Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصطلح الكتابة الروائية يتطور في زمن الثقافة الرقمية

الروائي طالب الرفاعي يبحث في المفهوم الجديد ويقدم دليلاً شاملاً

تحديات المحترفات الإبداعية (سوشيل ميديا)

ملخص

إذا كانت الكتابة الأدبية من الفنون التي تحتاج إلى مزيج من الموهبة الفطرية والتعلم المستمر، فإن دراسة الكتابة الإبداعية التي أصبحت مادة تدرس في عديد من الجامعات، تلعب دوراً محورياً في تنمية الإبداع الفكري، والقدرة على التعبير عن الذات. فمن خلال دراسة منتظمة عملية وتعليمية عميقة، يتمكن الكاتب المبتدئ من استكشاف خياله، وإدراك أفكاره بطرق جديدة.

"كتابة الرواية، تشبه قيادة السيارة في الليل، يمكنك أن ترى فقط، بقدر ما يصل إليه ضوء المصابيح العلوية، ولكن يمكنك القيام بالرحلة كلها على هذا النحو". ضمن العلاقة الجدلية بين المبدع ونصه، تستحق عبارة الكاتب الأميركي إدوارد لورنس دوكتورو التأمل في دلالاتها على مدار رحلة الكتابة. ترد هذه العبارة ضمن كتاب "كيف تكتب قصة قصيرة أو رواية، منهج الكتابة الإبداعية"، الصادر عن دار رف، للكاتب والروائي طالب الرفاعي، الذي يقدم رؤيته الواقعية والعملية لفعل الكتابة في أبعاده المتشعبة، بداية من علاقة الإنسان تاريخياً مع فعل الكتابة، مروراً بالفن وأثره في حياة البشر، وصولاً إلى قرار الإنسان أن يكتب قصة أو رواية، أي الوقوع في غواية خلق عالم جديد متكامل، يعبر من خلاله عن أفكاره، وما يود قوله عن الحياة.

وإذا كانت الكتابة الأدبية من الفنون الرفيعة التي تحتاج إلى مزيج من الموهبة الفطرية والتعلم المستمر، فإن دراسة الكتابة الإبداعية التي أصبحت مادة تدرس في عديد من الجامعات، تلعب دوراً محورياً في تنمية الإبداع الفكري، والقدرة على التعبير عن الذات، من خلال دراسة منتظمة عملية وتعليمية عميقة، تمكن الكاتب المبتدئ من استكشاف خياله، وإدراك أفكاره بطرق جديدة.

يذكر المؤلف أنه مع ظهور التطور الرقمي المذهل الذي حصل خلال العقود الأربعة الأخيرة، وثورة المعلومات، ومحركات البحث على شبكة الإنترنت، واستخدام الكمبيوتر والتليفون الذكي، ومواقع التواصل الاجتماعي وشبكاته، وبرامج الذكاء الاصطناعي، كل هذا جعل مصطلح الكتابة الإبداعية يكتسب مفهوماً علمياً، في الجامعات والمعاهد الأميركية والأوروبية المتخصصة، كما بدأ يشق طريقه في بعض الجامعات العربية.

يكشف الكتاب أن دراسة الكتابة الإبداعية أو الالتحاق بالورش التي تقدمها، تساعد الكاتب الشاب على أن يبتكر عوالم تخصه، يبني شخصيات غنية ومتعددة الأبعاد، ويسرد قصصاً تلامس الأحاسيس الإنسانية، وتطرح أسئلة عميقة حول الحياة والمجتمع، وذلك بسبب العصف الذهني والنقاشات المستمرة، بين المحاضر، والمشاركين، الذين يقرأون نصوصهم، ويتبادلون الآراء والتجارب.

