Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كلاب تنبح خارج النافذة" تفضح الانتهازية الثورية 

كاتب مجهول وصديقه يتوليان السرد في رواية صبحي موسى

لوحة للرسام جورج بيلوني (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

يسعى الروائي المصري صبحي موسى في روايته الجديدة "كلاب تنبح خارج النافذة"  إلى فضح الحالات الانتهازية التي تعتري حركة الانتفاضة، من خلال كاتب مجهول يتولى السرد مع صديق له.

يهيمن السرد الذاتي على رواية "كلاب تنبح خارج النافذة" (دار صفصافة) للكاتب صبحي موسى، ويتولاه في جزئها الأول كاتبٌ لا نعرف له اسماً، لكنه كثيراً ما يعطي نفسه سمات الراوي العليم. فيما يتولى السرد في الجزء الثاني صديقُ الكاتب نفسه، وهو محام يدعى "ثابت"، على رغم انتهازيته الفجَّة التي تجعله لا يثبت على مبدأ. ولا يبدو أن للجزء الثاني وظيفة سوى ذكر معلومات رأى ثابت أن "المؤلف" أغفلها وهو يكتب حكايتهما، من الطفولة إلى الكهولة، وما تخللها من شد وجذب وإقبال وإدبار، ومحبة مشكوك في صدقها الظاهر، وكراهية مُضمرة، لكن لها علامات تظهر بين الحين والآخر. تغلب الانتهازية على غالبية شخصيات الرواية، مع أنها تعتبر نفسها من "الثوار"، الذين خرجوا بالملايين إلى الميادين والشوارع في مناسبتين شهدهما عام 2011، وعام 2013، على التوالي، منادين بالحرية والعدالة الاجتماعية، في المناسبة الأولى، وبإسقاط حكم جماعة "الإخوان المسلمين" في المناسبة الثانية.

وعلى رغم ما يبدو من مصلحة عامة في الحالتين، فإن معظم شخصيات رواية "كلاب تنبح خارج النافذة"، وجدت فيهما فرصاً لتحقيق مصالح شخصية، بمن في ذلك الكاتب الذي يشار إليه في الجزء الثاني بوصف "المؤلف"، والمحامي الذي لا يتورع عن القتل وتخريب ممتلكات عامة، في سبيل التقرب إلى قيادي في جماعة "الإخوان"، أملاً في أن ينال نصيباً من كعكة السلطة، التي لا يؤمن في قرارة نفسه بأفكارها. الاستثناء هنا مثَّله "هشام"، الشاب الذي يعيش بعقل طفل في الـ10 من عمره، و"جيهان" المرأة اللعوب، التي تقرر بعد كثير من تجاربها المريرة في عالم يزخر بالفساد، أن تتطهر من ماضيها، متشبثة بالأمل في "ثورة جديدة"، بعد مرور أكثر من 10 سنوات على إجهاض ثورة 2011 وأهدافها يبدو الآن أنها كانت رومانسية بأكثر مما يمكن أن يتحمله الواقع.

بداية تشويقية

تبدأ الرواية بتلقي "المؤلف" رسالة على بريده الإلكتروني يطلب منه فيها مرسلها بأن يعتني بـ "هشام"، في مقابل مبلغ من المال، على رغم أنه لم يسبق له أن عرف ذلك الشاب الطفل. وهي بداية تشويقية، بما أن القارئ نفسه لم يعرف بعد من يكون "هشام" هذا، ولا مرسل الرسالة، ولا حتى "المؤلف" ذاته. سيتبيَّن أن "المؤلف"، كان في بداية مشواره مع كتابة الأدب، ويعمل على نحو غير منتظم مراسلاً ثقافياً لعدد من الصحف. وعندما يتبيَّن له أن "هشام" يعمل موظفاً في هيئة تابعة لوزارة الثقافة يسعى إلى العمل في الهيئة نفسها، بمساعدة "جيهان"، السكرتيرة اللعوب التي انجذبت نحوه عاطفياً. وعلى مدى الجزء الأول من الرواية ويحمل عنوان "أنجريتا"، سيلتبس على القارئ الأمر ما بين ما يسرده البطل، وما يسرده الراوي العليم، كما في الفقرة التالية على سبيل المثال: "أوقن أنها ترغب في تغيير الموضوع، وربما الهرب مني ومن المؤسسة والدنيا نفسها، فهي تبحث عن حالة من الفرح بديلاً من الخيبة التي تحيط بها، لذا فقد قررت أن تؤجل الحسم في ما يؤرقها، وتبحث الآن عن متعة، فهي لا تحب الهم ولا الحزن، وتسعى إلى أن تعيش في مزاج طيب"، ص 83.

طبيعي أن يشعر "المؤلف" - وليس أن يوقن - بأن "جيهان" ترغب في تغيير الموضوع الذي كانا يتحدثان فيه، لكن من أين له أن يعرف مشاعرها الدفينة، وقد كانا في بداية تعارفهما. في فقرة تالية يتحدث الراوي العليم بضمير المخاطب، إلى "المؤلف"، طالباً منه أن يتقرَّب من "جيهان" بما أن "هشام" متعلق بها ويلبي لها كل ما تطلبه منه بمحبة صادقة، فذلك سيسهل له مهمة "العناية" بهذا الشاب المعاق ذهنياً: "أنصحك يا صديقي أن تعود إلى جيهان، فثمة مشاهد لم تروها لك، وأمور لم تقف عليها بعد"، بما يؤكد النزوع النفعي أو الانتهازي في سعي "المؤلف" إلى الاقتراب من "جيهان" التي رأيه هي أيضاً في البداية شخصاً مناسباً لأن تقضي معه وقتاً ممتعاً، في شقته في "أنجريتا". و"أنجريتا" هذه هي قرية متخيّلة، زحفت إليها مظاهر مدينية بعدما لفظت المدن المكتظة بسكانها إليها بجموع من البشر يغلب على كثير منهم النزوع إلى مخالفة القوانين، كوسيلة للعيش في حد أدنى من الطمأنينة.

