Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السوق السوداء تعرف طريقها إلى دواء المصريين

مواطنون: نشتري الأنسولين بثلاثة أضعاف السعر الرسمي ومتخصصون: انفراجة قريبة الشهر المقبل

يوجد في مصر نحو 17 ألف صنف دوائي مسجل رسمياً تتم صناعة قرابة 90 في المئة منها محلياً (أ ف ب)

ملخص

"لم أتخيل يوماً أن تخيم السوق السوداء على الأدوية في مصر على الإطلاق، لا أصدق حتى الآن"، تلك كانت إجابة سامح حسين إلى "اندبندنت عربية" عند سؤاله عن أزمة الدواء في مصر

تعايش المصريون سنوات عدة مع ما يعرف بالسوق السوداء (السوق الموازية) تلك السوق الخفية التي تبدل خلالها العملات الأجنبية، وخصوصاً الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري بصورة غير رسمية خارج إطار الجهاز المصرفي الرسمي.

رويداً رويداً نسجت السوق السوداء شباكها في أسواق بيع السيارات، سواء الجديدة أو المستعملة منذ أقل من عقد، واستفحلت الأزمة مع النقص الشديد في العملات الأجنبية منذ عام 2022 تقريباً حتى خلقت السوق ظاهرة أو مصطلحاً جديداً أطلق عليه الـ"أوفر برايس"، وهو ما يعني مبلغاً إضافياً على سعر السلعة الرسمي، يقرره الموزعون مقابل البيع، بدلاً من الانتظار لأشهر قبل التسلم عند الشراء من الوكيل بالأسعار الرسمية.

الأمر هنا قد يكون مقبولاً عند شريحة كبيرة من المصريين من أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة على اعتبار أن دخول عمليات شراء السيارات أو تبادل العملات الأجنبية السوق السوداء لا يمس سلعاً أساسية لهم.

"لم أتخيل يوماً أن تخيم السوق السوداء على الأدوية في مصر على الإطلاق، لا أصدق حتى الآن"، تلك كانت إجابة سامح حسين إلى "اندبندنت عربية" عند سؤاله عن أزمة الدواء في مصر، إذ قال الرجل الثلاثيني الموظف بإحدى شركات القطاع الخاص، "زوجتي مريضة بضغط الدم المرتفع، لذلك بحث عن الدواء الذي وصفه الطبيب المعالج لها كثيراً، ولم أجده حتى، قادتني الصدفة إلى إحدى الصيدليات في إحدى المناطق الشعبية". وأضاف، "سألت الصيدلي عن العلاج فقال إنه غير متوافر في صيدليته، قبل أن يستدرك ويعلن عن استعداده توفير الدواء بعد أقل من ساعتين، ولكن بسعر مضاعف عن سعره الرسمي بشرط أن يحصل على جزء من سعر الدواء قبل أن يتوجه إلى الشراء".

وتابع الشاب الثلاثيني، "على مضض قبلت نظراً إلى حال زوجتي المريضة، وبالفعل عدت بعد ساعتين وحصلت على الدواء بسعر مضاعف".

أصحاب الصيدليات

في المقابل برر أحمد الميرغني صاحب إحدى الصيدليات في حديثه إلى "اندبندنت عربية" ظاهرة الـ"أوفر برايس" عند شراء الدواء، وقال إن "أصحاب الصيدليات مظلومون أيضاً"، موضحاً "لك أن تتخيل أن أسعار الدواء في مصر لم تعدل منذ ثلاث سنوات عندما كان سعر الدولار مقابل الجنيه المصري لا يزيد على 30 جنيهاً (0.61 دولار)، بينما السعر الحالي يقترب من الـ50 جنيهاً (1.02 دولار)". وأضاف أن "الشركات تستورد الأدوية من خارج البلاد وفقاً لآخر سعر للدولار الأميركي، وفي المقابل أسعار الأدوية ثابتة لم تتغير، وكلفة الصناعة تزيد، ولذلك توقف بعض الشركات بيع أصناف عدة من الأدوية أسعارها متدنية أو يتم إخراجها من الشركات للبيع بأسعار مرتفعة بطريقة الـ(أوفر برايس) حتى تستطيع تحقيق التوازن بين الكلفة وأسعار البيع".

