Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بزشكيان وطريق وعر لإنقاذ إيران من أخطار كبرى

تعيين امرأة وزيرة للطرق والمواصلات ينم عن تأثير الاحتجاجات الواسعة في 2022

الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان (رويترز)

ملخص

لعبت التركيبة الائتلافية للتشكيلة الوزارية في إيران دوراً في إرضاء جميع الاتجاهات الأصولية والمتشددة والإصلاحية والمستقلة المعتدلة في البرلمان.

صادق البرلمان الإيراني أخيراً على التشكيلة الوزارية المكونة من شخصيات أصولية وأخرى معتدلة وإصلاحية، قدمها الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، من دون رفض أي وزير حتى المعروفين بمواقفهم المعارضة للمتشددين والمرشد الأعلى.

تعتقد "جبهة الإصلاحات" التي تضم أحزاباً ومجموعات إصلاحية أن نصف الوزراء في التشكيلة الوزارية هم من الإصلاحيين، لكننا نعرف أن وزيري العمل والصحة - أحمد ميدري ومحمد رضا طفرقندي – ليسا فقط من الإصلاحيين بل كانت لديهما مواقف مناهضة للمتشددين والمرشد الأعلى علي خامنئي. وأنقل هنا ما قاله المندوب المتشدد مالك شريعتي في معارضته للطبيب الجراح محمد رضا ظفرقندي، "هو شخصية سياسية ومواقفه حول أحداث المدينة الجامعية في عام 1999 وفتنة عام 2009 وأحداث 2023 واضحة، إذ دعم قادة الفتنة وتجاوز الخط الأحمر للمرشد الأعلى ووصف اضطرابات 2022 بأنها حركة نقية، بل ويعتقد أن الاضطرابات تنم عن احتجاجات الناس المضطهدين. السيد ظفرقندي يرغب في الحصول على أصوات الثقة من البرلمان الذي يعتقد أن انتخاباته في الدورة الـ12 تمت هندستها وأن الانتخابات فقدت معناها في الجمهورية الإسلامية الإيرانية."

ويشير المندوب في هذه الفقرة إلى الاحتجاجات الطلابية في عام 1999 التي تخطت أسوار المدينة الجامعية وغطت معظم الشوارع الرئيسة في وسط طهران، وكادت تصل إلى بيت المرشد الأعلى في شارع باستور، ويعني بفتنة 2009 الاحتجاجات والتظاهرات المليونية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في إيران، التي قال الإصلاحيون عندها إن فوز أحمدي نجاد - الذي أعلنه علي خامنئي - تم بتزوير الأصوات لغير صالح المرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، كما يعني باضطرابات 2022 الاحتجاجات والتظاهرات التي استمرت بضعة أشهر إثر اغتيال شرطة الأخلاق مهسا أميني، وكان شعار الموت لولاية الفقيه رائجاً في معظم تلك التظاهرات.

وتقول جبهة الإصلاحات إن زملاءهم عادوا للسلطة بعد 20 عاماً – أي بعد حكومة خاتمي (1997- 2005) بالتحديد، كما أن تعيين امرأة وزيرة للطرق والمواصلات ينم عن تأثير الاحتجاجات والتظاهرات الواسعة في 2022 التي راح ضحيتها أكثر من 500 شخص معظمهم من النساء. وعلى رغم أن هذا التعيين لم يلب كل ما تطالب به النساء في إيران، بما فيه رفع حالة فرض الحجاب الإجباري من شرطة الأخلاق، لكنه يتناقض مع فتاوى بعض مراجع التقليد المؤثرين القائلين بحرمة سلطة المرأة على الرجل وتولي النساء لأية وزارة.

الأغرب في الأمر مصادقة البرلمان الذي يتكون من غالبية محافظة ومتشددة على الوزراء المعارضين لهذه الغالبية وللمرشد الأعلى.

دور خامنئي في عملية الانتخابات وما بعدها 

ذكرنا في مقالات سابقة عن دور المرشد الأعلى علي خامنئي في هندسة الانتخابات بواسطة مجلس صيانة الدستور، وذلك بتزكية ستة مرشحين لمنصب رئيس الجمهورية من بين عشرات المرشحين، أحدهم مسعود بزشكيان، المحسوب على الإصلاحيين والأتراك الأذريين، وخمسة منهم محسوبون على الأصوليين والمتشددين (سعيد جليلي، ومحمد باقر قاليباف، وعلي رضا راكاني، وأمير حسين قاضي زادة هاشمي، ومصطفى بور محمدي). وكان المرشح الأفضل والمرجح لخامنئي محمد باقر قاليباف وترجيحه الثاني مسعود بزشكيان، غير أن ما صرح به بزشكيان عن تنسيقه مع المرشد الأعلى حول التشكيلة الوزارية الذي أدى إلى تصديق نواب البرلمان على جميع الوزراء يؤكد التبعية العمياء لهؤلاء النواب – الذين انتخبوا أوائل هذا العام في ظروف غير تنافسية – للمرشد الأعلى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لعبت التركيبة الائتلافية للتشكيلة الوزارية دوراً في إرضاء جميع الاتجاهات الأصولية والمتشددة والإصلاحية والمستقلة المعتدلة في البرلمان، وهنا أميز بين الأصوليين والمتشددين، إذ يمكن أن نصف جماعة رئيس البرلمان محمد قاليباف بالأصوليين وجماعة سعيد جليلي بالمتشددين، وتم الائتلاف بين الإصلاحيين والمستقلين المؤيدين لبزشكيان من جهة والأصوليين المؤيدين لقاليباف من جهة أخرى، ولم تفلح كلمات المتشددين المحسوبين على جبهة الصمود في حجب الأصوات من أي من المرشحين للوزارات، بل يمكننا القول إن هذه الجبهة التي شكلت معظم وزراء الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي والمهيمنة على مؤسسات مهمة كمؤسسة الإذاعة والتلفاز الحكومي فشلت أمام الائتلاف المذكور، والتراجع لم يشملها فقط بل رئيس تحرير صحيفة "كيهان" حسين شريعتمداري، الذي كان يعتبر المتحدث باسم خامنئي وبيته، وهذا الائتلاف بمباركة علي خامنئي الذي لا يرغب في صعود جبهة الصمود لأسباب تتعلق بخلافته التي يريدها لنجله مصطفى فيما تتمايل جبهة الصمود إلى آية الله مير باقري لخلافة علي خامنئي.

مهمات صعبة أمام بزشكيان

لعل مشكلات عدة تواجه حكومة مسعود بزشكيان في الداخل:

أولاً: المجال الاقتصادي، وتشمل:

(1) التضخم السنوي البالغ نحو 40 في المئة. (2) التشغيل، فخلال المدة من 2005- 2023 هناك 15 مليون شخص في سن العمل، لكن 4 ملايين فقط تمكنوا من العثور على عمل. (3) العجز الفاحش في صندوق التأمينات الاجتماعية والتقاعد في البلاد إثر سوء الإدارة والاختلاس، واتجاه الهرم الديموغرافي في إيران نحو الكهولة والشيخوخة، ولهذا يحذر بعض المتخصصين في الاقتصاد أن يصاب الاقتصاد الإيراني بداء "اليوننة" نسبة إلى ما حصل في اليونان من أزمة اقتصادية كبرى كادت تؤدي إلى انهياره خلال عامي 2007- 2008 للأسباب نفسها التي نشاهدها حالياً في إيران، وأهمها العجز في صندوق التأمينات الاجتماعية والتقاعد. (4) العجز في توليد الطاقة التي نشاهدها في انقطاع التيار الكهربائي في الصيف وانعدام الغاز في الشتاء. (5) التغييرات المناخية وتدمير البيئة. (6) السكن، إذ لم يتحقق ما طرحه الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي من بناء مليون دار للسكن سنوياً، وارتفعت أسعار السكن ضعفي على ما كان عليه في 2023.

ثانياً: المجال الاجتماعي، وتضمن:

(1) التمييز الصارخ ضد المرأة الإيرانية المتمثل في قمع اللاتي لم يلتزمن بقانون فرض الحجاب ويواجهن سلوكاً عنيفاً من عناصر شرطة الأخلاق، ولا ننسى الانتفاضة التي عمت معظم مناطق إيران في عام 2022 احتجاجاً على مقتل مهسا أميني على يد تلك الشرطة. (2) حجب كل التطبيقات المهمة على الفضاء المجازي منها "إنستغرام" و"تيليغرام" و"فيسبوك" و"إكس"، وكذلك حجب نحو 8 ملايين موقع سياسي واجتماعي. وكانت تلك التطبيقات تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد والتجارة في داخل إيران ومع جيرانها، وأدى حجبها إلى خسائر تصل إلى مليارات من الدولارات، والأنكى في الأمر أن ملايين الدولارات تدفع لشركات تابعة لجهات متنفذة في السلطة لشراء أنواع "الكاسور" الذي يكسر الحجب و"الفلترة" التي تنصبها الجهات الأمنية المتخصصة.

ثالثاً: عدم تمثيل القوميات وأهل السنة حتى اللحظة، خلافاً لما صرح به مسعود بزشكيان في حملته الانتخابية، ويتوقع المراقبون أن يفي بوعوده على رغم معارضة علماء الشيعة والقوميين الفرس.

ما المطلوب؟

ببساطة على بزشكيان وحكومته العمل على حل ثلاث قضايا ملحة، أولها رفع الحجب عن التطبيقات والمواقع المهمة وزيادة قوة الإنترنت، وإلغاء ما سمي بخطة "نور" لشرطة الأخلاق التي تسيء إلى المرأة الإيرانية، وحل مشكلة العمل مع مجموعة العمل المالي "إف إ تي إف" لتسهيل عمل المصارف الإيرانية مع المصارف الإقليمية والعالمية، لكن هذا ليس سهلاً بل تواجه الحكومة معارضة ومقاومة من جانب قوى سياسية واقتصادية تستفيد من الوضع الراهن.

وإذا تمكنت حكومة بزشكيان من حل هذه الأمور يعد ذلك مقدمة لأمور أخرى أهمها بدء التفاوض مع الولايات المتحدة – وبالطبع - تكون المهمة أسهل إذا استمر الديمقراطيون في الإدارة الأميركية، يذكر أن هذه المفاوضات لم تنقطع حتى في عهد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.

حل هذه الأمور- التي ترتبط بشكل وثيق مع وقف إطلاق النار في غزة - سيؤدي إلى تعزيز المجتمع المدني في البلاد وتصليب عود المؤسسات الثقافية والاجتماعية ليس في طهران فقط، بل بين شعوب المناطق الإيرانية أيضاً.

في الحقيقة إن هندسة الانتخابات وفتح نافذة ولو صغيرة للتنفيس السياسي المتمثلة بتزكية بزشكيان وانتخابه رئيساً لإيران تؤكد أولاً خشية النظام وعلى رأسه خامنئي من أن يؤدي الاحتقان والقمع والفجوة الواسعة مع الشعب إلى تدهور الأمور والفلتان السياسي والأمني، أي إن علي خامنئي في تغييره الطفيف لسياساته السابقة المتمثلة بانسجام السلطة من لون متشدد واحد (كما كان في عهد رئيسي) إلى سياسات أخرى تفتح نافذة - ولو صغيرة – للمجتمع، يأخذ في الاعتبار صراعه مع إسرائيل وتداعياته على العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، أي إنه يخشى المجازفة بفتح الأجواء السياسية بشكل يمكن أن تخرج عن سيطرته.

في عهدي رئاسة محمد خاتمي (1997 – 2005) وحسن روحاني (2013 - 2021) أدت محاولات النظام لإنقاذ نفسه من السقوط إلى التمسك بالإصلاحيين والمعتدلين، غير أنها وبسبب التناقض والخصومة بين الرئيسين من جهة، والمرشد الأعلى علي خامنئي من جهة أخرى، لم تصل إلى نتائجها المرجوة، غير أن خامنئي اتخذ هذه المرة أسلوباً آخر متمثلاً بدعم رئيس إصلاحي مطيع ومنسجم معه ربما يستطيع أن ينقذ النظام من مشكلاته المستعصية.

في الحقيقة إن النظام الإيراني - مع إعلان التشكيلة الوزارية لبزشكيان - تراجع قليلاً عن حافة الهاوية، لكن الخطر لا يزال قائماً، إذ إن هناك 50 في المئة من المؤهلين للتصويت قاطعوا الانتخابات ونحو 20 في المئة صوتوا لبزشكيان للحيلولة دون رئاسة سعيد جليلي المتشدد، وهم يتوقعون إجراءات ملموسة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإلا ستعود الأمور لما كانت عليه سابقاً. فإذا عادت حليمة لعادتها القديمة وناصب المرشد الأعلى – أو خليفته المحتمل – الرئيس بزشكيان أثناء فترته الرئاسية لسبب أو آخر للحيلولة من دون استمرار العملية الإصلاحية سيفقد النظام آخر خياراته للاستمرار وسيواجه مصيراً لا يحسد عليه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل