Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفول "ماكدونالدز": كيف ذوى بريق أشهر مطاعم الوجبات السريعة

أعلنت الشهر الماضي عن أول تراجع في مبيعاتها منذ عام 2020

هل نتوقف عن حب "ماكدونالدز"؟ (غيتي إيماجز)

ملخص

تراجعت شعبية "ماكدونالدز" بصورة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة إذ شهدت انخفاضاً في المبيعات وتراجعاً في الجودة، بينما تتزايد المنافسة من مطاعم الوجبات السريعة الأخرى وتحولات في تفضيلات الجيل الجديد من المستهلكين.

كانت زيارة "ماكدونالدز" أكثر المناسبات إثارة التي يمكن أن تعيشها. وكانت تجسد مرحلة الطفولة الطويلة وغير المتناهية التي تمتلئ بالإثارة عند رؤية الكراسي والجدران ذات الألوان الزاهية، والكاتشب ذي اللون الشبيه بضوء حركة المرور الأحمر وبهجة الملح المضاف بإفراط، ولعبة جديدة مدهشة تنتظر من يخرجها من كيسها البلاستيكي الصغير. عندما كنا ندعى إلى حفلة عيد ميلاد في "ماكدونالدز" كان الأمر أشبه بدعوة إلى حفل "ميت غالا"، لو كان يحضر حفل "ميت غالا" أطفال يضحكون ويصرخون ويركضون في باحة اللعب الداخلية ويتخلله ظهور لرونالد ماكدونالد. لم يأخذني والداي إلى "ماكدونالدز" إلا نادراً – لم يكونا حريصين لأن ناغتس الدجاج والبطاطا المقلية مأكولات غير صحية، أو كي لا يسمحان لنا بالحصول على ما نريد بصورة مفرطة – لكن هذا الأمر لم يزد المكان إلا جاذبية.

حتى عندما كنت مراهقة وخلال مطلع العشرينيات من عمري ما انفك "ماكدونالدز" يحتل مكانة خاصة في قلبي. فالمطاعم في نهاية المطاف هي أكثر مطاعم الوجبات السريعة شهرة حول العالم، ووجودها مستمر منذ عام 1940. وأصبحت المتاجر ذات الإضاءة الزاهية والتي يبقى كثير منها مفتوحاً على مدار الساعة أشبه بمنارات – إما كأماكن رخيصة للقاء الأصدقاء والتحدث لساعات، أو كمساحات يمكن أن نقصدها في وقت متأخر من الليل لملء بطون السكارى والجوعى وكثيراً ما نظرت إلى ذينك القوسين الذهبيين بحب كبير – لكن ليس إلى هذا الحد بعد الآن. وهذا العام قصدت "ماكدونالدز" مرة واحدة فحسب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ليس أنا فحسب. فخلال يوليو (تموز) الماضي أعلنت سلسلة "ماكدونالدز" أن مبيعاتها انخفضت بنسبة واحد في المئة حول العالم كله وفي كل أجزاء الشركة بين شهري أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) الماضيين. قد لا تبدو النسبة كبيرة لكنها تمثل أول خفض في المبيعات تشهده شركة الوجبات السريعة منذ الفصل الأخير من عام 2020. وفي ذلك الوقت كان بإمكانها أن تعزي التراجع إلى الجائحة لإرغامها على إغلاق أبوابها. والآن يؤدي خفض المبيعات بنسبة واحد في المئة فقط إلى خفض صافي دخل الشركة بنسبة 12 في المئة إلى ملياري دولار (1.5 مليون جنيه استرليني).