الأنسولين يباع بثلاثة أضعاف السعر الرسمي

أثناء حديث الصيدلي سامح حسين التقط رجل ستيني طرف الحديث قائلاً "أنا مريض بالسكري وأبحث عن الأنسولين في كل مكان ولا أجده إلى أن استوقفني أحد الشباب أمام إحدى الصيدليات أثناء عملية البحث ليقول لي أغرب ما سمعته طوال سني عمرى".

وأوضح محمد مغربي أن "سعر عبوة الأنسولين لا يزيد على 93 جنيهاً (1.9 دولار)، أما الشاب فطلب مني 293 جنيهاً (5.9 دولار)، ما يعادل السعر الرسمي ثلاث مرات مقابل أن يوفر لي عبوة في التو واللحظة"، قائلاً "للأسف رضخت لطلبه وانتظرت دقائق بعدما حصل على المبلغ المطلوب قبل أن يعود حاملاً في يده شنطة سوداء بداخلها الأنسولين"، قائلاً بسخرية "أشعرني الشاب أنني أطلب منه أقراصاً مخدرة"، مستغرباً في نهاية حديثه "كيف يحدث هذا في أدوية لأمراض مزمنة في مصر"، مستدركاً "انا لديَّ المال لكي أدفع فحالي المادية جيدة"، متسائلاً "ماذا عن الفقراء؟".

صيدلي آخر رفض أن يذكر اسمه أكد لـ"اندبندنت عربية" أن "بعض الأدوية اختفت بالفعل من السوق المحلية، خصوصاً أن الشركات التي لديها مخزون محلي قامت بمضاعفة الأسعار، ولذلك ترفض غالبية الصيدليات الشراء بالأسعار الجديدة المحددة من قبل الشركات المحتكرة لبعض أصناف الأدوية". وأوضح أن "بعض الأطباء يعرفون الأزمة جيداً، ولذلك يصفون أحياناً أكثر من ثلاثة أنواع بدائل لصنف الدواء الواحد، وأحياناً لا يجد المريض أحد الأصناف الثلاثة، وفي النهاية يشتري مضطراً وفق الأسعار المحددة".

الدولة لديها خطة لتوفير الأدوية

مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية محمد عوض تاج الدين دخل على خط الأزمة، موضحاً دور الدولة في حل أزمة نقص الأنسولين وعدد كبير من الأدوية خلال الفترة الأخيرة، قائلاً في تصريحات إعلامية أول من أمس السبت إن "الدولة المصرية تتابع أزمة نقص الأدوية بدقة شديدة جداً". وأضاف أن "الدولة تعمل على تنفيذ خطة لتوفير الأدوية التي تحتاج إليها السوق المصرية كافة"، مشيراً إلى وجود دراسة مستفيضة لمنع تكرار هذه الأزمة، لافتاً إلى بدء توافر الأدوية في السوق المصرية، قائلاً "إن شاء الله الأزمة مش هتكرر تاني".

البرلمان يتدخل

من جانبها طالبت عضو لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب المصري النائبة مرفت عبدالعظيم الحكومة المصرية بوضع حلول لأزمة الدواء، خصوصاً أزمة نقص الأنسولين. وقالت في تصريحات صحافية، "يجب وضع حلول وألات لمواجهتها لما تسببه من معاناة حقيقية لمرضى السكر، وهو ما يدق ناقوس خطر يهدد صحة وسلامة المرضى". وأضافت أن "عدد المرضى المصابين بالسكري يصل إلى نحو 11 مليون مريض، مما يشكل خطورة كبيرة على صحة هؤلاء المرضى في حالة نقص الأنسولين بصورة مستمرة"، مشيرة إلى أن "هناك عدداً كبيراً من النواقص في الأدوية التي تشهدها الأسواق المصرية، وعلى رأسها الأنسولين وأدوية القولون والغدد وبعض المضادات الحيوية"، وطالبت الحكومة بأولية الإفراج الجمركي عن الشحنات الخاصة بالمواد الخام المستخدمة في صناعة وإنتاج الدواء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه أقر رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية المصرية علي عوف بظهور السوق السوداء وانتشار ظاهرة الـ"أوفر برايس" في قطاع الأدوية أخيراً، مستدركاً "لكن ليس في كل أصناف الدواء. هناك أنواع محددة تباع بأسعار أعلى من الأسعار الرسمية"، معتقداً أن أزمة نقص الأدوية ستحل قريباً قبل حلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، خصوصاً مع موافقة الحكومة على زيادة أسعار الأدوية التي تقدمت بها الشركات، مشيراً إلى أن هيئة الدواء المصرية رفعت أسعار 400 صنف دوائي خلال الفترة الماضية، بنسب تراوح ما بين 25 و30 في المئة.