يأتي كتاب "كيف تكتب قصة قصيرة أو رواية"، ليكون دليلاً لكل من يرغب في تطوير مهاراته الكتابية وصقلها، فهو يتناول حالة الكتابة بأسلوب شامل ومنهجي، مقدماً أدوات ومعارف للكتاب الطموحين، لكن من دون أن يقدم وعداً قاطعاً بأن يصبح المتدرب في الورشة كاتباً، يقول، "لا يمكنك بمتابعة ورش كتابة إبداعية أن تتخرج وتكون كاتباً، وحدك من تسير طريقك، تكتب جملة وتتعثر بأخرى، الشابات والشباب الراغبون بتعلم الكتابة، ليس لهم اليوم سوى دراستها بالجامعة والمعهد والورشة، دراسة علمية وعملية، يجرب كل واحد فيهم، قدرته على تحويل فكرة صغيرة تمر بخياله، لتكون مشهداً فنياً يباري مشاهد الحياة في ضجته وصدقه وإثارته".

يبدأ الكتاب بمقدمة واضحة تؤكد أن الكتابة الأدبية ليست مجرد موهبة فطرية، بل هي مهارة أيضاً يمكن تعلمها وتطويرها. هذا التوجه يزيل العبء عن عديد من الكتاب الذين قد يشعرون بالإحباط، لعدم امتلاكهم الموهبة الكافية، ويشدد الرفاعي على أهمية القراءة، كجزء أساسي من حياة الكاتب، إذ كيف يمكن أن تكون هناك كتابة من دون قراءة؟!

النشر والتفاعل مع القراء

يتطرق المؤلف أيضاً إلى الإلهام، وكيفية العثور عليه، مشيراً إلى أن من الممكن أن يأتي من مصادر متعددة مثل الحياة اليومية، والتجارب الشخصية، والكتب الأخرى، والأفلام، والموسيقى. وينصح الكتاب بالاحتفاظ بدفتر ملاحظات، لتدوين الأفكار فور ورودها، وهذا توجيه عملي يرسخ من عادة تنظيم الأفكار وتطويرها لاحقاً، ثم ينتقل الكتاب إلى مرحلة التخطيط، إنه الطريقة المثلى لتجنب الفوضى أثناء الكتابة. التخطيط يساعد الكاتب على تحديد مسار الأحداث، وتطوير الشخصيات بشكل منظم، مما يضمن تماسك القصة وترابط أحداثها، عبر تقسيم القصة إلى مشاهد أو فصول، مما يسهل عملية الكتابة والتنظيم.

ويعد التركيز على بناء الشخصيات المؤثرة والقوية والواقعية من أكثر التوجيهات أهمية للكاتب الشاب، إذ يوضح المؤلف أن الشخصيات هي العمود الفقري لأي قصة ناجحة، مقدماً نصائحه حول كيفية إعطاء الشخصيات خلفيات درامية وأهدافا ودوافع تجعلها حية في ذهن القارئ، كما يبرز الكتاب دور الحوار في تطوير الشخصيات، ومعرفة صفاتها، مما يضيف عمقاً وواقعية على القصة.

يشير الرفاعي إلى أن الحبكة يجب أن تكون متماسكة ومترابطة، بحيث تتطور الأحداث بشكل منطقي، يقود القارئ نحو الذروة ثم الحل. كما ينصح الكتاب بالاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي تضيف عمقاً للقصة، وتزيد من تشويقها. هذه النصائح تضع الكاتب على طريق واضح المعالم نسبياً، وتكشف قدرته على خلق قصص جذابة للقارئ، وتطوير أسلوب وصوت أدبي خاص به. ويشدد صاحب "النجدي" على ضرورة تجريب أنماط وأشكال مختلفة من الكتابة، حتى يجد الكاتب الصوت الذي يميزه، موجهاً الكتاب نحو الكتابة بأسلوب واضح ودقيق، مع تجنب الغموض والإسهاب غير الضروري.

لا يتوانى المؤلف أيضاً عن تقديم نصائح حول كيفية نشر الأعمال الأدبية والتفاعل مع القراء. يشجع الكتاب على القراءة بكثافة والانخراط في مجتمعات إبداعية والمشاركة في ورش العمل الأدبية، لتحسين مهاراتهم وتوسيع شبكة معارفهم، هذه التوجيهات تعكس فهماً عميقاً لعالم النشر الحديث وتحدياته.

