Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قانون بن غفير" يُحكم الخناق على الفلسطينيين

71 في المئة من العرب قلقون بشأن التعبير عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي

بن غفير إلى جانب نتنياهو في لقاء سابق (أ ف ب)

ملخص

أثار تعديل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قانون الشرطة، مخاوف قسم كبير من المواطنين العرب في إسرائيل، كونه يتيح صلاحيات واسعة جداً لقوات الأمن تلقي بظلالها بشكل ملموس وخطير على حياتهم.

لم يكن إقصاء الفلسطينيين داخل إسرائيل وتقييد حقهم في التعبير عن رأيهم بحرية ضد سياسة التمييز والقمع التي يتعرضون لها ظاهرة جديدة، فمنذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948 يواجه مواطنوها العرب ممارسات إسرائيلية ممنهجة تعمل على إعادة تشكيل هويتهم الثقافية بما يتناسب مع احتوائهم كأقلية في دولة يهودية، وبالنسبة للعديد منهم فإن الحرب الدائرة بين إسرائيل و"حماس" منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 جعلت العلاقة المعقدة تاريخياً مع دولة إسرائيل أكثر صعوبة وحساسية، خصوصاً بعد أن قام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير المعروف بمواقفة اليمينية المتطرفة تجاه العرب، بتعديل قانون الشرطة رقم 37، المعروف باسم "قانون بن غفير"، الذي يوسع صلاحياته لتحديد عمل الشرطة وسياساتها وأسس عملها، وبخاصة في كل ما يتعلق بالتحقيقات و"تحديد الأولويات"، والتي ألقت بظلالها بشكل ملموس وخطير على حياة الفلسطينيين في القدس وداخل إسرائيل، الذين مُنعوا من التعبير والحديث بأي شكل عن سياسة القمع، الظلم والاضطهاد، بشكل يخالف سلطة القانون.
ووفقاً لتقرير مطول لمجلة "فورين بوليسي" فإنه "بحلول نهاية الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1948، كان هناك نحو 156 ألف فلسطيني وجدوا أنفسهم داخل ما أصبح الحدود الرسمية لدولة إسرائيل، وأصبحوا لاحقاً مواطنين إسرائيليين. واعتباراً من عام 2020، بلغ عددهم نحو 2 مليون نسمة (بما في ذلك فلسطينيي القدس الشرقية الذين يتمتعون بوضع الإقامة الدائمة)، ويشكلون نحو 20 في المئة من سكان إسرائيل". وبعد أكثر من نصف قرن، أصبح "هؤلاء العرب ضمن نسيج الحياة الإسرائيلية. وتشير كل الدلائل إلى أن الفجوات الاجتماعية والاقتصادية ضاقت بمرور الوقت، وأصبح هناك نوع من التوافق والتفاهم والانسجام، لكن هذا الأمر بدأ يتغير بعد الحرب في غزة، ويواجه العرب التمييز والمصاعب، إضافة إلى انقسامات داخلية"، وفقاً للمجلة.

