Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خط سموتريتش الأزرق... قضم جديد لأراضي الضفة

يؤدي القرار إلى هدم 3 آلاف منزل ومنشأة على اعتبار أن 85 في المئة من بيت لحم مصنفة كمناطق "ج"

مستوطنات إسرائيلية تحاصر وادي المخرور الفلسطيني (اندبندنت عربية)

 

ملخص

منذ مجيء الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو أقامت أكثر من 35 بؤرة استعمارية وشرعنت أكثر من 15 بؤرة أخرى في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.

فجر كل يوم منذ 20 عاماً، يمارس سالم عمران (50 سنة) رياضة المشي في منطقة وادي المخرور الممتدة ما بين مدينة بيت جالا وبلدة بتير، غرب بيت لحم جنوب الضفة الغربية، لمسافة لا تقل عن 12 كيلومتراً، فالمناظر الطبيعية الخلابة للمدرجات الزراعية وعيون المياه المتدفقة في جنبات الوادي والممزوجة مع أصوات الطيور بين أشجار السنديان والزيتون على طول الطريق، شجعته على رغم كبر سنه على الاستمرار في تلك العادة طوال كل تلك السنوات من دون انقطاع حتى في أوج الحجر المنزلي أثناء جائحة كورونا، لكن الرجل الخمسيني الذي يملك قطعة أرض في المخرور يتخذ منها متنفساً لزراعة وتجفيف المشمش، يخشى أن تتسبب سلسلة قرارات إسرائيلية أخيراً بفقدان الوادي هدوءه وروعته.

مخاوف ترتبط بإنهاء جهاز الإدارة المدنية الإسرائيلي عمله قبل أيام ونشره خطاً أزرق جديداً لمستوطنة "ناحل حيلتز" الواقعة غرب القدس بين مدينة بيت لحم والخليل في المنطقة التي تطلق عليها إسرائيل "غوش عتصيون". ويتيح نشر الخط الأزرق إمكانية البدء في إجراءات إنشاء المستوطنة الجديدة التي تعد واحدة من خمس مستوطنات أقرها المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت)، رداً على إجراءات السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل واعتراف عدد من الدول بالدولة الفلسطينية.

وفقاً لما نشرته حركة "السلام الآن" اليسارية الإسرائيلية، فإن المستوطنة الجديدة التي تبلغ مساحتها 600 ألف متر مربع، تأتي استكمالاً لقرار حكومة بنيامين نتنياهو في فبراير (شباط) الماضي، الذي صادقت بموجبه على إقامة مستوطنة "شيدا بوعز" جنوب "ناحل حيلتز" التي ستعزل بصورة كاملة منطقة بيت لحم عن محيطها وعن القدس لتصبح بمثابة جزيرة محاطة بالمستوطنات، مما يهدد بصورة خطرة وفقاً للحركة "إمكانية إقامة دولة فلسطينية في المستقبل ويقوض التواصل الجغرافي في المنطقة". وترتبط المخاوف بإقامة نحو 25 ألف فلسطيني في القرى الواقعة غرب بيت لحم، ويشكلون جزءاً أساساً من النسيج الفلسطيني.

 

 

وأقر المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي، في الـ28 من يونيو (حزيران) الماضي قراراً بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وإضفاء الشرعية على خمس مستوطنات غير قانونية، وسحب صلاحيات تنفيذية من السلطة الفلسطينية في مناطق شرق بيت لحم وجنوب شرقي القدس.

خطوة تاريخية

وزير المالية والوزير في وزارة الأمن الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش وصف عبر تغريدة على موقع "إكس" ربط التجمع الاستيطاني "غوش عتصيون" (المنطقة بين بيت لحم والخليل والواقعة جنوب القدس) مع مدينة القدس من خلال إقامة بلدة جديدة بـ"اللحظة التاريخية". وأضاف "لا قرار ضد إسرائيل، أو ضد الصهيونية يوقف توسع المستوطنات لأننا سنواصل مكافحة الفكرة الخطرة المتعلقة بدولة فلسطينية. هذه هي مهمة حياتي"، موضحاً أن المستوطنة الجديدة التي ستبنى على مساحة 6 آلاف متر مربع ستربط مجموعة مستوطنات "غوش عتصيون" بالقدس.

إقامة المستوطنة الجديدة في منطقة وادي المخرور أثارت مخاوف حقيقية لدى الفلسطينيين الذين يملكون أراضي مجاورة، فعائلة قيسية التي تمتلك أرضاً تبلغ مساحتها 4 آلاف متر مربع تخشى فقدانها، وعلى رغم أن المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت قراراً قبل نحو عام يقضي بصورة نهائية بملكية عائلة قيسية لقطعة الأرض، فإن المستوطنين أصروا على مداهمتها بصورة مكثفة ومتكررة لانتزاعها من العائلة، ونصبوا سياجاً وخيماً للمبيت فيها، وهو ما أدى في الـ14 من أغسطس (آب) الجاري إلى حدوث مواجهات بين المستوطنين والسكان الفلسطينيين في المنطقة، أدت إلى مقتل فلسطيني في الـ23 من العمر وإصابة آخرين، مما دفع الحاكم العسكري للمنطقة إلى إعلانها منطقة عسكرية مغلقة، بحجة "منع الاحتكاك بين أصحاب الأرض والمستوطنين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعربت ابنة مالك الأرض أليس قيسية عن خشيتها من تمديد إعلان أرضهم منطقة عسكرية، ووجود ترتيبات مجهولة ومبطنة بين قيادة الجيش والمستوطنين تتيح سيطرتهم عليها بصورة أو بأخرى. وذكرت أن ثلاثة مستوطنين يرتدون الزي العسكري ما زالوا يوجدون في الأرض إلى جانب الجنود. وأضافت "الجيش الإسرائيلي هدم مطعم العائلة الذي بني في الأرض قبل سنوات بذريعة أنها يجب أن تكون زراعية فحسب، لكونها تقع خارج المخطط الهيكلي لبيت جالا".

وتوجه عدد من الناشطين الإسرائيليين إلى منطقة المخرور للحيلولة دون مصادرة الأراضي الفلسطينية في المنطقة، لكن الشرطة الإسرائيلية اعترضت طريقهم ومنعتهم من الوصول. وأعلنت "السلام الآن" أن "سموتريتش يواصل الترويج للضم الفعلي متجاهلاً اتفاقية اليونيسكو التي وقعت عليها إسرائيل".

متنفس وحيد

يعد وادي المخرور إحدى أغنى المناطق لجهة تنوعه البيولوجي، إذ يضم 13 منطقة مهمة لبعض أنواع الطيور المهددة بالانقراض في فلسطين، مثل الصقر العسلي والطير الأبلق أسود الأذن، وطائر الشمس الفلسطيني والحجل الرملي، إضافة إلى أنواع مختلفة من الحشرات والقوارض، كما يعرف عن المنطقة تراثها الثقافي الذي يشتمل على قبور رومانية قديمة وآبار وأبراج مراقبة فلسطينية قديمة. وصنفتها السلطة الفلسطينية منطقة ذات تنوع بيولوجي مهم، فالوادي هو الموئل الغني الوحيد المتبقي في بيت لحم.

وفي عام 2014 أدرجت بلدة بتير على لائحة "اليونيسكو" للتراث العالمي المهدد بالخطر، تحت عنوان "فلسطين، أراضي الزيتون والكروم، المشهد الثقافي لجنوب القدس". ويعد الوادي الممتد من دير "الكريمزان" إلى قرية بتير على مساحة 2.6 كيلومتر وجهة سياحية أساسية لجذب السياح والمحليين ومحبي المشي لمسافات طويلة، فهو معروف على وجه خاص بمساره الطبيعي المزين بالمناظر الطبيعية الخلابة من ينابيع المياه العذبة والجبال والمغر، ويشتهر بمدرجاته الزراعية التي تحوي أشجار المشمش تستخدمها تقليدياً قرى الولجة وبتير وحوسان ووادي فوكين ونحالين.

وتعد المخرور الأمل الوحيد لامتداد بيت جالا الجغرافي، إلا أن السلطات الإسرائيلية تمنع الفلسطينيين من استغلاله بحجة أن البناء في هذه المنطقة غير قانوني، وتنفذ من وقت لآخر حملات هدم وتخريب، إذ هدمت منازل ومطاعم في المنطقة الجبلية، وتهدد بتخريب ما تبقى من وجود فلسطيني فيها لتسهيل السيطرة عليها وإقامة مستوطنات، خصوصاً أن سموتريتش أصدر قراراً بالتوسع الاستيطاني شرق بيت لحم، مما سيؤدي إلى هدم نحو 3 آلاف منزل ومنشأة مختلفة، وضعت ضمن الاستهداف، وذلك لاعتباره أن 85 في المئة من محافظة بيت لحم مصنفة كمنقطة "ج"، ولا يسمح فيها بالتنمية الفلسطينية، ولا يجاز للفلسطينيين بالبناء أو الترميم من دون الحصول على إذن من "الإدارة المدنية" الإسرائيلية.

 

 

ونظراً إلى ما يمثله الوادي من أهمية طبيعية منقطعة النظير، ووقوعه في المنطقة (ج) وتعرضه لتهديد المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية بصورة مستمرة، إضافة إلى كونه يصنف كموقع تراث عالمي من قبل "اليونيسكو"، أطلق متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي ومعهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة التابعان لجامعة بيت لحم منذ عام 2018 مشروعاً للحفاظ على التنوع الحيوي وتطوير المجتمع في وادي المخرور، بهدف إجراء دراسات متكاملة تخدم أغراض البحث العلمي من جهة، وتسهم في الحفاظ على التنوع الحيوي في الوادي من جهة أخرى.

أطماع إسرائيلية

من جانبها، عدت وزارة الخارجية الفلسطينية، في بيان، أن إعلان سموتريتش إقامة مستوطنة جديدة على أراضي الفلسطينيين قرب بيت لحم "يندرج في إطار سياسة استعمارية توسعية". وبينت أن هذه السياسة "تتضمن بناء وشرعنة عشرات البؤر العشوائية، وتوسيع المستوطنات القائمة، وشق شبكة كبيرة من الطرق"، مشددة على أن الهدف هو "تحويل جميع المستوطنات إلى تجمع ضخم متصل جغرافياً، يلتهم المساحة الكبرى من أراضي المواطنين في الضفة الغربية المحتلة".

ووفقاً لمدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد أريج للأبحاث التطبيقية بالقدس سهيل خليلية، فإن قرار مصادقة الحكومة الإسرائيلية على إقامة البؤرة في منطقة المخرور مرتبط بصورة واضحة بمخطط توسيع مستوطنة "هارجيلو" الواقعة شمال غربي البؤرة الاستيطانية الجديدة، مشيراً إلى أن الأطماع الإسرائيلية في المنطقة بدأت في عام 2019 عندما أقدم مستوطن على زرع بؤرة استيطانية في منطقة القصير في قلب الوادي، والتي أعقبها شق طريق التفافي بطول 10 كيلومترات.

 

 

وأكد خليلية أن البؤر الاستيطانية القديمة والجديدة "زادت فرص المستوطنين وحكومتهم اليمينية المتطرفة لإيجاد نقاط جغرافية تربط القدس مع مجمع مستوطنات (غوش عتصيون) الذي يضم 14 مستوطنة يقطنها أكثر من 85 ألف مستوطن، كجزء من تحقيق مخطط ’القدس الكبرى‘ الهادف إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، ومن ثم السيطرة على 10 في المئة من مساحتها". وتابع "منذ مجيء الحكومة الإسرائيلية الحالية أقامت أكثر من 35 بؤرة استعمارية وشرعنت أكثر من 15 بؤرة أخرى في مناطق مختلفة من الضفة الغربية". وبحسب معطيات مركز "أريج" فإن سياسة إسرائيل للاستيلاء على الأرض في الوادي جاءت لزيادة المساحات التي يعلن عنها أنها "أراض خضراء" أو "أراضي دولة" بهدف توسيع المستوطنات في المستقبل، إضافة إلى استمرار "تنفيذ مخطط جدار الضم والتوسع العنصري".

واقع جديد

يرى مراقبون وحقوقيون أن ربط المناطق الشرقية لمحافظة بيت لحم وإحكام الخناق عليها سيعزلها عن باقي المحافظات، ويجعل أراضيها الشمالية والغربية عرضة لتطبيق قانون الأرنونا (ضريبة الأملاك)، إذ تصبح أراضي بيت جالا البالغة مساحتها 13300000 متر مربع على أنها مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية واعتبارها مثل منطقة كفر عقب ومخيم شعفاط شمال القدس، التي تقع خلف الجدار، ويحمل سكانها بطاقة هوية إسرائيلية موقتة، من دون تقديم الخدمات لمن يدفع الضريبة.

وفي سابقة جديدة يرى الفلسطينيون أنها تسعى إلى الاستيلاء على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية، سلمت بلدية القدس نهاية مارس (آذار) الماضي، إخطاراً لمدرسة وروضة "لورا فيكونيا - راهبات السالزيان"، أو ما تعرف بمدرسة "كريمزان" التي تتبع للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، بأن عليها تخمين عقار المدرسة، ثم دفع ضريبة "الأرنونا" لمصلحة بلدية القدس، بحجة أنها تقع ضمن أراضي البلدية، على رغم أن الضريبة، بحسب القانون الإسرائيلي، لا تسري على الأديرة والأماكن الدينية.

وعدت بلدية بيت جالا الإخطار تعدياً واضحاً على القانون الإسرائيلي وعلى صلاحياتها، إذ إن الأرض التي تقع عليها المدرسة تعد من الأراضي التاريخية لبلدة بيت جالا وتتلقى الخدمات من البلدية، مؤكدة أن تنفيذ القرار أو القبول به ودفع الضريبة يعد اعترافاً بسلطة بلدية القدس وشرعيتها التي تحاول بسط سيطرتها على مناطق فلسطينية وفرض أمر واقع جديد.

 

 

وبعد بناء جدار الضم والتوسع عام 2002 تعمدت إسرائيل ترك مساحة صغيرة منه أمام مدرسة "كريمزان" التي تقع بالضبط على الحدود عام 1967 و1948. وتزعم السلطات الإسرائيلية أنها تنوي استكمال بناء الجدار حالياً لضم المدرسة وما حولها، لحدود القدس، ومن ثم عزلها جغرافياً بصورة تامة عن الأراضي والمباني التاريخية التي تعود لأراضي بيت جالا.

وبحسب معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في بيت لحم، سبق للسلطات الإسرائيلية أن هدمت ثلاثة منازل في بلدة الولجة غرب بيت لحم في فبراير (شباط) الماضي تقع خلف الجدار، بحجة أنها تتبع لبلدية القدس، ولم تحصل على تراخيص للبناء، على رغم أن أصحاب تلك المنازل لم يبلغوا بأن عليهم دفع ضريبة "الأرنونا"، مؤكدة أن طاقمها القانوني ووزارتي شؤون القدس والتربية والتعليم، يتابعون قضية إخطار مدرسة "كريمزان"، التي يدرس فيها نحو 350 طالباً، وتقع ضمن أراضي بيت جالا.

المزيد من تقارير