الكتابة كرحلة مستمرة

الكتابة هي رحلة مستمرة من التعلم والتطوير، تحفز الكتاب الشباب على المثابرة والصبر، والاستمرار في الكتابة بغض النظر عن التحديات التي قد يواجهونها. هذا التشجيع يعكس روح الكتاب الإيجابية والداعمة، مما يجعله دليلاً مثالياً للكتاب المبتدئين، الذين مضوا في مسارهم الإبداعي على حد سواء.

ينقسم الكتاب إلى ثمانية فصول، ينوع الكاتب توجيهاته فيها بين الذات والعالم، بين طرق الكتابة وأساليبها، وبين علاقة الكاتب الشاب مع كل ما هو خارج ذاته في عالم الكتابة، سواء مع دور النشر أو مع وسائل التواصل الاجتماعي، والترويج الذاتي عبرها، منبهاً الكتاب الشباب إلى عدم التسرع في النشر، مما قد يحرم الكاتب من تعلم فنون الكتابة وأسرارها. وتحت عنوان "حلم النشر المغوي" في الفصل الثامن، يقول المؤلف، "إن اقتران النشر بالكتابة، سببه البريق الكبير والمغوي والشهرة التي يتخيلها البعض من وراء عملية النشر، ففي زمن ثورة المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي، وقدرة كل شخص على أن يكون له صفحة على أي شبكة تواصل، تجلب له كثير من الأتباع، يمتدحون جمله وعباراته، صار حلم النشر يدغدغ البعض، ويدفعه لأن يتميز بإصدار كتاب، حتى لو كان غير ملم بشروط الجنس الأدبي الذي يريد الكتابة فيه، وهذا ما يفسر كثرة الأعمال الضعيفة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقدم طالب الرفاعي أيضاً، للقارئ خبراته الشخصية، وتجاربه في مجال النشر، لأعوام تمتد إلى أكثر من ثلاثة عقود، خاض فيها غمار نشر قصص وروايات. ضمن خبراته الذاتية يذكر الكاتب تفضيله لصوت ضمير المتكلم، والمخاطب، عن الراوي العليم، إذ يرى أن كلتا الصيغتين تعطي النص نوعاً من التقارب الذي يجذب القارئ، وتجعلانه في علاقة تفاعلية مع الراوي والنص. ومما يذكره المؤلف من خبرته الشخصية أيضاً، في ما يتعلق بتشكيل شخصياته الإبداعية، إجراء بحث شامل عن كل شخصية، بحيث يحاط بصفاتها النفسية والجسدية والاجتماعية، مما يساعده على إدراك مستوى وعيها، والكتابة عنها من الجذور.

يورد المؤلف في كتابه ملاحظات جوهرية دقيقة عن العمل الأدبي، بداية من لحظة ظهور الفكرة، حتى تتبعها، كلمة كلمة، وسطراً سطراً، وصولاً لتشكلها كمعنى منتظم في نص. ويتوقف طويلاً عند فكرة الحبكة، والشخصيات، والأسلوب، واللغة، وتنوع ضمائر السرد، والاختلاف بينها، لكن تظل الملاحظة الأكثر أهمية بالنسبة للكاتب الجديد، في تجويده للنص، هي: "لا شيء يجود النص القصصي أو الروائي ويبتعد به عن الهفوات، كما تفعل القراءة والمراجعة وإعادة الكتابة. فالاستعجال للانتهاء من كتابة القصة أو الرواية هو الخطر الكبير والمحدق دائماً بالكتابة والكاتب. لذا لا تبخل عن إعادة الكتابة، مرة واثنتين وعشراً، بقدر ما تستطيع قبل الدفع بالنص للطباعة والنشر".

من خلال قراءة الكتاب، يمكن ملاحظة أنه يقدم منهجاً متكاملاً وشاملاً لتعلم الكتابة الأدبية. مما يضمن للكاتب الشاب أن يحصل على مضمون، يثري معرفته بطرق الكتابة وأساليبها، ويمكن أن يكون دليله في رحلاته الإبداعية. وقد ركز الكتاب على الجانب النظري، متجنباً الأمثلة النصية المفصلة التي يمكن أن تكون ذات وجهين، أن تساعد بعض الكتاب أو أن تشتت انتباه آخرين، لا يزالون في خطواتهم الأولى نحو عالم الكتابة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة