Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا حققت انتفاضة السويداء في ذكراها السنوية الأولى؟

سلميتها أفشلت استراتيجية النظام التي اعتمدها لمواجهة ثورة الشعب السوري

من تظاهرات ساحة "الكرامة" والعلم الدرزي إلى جوار علم الثورة السورية (اندبندنت عربية)

ملخص

على رغم أن تظاهرات السويداء أثارت اهتماماً دولياً وإقليمياً كبيرين، وأبدت وعوداً بتحدي نظام الأسد، فإنها واجهت عديداً من التحديات التي أدت إلى خفوتها أو في الأقل عدم تحقيق أهدافها الرئيسة.

دخلت انتفاضة محافظة السويداء السورية ذات الغالبية الدرزية عامها الثاني، الانتفاضة التي اندلعت نهار الـ17 من أغسطس (آب) 2023، انطلقت بزخم وثبات وإصرار على إيصال صوت هذه المحافظة وأهلها، ورفعت من قلب ساحة "الكرامة" في مدينة السويداء شعارات طالبت بإسقاط نظام بشار الأسد، وهتافات نادت بـ"الحرية" و"يسقط بشار الأسد" و"ارحل، ارحل يا بشار"، وكانت تلك التظاهرات التي عمت جميع أنحاء قرى وبلدات محافظة السويداء، خرجت تحت علم الثورة السورية، وطالبت بتنفيذ القرار الأممي رقم 2254 الذي تحدث عن تحقيق عملية الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع وعلى أن الشعب السوري هو من سيحدد مستقبل بلاده.

 

وتختلف وجهات نظر عديد من أهالي السويداء ممن تحدثت "اندبندنت عربية" معهم في مقاربة ذلك الحراك، ويقول بعضهم إن انتفاضتهم "وإن تأخرت"، هي جزء من سلسلة من الاحتجاجات التي قامت في مناطق مختلفة من البلاد، وإنه منذ بداية الثورة السورية امتنع شباب الطائفة الدرزية عن تلبية التجنيد الإجباري والخدمة في جيش النظام السوري، استناداً إلى المواقف التي صرحت بها المرجعيات الدينية أن "دم السوري على السوري حرام"، ولكن لم ينضم شبابها إلى المعارضة بأعداد كبيرة، أما منذ شهر أغسطس 2023 فخرجت التظاهرات تحت علم الثورة السورية.

وأكد الناشط وأحد المتحدثين باسم الحراك المحاضر في كلية "العلوم الرياضية" ربيع الدبس أنه لم يتغيب نهار جمعة واحداً عن المشاركة في تظاهرات ساحة "الكرامة" السلمية، مع عدد كبير من المتمسكين بتحقيق مطالب الحراك الذي تشكل نسبة السيدات منهم 30 في المئة، بينما الشباب أقل من 20 في المئة بسبب تضييق النظام عليهم في الجامعات أو عبر التوقيفات الأمنية، مما يدفعهم إما إلى الهجرة وإما إلى الهرب من سوريا. وتابع الدبس أن نسبة المشاركين في تظاهرات الجمعة كبيرة لأنه يوم عطلة، وأصبح تقليداً متبعاً، وتراوحت أعدادهم ما بين 1200 و5 آلاف شخص، أما في سائر الأيام فتخرج تظاهرات محلية في قرى مثل مردك والقريا وجنينة وشهبا وأمتان والمزرعة وقنوات وغيرها، إضافة إلى الأمسيات التي تقام في مدرج شهبا الأثري، وصرح الثورة السورية في القريا. وأشار إلى أن من وسائل النظام للتضييق على المشاركات هو التهديد بقطع مادة المازوت عن وسائط النقل العام، لأنها تقوم بنقل المتظاهرين. واعتبر الدبس أن الحراك نجح في الثبات والاستمرارية، وجدد الأمل عند السوريين وكسر حاجز الخوف، ومن أسباب نجاحه شمله معظم فئات المجتمع صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، وكان واضحاً دور المرأة البارز في تلك التظاهرات. وتابع أن حراك السويداء السلمي ما زال يحظى بدعم الهيئة الدينية لطائفة الموحدين الدروز ممثلة بمشايخ العقل الثلاثة حكمت الهجري وحمود الحناوي ويوسف الجربوع.

لكن هل ما زالت شعارات حراك السويداء السلمي على حالها؟ ولماذا لم يقمع النظام تلك التظاهرات؟

 

نجاح الحراك بسلميته

وقال الدبس إن المتظاهرين ما زالوا على سلميتهم، ومطالبهم المحقة تتلخص بدعوة المجتمع الدولي إلى محاسبة بشار الأسد على جرائمه، والإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المختفين قسراً، وتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2254.

أما عن استمرارية التظاهرات فلا يرجع ذلك لأن النظام تغير، وأصبح محباً للعدالة وحرية الرأي، بل على العكس فهو حاول ويحاول دس أعوانه من مخبرين لزرع الشقاق بين المتظاهرين، ومنذ اليوم الأول، أيضاً، يعتمد أساليب قمعية منها وضع الحواجز الأمنية على مداخل المحافظة، كحاجز قصر المؤتمرات بين السويداء والعاصمة دمشق، أو الحاجز "المرعب"، واسمه "التاون سنتر" ويتبع لفرع الأمن العسكري وإدارة الاستخبارات العامة وأمن الدولة ويقع بين السويداء ومحافظة درعا، وغيرها من الملاحقات الأمنية. وتحدث الدبس عن نفسه بصفة شخصية عن أنه لا يستطيع التوجه إلى العاصمة دمشق، خوفاً من أن يكون اسمه على لائحة الأشخاص المطلوبين للنظام، وأضاف أن كل ذلك لم يمنع الناس من التعبير وبصوت عال عن مطالبهم، بعد أن كانوا يتحدثون همساً خوفاً من عناصر الأمن، كما الانتظام في هيئات وحركات سياسية تمخض عنها رفض المشاركة والتصويت في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، لأن الانتخابات بالنسبة إليهم مسرحيات هزلية، ولا تعبر عن حقيقة مطالب وآراء الناس.

 

وأكد الدبس أنه أصبح بالإمكان الحديث عن عقل جمعي وعمل سياسي منظم، بعيداً من القوالب والأنماط التي كان يفرضها النظام السوري، منذ أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد. أما عن حمل السلاح فأشار إلى أن الاتهامات التي طاولت الحراك بالتسلح غير صحيحة "فحتى بعد مقتل جواد الباروكي برصاص طائش أطلق من بندقية أحد عناصر النظام خلال تظاهرة في فبراير (شباط) الماضي، لم يستغل المتظاهرون الحادثة، وحافظوا على سلمية تحركهم، رافضين اللجوء إلى العنف، ذلك أن النظام الاستبدادي معروف بألاعيبه، وهو يحاول تصوير الحراك بأنه مشروع انفصالي وتحرك تمردي مسلح".

وكانت شبكات إخبارية سورية أفادت بأن مدناً وبلدات عدة في محافظة السويداء شهدت مقاطعة واسعة لانتخابات مجلس الشعب في يوليو (تموز) الماضي.

محاولات النظام خرق الحراك "فاشلة"

وأشار أحد الصحافيين إلى أن محاولات النظام الحثيثة باختراق الحراك، وتصويره على أنه مسلح باءت كلها بالفشل، وتابع أن تصدير فكرة الحراك الانفصالي الدرزي، هي من محاولات النظام اليائسة، لأن المتظاهرين يرفضون الحديث عن الانقسام الطائفي.

وفي يوليو الماضي أعلنت فعاليات في محافظة السويداء تشكيل هيئة عامة تمثل حراك السويداء السلمي، وذلك من دارة الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز أبو سلمان حكمت الهجري، وتعد الهيئة المشكلة منتخبة من قبل نقاط الحراك في محافظة السويداء، إضافة إلى الفريق المكلف من الهجري نفسه، وأبرز مهامها، بحسب الاتفاق بين أعضائها، المضي قدماً باستمرار الحراك السلمي حتى تحقيق مطالبه التي تلبي طموحات السوريين والوصول به إلى بر الأمان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لماذا خفت وهج التظاهرات؟ وماذا حققت عملياً على الأرض؟

على رغم أن تظاهرات السويداء أثارت اهتماماً دولياً وإقليمياً كبيرين، وأبدت وعوداً بتحدي نظام الأسد، فإنها واجهت عديداً من التحديات التي أدت إلى خفوتها أو في الأقل عدم تحقيق أهدافها الرئيسة. ومن أهم هذه الأسباب أن النظام استخدم بداية القوة العسكرية والأمنية للقضاء على الحراك، ومنها حادثة إطلاق النار على متظاهري ساحة "الكرامة" في الـ13 من سبتمبر (أيلول) 2023، عندما فتح مسلحون النار على المتظاهرين أثناء محاولتهم إغلاق فرع حزب "البعث" في مدينة السويداء، مما أسفر عن جرح ثلاثة أشخاص، وكانت المرة الأولى التي يطلق فيها النار على محتجين خلال التظاهرات، مما دفع بشيخي العقل حكمت الهجري وحمود الحناوي حينها إلى تصعيد مواقفهما بوجه النظام منددين بحادثة إطلاق النار، وتوجه الحناوي إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد بالقول "إذا تعرضنا لأي خطر لن نكون في الخلف، بل في الأمام".

بدوره قال الهجري "الساحات لنا، ونحن مستمرون باعتصامنا السلمي بوجه من عاث في البلاد فساداً"، مشيراً إلى "أننا على حق"، و"إيران منذ أن دخلت إلى سوريا دخلت كطرف محتل"، ودعا إلى الجهاد ضد الميليشيات الإيرانية "التي نعتبرها احتلالاً، لأن فكرها تخريبي".

وفي رأي أحد الحقوقيين من سكان السويداء، وهو من الذين كانوا في مقدم الحراك، عند انطلاقته، أنه لم يتحقق شيء على الأرض، وعلى رغم متابعة بعض المتظاهرين المشاركة، فإن ذلك لا يعني عملياً شيئاً ملموساً. وبرأيه، الناس أصابهم الملل، كما أن الوضع الاقتصادي السيئ أصلاً، من العوامل المؤثرة في الحراك. كذلك فإن البعض كان متردداً في مواجهة النظام بصورة مباشرة بسبب الخوف من العواقب أو بسبب ارتباطات عشائرية أو دينية. وأنه بعد سنوات من الحرب الأهلية والقمع يشعر كثر من السوريين بالإحباط والتعب، مما أثر سلباً في قدرتهم على الاستمرار في الحراك والاحتجاج، وأهل السويداء منهم.

السويداء عقدة النظام

ومنذ بداية انتفاضة السويداء حاول النظام استمالة الناس وإلقاء الوعود بتحقيق مطالبهم المعيشية كي يمتص غضب الشارع، لكن ذلك لم ينطل على سكانها، ووفقاً للناشط والمربي ربيع الدبس "النظام منزعج جداً ويخاف من التظاهرات، لأنها كشفت زيف ما كان يدعيه بأن السويداء وغالبية أهلها يصطفون معه، ولأن الناس ومنذ بداية نزولهم إلى الشارع كانوا واعين تماماً أن المسؤول الوحيد عما آلت إليه الأوضاع هو بشار الأسد، ومنذ اليوم الأول كانت التظاهرات بقصد إسقاط النظام ورحيل بشار"، وتابع الدبس أن التظاهرات التي حملت عنوان "قانون، عدالة، كرامة"، أخذت مع الوقت طابعاً تنسيقياً، ونهضت السويداء بغالبية نسائها ورجالها، بصغارها وكبارها، بقلب واحد، مما دحض ادعاءاته بأن السويداء تسانده، ومع حفاظها على سلميتها قوضت استراتيجية النظام، التي اعتمدها لمواجهة ثورة الشعب السوري، بادعائه أنه يواجه مجموعات مسلحة من المتطرفين والإرهابيين بما يبرر استخدامه السلاح والعنف بمواجهتهم، وهذه الورقة سقطت تماماً في السويداء، ولم يستطع الاستثمار فيها.

واعتبر الدبس أن النظام في ورطة حقيقية، لأنه لا يستطيع اتهام المتظاهرين بالإرهاب، كما أن السويداء معقل إحدى الأقليات التي يدعي الأسد بأنه يحميها، ولا يوجد إسلام سياسي، ولا وجود لـ"الإخوان المسلمين" في السويداء.

شعار حماية الأقليات كبل أيدي النظام

ومن المهم الإشارة إلى أن السويداء كثيراً ما تمتعت بخصوصية وحالة سياسية وأمنية فريدة، وفقاً لدراسة أعدها "مركز جسور للدراسات"، إذ لا يملك النظام سيطرة فعلية على المحافظة، على رغم أنها تصنف نظرياً ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته، وفي الوقت نفسه فإنها لم تتعرض لاجتياح عسكري من قبل النظام لاستعادة السيطرة الفعلية عليها، نظراً إلى معادلات داخلية وخارجية وفرت للمحافظة هذا التموضع المتفرد، هذا ما سمح لكثير من الشباب بالبقاء خارج الخدمة العسكرية الإلزامية خلال السنوات الماضية، كما أدى غياب المعارك العسكرية التي تستهدف المحافظة إلى غيابهم تقريباً عن قوائم النازحين واللاجئين، ومن ثم لم تتلوث أيديهم بدماء أهلهم من السوريين، وهو ما يفسر مساعي النظام السوري الحثيثة إلى إشعال الفتن وخلق حالة من التوتر فيها، بهدف إحداث ثغرة يمكن من خلالها اختراق المحافظة القريبة من درعا.

كذلك فإن التركيبة الدينية للمحافظة شكلت أيضاً معضلة سياسية للنظام، الذي عمل على تقديم نفسه تاريخياً باعتباره "حامياً للأقليات" في سوريا، مما تحول إلى قيد كبل به يديه في حالة السويداء، بالتوازي مع القيود التي فرضها عليه الإسرائيليون والروس في هذا الإطار.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير