Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التجنيد الإجباري في سوريا... تقلبات فرضتها الحروب الدائمة

خلال كل تلك العقود كان يخضع لمد وجزر في تحديد مدده ومهله وشروطه عبر مراسيم وقوانين وقرارات عدة

بدأ التجنيد الإجباري في سوريا عام 1919 عقب هدنة "مودروس" بين الحلفاء والأتراك في أكتوبر عام 1918 (اندبندنت عربية)

ملخص

مقترح قديم متجدد قدمته روسيا إلى النظام السوري بعد عزوف شريحة كبيرة عن الالتحاق بالجيش السوري نتيجة طول مدة الخدمة الاحتياطية وعدم معلومية نهايتها بالنسبة إليهم، مما أفضى إلى نزف تمثل بهجرة شبابية غير مسبوقة من البلد.

لا تزال سوريا واحدة من بين دول كثيرة حول العالم تفرض التجنيد الإلزامي (الخدمة العسكرية الإجبارية) على فئة الشباب. وإن كان هذا الإجراء قديماً تاريخياً ويعود لنحو قرن كامل من الزمن، إلا أنه تغيّر مراراً تحت وطأة تبدلات دولية وإقليمية ومحلية سياسية وعسكرية، ليس أبرزها عقد الانقلابات الذي بدأ نهايات أربعينيات القرن الماضي وفض عقد الوحدة السورية - المصرية التي استمرت طوال الفترة الممتدة بين 1958-1961، قبل تسلم اللجنة العسكرية – البعثية زمام الأمور في البلاد، التي كان يترأسها المقدم محمد عمران، وفي عضويتها ضباط عدة بينهم صلاح جديد وحافظ الأسد، الذي صار بعد سبعة أعوام رئيساً للجمهورية.

وخلال كل تلك العقود كان يخضع التجنيد الإجباري لمد وجزر في تحديد مدده ومهله وشروطه عبر مراسيم وقوانين وقرارات عدة، وإن كان أقرب إلى الاستقرار الواضح في عهد الأسد الأب  1970-2000.

كانت مدة الخدمة الإلزامية في زمن استقرارها الأوسع تنضوي على عامين كاملين ونصف العام، عدا العقوبات التي يمكن إضافتها على الجندي فتطول مدة الخدمة لأسابيع أو أشهر. وفي عام 2005 تم وضع قرار بخفض مدة الخدمة إلى سنتين، ثم في عام 2008 أصبحت الخدمة الإجبارية 21 شهراً (عاماً وتسعة أشهر)، ومع مطلع عام 2011 وقبل اندلاع الحرب بأشهر، قلصت إلى عام ونصف العام.

قوام الجيش

الحرب السورية التي جاءت مفاجئة في شكلها وموضوعها وبنيتها أواسط مارس (آذار) 2011 استدعت هيكلة جديدة للقوات المسلحة العاملة، فجرى الاحتفاظ بكل الجنود العاملين بمعزل عن انتهاء أعوام خدمتهم الثابتة أو قرب انتهائها، رافق ذلك استدعاء واسع لعشرات آلاف المدنيين ممن أنهوا خدماتهم العسكرية قبل اندلاع الحرب.

يقوم الجيش السوري في هيكليته على المتطوعين وهم الأفراد الذين أنهوا الـ18 من عمرهم فتطوعوا في القوى العسكرية أو الأمنية أو أولئك الذين التحقوا بالكليات الحربية والجوية والبحرية وغيرها ليتخرجوا كضباط. ويقابل هؤلاء المتطوعين المكلفون، وهم من الذكور حصراً الذين يجري استدعاؤهم لـ"خدمة العلم" مع إتمامهم الـ18 من عمرهم وحتى عام الـ42، ما لم تكن هناك ظروف تحول دون ذلك، إذ يعفى العاجز أو الشاب الوحيد لوالديه أو المعيل لوالديه العجزة، وكل تلك الأمور نُظمت بمراسيم عدة.

الخريطة الخطرة

ترى دراسات عسكرية إحصائية أن تعداد المجندين غير المتطوعين في قوام الجيش السوري قد انخفض من نحو 300 ألف إلى النصف تقريباً بعد مرور عامين من الحرب، ليصار إلى تفعيل الزخم في قاعدة بيانات طلب من أدوا خدمتهم قبل الحرب بهدف تعويض النقص الكبير، مع تعويض هذا النقص أيضاً بالقوات المقاتلة الرديفة (غير المنظمة في وزارتي الدفاع أو الداخلية وسميت بالمجموعات الشعبية)، إذ تمكنت الأخيرة من سد جزء كبير من فراغ تخلف المدعوين للخدمة الاحتياطية ريثما كانت إيران و"حزب الله" وروسيا قد تدخلت بصورة علنية على الأرض السورية تباعاً تزامناً مع سيطرة "داعش" على معظم أراضي البلاد (أكثر من 70 في المئة)، واشتداد معارك المدن والأرياف والعجز في التغطية الميدانية لآلاف الجبهات.

التسريح الأول والأعوام العجاف

على رغم مرور 14 عاماً على الحرب السورية واندحار جبهات القتال بعيداً من مراكز المدن والالتزام المعقول بمسارات "سوتشي" و"أستانا" بين الدول الراعية، فإن مسألة التجنيد الإجباري والاحتياطي ما زالت تشغل حيزاً واسعاً من مشاغل واهتمامات السوريين، بخاصة أن كتائب كاملة في الجيش السوري خدمت لتسعة أعوام متواصلة قبل أن تنال قرار تسريحها.

في عام 2018 صدر أول قرار تسريح مباشر شمل الدورة 102 عسكرية، وهي التي تعتبر أقدم دورات الجيش العاملة المقاتلة التي التحقت قبل الحرب واستمرت لمدد زمنية ما بين ثمانية وتسعة أعوام. هذه الدورة كانت التحقت بخدمتها قبل الحرب في مايو (أيار) عام 2010، وكان يفترض أن  تسرح بين عامي 2011 و2012، لكنها استمرت في القتال حتى عام 2018، ليجري تسريح ما بين 12 و15 ألف جندي جرى التكتم الرسمي على تعدادهم، في حين يذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن التعداد الكلي لهذه الدورة كان عشرات آلاف وانشق آلاف منهم ليلتحقوا بفصائل أخرى.

ستة أشهر - تسعة أعوام

في عام 2007 صدر مرسوم تشريعي حمل الرقم (30) كان معنياً بكل الأمور المتعلقة بالخدمة الإلزامية شكلاً وموضوعاً، وبالأحكام والقواعد والنظم الخاصة بخدمتي العلم الإلزامية والاحتياطية (في القانون يجب أن تكون الاحتياطية ستة أشهر فقط)، إضافة إلى الواجبات والحقوق والمترتبات القانونية والمسلكية والتشريعية والمالية والعقوبات، وحتى أوائل 2023 لحق بذلك المرسوم 25 تعديلاً معظمها جاء بعد بداية الحرب عام 2011، وفي كل مرة كانت تراعي التعديلات الشروط المستجدة في الواقع الميداني-السياسي رفقة التغيرات الدولية والتفاهمات الأممية.

حين يُستدعى السوري للخدمة الإلزامية يراعى فيه شرط تخرجه في الجامعة، ويخضع هذا الأمر لمقياسين، الكلية التي تكون مدة الدراسة فيها خمسة أو ستة أعوام يخدم خريجها كضابط مجند، أما الكلية أربعة أعوام فيخدم كصف ضابط (مساعد أول)، وطبعاً تحدث بعض الاستثناءات بحسب احتياج الجيش من ضباط وفي أي موقع.

"قضيت ثلث عمري في الجندية"

ماجد الشيخ أحد مسرحي الدورة 102 يصف نفسه بالناجي خلال حديث لـ"اندبندنت عربية"، وذلك لأنه حارب طوال تسعة أعوام وأصيب مراراً خلالها ثم خرج حيّاً ليستكمل حياته، ولكنه لم يكن يريد شكل الحياة التي خرج إليها.

يقول "ليس من السهل الحديث عن تسعة أعوام حرب، عن عشرات وربما مئات جبهات القتال، عن مصير مجهول ورفاق يتساقطون حولنا كل يوم، عن معارك تحتاج إلى جيوش أكثر من محترفة بمراحل لتخوضها. هل من السهل اقتحام حي مفخخ فيه آلاف المقاتلين الأعداء؟ ثم ماذا، قالوا هي بضعة أشهر في الاحتياط وينتهي كل شيء، شهرٌ تلوَ الآخر، انقضت أعوام طوال فقدنا فيها الأمل في أن نحظى بتسريحنا".ويضيف "حين التحقت بالجيش كنت قد تخرجت تواً في كلية إدارة الأعمال، كان عمري 24 سنة، وحين تسرحت كان عمري 33، هل تعتقد أن ثمة بنكاً أو شركة تقبل توظيفنا في هذا العمر، والأطرف أن كل المؤسسات كانت تسألني عن خبراتي السابقة، فكنت أجيب: يمكنني فك وتركيب البندقية بسرعة قياسية، يمكنني قنص هدف متحرك، يمكنني التعامل مع خرائط الميدان ببراعة، ولكن بالتأكيد بعد هذه الأعوام أنا عاجز أن أجري عملية حسابية على آلة حاسبة، قضيت ثلث عمري في الجندية، أنا بارعٌ جداً فقط في معرفة تعداد الذخيرة في صندوقها وهو مقفل، هذه هي الحرب ببساطة".

