Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الداعشية السوداء... "بغدادي" جديد في أفريقيا

التنظيم ينشط بكثافة في القارة مستغلاً هشاشة الأمن وفقر المجتمعات وصومالي يتولى قيادته بعد غياب المؤسس

يركز التنظيم حالياً عملياته في دول مثل الكونغو والصومال وموزمبيق حيث تسود الهشاشة الأمنية (أ ف ب)

ملخص

على رغم القضاء على خلافته في سوريا والعراق وليبيا ودول أخرى، فإن قدرة "داعش" على شن هجمات دموية لم تنتهِ، وآخر هذه الهجمات تلك التي عرفتها جمهورية الكونغو الديمقراطية قبل أيام، والتي قضى فيها نحو 18 شخصاً وأصيب 14 آخرون.

في وقت تلقى ضربات موجعة في دول مثل العراق وسوريا لا يزال تنظيم "داعش" الإرهابي ينشط بكثافة خصوصاً في أفريقيا التي تعاني هشاشة أمنية وأزمات اقتصادية تدفع شبابها إلى حافة الهاوية.

وعلى رغم القضاء على خلافته في سوريا والعراق وليبيا ودول أخرى، فإن قدرة "داعش" على شن هجمات دموية لم تنتهِ، وآخر هذه الهجمات تلك التي عرفتها جمهورية الكونغو الديمقراطية قبل أيام، التي قضى فيها نحو 18 شخصاً وأصيب 14 آخرون.

إثر هذه الهجمات ثارت تساؤلات حول قدرة التنظيم على النهوض مجدداً انطلاقاً من أفريقيا، خصوصاً أن قائد "داعش" الحالي صومالي، وهناك بعد آخر يغذي هذه التساؤلات هو محاولة التنظيم استغلال الفوضى الأمنية التي تعرفها منطقة الساحل الأفريقي والصحراء.

تكيف مع الأوضاع

في عام 2014 نجح قائد "داعش" آنذاك أبوبكر البغدادي في استقطاب الآلاف الذين تهافتوا على سوريا والعراق، ولم يقتصر القادمون على مواطني دول إسلامية بل حتى أوروبية وأفريقية. وفي 2017 أعلن الاتحاد الأفريقي أن نحو 6 آلف من مقاتلي التنظيم الأفارقة قد يعودون إلى ديارهم، وكان التنظيم يركز عملياته في سوريا والعراق وولاية خرسان بصورة رئيسة، وعرف فترة ازدهار جوبهت بمقاومة عالمية كبيرة انتهت بمقتل البغدادي عام 2019.

وزاد تعيين عبدالقادر مؤمن وهو صومالي قائداً للتنظيم من المخاوف التي عبر عنها عديد من الأطراف من عودة "داعش" إلى المسرح العالمي بقوة، خصوصاً أن هناك عوامل في أفريقيا قد تجذب الآلاف من العناصر إليه مثل تفشي الفقر والإقصاء.

 

 

يقول المحلل السياسي المالي حسين آغ عيسى، إن "إعادة ترتيب صفوف تنظيم (داعش) واعتمادهم على قادة من مناطق معينة، مثل تعيين صومالي على رأس التنظيم، يشير إلى محاولاتهم للتكيف مع الأوضاع المتغيرة واستغلال الفجوات الأمنية بمناطق معينة كما في دول الساحل والصحراء التي تعاني هشاشة أمنية ووجود جماعات مسلحة مختلفة، مما يجعلها بيئة خصبة لجميع النشاطات سواء جهادية أم تهريب، بالتالي فإن احتمالية نجاح (داعش) في إعادة ترتيب صفوفه يعتمد على عوامل عدة".

يوضح عيسى لـ"اندبندنت عربية" أن "من بين هذه العوامل، التنسيق بين الفصائل المحلية، وقدرة القيادة الجديدة على توحيد الفصائل المختلفة تحت راية واحدة، وإمكانية حصول التنظيم على الدعم المحلي من بعض المجتمعات التي قد تشعر بالتهميش أو الظلم".

ويلفت إلى أن "من بين العوامل أيضاً الظروف الأمنية واستمرار هشاشة الوضع وعدم قدرة الحكومات المحلية على بسط السيطرة بصورة فعالة، فإذا تمكن التنظيم من الاستفادة من هذه العوامل فقد تكون لديه فرصة لإعادة ترتيب صفوفه وتوسيع نفوذه بالمنطقة".

مخاوف مشروعة

والمخاوف من عودة "داعش" إلى المسرح العالمي لا تعبر عنها مراكز بحث أو دوائر سياسية محددة، بل الأمم المتحدة نفسها التي حذرت في وقت سابق من "التنظيم لا يزال يمثل تهديداً للسلم العالمي لا سيما في غرب أفريقيا".

وجاء هجوم الكونغو الذي تبناه التنظيم ليوقظ هذه المخاوف، خصوصاً أنه جاء بعد أشهر قليلة عن الهجوم الدموي الذي استهدف "كاركوس سيتي" في العاصمة الروسية موسكو، والذي راح ضحيته 130 شخصاً وأصيب فيه أكثر من 100 آخرين.

منذ مارس (آذار) 2023 أعلن "داعش" مسؤوليته عن 1123 هجوماً في كل أنحاء العالم، بحسب البيانات الصادرة عن الإدارة المركزية التابعة له، وقد أدت هذه الهجمات إلى مقتل وإصابة نحو 4770 شخصاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال الباحث السياسي والمؤرخ الفرنسي رولان لومباردي، إن "المخاوف المتعلقة بعودة التنظيم من أفريقيا وخصوصاً بسبب تعيين صومالي قائداً له، هي مخاوف مشروعة بالفعل وتستحق اهتماماً جدياً". متابعاً لـ"اندبندنت عربية" أن "هناك سياقاً أفريقياً ملائماً للتوسع الإرهابي نتيجة أسباب عدة، أولها فشل الدول في مقارباتها الأمنية، والحوكمة المتعثرة نتيجة استشراء الفساد، وما إلى ذلك النزاعات الداخلية التي تطول، ناهيك بتوفر نقاط ضعف أخرى تجعل أفريقيا أرضاً خصبة لزراعة وتوسيع الجماعات المتطرفة".

وأردف أن "المشكلات الأمنية مستمرة أيضاً إذ أصبحت مناطق مثل الساحل وحوض بحيرة تشاد ومنطقة شرق أفريقيا، بما في ذلك الصومال، بمثابة ساحات للأنشطة الإرهابية". موضحاً أن "ترشيح صومالي على رأس التنظيم يمثل إشارة سياسية يمكن أن تكون بمثابة استطلاع للأهمية الاستراتيجية لأفريقيا في عالم الإرهاب، وهذا من شأنه أيضاً أن يشجع على التعبئة المتراكمة للفصائل المتطرفة في أفريقيا، مما يعزز التعاون والتنسيق مع الشبكات العالمية للإرهاب".

وشدد على أن "هناك قدرة على التنظيم والتجنيد في أفريقيا أيضاً، إذ اكتسبت الجماعات المتطرفة الصومالية مثل حركة الشباب قدرة على الصمود وكفاءة تنظيمية ذات أهمية، ويمكن أن تكون تجربتها بمثابة استهداف مربح لإعادة هيكلة وتنشيط (داعش) وأنظمة أخرى على المستوى الدولي''.

أخطار دولية

ومن غير الواضح ما إذا ستكون لمساعي تنظيم "داعش" من أجل إعادة ترتيب صفوفه من أفريقيا ارتدادات على الصعيد الدولي على رغم التحذيرات من هجمات قد تشهدها بعض المناطق.

يرى لومباردي أن "الأخطار على المشهد الدولي تتمثل في الأساس في التوسع البحري، إذ أصبحت الشواطئ الأفريقية، وبخاصة في منطقة خليج غينيا، عرضة للقرصنة والاتجار غير المشروع. إن استغلال هذه الطرق البحرية من أجل نقل المقاتلين أو الأسلحة أو المخدرات يمكن أن يشكل تهديداً أمنياً جديداً".

 

 

وبين أن "هناك أخطاراً أخرى على غرار الاتصال بشبكات أخرى، إذ يمكن لأفريقيا أن تنشئ متجراً يضم مجموعة متنوعة من التهديدات العابرة للحدود الوطنية، بمن في ذلك الإرهابيون ومهربو المخدرات ومجموعات المجرمين، وهذا يمكن أن يوفر الموارد المالية واللوجيستية الإضافية لعمليات (داعش) وغيرها من التنظيمات العالمية".

وشدد لومباردي على أن "من المهم إذن للدول الأفريقية وللشركاء الدوليين مضاعفة الجهود لتحقيق الاستقرار في هذه المناطق، ومحاولة العثور على حماية جديدة من القارة الأفريقية".

تنافس مع "القاعدة"

في المقابل، فإن طريق "داعش" لتركيز عملياتها في أفريقيا وجعل القارة منطلقاً جديداً لها لا تبدو سالكة، خصوصاً في ظل التنافس مع تنظيم "القاعدة" الإرهابي الذي يضم فروعاً عدة وجماعات موالية له على غرار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في مالي.

مع ذلك فإن أفريقيا تشكل منطقة مهمة لتنظيم "داعش"، وهو أمر تعكسه تصريحات قادته وأهمهم أبوبكر البغدادي، الذي قال قبل مقتله بأعوام، إن "الجماعة قامت بتوسيع ونقل بعض قيادتها وإعلامها وثرواتها إلى أفريقيا".

وتضم منطقة غرب أفريقيا الآن جناحين لتنظيم "داعش"، الأول في حوض بحيرة تشاد، والثاني بمنطقة الساحل. كما أنشأ ما يسمى "ولاية أفريقيا الوسطى" التابعة لـ"داعش" فروعاً عديدة في موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي أجنحة تمكنت بالفعل في الأشهر الماضية من شن هجمات دموية.

وقال حسين آغ عيسى، "لا شك أن هذه التنظيمات غالباً ما تزدهر في الفوضى وضعف السلطة المركزية، إذ يمكنها تجنيد مزيد من الأفراد وتنفيذ عملياتها بسهولة أكبر". مستدركاً "مع وجود القوة الأجنبية المتمثلة في فرنسا وأميركا وحلفائهما أكثر من نصف قرن في الساحل، زاد حجم انتشار التنظيمات الإرهابية شيئاً فشيئاً مما جعل فشلهم في محاربة هذه التنظيمات واقعاً يراه الجميع".

وأوضح أنه "بالنسبة إلى التنافس بين (داعش) و(القاعدة)، فإن كل جماعة تسعى إلى استغلال الوضع لتوسيع نفوذها والسيطرة على مناطق جديدة، مما يؤجج صراعات جديدة بينهما على الموارد والسيطرة على الأراضي".

وفي ظل تنامي نشاط "داعش" ومنافسيه من الجماعات المتشددة، من غير الواضح ما إذا كان التحالف الدولي الذي تشكل في 2014 ووجه ضربات قاسية للتنظيم سيتوجه إلى قيادة عمليات داخل أفريقيا، خصوصاً في ظل التغيرات السياسية التي تعرفها المنطقة.

المزيد من تقارير