ووفق الشركة، يعود سبب خفض المبيعات إلى أزمة كلف المعيشة المستمرة التي تضرب المستهلكين في أنحاء العالم كله. وفي المملكة المتحدة ارتفع معدل التضخم بنسبة 2.2 في المئة، ويعني ارتفاع أسعار الأغذية أن الناس لا يزالون يضطرون إلى شد الأحزمة كلما أمكنهم ذلك. وجاء الخفض في المبيعات على رغم أن "ماكدونالدز" أطلقت صفقة تسمح للعملاء بالحصول على ثلاثة أنواع من الأطعمة مقابل ثلاثة جنيهات فحسب لكن في أجزاء أخرى من قائمة الطعام ارتفعت الأسعار. مثلاً تكلف وجبة "بيغ ماك" حالياً 4.59 جنيه أي ما يقارب ضعف كلفتها عام 2014. وعام 2022 كان يمكن الحصول على وجبة "مايو تشيكن" مقابل 99 بنساً فقط في قائمة "التوفير" لكنها تكلف اليوم 1.19 جنيه. قد لا تبدو الأسعار مرتفعة جداً لكن التضخم ضرب كل جانب من جوانب الحياة بشدة إلى درجة أن كل بنس يؤثر في الموازنة الأسرية أكثر من ذي قبل.

لا تزال مطاعم "ماكدونالدز" رمزاً لسيطرة الولايات المتحدة على سوق الوجبات السريعة وجزءاً لا يمحى من الثقافة العالمية. لكن تلك الأيام المثيرة حين كنا نخرج من الغلاف وجبة تشيزبرغر شهية ودسمة ونغمس البطاطا المقلية في صلصة تبدو وكأنها جزء من عصر مضى عرفته العلامة التجارية. ليست أزمة كلف المعيشة وحدها هي التي قد تمنع الناس من التوجه إلى "ماكدونالدز". ويشير بعض العملاء إلى تراجع ملحوظ في الجودة أيضاً. قال أحد مستخدمي تطبيق "ريديت"، "لا أتذكر أن قطع اللحم في 'بيغ ماك' كانت يوماً ما أرق من المخلل. لقد حان الوقت للبدء في تسمية الوجبة 'ليتل ماك'".

يؤدي الشعور بأن شيئاً ما قد تغير دوراً كبيراً في أنني بت أقل انجذاباً إلى "ماكدونالدز". هي بالتأكيد لا تقدم وجبات برغر مخصصة للذواقة، لكن قضم "دابل تشيزبرغر" كان بمثابة نوع من أنواع المتعة. كان أفضل ما في الوجبة بالنسبة لي أن قطعة الخبز ستكون طرية وناعمة قليلاً بعدما مكثت ساخنة في غلافها فلفها البخار، وكنت أختار أكبر زاوية من الجبن الذائب والسائل أحتفظ بها كآخر لقمة لي. لكن في الآونة الأخيرة صار البرغر يقدم صغيراً وجافاً وقطع اللحم رقيقة وغير مرضية، والبطاطا المقلية طرية في صورة لا تغتفر.

لا شك أن زيادة الوعي الصحي خلال الأعوام الأخيرة لا يساعد الشركة لأن الـ406 سعرات حرارية الموجودة في الـ"دابل تشيزبرغر" غير مرضية – خصوصاً أنها تعادل ما يقرب ربع السعرات الحرارية اليومية الموصى بها للمرأة – ويمكن الحصول عليها بصورة أفضل في طبق آخر. إن الوجبات السريعة والصحة العامة على طرفي نقيض منذ عقود من الزمن ولا سيما منذ أن حدد فيلم مورغان سبورلوك الوثائقي "تضخيم حجمي" (Super Size Me) الصادر عام 2004 الإيقاع الخاص بحال من الذعر النفسي حول السمنة لم تفلت "ماكدونالدز" منها أبداً – على رغم عدم وجود بحث علمي قادر على مماثلة الآثار العقلية والبدنية السيئة التي زعم مضيف الفيلم سبورلوك أنه عاناها بسبب تناول كمية أكبر من البرغر والبطاطا والمشروبات الغازية كل يوم. ومع ذلك دفع عصرنا المتمحور حول العافية بالطلب على الوجبات السريعة الأكثر صحة وهي مساحة ملأتها علامات تجارية مثل "ليون" و"بيور"، تتموضع بوصفها "طبيعية" و"جيدة" لكم.

حتى لو كنت تريد تناول شيء سريع وغير صحي هناك كثير من المنافسين في لعبة الوجبات السريعة الآن. فعلى رغم أن "ماكدونالدز" و"سابواي" و"كاي أف سي" و"برغر كينغ" لا تزال تتربع على عرش أكبر سلاسل مطاعم الوجبات السريعة في العالم، فإنها ليست بأية حال من الأحوال الخيارات الوحيدة المتاحة لدينا في هذه الأيام. فثمة مجموعة كبيرة من خيارات الوجبات السريعة تعم الطرقات من "غريغز" إلى "شايك شاك" إلى "وينغستوب".

وفي الواقع يعد "غريغز" العلامة التجارية الأكثر شعبية لتناول الطعام داخل المملكة المتحدة اليوم، إذ يتفوق على "ماكدونالدز" بنسبة اثنين في المئة وفق استطلاع أجرته "يوغوف" أخيراً. ويملك المخبز الذي يتخذ من نيوكاسل مقراً أكثر من ألفين و450 متجراً في أنحاء البلاد كلها، وهذا العام أخرج "ماكدونالدز" من المركز الأول لسوق مزودي وجبة الفطور المقصودين في المملكة المتحدة. وتبدأ أسعار وجبة الفطور التي يعرضها "غريغز" وفيها نقانق أو بايكون أو عجة ومشروب من 2.85 جنيه. وفي محاولة للتغلب على منافسها خفضت "ماكدونالدز" سعر وجبة الفطور لديها التي تشمل "ماكمافن النقانق والبيض" أو "ماكمافن البيض" مع مشروب إلى 2.79 جنيه، ومع ذلك يبقى "غريغز" متفوقاً في هذا المجال.

"غريغز" تعد العلامة التجارية الأكثر شعبية لتناول الطعام في المملكة المتحدة اليوم إذ تتفوق على "ماكدونالدز" بنسبة اثنين في المئة، وفق استطلاع أجرته "يوغوف" أخيراً

ثمة سبب آخر قد يفقد "ماكدونالدز" الولاء هو وجود جيل جديد من المستهلكين يريد اتخاذ القرارات. فإذ لا يزال جيل الوفرة [من بلغوا سن الرشد خلال ستينيات القرن الـ20] وجيل الألفية [البالغون مطلع الألفية] متمسكين بالحنين إلى الماضي، يريد الجيل زد [مواليد مطلع الألفية] والجيل ألفا [مواليد العقد الثاني من الألفية] أشياء مختلفة. تصبح أماكن تناول الطعام – وربما الأهم من ذلك، الأماكن حيث يراهم الآخرون وهم يتناولون الطعام – على نحو متزايد خياراً من خيارات نمط الحياة التي يمكن أن تشارك عبر منصات التواصل الاجتماعي ليراها العالم بأسره، على حد تعبير المؤسس المشارك لـ"تشيكن ساورز" و"تشيكن شوب" كارل كلارك. ولا تبدو وجبة "بيغ ماك" المحضرة بسرعة ملهمة بما فيه الكفاية لتنشر على الشبكة مقارنة ببرغر الدجاج المقلي الذي ينطوي على طبقات لا تنتهي من الطعام.

يقول كلارك وهو في خضم إطلاق مفهوم جديد للوجبات السريعة يسمى "تشاو تشاو"، "يريد الجيل الأصغر سناً القيم، يريد الراحة، يريد الجودة. كذلك يريد معرفة ما تفعله الشركة في العالم خارج جدران المطعم ويريد أن يكون معها وأن يتمكن من إخبار أصدقائه عنها. يصبح نمط الحياة أكثر أهمية كخيار.

