Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشعر الصيني الجديد يرى العالم بعيون الأشجار

المهرجان العالمي لدول بريكس يلقي الضوء على الشعراء الشباب وأنطولوجيا شاملة

شاعرة صينية تقرأ في المهرجان العالمي في بكين (اندنبدنت عربية)

ملخص

أتاح مهرجان الشعر العالمي في مدينتي بكين وهانغتشو الفرصة للشعراء الصينيين الشباب، ليعبّروا عن أحدث تجاربهم واتجاهاتهم المنفتحة على حركة الشعر العالمية، من خلال مشاركتهم في اللقاءات الشعرية في جوار سور الصين العظيم، وحضور قصائدهم الجديدة في الأنطولوجيا التي أصدرها المهرجان.

تشكّل نصوص الشعراء الصينيين النسبة الأكبر في الأنثولوجيا الشعرية التي أصدرها أخيراً مهرجان الشعر العالمي في الصين، بعدما أسدل الستار عن فعالياته التي نظّمها اتحاد الكتّاب الصينيين في مدينتي بكين وهانغتشو في يوليو (تموز) الماضي. وتضم االأنطولوجيا قصائد الشعراء المشاركين في المهرجان من دول مجموعة بريكس الاقتصادية: الصين، وإيران، والهند، والبرازيل، وروسيا، وإثيوبيا، وجنوب أفريقيا، ومصر، والسعودية، والإمارات. ويبلغ عدد الشعراء الصينيين في الأنطولوجيا ثلاثة وعشرين شاعراً وشاعرة، من بين قرابة سبعين مشاركاً من الدول العشر.

وتحت مظلة الأهداف التي سعى المهرجان إلى إدراكها، بجمع الشعراء من مختلف المشارب والمذاهب على بساط قصيدة المحبة والوئام، وتعزيز رسائل التواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب واللغات المتنوعة، فإن المهرجان قد أفسح المجال واسعاً للقصيدة الصينية الجديدة لكي تطلّ بوجهها الأصيل والمغامر في آن. ويتضح جليّاً في قراءات الشعراء الصينيين ونصوصهم المنشورة في الأنثولوجيا الشعرية، أن مبادئ الخصوصية والتحفظ والتمسك بالموروث التي تحكم الحياة كلها في الصين، لا تحول دون تفاعل الشعر الصيني مع حركة الشعر العالمية وتيارات الكتابة الحديثة. فلقد تكون هناك ضرورة أحياناً "للبحث عن أرواح طيبة خارج خط الاستواء"، مثلما ترى الشاعرة الصينية يانغ بي وي.

إمبراطورية القصيدة

هل للقصيدة إمبراطورية على أرض الصين؟! يبدو أن الأمر كذلك، فلقد كان من شروط تقلّد الوظيفة الحكومية المرموقة حتى بداية القرن الماضي، القدرة على نظم الشعر، واستيعابه استيعاباً جيّداً، إلى جانب كتابة النثر. ولهذا السبب، بلغ شعراء وأدباء بارزون مواقع المسؤولية على مدار عهود طويلة، في بلاد الحرير التي تقدّس الشعر.

ومنذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، يتمدد الشعر الصيني إلى سائر الأغراض، ليس فقط كلون إبداعي إنساني، وإنما كفن من فنون استقبال الحياة، وممارستها في نشاطاتها وتجلياتها المتعددة. ويحمل كتاب "الأغاني"، الذي يعود إلى أحد عشر قرناً قبل الميلاد، توثيقاً وتأريخاً للحصاد الشعبي كاملاً، من الزراعة والمناسبات الاجتماعية والعادات والتقاليد والحروب وغيرها.

ومن سمات الشعر الصيني منذ نشأته حتى الآن، الميل إلى التكثيف في الفكرة والعبارة، والحرص على الإشارة الخاطفة حتى في الأخلاقيات والفلسفة والحكمة ووصف الطبيعة، من دون التصريح والتحديد اللذين يقودان اللغة الشعرية إلى المباشرة والفجاجة، ويُحسب للشعر الصيني هذا الدور الريادي في ما يخص الترميز في التعبير. يقول الشاعر لي باي، من أسرة تانغ الملكية (701-762م)، بترجمة سلامة عبيد في كتابه "مختارات من الشعر الصيني القديم": "قمة المبخرة تنفث ضباباً بنفسجيّاً، تحت أشعة الشمس/ من بعيد... يلوح شلال معلق، سيل ينقضّ من ثلاثة آلاف ذراع/ يخيل إليّ أن نهر المجرة، ينصبّ من السماء التاسعة".

وبعد عصور طويلة من النظم الشعري الكلاسيكي، تنوعت مسالك القصيدة الحديثة خلال القرن العشرين، بين الشعر الحر، وقصيدة النثر، إلى جانب الأنساق التقليدية المسجوعة والمقفاة. ومع مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير الجديد)، التي أطلقتها جمهورية الصين الشعبية عام 2013 للارتباط العميق مع العالم، ازداد حيّز التواصل الإبداعي والثقافي مع الخارج. وقد دفع ذلك الحراك القصيدة الصينية إلى آفاق وفضاءات جديدة، ومنحها الاشتباك أكثر مع ذاتها ومع الآخر. وهذا الأمر وصفه الشاعر السوري أدونيس، المنخرط في المشهد الشعري الصيني، بأنه "يزيد الشعر الصيني عمقاً وقيمة، ويرسّخ إدراجه في إطار الشعر العالمي المعاصر".

حواسّ الطبيعة

تتضمن أنطولوجيا مهرجان الشعر العالمي لدول بريكس قصائد لثلاثة وعشرين شاعراً وشاعرة من أجيال الشباب في الصين، منهم الشعراء: تشانغ إرجون، لو تشوهانغ، تان شياو، وانغ داندان، والشاعرات: تشاو هانكينغ، داي وينا، يانغ بي وي، تشانغ شياومو، سانغ زي، فنغ نا، وغيرهم.

ويمثّل استشراف العالم بحواسّ الطبيعة ملمحاً أساسيّاً في قصائد الشعراء الشباب، فالطبيعة هي الأم الأزلية الأبدية، بكل معاني الخصوصية المفاهيمية والموروث الثقافي والإبداعي، وبكل تجسدات الحاضر الذي لم يتأثر كثيراً بالثورة الصناعية والتفوق التقني، فالطبيعة باقية ما بقي الإنسان. تقول الشاعرة تشاو هانكينغ "الأزرق هو الأصالة، والأخضر هو الأصالة، والجبال هي الأصالة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذا الانغماس التام في الطبيعة ومقدّراتها ومسلّماتها لا يتعارض مع الفكاك من قوانين القصيدة السائدة، على مستوى الفكرة والصورة والمعنى والتخييل واللغة والمعالجة التعبيرية، وربما أيضاً التجريب. فالشاعر تان شياو مثلاً يقتبس من الطبيعة لحاء الشجر، ولكنه يحوّله إلى مصباح سحري يضيء ليس فقط الطريق الليلي المعتم، وإنما يضيء الخطوات الإنسانية أيضاً، ويجعلها ناعمة ودافئة، ويضيء الذوات الداخلية، ويجعلها مشرقة، ويخلق إمكانية لرؤية العالم بعيون الأشجار.

وبدورها، تضع الشاعرة تشاو هانكينغ إضاءة الورق بالأفكار المستحدثة والخيالات الجامحة في منزلة إضاءة السماوات والأنهار الجليدية وكل مفردات الكون وعناصره الطبيعية، لأن إضاءة الورق التقليدي هي الطريق إلى إزهار العقول والقلوب والأرواح بنار المعرفة والوعي والجمال.

ويتجاوز الشاعر لو تشوهانغ المقولات الجاهزة عن جماليات أشجار الربيع، معتبراً أن الشجرة الربيعية الأبهى والأشهى والأخصب هي تلك التي بالإمكان المحافظة على ثقتها في الخريف. أما الشاعر وانغ داندان، فإنه يقترح لمستقبل البشرية عيوناً أخرى تستطيع أن تواجه عمق العالم. وتتطلع الشاعرة يانغ بي وي إلى بريق غريب يغزو القلوب، وسط عدد لا يُحصى من النجوم المألوفة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة