ملخص
يحذر مراقبون من أن أي "تسامح مصري" مع انتهاك إسرائيل، الذي قد يرى البعض أنه "بسيط"، لاتفاق السلام بالوجود في محور فيلادلفيا يمكن أن تمتد آثاره إلى "انتشارها أكثر على طول الحدود المصرية"
مع توالي جولات المحادثات تمضي مفاوضات وقف الحرب في غزة إلى طريق مسدود نهايته محور فيلادلفيا، الذي يتشبث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستمرار قواته فيه بينما ترفض حركة "حماس" ومن ورائها مصر الوسيط والطرف الآخر من المحور أي وجود إسرائيلي في ممر صلاح الدين أو ما يعرف بمحور فيلادلفيا، متمسكة بالعودة إلى ما قبل مايو (أيار) الماضي حين احتلت إسرائيل الحدود الجنوبية لقطاع غزة التي تفصلها عن مصر.
وشهدت جولة التفاوض الأخيرة في الدوحة عرض الولايات المتحدة ما وصف بأنه "مقترح محدث" مما يعني أنه نسخة معدلة من المبادرة التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مايو الماضي. وعلى رغم عدم إعلان أي من الوسطاء (الولايات المتحدة ومصر وقطر) تفاصيل المقترح رسمياً، فإن "حماس" التي لم تشارك مباشرة في المفاوضات كشفت عن أن الجانب الإسرائيلي أضاف للصيغة الأميركية شروطاً، من بينها "الإبقاء على قوات عسكرية في المحور الفاصل بين غزة ومصر".
موقف مصر ثابت
ومنذ سيطرة إسرائيل على الحدود الجنوبية للقطاع خلال مايو الماضي كررت مصر رفضها أي وجود عسكري إسرائيلي في محور فيلادلفيا، غير أن مشاركة الوسيط المصري في مفاوضات الدوحة، التي عرض خلالها وجود جزئي لإسرائيل في المحور أثار تساؤلات حول الموقف المصري وما إذا كان قد تغير، وبخاصة مع تداول الإعلام الإسرائيلي أنباء حول موافقة مصر على سيطرة تل أبيب على تلك المنطقة مما دفع القاهرة إلى نفي تلك الأنباء بعد ساعات من صدورها، إذ أكد مصدر رفيع المستوى في تصريحات لقناة "القاهرة الإخبارية" (شبه الحكومية) "تمسك مصر" بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من معبر رفح ومحور فيلادلفيا.
كذلك، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي في تصريحات تلفزيونية على هامش لقائه نظيره الأميركي أنتوني بلينكن أول من أمس الثلاثاء أنه لا يمكن التراجع عن القواعد المعمول بها الخاصة بتشغيل معبر رفح البري ومحور فيلادلفيا، مشدداً على أن الموقف المصري واضح أمام الولايات المتحدة وإسرائيل والجميع.
ومحور صلاح الدين أو محور فيلادلفيا شريط ضيق داخل غزة يمتد بطول 14 كيلومتراً على امتداد الحدود بين القطاع ومصر، وتوجد فيه قوات حرس الحدود المصرية وفق اتفاق بين القاهرة وتل أبيب وقع عام 2005 بعد انسحاب إسرائيل من غزة واعتبر ملحقاً أمنياً لمعاهدة السلام. ويتضمن الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة تقدر بنحو 750 جندياً من حرس الحدود المصري، مهمتهم مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب والكشف عن الأنفاق.
تداعيات أي "تساهل"
من جانبه يحذر مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير معصوم مرزوق من أن أي تسامح مصري مع انتهاك إسرائيل، الذي قد يرى البعض أنه "بسيط"، لاتفاق السلام بالوجود في محور فيلادلفيا يمكن أن تمتد آثاره إلى "انتشارها أكثر على طول الحدود المصرية".
ويقول مرزوق لـ"اندبندنت عربية"، "مصر ترفض بصورة قاطعة سواء عبر تصريحات وزارة الخارجية أو المصادر الأمنية المسؤولة أي وجود إسرائيلي في محور فيلادلفيا، باعتباره انتهاكاً لاتفاق السلام". مشيراً إلى أنه أصبح لدينا الآن خطابان في شأن الأزمة "الأول الصوت الرسمي المتمسك بضرورة الانسحاب الإسرائيلي، والثاني من بعض المعلقين السياسيين المصريين الذين يطالبون بالتماهي مع الوجود الإسرائيلي، مقابل التساهل الإسرائيلي تجاه انتشار قوات أكبر من الجيش المصري في المنطقة (ج) من سيناء خلال أعوام مكافحة الإرهاب".
ونصت معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب الموقعة عام 1979 على تقسيم شبه جزيرة سيناء إلى ثلاث مناطق، الأولى تعرف بالمنطقة "أ" وتبدأ من قناة السويس وحتى أقل من ثلث مساحة سيناء، وفيها تلتزم مصر عدم زيادة التسليح عن فرقة مشاة ميكانيكية واحدة ومنشآتها العسكرية وتحصينات ميدانية، كما لا يجوز لمصر أن تزيد عدد الدبابات في تلك المنطقة المفتوحة على 230 دبابة، ولا عدد ناقلات الأفراد المدرعة إلى ما فوق 480 مركبة من كل الأنواع، كما لا يزيد عدد القوات على 22 ألف فرد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما تشمل المنطقة "ب" منطقة شاسعة تبدأ جنوباً من الحدود الشمالية لشرم الشيخ وتتسع على صورة مثلث مقلوب لتصل إلى العريش، وتضم تلك المنطقة وسط سيناء الممرات الاستراتيجية التي تتحكم في شبه الجزيرة، كما ينص الاتفاق على أن تلتزم مصر حداً أقصى من التسليح يتمثل في أربع كتائب حدود مجهزة بأسلحة خفيفة ومركبات على عجل، مع تعاون الشرطة المدنية في المحافظة على النظام داخل المنطقة، وتتكون الكتائب الأربع بحد أقصى من 4 آلاف فرد.
أما المنطقة الثالثة المعروفة بالمنطقة "ج" فتضم الشريط الحدودي كله إضافة إلى هضاب منطقة وسط سيناء، ومدينتي طابا وشرم الشيخ الاستراتيجيتين ومدينة رفح المصرية التي تعد بوابة قطاع غزة، وتتمركز فيها الشرطة المدنية وقوات الأمم المتحدة فحسب.
وعلى الجانب الإسرائيلي هناك المنطقة "د" وهي شريط بعمق محدود يمتد بطول الحدود من خليج العقبة جنوباً حتى قطاع غزة شمالاً، وفيها تتمركز قوة إسرائيلية محدودة من أربع كتائب مشاة وأجهزتها العسكرية، والتحصينات وقوات المراقبة الخاصة بالأمم المتحدة، مما يعني أن وجود دبابات في محور فيلادلفيا يخالف معاهدة السلام.
ويعتقد مساعد وزير الخارجية المصري السابق أن تجميد مصر الملحق الأمني المتعلق بمحور فيلادلفيا أو تحريك بعض القوات إلى سيناء "قد ينتج منه تراجعاً إسرائيلياً عن الوجود في المحور". موضحاً أن هناك أخطاراً كبيرة لتماس القوات المصرية والإسرائيلية، وبخاصة أن القاهرة "تمثل خطراً استراتيجياً على تل أبيب، وهو ما تعترف به الأدبيات العسكرية الإسرائيلية، لأن الجيش المصري بات أكثر تطوراً سواء في المعدات أو التكنولوجيا العسكرية مما كان عليه عام 1973"، وفق السفير الذي كان ضابطاً في حرب أكتوبر.
وأشار مرزوق إلى الضغوط على حكومة نتنياهو سواء من الداخل الذي يعد التخلي عن العلاقات مع مصر "خطاً أحمر" أو من الإدارة الأميركية التي تضغط باستمرار لحلحلة الأزمة، سواء بالضغط على مصر لـ"قبول الأمر الواقع" أو الضغط على إسرائيل لـ"التراجع عن احتلال المحور".
الموقف الأميركي
وعلى رغم أن المقترح الأميركي المحدث حمل مؤشراً إلى تماهي إدارة بايدن مع تعنت نتنياهو تجاه الوجود في حدود مصر مع القطاع، غير أنه لم يصدر عن واشنطن رسمياً موافقة على ذلك. وكان مسؤول أميركي نفى تقارير إعلامية ذكرت أن نتنياهو أقنع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بضرورة بقاء قوات إسرائيلية على المحور.
واستبقت الحكومة الإسرائيلية وصول بلينكن إلى تل أبيب بتصريحات على لسان المتحدث الحكومة ديفيد منسر تؤكد أن قواتها ستبقى في محور فيلادلفيا لـ"ضمان عدم نقل أسلحة إلى حماس"، وذلك بعد ساعات من بيان لمكتب رئيس الوزراء أكد إصراره على بقاء الجيش الإسرائيلي في المنطقة.
وأجرى الرئيس الأميركي اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء الإسرائيلي أمس الأربعاء لبحث مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وانضمت إلى الاتصال نائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، إذ ذكر البيت الأبيض في بيان أن بايدن شدد على "الضرورة الملحة لإنجاز اتفاق وقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن، وناقش المحادثات المرتقبة في القاهرة لإزالة أية عقبات متبقية".
وسبق الاتصال تصريح من مسؤول أميركي لوكالة "رويترز" بأنه من المتوقع أن يضغط بايدن على نتنياهو لـ"تخفيف مطالبه" في شأن الاحتفاظ بقوات إسرائيلية على محور فيلادلفيا.
ضغط إسرائيل
يرى أحمد فؤاد أنور، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن الوجود الإسرائيلي بالمحور يعد "تهديداً للأمن القومي المصري، بعدما تزيد احتمالات استخدام المقاومة للأسلحة الثقيلة وإصابة القوات المصرية"، لافتاً إلى مصر "تحاول الحفاظ على وجود السلطة الفلسطينية بمحور فلادلفيا".
ويعتقد أنور، الذي يصف مطلب مصر بانسحاب إسرائيل من المحور بـ"الشرعي"، أن الوجود الإسرائيلي على المحور من الممكن أن يكون له بدائل "قد تدرسها مصر" مثل ما يشبه "المجسات الإلكترونية"، منوهاً بأن تشبث إسرائيل بالمحور "هدفه استمرار المفاوضات". ومشيراً إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أعلن من قبل أنه لا يحتاج إلى محور فلادلفيا خلال الحرب، وهو ما قد يشكل عامل ضغط على نتنياهو.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة، لم تنقطع الاتهامات الإسرائيلية الرسمية أحياناً والإعلامية في أحيان أخرى لمصر بأنها مصدر الأسلحة التي استخدمتها الفصائل الفلسطينية في هجمات السابع من أكتوبر، وما تلاها من معارك في القطاع، وذلك عبر أنفاق تربط بين غزة وشبه جزيرة سيناء. لكن، مصر دأبت على نفي تلك المزاعم التي لم تقدم تل أبيب دليلاً عليها.
وفي منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي محور فيلادلفيا بـ"الثغرة" التي لن تنهي تل أبيب الحرب من دون سدها، وقال إنه "من دون سد هذه الثغرة، فسنقضي على (حماس)، وننزع سلاح غزة، وبعد ذلك سيدخل مزيد من الأسلحة عبر هذه الثغرة الجنوبية".