"إن سلسلة 'ماكدونالدز' هي رائدة العالم المطلقة في مجال الراحة لكن عندما يتعلق الأمر بالابتكار ونمط الحياة أتساءل عما إذا كانت قد فقدت تلك اللمسة… لا يريد هذا الجيل من العملاء الذهاب إلى مكان وشراء الطعام فحسب، بل يريد أن يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي لإخبار أصدقائه عن ذلك، أي ليعرض التجربة. الأمر شامل". ومثال رائع على ذلك هو تعاون "غريغز" مع "بريمارك"، إذ ظهر رواد المهرجان المشترك بين الشركتين بفخر ومن دون سعي إلى إثارة أية مفارقة بقبعات وبوجبات برغر تحمل علامة "غريغز" التجارية خلال احتفالهم.

تبدو وجهة نظر كلارك حول أن الناس يراهنون أكثر على ما تفعله العلامات التجارية خارج جدار أعمالها ذات صلة متزايدة. وواجهت "ماكدونالدز" موجة من الغضب بسبب دعمها لإسرائيل في حربها ضد غزة خلال وقت سابق من هذا العام، إذ اختارت أعداد كبيرة من الناس مقاطعة السلسلة في أنحاء العالم كله. وتسببت المقاطعة الواسعة النطاق في عدم تحقيق الشركة هدفاً رئيساً في مجال المبيعات، في أول خسارة بمبيعاتها الفصلية منذ ما يقارب أربعة أعوام. وأصاب مصير مماثل في الآونة الأخيرة "ستاربكس" التي أطاحت رئيسها لاكسمان ناراسيمهان وسط تراجع المبيعات ومقاطعة العملاء بسبب صلتها المزعومة بإسرائيل.

وقال الرئيس التنفيذي لـ"ماكدونالدز" كريس كمبزينسكي إن رد الفعل جاء بسبب "معلومات مضللة" في أسواق الشرق الأوسط وبلدان أخرى ذات غالبية مسلمة مثل ماليزيا وباكستان. وامتدت المقاطعة حتى إلى المملكة المتحدة – ربما كان ذلك غير مستغرب، بالنظر إلى أن عشرات الآلاف من الناس انضموا إلى المسيرات المؤيدة لفلسطين في أنحاء البلاد كلها. وأصدرت وحدة الشركة في المملكة المتحدة بياناً نفت فيه دعمها "لأي حكومات متورطة في هذا النزاع"، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل.

ويقول كلارك "بالنسبة إلى العلامات التجارية للوجبات السريعة وسلاسلها لا يمكن أن يتعلق الأمر فقط بالطعام. عليها البحث عن فرص للقيام بأشياء ذات معنى وجعل التعاون قيماً، وعليها أن تكون فقط شفافة وصادقة وإنسانية للغاية". بإطلاق "تشاو تشو" يقول كلارك إنه حريص على بدء أعمال في مجال الوجبات السريعة تعزز الشعور الحقيقي بالمجتمع ويمكن الوصول إليها، وتملك "شخصية مثيرة" – الأشياء كلها التي أصبحت "ماكدونالدز" أكبر من أن تقوم بها. ذلك أن حجم الشركة العملاق وسعيها الذي لا نهاية له إلى الربح يعنيان أن أية محاولة للانخراط في مسائل تخص المجتمعات تبدو محاولة تجارية.

هل يعني هذا أن "ماكدونالدز" انتهت؟ لا تراهنوا على ذلك. هي تتمتع بنوع نادر من المكانة في الثقافة العالمية تمنحها شعوراً بدوام لا يتزعزع. الراحة هي الأساس و"ماكدونالدز" هي ملكة الراحة لذلك سيتوجه الناس دائماً إلى هناك عندما يحتاجون إلى شيء سريع وموثوق به. لكن ربما فُقد شيء أقل ملموسية في التحول الذي يبدو أكثر ملاءمة لشراء الناس الطعام وهم في سياراتهم منه للاحتفال بأعياد الميلاد، وأكثر ملاءمة للتوقف القصير منه لتبادل أطراف الحديث بعد السهرات. لم يتضح بعد ما إذا كان في مقدور هذين القوسين الذهبيين استعادة بريقهما.

© The Independent

اقرأ المزيد