجح ساق موريس النازفة.
أما الدليل الأكثر قوة وإقناعاً في هذا السياق فيتمثل بصورة حظيت بالاهتمام الأكبر من قبل ويدنر مقارنة بالصور الأخرى، وهي التي تركها فريد بريتسي مع العائلة وتُظهر رجلين التقطت صورتهما في البرازيل، وهما على رغم آثار السنين في ملامحهما، يشبهان إلى حد كبير جون وكلارينس. ولم يقم أبداً صديق الطفولة هذا بلفت نظر العائلة على نحو خاص إلى هذه الصورة، كما لم يشر بالتحديد إلى أن الرجلين اللذين يظهران فيها هما الأخوان آنغلين. إلا أن ويدنر أحس بالذهول عندما عاود اكتشافها وجمع الخيوط ببعضها حين كان يقوم ببحثه. والذهول عينه عاد وانتاب كل من عرضت الصورة عليهم، من ضمنهم خبراء مستقلين في التعرف إلى الوجوه، أصروا على أن الصورة، في الحقيقة، تظهر الرجلين اللذين هربا من السجن.
"عندما نعثر على عائلتيهما، فسيكونون أمام صور تظهر جدهم أو والدهم – وأعتقد أننا سنحصل حينها على معلومات أكثر"، يقول ويدنر في هذا السياق.
لكن ويدنر يبقى متحفظاً وكتوماً إزاء المدى الذي بلغه في بحثه، لكنه يؤكد "لدينا أحدهم هناك وهو متخصص في تعقب الأشخاص والوصول إليهم".
على أن ويدنر لا يكشف عما سيحصل عندما يتم العثور على العائلة الضائعة منذ زمن. غير أنه يتمنى بالتأكيد لم شمل العائلة من جديد، والحصول على تفاصيل أكثر متعلقة بحياة خاليه.
"هناك احتمال ضئيل جداً في أن يكون جون ما زال حياً... أشك طبعاً في أن يكون الاثنان على قيد الحياة، لكن الأمر يبقى احتمالاً"، يقول ويدنر، "أحب حقيقة أننا نبقي هذه القصة حية. إنها قضيتنا".
هناك من دون شك بعدٌ رومنطيقي لهذا الاقتناع الذي يرى أن خاليه هربا من "الصخرة" المنيعة، وتجنبا الوقوع في أيدي السلطات طوال عقود، وصنعا لنفسيهما حياة جديدة في أميركا الجنوبية. على أن ويدنر لا يحصر إشارته المتعلقة بهذا الاقتناع بأقاويل واعترافات عائلية وحسب، بل يربط اقتناعه أيضاً بمعلومات ومعطيات مهمة راكمها مع الوقت، وبغياب أي أدلة تشير إلى ما هو عكس ذلك.
فالحقيقة أنه لم يجر العثور على أي جثة تعود لأحد الشقيقين أو لرفيقهما، فيما الأشياء الكثيرة التي طافت على سطح المياه في أعقاب عملية الهروب كانت جزءاً من العملية المخططة، وفق ما يذكر ويدنر في الكتاب الجديد. فالهاربون الثلاثة رأوا أن المخلفات والأشياء الطافية تلك ستلهي الباحثين عنهم وتخدعهم وتوحي لهم بأن الهاربين غرقوا في المياه... وهذا تماماً الاعتقاد الذي ساد.
على رغم إغلاق الـ "أف بي آي" عام 1979 للملف المتعلق بقضية الهروب من ألكتراز، تبقى هذه القضية مفتوحة بالنسبة لـ "خدمة المارشال الأميركية" US Marshals التي من مهامها الاستمرار في البحث عن الفارين إلى حين القبض عليهم أو تأكيد وفاتهم.
ويقول ويندر في هذا الأمر "هناك أشخاص قالوا لي إنهم لا يصدقون أي شيء في هذه القصة، وأنا على الدوام أطرح عليهم السؤال ذاته، الذي أطرحه أيضاً على خدمة المارشال: ’ما هو الدليل الحسي الذي اطلعتم عليه والذي يؤكد نظريتكم؟‘ لا يوجد أي دليل من هذا القبيل – لذا فإن ذلك يبقى افتراضاً".
ويضيف "أنا تحديت خدمة المارشال مرات عدة: اعرضوا كل الأدلة الظرفية التي تملكونها، وأنا سأعرض الأدلة الظرفية التي في حوزتي، ولنفعل ذلك أمام مجموعة من الناس ونرى من قصته أفضل".
© The Independent