ويرى عوف أن الزيادة التي اعتمدتها هيئة الدواء على أسعار الدواء حتى الآن "غير عادلة" في ظل ارتفاع كلف إنتاج الأدوية بنسبة أعلى منذ قرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر الصرف (التعويم) مطلع مارس (آذار) الماضي.

التسعير الجبري

وأوضح أن الدواء إحدى السلع التي تسعر بصورة جبرية في مصر كالمواد والسلع المدعمة مثل السلع البترولية والخبز، إذ يتطلب تحريك أسعاره موافقة هيئة الدواء المصرية بعد تقديم الشركات ما يثبت ارتفاع كلف الإنتاج.

وفي يوليو (تموز) الماضي أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحافي عزم حكومته تحريك أسعار الأدوية بـ"حسابات دقيقة" لضمان عدم وجود أي نقص، وذلك في خطة تطاول نحو 3 آلاف صنف من الدواء ما يمثل نحو 90 في المئة من حجم التداول بالسوق المصرية.

وبدأت شركات مصرية رفع أسعارها، إذ أعلنت شركة "العاشر من رمضان" للصناعات الدوائية "راميدا" الأسبوع الماضي الحصول على موافقة هيئة الدواء المصرية لزيادة أسعار جميع منتجاتها الأساسية ما بين 40 في المئة و50 في المئة في حين ينتظر اتخاذ شركات أخرى خطوات مشابهة خلال الأيام المقبلة.

17 ألف صنف دوائي مسجل

وأوضحت "راميدا" في بيان صحافي أن الموافقة على زيادة الأسعار تشمل 22 صنفاً دوائياً موزعة على علامات تجارية رئيسة، وتوقعت مزيداً من الموافقات لزيادة أسعار علامات تجارية إضافية خلال الفترة المقبلة، مضيفة أن هذه العملية المستمرة ستسهم في توفير الأدوية الأساسية للمرضى، مما ينعكس بصورة إيجابية على الموقف المالي للشركات.

ويوجد في مصر نحو 17 ألف صنف دوائي مسجل رسمياً تتم صناعة قرابة 90 في المئة منها محلياً، إضافة إلى 88 ألف صيدلية، وتمتلك 176 شركة مصانع إلى جانب 7 شركات قطاع أعمال و22 فرعاً لشركات أجنبية، فيما لا تمتلك 1200 شركة تجارية مصانع إنتاج.

وتعدت مبيعات الدواء في البلاد 3 مليارات دولار خلال عام، بحسب الجمعية المصرية لـ"الحق في الدواء".

من جانبه قال رئيس جمعية "الحق في الدواء" محمد فؤاد إن ظاهرة الـ"أوفر برايس" في أسواق السيارات انتقلت إلى أسواق الدواء تدريجاً"، موضحاً إلى "اندبندنت عربية" أن "هناك دواءً لعلاج السمنة لا يزيد سعره على 2200 جنيه (45 دولاراً)، غير متوافر في الأسواق، بينما بعض الصيدليات توفره لعملائها المقربين بسعر يصل إلى 8 آلاف جنيه (164 دولاراً)".

انفراجة تدريجية

حول أزمة نقص أدوية الأمراض المزمنة قال فؤاد "هناك انفراجة تدريجية مع بدء تدفق نحو 80 نوع دواء، من بين أكثر الأدوية استهلاكاً، مشيراً إلى أنواع وأصناف أخرى ستكون متوافرة في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل مع موافقة هيئة الدواء على زيادة أسعار أصناف دوائية جديدة.