حصاد ثورتين

ومن هؤلاء "سامبو" الذي قضى سنوات طويلة في العمل كقاطع طريق وقاتل بأجر، قبل بتر إحدى ذراعيه وإحدى رجليه بعدما دهسه قطار. يقرر أن يتوب فيذهب إلى "أنجريتا" حيث لا يعرف أحد شيئاً عن ماضيه ويفتتح هناك خمَّارة، مما يجعله عرضة لمضايقات الشيخ "ضاحي"، القيادي في جماعة "الإخوان". في تلك الخمَّارة، سيلتقي "المؤلف" كثيراً بصديق طفولته "ثابت" الذي سيتبيَّن لا حقاً أنه هو من اقترح على عمة "هشام" أن تكلف صديقه بالعناية بهذا "الطفل الكبير" الذي يعاني الاكتئاب ومن قسوة شقيقه المتأخر ذهنياً أيضاً. وخلال ذلك ستندلع ثورة الـ 25 من يناير )(كانون الثاني وسيشارك في تظاهراتها المطالِبة بإنهاء حكم حسني مبارك، كل من "المؤلف" و"جيهان" و"ياسر". لكن إجهاضها سيصيب الجميع بإحباط، سرعان ما سيتجاوزه "ثابت" بالتقرب إلى كل من الشيخ "ضاحي" و"ياسر"، بعدما وصلت جماعة "الإخوان" إلى الحكم. أما "المؤلف" فسيشارك في التظاهرات المطالِبة بإسقاط حكم "الإخوان"، مردداً أبياتاً من قصيدة أمل دنقل "الكعكة الحجرية"، كأنه جندي في طريقه إلى خط المواجهة"، بحسب تعبيره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يردد: "أيها الواقفون على حافة المذبحة / أشهروا الأسلحة". سيتذكر في تلك الأثناء أصدقاء له، "تركوا لِحاهم تطول وتحوَّلوا بن ليلة وضحاها إلى فقهاء"، ويتساءل في نفسه عما يجعل الناس "تغير قناعاتها بهذه السرعة"، ص 99. سيحفز "المؤلف" موهبة "هشام" في الرسم، وسيتولى ترتيب معرض للوحاته، لكن ابن عمته "ياسر" المقرَّب من الشيخ "ضاحي"، سيقتحم المعرض ويحطم اللوحات. تزداد معاناة "هشام" من الاكتئاب، فيقترح عليه "ثابت" التسلي بإحدى ألعاب الكمبيوتر، لكن اللعبة نفسها تدفعه إلى الانتحار. أما شقيقه "هيثم"، فيجد نفسه وقد أصبح أميراً على جماعة مناوئة لنظام الحكم الذي أعقب ثورة الـ30 من يونيو )حزيران( 2013 التي أطاحت حكم "الإخوان".

محنة القاهرة

تتوالى الأحداث وصولاً إلى أواخر عام 2023، ومن ضمنها زواج "المؤلف" من "جيهان"، على رغم عدم اقتناعه بإخلاصها له، ثم انفصالهما وهدم كثير من منازل "أنجريتا" لتشييد جسور وشق طرق أسفلتية في غمار حركة "تطوير" القاهرة ومحيطها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، جذباً للمستثمرين في معالمها في ظل العمل على قدم وساق في العاصمة الإدارية الجديدة. يكفر "المؤلف" بالثورة الأولى ويعتبرها المقدمة لخساراته الشخصية المتوالية، متناسياً انتهازيته التي كان من ثمارها تخليه عن أمه في مرضها ليهرب من عبء رعايتها.

الجزء الثاني من الرواية عنوانه "فئران بدينة" في إشارة إلى من تكسبوا من الثورتين، وكان يمكن الاستغناء عنه، بما أنه ليس أكثر من تعليق مطوَّل إلى حد ما من جانب "ثابت" على الجزء الأول، ولا يلبي سوى رغبة قارئ فضولي يريد أن يعرف معلومات تغاضى "المؤلف" عن ذكرها لأسباب تخصه. وعلى رغم هيمنة "المؤلف" على السرد في الجزء الأول فإنه شهد حضوراً ملحوظاً لسارد الجزء الثاني، الذي تعددت الفصول التي تضمنت مقاطع أشبه برسائل تبدأ عادة بـ"يا صديقي" أو "يا صاحبي"، وبدا فيها أقرب إلى الراوي الخارجي العليم، ومن ثم كان أوسع معرفة بخبايا الأمور من صديقه اللدود الذي سيقع في الأخير فريسة للاكتئاب من دون أمل في التعافي، على عكس "جيهان" التي تغلَّبت على محنتها النفسية، بفضل إصرار على التعافي والأمل في غد أفضل: تعود إلى مدينتها القديمة (القاهرة) بعدما لم تتمكن من التأقلم مع مدينة أنشئت على عجل، تنبح الكلاب الضالة بين جنباتها، "لكي تمسح إفريز شرفتها من دماء هشام. تنظر من شرفتها إلى الميدان بحثاً عنك، وما زالت كلما أتى الليل تترك بابها مفتوحاً وتنتظر دخولك منه"، ص 328. والسرد هنا هو بلسان "ثابت" الذي لم يعاقب على أي من جرائمه، ويصر مع ذلك على التظاهر في خطابه إلى "المؤلف" على أنه "ناصح أمين"!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة