Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي مكاسب لأوكرانيا بعد دخول كورسك؟

إنشاء منطقة منزوعة السلاح بالكامل بين البلدين المتنازعين قد يكون مفيداً خصوصاً إذا ما أعيد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة

جنود أوكرانيون ينتظرون داخل مركبة عسكرية قرب الحدود مع روسيا (غيتي)

ملخص

مع وجود احتمال بعودة ترمب إلى البيت الأبيض فإن أفضل فرصة بالنسبة إلى أوكرانيا كانت التوغل في روسيا وتغيير واقع الاحتلال على الأرض استعداداً لخط هدنة قد يفرضه لاحقاً البيت الأبيض والكرملين

لو قيض لـ"العملية العسكرية الخاصة" التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا منذ مدة أن تنجح على النحو الذي خطط لها، لكان من المرجح أن يكون الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد فر من كييف قبل فترة طويلة، ولكان يمضي أيامه في المنفى محاطاً بعزلة تامة داخل قصر ناء قدمه له حلفاؤه القدامى ربما في ريف إحدى المقاطعات الإنجليزية.

ولكان أيضاً - في وقت يقود فيه حكومة عاجزة في المنفى ويلتقي من حين إلى آخر مع حليفه القديم بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني السابق لتناول الشاي - سيواصل العيش في حال من الخوف الدائم من محاولة حتمية لاغتياله.

كذلك لو حقق الغزو الروسي خلال فبراير (شباط) عام 2022 أهدافه الكبرى وطموحاته الخيالية، لكانت أوكرانيا قد ضمت إلى الاتحاد الروسي بترحاب كبير، ولكان من المتوقع أن يحتضن مواطنوها الجنود الروس الذين "حرروهم" ممن لقبوا بالـ"نازيين" في السلطة. ولكان سكان العاصمة كييف سيتوافدون بشغف لحضور العرض السنوي للنصر، والاحتفال في ظل قيادة منقذهم المحبوب الرئيس بوتين. لكن من الواضح أن الأحداث اتخذت منعطفاً آخر مغايراً تماماً لهذا السيناريو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلا أن فلاديمير بوتين - الذي عجز عن استعادة عظمة الإمبراطورية الروسية، أو الظهور كقيصر روسيا بطرس الأكبر [الذي ينسب إليه الفضل في تحديث البلاد وتوسيع أراضيها وتحويلها إلى قوة أوروبية عظمى] أو كجوزيف ستالين العصر الحديث [أحد أقوى القادة وأكثرهم إثارة للجدل، عرف بدوره في تحويل الاتحاد السوفياتي إلى قوة عظمى عالمية، وبنظامه الوحشي الذي اتسم بالقمع والتطهير والفظائع الجماعية] - وجد نفسه متفوقاً في الغطرسة على نظيره الأوكراني الأصغر سناً. والواقع أن الهجوم المضاد الأوكراني الجريء داخل الأراضي الروسية جعل من بوتين أول زعيم روسي منذ عام 1941 يواجه غزواً أجنبياً لبلاده. وقد اتسم هذا الهجوم الأوكراني السريع وغير المتوقع كما الحرب الخاطفة الألمانية في الماضي بعنصر المفاجأة واستخدام التكنولوجيا والتكتيكات المتطورة.

وكما حدث عام 1941 فقد فوجئ الروس بالهجوم الأوكراني على حين غرة، إما نتيجة رفضهم تصديق تقارير استخباراتية عن احتمال وقوع اختراق عسكري وشيك أو على الأرجح بسبب ضعف عملياتهم الاستخباراتية في أوكرانيا، مما جعلهم يفشلون في توقع الضربة. ونتيجة لذلك انقلب تقدمهم البطيء في شرق أوكرانيا إلى حال من الفوضى العارمة وأصيب الشعب الروسي بصدمة نفسية كبيرة، بينما تعرضت سمعة بوتين لانتكاسة كبيرة وأصبح موضع سخرية.

وعلى رغم أن شعب بوتين قد يظل متمسكاً به فإنه لا بد أن يتساءل عن سبب إخفاق روسيا في تحقيق النصر بحرب أخرى، في أعقاب النكسات التي منيت بها سابقاً سواء داخل أفغانستان أو في "الحرب الباردة"، أو لدى تفكك "حلف وارسو" و"اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية". وفيما أن الوضع الراهن ليس بالسوء الذي كان عليه عندما تنحى ميخائيل غورباتشوف آخر الزعماء السوفيات أو عندما سلم الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين مقاليد الحكم لفلاديمير بوتين، فإن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن الحرب إضافة إلى العقوبات الغربية على موسكو والتضخم المستمر، بدأت جميعها تثقل كاهل البلاد بصورة ملحوظة.

والآن مع خروج الحدود الروسية عن نطاق السيطرة، أصبح الواقع واضحاً بالنسبة إلى الشعب الروسي.

هذا الواقع لا يتماشى مع صورة الرجل القوي التي اشتهر بها فلاديمير بوتين. فقد أثبتت تهديداته المبالغ فيها باستخدام الأسلحة النووية للرد على أي هجوم على روسيا أنها مجرد مزاعم فارغة، إذ بدت صواريخه الباليستية العابرة للقارات عديمة الفائدة.

وفي المقابل، أصبح فولوديمير زيلينسكي هو الذي يحدد شروط المعركة ويظهر براعته الاستراتيجية. فقد أبدى بعد نظر من خلال تأكيده عدم سعيه إلى ضم أراض روسية أو احتلالها. وبدلاً من ذلك هو يركز على إنشاء "منطقة عازلة" في كورسك (وربما في مناطق حدودية أخرى).

قد يبدو هذا المفهوم غامضاً إلى حد ما لكنه قد يتضمن إنشاء منطقة منزوعة السلاح، تجعل من الصعب على روسيا غزو أو تهديد الدول المجاورة، ومن ثم تكون أقل قدرة على إطلاق الصواريخ أو توجيه الضربات بطائرات من دون طيار. وستعمل في الأساس كمنطقة محايدة إلى حد ما، لا تكون تحت السيطرة الكاملة لأوكرانيا أو لروسيا لكنها في الوقت نفسه لا تكون ذات سيادة كاملة.

وكحل وسط محتمل يمكن لزيلينسكي أن يقترح ترتيباً مماثلاً من جانب أوكرانيا أو حتى تقديم تعهد بعدم انضمام بلاده إلى "حلف شمال الأطلسي" (ناتو)، وهو المبرر المفترض الذي استخدمه الكرملين لغزوها (والدعاية التي روج لها على نطاق واسع من جانب شخصيات مثل اليميني ناجل فاراج في بريطانيا ودونالد ترمب في الولايات المتحدة).

وفي بعض النواحي، قد تكون المنطقة العازلة في كورسك شبيهة بالمنطقة منزوعة السلاح وضواحيها في شبه الجزيرة الكورية [منطقة هي للمفارقة شديدة التحصين وتفصل بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وقد أنشئت كجزء من اتفاق الهدنة لإنهاء الحرب الكورية خلال عام 1953]. ولو كان من الأفضل أن تكون أقل تسليحاً وأقل توتراً. وقد ينظر إليها أيضاً مع تقديم أوكرانيا ضمانات في شأن عدم انضمامها إلى "حلف شمال الأطلسي"، على أنها منطقة عازلة أكثر رسمية بين الحلف الغربي وروسيا.

وفي الواقع يشبه هذا الوضع إلى حد ما موقف فنلندا المحايد الذي تغير أخيراً قبل أن تنضم - كما السويد - إلى "حلف شمال الأطلسي" بسبب العدوان الروسي وإخفاقات بوتين. وهناك أوجه تشابه تاريخية مع دول عازلة سابقة كيوغوسلافيا التي تفتتت إلى دول عدة، وأفغانستان التي كانت ذات يوم أراضي محايدة تفصل بين الإمبراطورية الروسية من جهة والإمبراطورية البريطانية التي كانت تسيطر على الهند من جهة ثانية.

وبطبيعة الحال، لا يزال كل ذلك يطرح تساؤلات جدية ووجودية حول مدى السلامة الإقليمية التي ستتمكن أوكرانيا من استعادتها بالنسبة إلى أراضيها. ومن الناحية الواقعية يبدو من غير المرجح أن تستعيد كييف شبه جزيرة القرم أو منطقتي دونباس ولوغانسك في الشرق - لكن الوقت بات الآن مناسباً للغرب لتكثيف جهوده وتزويد أوكرانيا بالأسلحة اللازمة لاستعادة أكبر مقدار ممكن من الأراضي.

وفي حال وقوع الكارثة الكبرى المتمثلة بفوز دونالد ترمب برئاسة ثانية في الولايات المتحدة فإن أفضل فرصة بالنسبة إلى أوكرانيا تكمن في تغيير واقع الاحتلال على الأرض، استعداداً لخط هدنة قد يفرضه لاحقاً البيت الأبيض والكرملين، هذا الخط الذي من المحتمل أن يصبح بمثابة حدود فعلية بحكم الأمر الواقع (كما حصل في نهاية الحرب الكورية). وفيما قد لا يتمكن فولوديمير زيلينسكي من تحقيق "الفوز" في هذه الحرب، فإن فلاديمير بوتين هو أيضاً لن يستطيع بلوغ هذا الهدف، ولا يوجد تالياً أي مبرر للسماح له بتحصيل مكاسب إضافية لمجرد أن الغرب يشعر بتوتر إزاء استخدام صواريخ بعيدة المدى على الأراضي الروسية. فقد اتضح لنا مدى فراغ تهديدات بوتين.

يبقى أخيراً القول إن زيلينسكي وشعبه ما زالا يستحقان دعم الغرب، كما أن غزوه لمنطقة كورسك برهن بالضبط لماذا يعد أفضل أمل لتحقيق السلام في المنطقة.

© The Independent

المزيد من آراء