سياسات مقلقة

منذ المصادقة على القانون وانتهاج بن غفير سياسة واضحة بإخضاع جهاز الشرطة لصلاحيته، وتحويله إلى جسم سياسي، يرى كثيرون أنه يخدم تطلعاته الأيديولوجية الخاصة، قدم المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية في إسرائيل، "عدالة"، ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، التماساً للمحكمة العليا الإسرائيلية بضرورة إلغاء التعديل، كونه "غير قانوني ويمنح صلاحيات واسعة وغير محددة للوزير، والتي يمكن استغلالها لأهداف سياسية".
ويؤدي تسييس الشرطة وفقاً للجهتين المتلمستين، "إلى مزيد من الانتهاكات للحقوق الدستورية التي انتُهكت بالفعل بمجرد تفعيل هذه الصلاحيات، إذ مُنع الفلسطينيون بالفعل من رفع العلم الفلسطيني في الحيز العام، ونشطت عمليات هدم المنازل في القدس. ويُضاف إلى ذلك تصريحات بن غفير عن نيّته إجراء تغييراتٍ جذرية في عمل الشرطة، بكل ما يتعلق بالفلسطينيين في الداخل، ومن بينها أوامر إطلاق النار. ومنذ بدء الحرب، يتعرض المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل وغيرهم ممن يعبّرون عن دعمهم وتضامنهم مع غزة وينددون بالحرب ويطالبون بإيقافها، إلى حملة قمع غير مسبوقة، تشتمل استهداف الطلاب الفلسطينيين في جامعات ومؤسسات أكاديمية إسرائيلية، وتوقيف مواطنين فلسطينيين عن العمل وطردهم من وظائفهم، وكذلك حملة اعتقالات غير قانونية واسعة النطاق عقب تتبُّع منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وحظر الشرطة للاحتجاجات المناصرة لغزة، وقمع حرية المحامين الفلسطينيين في التعبير، والتحريض ضد ممثلي الأحزاب السياسية العربية الفلسطينية. ووثقت مراكز حقوقية ما لا يقل عن 80 اعتقالاً على خلفية منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، و17 اعتقالاً خلال التظاهرات، جرى تنفيذ العديد منها باستخدام القوة المفرطة في منتصف الليل وبشكل غير قانوني، استندت في معظمها إلى منشورات لم يحتوِ بعضها إلا على عبارات تضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، أو حتى مشاركة آيات قرآنية. ووجد استطلاع أجراه "معهد الديمقراطية الإسرائيلي" في ديسمبر (كانون الأول) 2023 أن 71 في المئة من العرب الذين يعيشون في إسرائيل قلقون بشأن التعبير عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي.


قوة كبيرة

لم تقف الأمور عند هذا الحد، إذ بدأت "اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع" في مطلع يوليو (تموز) الجاري مناقشة مشروع قانون يمنح بن غفير، سلطة فرض أوامر اعتقال إداري جنائي، تنص على إصدار أوامر الاعتقال بموافقة المدعي العام أو أي من المستشارين القانونيين، وتتراوح فترته ما بين ستة أشهر إلى عام واحد. كما يتيح القانون لبن غفير صلاحية توجيه السياسة العامة للشرطة وتحديد "المبادئ العامة للعمل"، تصل إلى تقييد حركة أي شخص ومنعه من مغادرة مكان سكنه أو حتى السفر للخارج، أو حظر وجوده في منطقة معينة أو إلزامه بالسكن في منطقة معينة، وهي بمجملها صلاحيات غير مسبوقة. إلى ذلك، حذر مسؤولون في وزارة القضاء الإسرائيلية من سن مشروع قانون جديد "يركز قوة كبيرة" بأيدي رئيس حزب "عوتسما يهوديت" يقضي بأن بإمكان بن غفير، كوزير للأمن القومي، أن يعلن من خلال مرسوم أن مجموعة من الأشخاص، العرب خصوصاً، هي "تنظيم إجرامي"، استناداً لتوصية يقدمها المفتش العام للشرطة، ويسمح له بإصدار أمر يقضي بمصادرة ممتلكات أو تقييد استخدامها من جانب تنظيم إجرامي لفترة محدودة. كذلك ينص مشروع القانون، على منع لقاء مشتبهين مع محام، وأن بإمكان المسؤول عن التحقيق ضد مشتبهين منع محامٍ من تمثيل أكثر من مشتبه في حال اعتقد أن من شأن ذلك عرقلة التحقيق. ولا يوجد حتى الآن أي إجراءٍ كهذا في القانون الإسرائيلي، وإنما بإمكان المحكمة فقط أن تدين شخصاً كناشط في تنظيم إجرامي خلال محاكمة جنائية. كما طالب بن غفير الحكومة بتنفيذ نقل صلاحيات تطبيق قانون التنظيم والبناء، من وزارة المالية إلى وزارته، بموجب اتفاقية الائتلاف الحاكم، إلا أن هذا الطلب الذي أقرته الحكومة، تعرقل إقراره في الكنيست. وبيّن تقرير لصحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، أن الهدف الخفي لنقل الصلاحيات لوزارة بن غفير، جاء بهدف تصعيد الأوضاع والصدام بشكل أشد مع المجتمع العربي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أمر احترازي

التماس مركز "عدالة" ولجنة الجماهير العربية العليا على قانون "بن غفير"، وما سبقه من تقديم التماساتٍ ضد تشريعات الائتلاف الحاكم في بداية العام من قبل العديد من منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية، بما في ذلك "الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل"، و"جمعية حقوق المواطن في إسرائيل"، والتي جادلت بأن منح بن غفير السيطرة على "سياسة الشرطة والمبادئ العامة لنشاطها تنتهك بشكل غير دستوري حرية التظاهر وحرية التعبير وتُخضع السيطرة على القوة لكيان سياسي"، ما دفع محكمة العدل العليا الإسرائيلية في منتصف يونيو (حزيران) الماضي إلى إصدار أمر احترازي ضد القانون المثير للجدل الذي يمنح بن غفير سلطات متزايدة على الشرطة، مؤكدةً المخاوف المتزايدة بشأن تسييس إنفاذ القانون. وعلى رغم توصيات المستشارة القضائية للحكومة الاسرائيلية غالي بهاراف ميارا بأن القانون يخاطر بتسيس إنفاذ القانون والإضرار بالحريات الشخصية، وتأكيدها على أن التشريع تم تمريره بسرعة كبيرة وبطريقة غير متوازنة تفتقر إلى تحديد أن الشرطة ستعمل من دون أي تأثيرات سياسية خارجية. إلا أن توصياتها لم تصل لحد إلغاء محكمة العدل العليا للتشريع. في حين أشار موقع "تايمز أوف إسرائيل" إنه تبعاً للحكم الصادر عن القضاة عوزي فوغلمان، ويتسحاق عميت، ويحيئل كاشير، يتعين على الحكومة الرد على التماس ضد التشريع في غضون 90 يوماً. ويشير هذا الحكم وفقاً للموقع، إلى أن المحكمة وافقت من حيث المبدأ على الدعوى القضائية التي قدمها الملتمسون ضد القانون. وفيما يؤكد بن غفير أن هذه الامتيازات ضرورية لإعادة النظام إلى المناطق الخارجة عن القانون ومكافحة معدلات الجريمة المتصاعدة، لا سيما في المجتمع العربي، يناقش منتقدو القانون بأن من شأنه أن يمنح الوزير سلطة التدخل النشط في أنشطة الشرطة العملياتية وقد يؤدي إلى عمليات شرطة متحيزة ستكون متأثرة بالمعتقدات السياسية الشخصية للوزير اليميني المتطرف وأيديولوجيته.


عنف بوليسي

ووفق استطلاعٍ للرأي أجراه معهد "أكورد" في الجامعة العبرية في القدس الشهر الماضي، وشمل 1300 مواطناً يهودياً وعربياً، قال 37 في المئة منهم إن سلوك الشرطة في الآونة الأخيرة سبّب لهم الخوف. وذكر 40 في المئة أنهم يعتقدون إلى حد كبير أن الشرطة باتت تخدم بن غفير، في حين قال 38 في المئة إن الشرطة أصبحت هيئة سياسية وتخون وظيفتها الجماهيرية. وبّين استطلاع آخر أجراه "المعهد من أجل الحرية والمسؤولية" في جامعة هرتسليا، أن 45 في المئة من المستطلعين أكدوا إن الشرطة تستخدم العنف إلى حد ما، بينما يعتقد 44 في المئة منهم أنها تستخدم العنف إلى حد كبير.

وفي رده على قرار المحكمة، أكد محامي مركز "عدالة" عدي منصور أن "المحكمة العليا لم يكن أمامها أي خيار سوى اتخاذ هذا القرار، لما يحمل هذا التعديل من تهديدات حقيقية لحقوق الإنسان ومبدأ سيادة القانون"، مشدداً على ضرورة إلغاء التعديل بالكامل ودرء خطره على حقوق المواطنين وخاصة الفلسطينيين منهم"، وأنه يتوجب "على الشرطة أن تكف عن التعامل مع العربي كعدو".
من جهتها، قالت "الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل" إن "المحكمة العليا أصدرت أمراً احترازياً ضد المحاولة الصارخة لتحويل الشرطة الإسرائيلية إلى ذراع سياسي ديكتاتوري".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير