ملخص
الإنسان في غزة يختلف تعريفه للنصر والهزيمة عن تعريف الأطراف كافة، لأن حساباتها تتباين تماماً عن حساباته وهمومه ومأساته، وهو الخاسر الوحيد من استمرار هذه الحرب أو توقفها.
حسابات الربح والخسارة السياسية، وحسابات الموت والبقاء لإنسان غزة قاربت السنة، فمنذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قتل أكثر من 40 ألفاً من أهل غزة غالبيتهم من الأطفال والنساء، ونحو 100 ألف جريح وآلاف المفقودين و1.5 مليون نازح، ودمار هائل لا يتوقف حوّل قطاع غزة إلى خرائب.
حركة دبلوماسية لا تهدأ بالمنطقة، ومحادثات تناقلت بين الدوحة والقاهرة، وزيارات متكررة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وصلت إلى تسع زيارات للمنطقة منذ أكتوبر الماضي، ومشاورات وتصريحات وتلاوم بين "حماس" وبين حكومة بنيامين نتنياهو حول السبب وراء تعطيل التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب على غزة.
نتانياهو لا يريد إنهاء الحرب لأسباب لا تتعلق بمستقبله السياسي وحسب، وإنما لأنه إن أنهى الحرب اليوم فكأنما يعترف بالهزيمة بعدم تحقيق أي من أهدافه المعلنة، فلا هو أطلق سراح الرهائن، ولا هو قضى على "حماس" وقيادتها كما وعد بداية الحرب على غزة في الثامن من أكتوبر الماضي.
"حماس" تريد إيقاف الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، أي أنها تريد العودة لما كانت عليه الأوضاع قبل السابع من أكتوبر الماضي.
ترى كيف يمكن أن تكون ردود أفعال الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة لو توصل إلى وقف للحرب على غزة اليوم؟
إسرائيل
ستنشق الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي هددت أطراف عنصرية بها مثل وزير الداخلية إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأنها ستنسحب من حكومة نتنياهو الائتلافية، إن هو أوقف الحرب قبل الدمار التام لحركة "حماس" وهو ما يبدو مستحيلاً.
كما سيجد نتنياهو نفسه أمام استحقاقات اختراق "طوفان الأقصى"، ومحاسبته على الحرب وآثارها، ثم العودة لملفه بالفساد وضغوط شعبية لن تتوقف باستقالة حكومته وإجراء انتخابات باكرة.
"حماس"
إن ظهرت قياداتها حية من الأنفاق، فستعلن أنها هزمت إسرائيل وأخضعتها وأجبرتها بصمودها على وقف إطلاق النار وبقاء المقاومة، وأن كل ما جرى من دمار رهيب لغزة وأهلها إنما هو ثمن طبيعي لابد من أن تدفعه الشعوب التي تنشد الحرية والاستقلال.
إيران
نحن الذين أجبرنا إسرائيل بتهديداتنا بضربها انتقاماً لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية بطهران على الهزيمة وخضوعها لتهديدنا بوقف الحرب على غزة، وهو انتصار لنا وللشعب الفلسطيني يكفينا عن الرد العسكري على إسرائيل.
مصر وقطر
نحن الوسطاء الذين لا نكل ولا نمل من الجهود المتواصلة للتوصل إلى هذا الاتفاق الذي ننشد من ورائه حقن الدم الفلسطيني ووقف المذبحة وحرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونحن في مصر رفضنا الضغوط كافة، ولم نقبل بأي إغراءات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم إلى أرض سيناء المصرية.
الولايات المتحدة
ستحاول الإدارة الحالية تجيير وقف الحرب لصالح مرشحتها كامالا هاريس بالانتخابات الرئاسية المقررة في الأسبوع الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، نحن أوقفنا الحرب ونجحت دبلوماسيتنا بالإتيان بالأطراف المتنازعة كافة على رغم تباعد مواقفها إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب، وهو ما قد يخفف الضغط اليساري والشبابي من داخل الحزب الديمقراطي على كامالا هاريس والإدارة الحالية وموقفها الداعم لنتنياهو وللحرب بحجة "الدفاع عن النفس".
أوروبا
جهودنا الدبلوماسية وتهديداتنا العسكرية هي التي أقنعت إيران ألا تشن حرباً انتقامية ضد إسرائيل، ونجحنا بعدم اتساع نطاق الحرب في المنطقة.
الإنسان في غزة
تعريفه للنصر والهزيمة يختلف عن تعريف الأطراف كافة التي تختلف حساباتها تماماً عن حساباته وهمومه ومأساته، وهو الخاسر الوحيد من استمرار هذه الحرب أو توقفها، فالأمر أصبح بالنسبة إلى هذا الإنسان المنكوب سيان، فلو استمرت الحرب قد تنهي معاناته بالموت، وإن توقفت فسيبدأ العيش أو قل "اللاعيش" بين الأنقاض وروائح الموت والأوبئة بلا مأوى أو مأكل أو مشرب أو مشفى أو مدرسة أو تعليم أو أمل.
لا أعتقد أن اتفاقاً وشيكاً سيتوصل إليه بين إسرائيل و"حماس"، وحتى لو أعلن التوصل إلى اتفاق ما، فإنه سرعان ما ينقض ويخرق في الغالب من نتنياهو وجيشه، ولم أجد أصدق من تصريح رئيس الوزراء القطري ووزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الذي شخص واختصر المفاوضات بين "حماس" وإسرائيل بعد اغتيال إسماعيل هنيه بأنه "كيف تكون المفاوضات بين طرفين أحدهما يقتل الطرف الآخر؟".