المنطقة الآمنة

في عام 2022 هاجر الجندي السابق معاذ ر إلى حيث لن يسأله أحد عن ماضيه المرتبط بالجندية لأسباب سياسية، على رغم أنه كان يرى في الفترة ذاتها أصدقاء له نجحوا في الوصول إلى ألمانيا بعد مكوث مرير في غابات بولونيا، وآخرين من الجهة التركية، وغيرهم في البحر، وكل شيء من وجهة نظره كان يستحق المجازفة، لكن كان هناك شيء يتوجس منه خيفة طوال الوقت.

عن ذلك الخوف يشرح: "خدمت في الجيش أعواماً طوالاً جداً ضمن الخدمة الاحتياطية، وحين حصلت على تسريحي وأنا المتخرج في كلية الحقوق، وجدت أن قطار الزمان فاتني والأعوام التي كان يفترض أن أبني اسمي وسمعتي فيها قد مرت وصار تعويضها مستحيلاً، حاولت كثيراً، لكن عبثاً، فقررت الرحيل وأنا المشبعة أذاني بأصوات المدافع والدبابات". ويضيف "لم اختر البر الأوروبي لأننا كثيراً ما نسمع عن محاسبة جنود سابقين هناك، أو أشخاص متورطين بالحرب بصورة مباشرة أو غير مباشرة".

البدل النقدي

لم تكن عملية دفع البدل النقدي عوض الجندية أمراً جديداً في سوريا، ولكنها لم تكن شائعة أو لازمة في أعوام السلم الطويلة، إلى أن جاءت الحرب السورية ورمت حجر البدل في مياه الخدمة الراكدة، كان ذلك بصدور المرسوم التشريعي رقم 31 لعام 2020، الذي حدد القيم المالية للبدلات النقدية للمقيمين خارج الأراضي السورية، حتى وإن كانوا قد خرجوا خلال الحرب قبل أداء مهماتهم الإلزامية، وذلك الخروج ممكن على الدوام ضمن جملة معطيات من بينها: أن يخرج المكلف وهو في سن الدراسة الجامعية التي يؤجل من خلالها خدمته حتى انتهاء دراسته، أو بحصوله على إذن سفر لمغادرة البلاد مدته ستة أشهر أو تهريباً وغير ذلك من الطرق، وطريقة التهريب تلك تشمل من صار في أوروبا وغيرها إذ يسمح لهم المرسوم بالعودة ودفع البدل ومن ثم معاودة المغادرة وإسقاط الجندية عنهم.

وجاءت البدلات النقدية على الصورة التالية، 7 آلاف دولار لمن هو مقيم خارج سوريا لمدة أربعة أعوام وما يزيد، 8 آلاف دولار لمن هو مقيم في الخارج لمدة لا تقل عن ثلاثة أعوام، 9 آلاف دولار لمن هو مقيم خارج البلد لمدة لا تقل عن سنتين، 10 آلاف دولار لمن هو مقيم في الخارج لمدة لا تقل عن سنة. وتشمل هذه البدلات النقدية المكلفين بالخدمة الإلزامية، ليضاف إليها للمرة الأولى إمكانية دفع بدل يعادل 5 آلاف دولار لمن هو في الخارج ومكلف بالخدمة الاحتياطية بعد أن أدى خدمته الإلزامية سابقاً.

متخصصون رأوا في هذه البدلات النقدية ضرورة مرحلية تنبثق من توقيت الإعلان عنها مع توقف المعارك المباشرة على الأرض السورية وفق التفاهمات الدولية ومسار تحسين العلاقات مع المحيط العربي، وبذلك تتمكن حكومة النظام من استغلال الهدوء في رفد خزينتها والاستحواذ على القطع الأجنبي المهدد في خزائن المصرف المركزي، وذلك في ظل اتساع خريطة سيطرة النظام الأساسية ووجود قوات واسعة لحلفائه على غالبية الأراضي السورية باستثناء الشمال الشرقي والشمال الغربي وأقصى الجنوب الغربي حيث تسيطر أميركا عبر قاعدتها العسكرية.

وضمن القانون السوري هناك من لا يتم إرساله إلى جبهات القتال بل يحظى بما يسمى "الخدمات الثابتة" أي غير الميدانية، ويكون ذلك ناجماً عن أوضاع صحية خاصة به تمنعه من أداء مهمات قتالية ولكنها لا تمنعه من أداء مهمات مكتبية وإدارية. وفي هذه الحال يمكن لهذا المكلف دفع 3 آلاف دولار والحصول على إعفاء، أما في حال تجاوز شخص ما السن القانونية للخدمة الإلزامية وهي 42 سنة فحينها سيجب عليه دفع مبلغ بدل إجباري يعادل 8 آلاف دولار، وإلا يلقى الحجز الاحتياطي على أمواله وأملاكه وكذلك أموال وأملاك زوجته وأولاده.

خطوة نحو الاستبدال

في خطوة غير متوقعة، ظهر ضابطٌ برتبه لواء يتبع وزارة الدفاع في لقاء تلفزيوني مطول على شاشة الإعلام الرسمي ليشرح بصورة مباشرة ومن دون مقدمات نية القيادة السياسية والعسكرية إعادة هيكلة الجيش السوري من جديد وفق مراحل عدة.

ذاك اللواء هو أحمد سليمان، الذي يشغل منصب مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع السورية، إذ بين وجود توجه رسمي جديد نحو الخدمات العسكرية الإلزامية والاحتياطية والتطوعية، وبأن الوزارة أخيراً قد وضعت خطة زمنية ممنهجة تتعلق بالخدمة الاحتياطية مكونة من ثلاث مراحل.

المرحلة الأولى بدأت فعلياً من أغسطس (آب) الجاري وتستمر حتى نهاية العام، وبمقتضاها سيسرح كل من أمضى ستة أعوام خدمة فعلية حتى نهاية يوليو (تموز) الماضي، وكل من أمضى خمسة أعوام ونصف العام حتى نهاية أغسطس الجاري.

المرحلة الثانية سيتم خلالها تسريح كل من أمضى خدمة أربعة أعوام ونصف العام حتى نهاية العام الحالي، في حين يسرح في فبراير (شباط) المقبل 2025 كل من أمضى ثلاثة أعوام ونصف العام خدمة، ومع شهر مايو (أيار) المقبل ستكون تبلورت الصورة التي تسمح بتسريح من أمضى سنتي خدمة احتياطية ما بين مايو وأكتوبر (تشرين الأول) من العام ذاته ضمن المرحلة الثالثة، ليخلص العام القادم إلى تسريح كل من قضى عامي خدمة احتياطية.

ونوه اللواء بأن هذه المدد الزمنية في مختلف مراحل التنفيذ قابلة للتعديل زيادة ونقصاناً من جديد تبعاً للمتغيرات ونسب الالتحاق، مؤكداً تسريح عشرات آلاف المجندين هذا العام ومثلهم العام القادم، مع الحفاظ التام على الجاهزية القتالية.

جيش محترف

يرى ضباط على ضفتي مواقع النزاع ودراسات تعنى بالشؤون العسكرية وشؤون الشرق الأوسط أن تلك المقابلة حددت بهدوء ووضوح التحول الذي سيطرأ على بنية الجيش السوري، بناء على نصائح تلقاها من الجانب الروسي بتحويل قوام الأول إلى جيش من المتطوعين محددي مهل الخدمة، وهو ما أشار إليه اللواء سليمان صراحة بقوله: "نسعى إلى جيش متطور".

وهذا الجيش المتطور بطبيعة الحال سيجري استقطابه عبر ما طرح أخيراً من عقود تطوع عسكرية مغرية تنص على أن من يؤدي خمسة أعوام في عقد تطوعه ولا يريد الاستمرار بعدها فسيتم تسريحه مباشرة، ولن يدعى المسرح إلى الخدمتين الاحتياطية أو الاحتفاظية قبل مرور خمس سنوات على تسريحه، وفي هذه الحال يُدعى إلى الاحتياطي لمدة عام واحد مجتمع أو متفرق فقط لا غير، وفي حال تطوع لمدة 10 أعوام فسيسرح من دون أن يدعى لأي نوع من الخدمة لاحقاً.

يضاف إلى ذلك البدء بدراسة صك تشريع لخفض سن دفع البدل لمن هم في الداخل من 42 إلى 38 سنة ورفد الخزانة بأموال أكثر، في مقابل بناء جيش محترف قوامه المتطوعون لا المجندون (المكلفون)، أي إن المقاتل يلتحق بملء رغبته وإرادته، وسيقدم له راتبٌ مجزٍ ومغرٍ وطعام يليق به مع امتيازات واسعة أخرى تتعلق بالقروض وتسهيلات الزواج.

مصدر عسكري مطلع رفض الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية قال لـ"اندبندنت عربية" إن هذا جزء من مقترح قديم متجدد قدمته روسيا إلى النظام السوري بعد عزوف شريحة كبيرة عن الالتحاق بالجيش السوري نتيجة طول مدة الخدمة الاحتياطية وعدم معلومية نهايتها بالنسبة إليهم، مما أفضى إلى نزف تمثل بهجرة شبابية غير مسبوقة من البلد.

المصدر أضاف أن الجانب الروسي يعتقد أن "فاغنر" مثلاً يمكنها أن تنجح باستدامة في مواجهة الحروب المرحلية القائمة عوضاً عن تكديس عناصر نظاميين في جبهات من دون خبرات سابقة أو إرادة نفسية ومعنوية للقتال جراء أمور عدة من ضمنها التململ الناجم عن استطالة أمد الصراع وتدني الرواتب وسوء الطعام وغير ذلك، مما يجعل التوجه نحو التطوع الكيفي المحدد زمنياً هو رغبة كبرى لشريحة لا تجد ما تعمله في ظل التضخم والبطالة القائمة، وبأنها لن تكون أسيرة مدى الدهر للباس العسكري.

يأمل المصدر في أن ينجح هذا التوجه في إصلاح القوات المسلحة وزيادة تمكينها استناداً إلى التجربة الروسية في معارك الاستنزاف واستخلاص النتائج الميدانية منها، على أن يراعى أن الجندية هي حالة وطنية إذا ما عوملت بجدية واحترام لائقين فستصطدم الهيكلة بنفسها وبأخطاء الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلفية تاريخية

بحسب وزارة الدفاع السورية فإن التجنيد الإجباري في سوريا بدأ عام 1919 عقب هدنة "مودروس" بين الحلفاء والأتراك في أكتوبر عام 1918، إذ التحق الضباط حينها بقوات الحكومة العربية في دمشق بغية تشكيل جسد جيش جديد متماسك من شأنه التصدي للمرحلة الراهنة، على أن يكون قوامه 18 ألف مقاتل، بينهم ألف ضابط، ولكنها لم تتمكن من الوصول إلى نصف هذا العدد حينذاك.

ومن ثم في نهايات عام 1919 صدر عن (مجلس المديرين) في حكومة الوحدة العربية بدمشق قانون التجنيد الإجباري الذي اقتضى الخدمة لمدة ستة أشهر فقط، يمنح في نهايتها المجند ورقة تسريح رسمية، على أن تكون سنه بين الـ20 والـ40.

في عام 1920 تشكلت أول وزارة دفاع سورية رسمية بقيادة الضابط يوسف العظمة، فألغى الاستثناءات الممنوحة سابقاً في الخدمة، وأخذ على عاتقه مهمة تنظيم الجيش من جديد، مع وضع نظام بدل نقدي، ولكن سرعان ما دخلت فرنسا سوريا وقضت على يوسف العظمة ومعظم أفراد جيشه لتدخل البلاد مرحلة وقعت فيها تحت الانتداب حتى استقلالها عام 1946.

وبحسب بيانات الوزارة فبتاريخ الـ15 من ديسمبر (كانون الأول) عام 1947 وبعد نيل سوريا استقلالها وجلاء الفرنسيين عنها وقيام وزارة الدفاع الوطنية وتنظيم الجيش، صدر القانون رقم 356 الخاص بالخدمة الإجبارية (خدمة العلم) كما تبعه القانون رقم 874 المنظم لأعمال مديرية التجنيد العامة وشعبها، وكانت أول مجموعة سيقت إلى الخدمة الإلزامية هي مواليد 1929 وكان تعدادها (45029) مكلفاً سيق منهم (20911) للخدمة، والباقون لم يساقوا لأسباب مختلفة، منها التأجيل الدراسي والإداري والموانع الصحية والإعالة ودفع البدل من الحالات التي لا يسمح بها القانون.

تغفل الوزارة عمداً أو عن غير عمد واحدة من أشد مراحل سوريا ظلمة في الخمسينيات وما تلاها، فلا تروي أي شيء متعلق بالجندية وحال الجيش، لتقفز بالتاريخ نحو ستة عقود باتجاه المرسوم رقم (30) الصادر عن رئاسة الجمهورية عام 2007 والناظم لأحوال الجيش مبينة فصوله وتعديلاته وشروحاته.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير