Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التغيرات المناخية تضرب الجزائر بمعولي "التصحر" و"الاحترار"

البلاد اعتمدت مخططاً وطنياً لفترة 2020-2030 يشمل 155 نشاطاً ويهدف إلى خفض انبعاث الغازات بنسبة 22 في المئة

تعرف الجزائر منذ 35 سنة زحف رمال شديد وكبير جداً من الجنوب إلى الشمال (أ ف ب)

ملخص

تشهد الجزائر تغيرات مناخية تؤثر في المجالات كافة، وتخلق معها تحديات بيئية وإنسانية، لاسيما وأن ملايين السكان في كل المناطق من دون استثناء بدأت تظهر عليهم آثار التغيرات المناخية بوضوح وتؤثر بشكل مباشر في الحياة اليومية للمواطنين.

في قرية صغيرة تقع على أطراف الصحراء في الجزائر، كان يعيش الفلاح علي مع أسرته، محافظاً على قطعة أرض صغيرة ورثها عن أجداده، وعلى مر السنين اعتمد علي على موسم الأمطار السنوي لزراعة المحاصيل الموسمية الأساسية مثل القمح والشعير اللذين كانا مصدر رزقه الوحيد، وعلى رغم أن العمل كان شاقاً إلا أنه كان يكفي لتوفير حياة كريمة لأسرته.

لكن في السنوات الأخيرة بدأت الأمور تتغير، لاحظ علي أن الأمطار أصبحت غير منتظمة، وفترات الجفاف بدأت تطول، كانت هذه التغيرات طفيفة في البداية، فتأقلم معها بصبر، لكن مع مرور الوقت أصبحت التحديات أكبر، إذ تأخرت الأمطار بشكل غير مسبوق في العام الماضي، وعندما هطلت كانت غزيرة جداً، مما أدى إلى جرف التربة وتدمير المحصول الذي كان يعول عليه علي.

يقول علي في حديث لـ"اندبندنت عربية" إن الأمور ازدادات سوءاً مع كل موسم، وتدهورت حال الأرض وقلت المحاصيل بشكل كبير، ولم يحصد شيئاً في السنة ما قبل الماضية، إذ نفد مخزون الطعام، واضطر إلى بيع بعض مواشيه ليتمكن من شراء حاجاته الأساسية، حينها شعر بالعجز أمام قوة الطبيعة التي لم يعد قادراً على التنبؤ بها أو التحكم فيها.

يوضح علي أنه بدأ يسمع من أهل القرية عن تغيرات مناخية تؤثر في العالم بأسره، لكنه لم يكن يدرك تماماً كيف ترتبط تلك التغيرات بما يمر به، واعتقد في البداية أن ما يحدث هو غضب من الطبيعة أو اختبار إلهي، إلا أن الفكرة بدأت تتضح له تدريجاً عندما لاحظ أن جيرانه من الفلاحين يعانون المشكلات نفسها.

حالة علي واحدة من الحالات التي عاشها ولا يزال آلاف السكان في الجزائر في كل المناطق من دون استثناء، بعد أن بدأت آثار التغيرات المناخية تظهر بوضوح وتؤثر في شكل مباشر في الحياة اليومية للمواطنين.

أخطار متزايدة

وتشهد الجزائر، كغيرها من دول العالم، تأثيرات متزايدة للتغيرات المناخية التي باتت تشكل تحديات بيئية وإنسانية كبيرة، وأصبحت هذه التغيرات المناخية ليست مجرد مسألة نظرية، بل واقع يومي يتجلى في تغيرات ملحوظة في الطقس، وزيادة في درجات الحرارة، وتدهور في النظم البيئية، مما يؤثر بشكل مباشر في حياة المواطنين والاقتصاد الوطني.

وتعد الجزائر من الدول الأكثر عرضة للتغيرات المناخية نظراً إلى موقعها الجغرافي وطبيعتها الصحراوية في السنوات الأخيرة، شهدت البلاد تغيرات ملحوظة في الأنماط المناخية، إذ ارتفعت درجات الحرارة بشكل ملحوظ، وزادت فترات الجفاف في المناطق الداخلية.

هذا التغير يؤدي إلى تداعيات خطرة على البيئة الزراعية والمائية، مما يؤثر في القدرة الإنتاجية للزراعة التي تعتبر مصدر رزق مهم للسكان في المناطق الريفية.

ومن أبرز الآثار السلبية للتغيرات المناخية في الجزائر ندرة المياه المتزايدة، إذ تعتبر المياه مورداً نادراً في الجزائر، إذ يعتمد جزء كبير من السكان على المياه الجوفية والأمطار الموسمية، إلا أن التغيرات المناخية أدت إلى تقلص كميات الأمطار وزيادة معدلات التبخر، مما أثر سلباً في مخزون المياه، كما أن الجفاف المستمر في المناطق الجنوبية والغربية من البلاد أدى إلى تدهور الزراعة وتقلص المساحات الخضراء، مما يزيد من أخطار التصحر.

 

 

وتعد الزراعة من القطاعات الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية في الجزائر، إذ بسبب ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه، تراجعت إنتاجية المحاصيل الزراعية بشكل ملحوظ، يعتمد الفلاحون على أنماط زراعية تقليدية تتأثر في شكل كبير بالتغيرات المناخية، مما يجعلهم أكثر عرضة لتقلبات الطقس، وهذا التراجع في الإنتاج الزراعي يهدد الأمن الغذائي للسكان ويزيد من الاعتماد على الواردات الغذائية، مما يثقل كاهل الاقتصاد الوطني.

ويعتبر التصحر أحد أخطر التحديات البيئية التي تواجه الجزائر نتيجة التغيرات المناخية، ويعرض التوسع في رقعة الصحراء الكبرى باتجاه الشمال مساحات واسعة من الأراضي الزراعية للتدهور، وهو من أكبر التحديات التي تؤثر في سبل العيش في المناطق الريفية، مما يدفع السكان إلى النزوح نحو المدن، ما يزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على المراكز الحضرية.

استراتيجية وطنية

وفي الثامن من أغسطس (آب) الجاري شرعت اللجنة الوطنية للمناخ التي تضم قطاعات وزارية عدة، في أشغال إعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التغيرات المناخية التي سيتم من خلالها رسم طريق لتعزيز القدرة على التكيف مع هذه التغيرات ومواجهة التحديات المستقبلية في هذا المجال.

وقالت الوزيرة الجزائرية للبيئة والطاقات المتجددة فازية دحلب إن إعداد هذه الاستراتيجية "يتطلب تعاون جميع القطاعات التي يجب أن تستند على البيانات والاستراتيجيات القطاعية، مع مراعاة سياسة البلاد والسياق الدولي المتطور مع جميع تحديات القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية"، مذكرة بأن اللجنة الوطنية للمناخ تضم ممثلين عن 22 قطاعاً وزارياً.

وعن فحوى الاستراتيجية أوضحت الوزيرة أنه من شأنها "رسم طريق واضح وطموح نحو قدرتنا على التكيف مع تغير المناخ"، مؤكدة أنها "ليست استجابة للضرورات المستعجلة الحالية فحسب، بل أيضاً وقبل كل شيء تحضير بلدنا لمواجهة تحديات تغير المناخ في الغد بمرونة وتصميم".

وللقيام بذلك تضيف دحلب أنه يجب تحليل النموذج التنموي الوطني والقطاعي "حتى نكون في منأى عن تلك الأخطار في المستقبل، وذلك بتوقع سيناريوهات معقولة في آفاق مختلفة حتى عام 2050 وتقييم الآثار المحتملة للتعامل معها من خلال تعزيز قدرات التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من حدتها".

وبعد مصادقة الجزائر على اتفاق باريس للمناخ في 2016، اعتمدت مخططاً وطنياً للمناخ للفترة 2020-2030 يشمل 155 نشاطاً في مجالي التخفيف والتكيف وبناء وتعزيز الأطر القانونية والمؤسساتية لرفع التقارير ذات الصلة بآليات الشفافية وبناء القدرات البشرية لمتابعة النشاطات ذات الصلة بالسياسة الوطنية حول تغير المناخ.

ويعتبر المخطط واجهة الجزائر الدولية في المجال، والرامي إلى خفض نسبة انبعاث الغازات بنسبة 22 في المئة كالتزام مشروط (في حال استفادتها من تمويل دولي وتحويل تكنولوجي) وسبعة في المئة كالتزام طوعي.

كما قامت بصياغة نموذج للطاقة لما بعد 2030 الذي يعتمد على تطوير الطاقة المتجددة واعتماد تأهيل وتوسيع السد الأخضر الذي أنجز في السبعينيات من القرن الماضي برفع مساحة هذا الغطاء النباتي إلى 4.7 مليون هكتار لمواجهة ظاهرة التصحر.

جهود حثيثة

ويقول علي شقنان الخبير الدولي في الطاقات المتجددة والإنتقال الطاقوي، إن الحديث عن الجهود التي تبذلها الجزائر في إطار التقليل من انعكاسات التغيرات المناخية يستوجب الإشارة إلى ثلاثة تقارير تعكس إصرار الجزائر على المساهمة الفعالة في الحد من انبعاثات الغاز الدفيئة، أرسلت إلى أمانة اتفاق الأمم المتحدة الإطاري في شأن تغير المناخ.

وأوضح شقنان في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن هاته التقارير تعكس فعلاً التزامات الحكومة الجزائرية بأهداف اتفاق الأمم المتحدة الإطاري في شأن تغير المناخ لاسيما المادتين الرابعة والـ12 من الاتفاق، مشيراً إلى أن "الدستور الجزائري يدرج الجانب البيئي ضمن الاهتمامات الوطنية ويؤكد ضرورة الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية الحفاظ عليها لصالح الأجيال المقبلة".

وأفاد المتحدث بأن الجزائر تنهج استراتيجية من شأنها التخفيف بشكل إيجابي من الآثار السلبية للتغيرات المناخية، بالتركيز على بعض القطاعات التي انطلقت بها مشاريع طموحة على غرار الطاقة والبناء والنقل والصناعة والغابات، وأيضاً الطاقة المتجددة والكفاءة الطاقوية، إضافة إلى إدارة النفايات ومعالجتها.

وأضاف بأن من بين المشاريع التي أطلقتها الجزائر، مشروع الطاقات المتجددة الذي من المنتظر الانتهاء منه في غضون عام 2035 والمعروف بمشروع 15 ألف ميغاواط، ويهدف إلى تحقيق حصة من الطاقات المتجددة تقارب 27 في المئة في الميزان الوطني لإنتاج الكهرباء، ومشروع الكفاءة الطاقوية الذي من شأنه أن يكون له أثر إيجابي للتخفيف من آثار التغيرات المناخية، إضافة إلى مشروع إعادة تأهيل السد الأخضر الذي يعتبر نموذجاً للتنمية المستدامة والقدرة على التكيف مع تغيرات المناخ ويأتي استجابة للتحديات المناخية المتزايدة.

 

 

وذكر أن إدارة النفايات تلعب دوراً كبيراً في مكافحة آثار التغيرات المناخية، إذ تقوم الجزائر بجهود كبيرة في مجال إدارة النفايات، إذ بلغ عدد الشركات العاملة في إدارة النفايات المنزلية وما شابهها في نهاية 2023 أكثر من 5 آلاف شركة ضمن هدف يأخذ في الاعتبار كل الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.

وقال شقنان إن شركة المحروقات الجزائرية "سوناطراك"، قامت خلال السنوات الأخيرة بإبرام اتفاقات مع بعض المؤسسات ذات الصيت العالمي لتطوير تكنولوجيات صناعة الغاز للحد من البصمة الكربونية في الصناعات الغازية، وهي تسعى إلى إبرام اتفاقات لتطوير تكنولوجيات لاستخدام آليات للتقليل من البصمة الكربونية في صناعة الغاز والبترول.

وفي الـ22 منيوليو (تموز) الماضي، وقع رئيس مجمع "سوناطراك" الجزائري رشيد حشيشي، على الاستراتيجية الجديدة المتعلقة بالمناخ.

وبحسب بيان للمجمع فإن الاستراتيجية الجديدة تندرج ضمن أهداف التنمية المستدامة واتفاق الأمم المتحدة الإطاري في شأن تغير المناخ، الذي تلتزم به الجزائر، كما ترتكز استراتيجية "سوناطراك" الجديدة للمناخ على محاور عدة، مثل الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، ورفع مستوى إدماج الطاقات المتجددة، وكذا تطوير حلول احتجاز الكربون الطبيعي والتكنولوجي، كما تهدف إلى تحقيق التوازن بين انبعاثات الغازات الدفيئة وامتصاصها عبر مصارف الكربون خلال النصف الثاني من القرن.

قوانين قديمة

من جهتها تقول الخبيرة الدولية في شؤون البيئة والاقتصاد الدائري بسمة بلبجاوي إن الجزائر وضعت مخططاً للتصدي لتأثيرات التغيرات المناخية، ولديها ترسانة من القوانين البيئية، إلا أن بعضها قديم يحتاج إلى إعادة التحيين أو التغيير.

وأوضحت بلبجاوي لـ"اندبندنت عربية" أن التحدي ليس في وضع المخططات والقوانين أو إطلاق عمليات تحسيس في المجتمع، إنما يمكن في غياب الوعي وعدم الاقتناع بوجود تغيرات مناخية تنجر عنها أخطار كبيرة جداً بالنسبة إلى البيئة والسكان، كما لا يوجد إدراك بأن البيئة تعتبر من الأمن القومي للبلاد.

وأضافت "عندما نكون مقتنعين ومدركين أنه يجب التعامل مع التغيرات المناخية مثلما نتعامل مع الاقتصاد أو مثلما نتعامل مع أي قطاع حساس آخر عندها فقط سنصل إلى أهدافنا المسطرة".

وتابعت المتحدثة القول إن الدراسات العلمية حول البيئة بدأت مطلع سبعينيات القرن الماضي، إذ تشير دراسات حديثة إلى أن الجزائر تشهد ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة، وأثبتت أنه عندما ترتفع درجة الحرارة في بقية الدول العالم من 1.5 إلى 2.2 درجة مئوية تصل في الجزائر بنسبة 3.3 درجة مئوية، مما يؤكد أن الجزائر تقع في منطقة تشهد تغييرات مناخية كبيرة جداً وهي منطقة شمال أفريقيا ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يؤكد أن مناطق في الصحراء الجزائرية سترتفع فيها درجات الحرارة إلى 60 درجة مئوية وستصبح مناطق غير قابلة لاستقبال السكان وغير قابلة للعيش.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الظاهرة الثانية وفق بلبجاوي فتتمثل في التصحر وزحف الرمال، إذ تعرف الجزائر منذ 30 إلى 35 سنة زحف رمال شديد وكبير جداً من الجنوب إلى الشمال مما يؤدي إلى إتلاف كثير من المحاصيل والأراضي الزراعية الخصبة الصالحة ونقص في المردود الزراعي مما يهدد الأمن الغدائي، لهذا وضعت الجزائر مخططاً للتشجير والقيام بسد أخضر يمتد من شرق البلاد إلى غربها كحاجز لصد زحف رمال وأيضاً خلق منطقة رطبة أو شبه رطبة للتقليل من شدة الحرارة ومن التغيرات المناخية.

وترى بلبجاوي أن الظاهرة المناخية الثالثة تتمثل في نقص المياه بسبب ندرة تساقط الأمطار، وهي تشمل منطقة شمال أفريقيا ككل وبدرجات متفاوتة، مشيرة إلى أن الجزائر ستعاني نقصاً شديداً وحاداً في تساقط الأمطار، إذ إنه خلال الأعوام الـ20 الماضية شهدت البلاد تدهوراً ونقصاً في تساقط الأمطار بنسبة 20 إلى 25 في المئة، وهذا ما يؤدي إلى أزمة مياه غذاء، ونقص وإتلاف للأراضي الزراعية الخصبة والمساس بالأمن الغذائي والمائي.

وأشارت بسمة بلبجاوي وهي أيضاً رئيسة منظمة "سينارجيا" للبيئة والإيكولوجيا إلى ظاهرة اختفاء بعض الكائنات الحية والنباتات البرية والبحرية خلال السنوات المقبلة بسبب التغيرات المناخية بعد انتشار الحرائق الكبرى التي تأتي على مساحات شاسعة من الغابات والمساحات الخضراء، مشيرة إلى أن العامل البشري المتسبب في هذه الحرائق لا يتجاوز 10 أو 15 في المئة فقط، بعد ملاحظة اندلاع حرائق في مناطق عدة في وقت واحد وبطريقة كبيرة جداً، وحتى الدول المتطورة مثل أميركا وكندا وأستراليا لم تستطع مواجهة هذه الحرائق الكبرى.

إضافة إلى الزوابع الرملية الكبيرة وظهور الأعاصير للمرة الأولى في حوض البحر الأبيض المتوسط التي مست مصر وبشكل كبير ليبيا، إضافة إلى الفيضانات، بعد أن أصبحت بعض المناطق في الجزائر تشهد تساقط كميات كبيرة جداً من الأمطار في غير موسمها وهو ما يؤدي إلى فيضانات كبيرة، وفق المتحدثة.

وحول تقييمها للمخطط الوطني للتغيرات المناخي، تقول بلبجاوي إن "المخطط تتم مراجعته كل خمس سنوات، أي بنهاية عام 2024، ونتمنى أن يكون هناك تغذية رجعية للتقرير الوطني حول ماذا قام به هذا المخطط الذي يشمل تقريباً 50 أو 60 نقطة عمل للتصدي والتكيف أيضاً مع التغييرات المناخية".

إشكالات إعلامية

ويرى المحلل السياسي عبدالحكيم بوغرارة أن التقارير الدولية تؤكد أن التغيرات المناخية أصبحة ظاهرة عالمية تنكس سلباً على الدول التي تقع في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية على وجه الخصوص، بالنظر إلى ضعف موازنات التمويل للتصدي لهذه الظاهرة.

ويقول بوغرارة لـ"اندبندنت عربية" إن الجزائر اتخذت بعض الخطوات المهمة خصوصاً في مجال توفير المياه الصالحة للشرب واعتماد تقنية تحلية مياه البحر للمساهمة في التنمية، والتقليل من الانعكاسات السلبية خصوصاً ما يتعلق بالجفاف وتوفير مياه الشرب.

وأضاف أن "هذه الخطوات لم تأخذ الزخم الإعلامي اللازم لكنها تلقى اهتماماً كبيراً من السلطات والمجتمع المدني خصوصاً، وأن مئات الجمعيات المهتمة بالبيئة تأخذ على عاتقها مهمة إعادة التشجير وغرس المساحات الخضراء".

وتابع "مظاهر التغيرات المناخية كلها إشكالات تدرسها السلطات الجزائرية على أعلى المستويات، غير أن التسويق الإعلامي هو الحلقة الأضعف في هذه الحلقة، لأن الإعلام الجزائري مسيس كثيراً وحضور قضايا مثل البيئة والتغيرات المناخية التي تقول الأمم المتحدة إنها تكلف يومياً 200 مليون دولار خسائر في العالم يبقى محتشماً في وسائل الإعلام".

وأفاد بوغرارة بأن الجزائر اعتمدت أدوات من خلال توقيعها على الاتفاقات الدولية وإطلاقها مشاريع وطنية لحماية البيئة من التلوث وفرض الغرامات وإنشاء شرطة العمران والبيئة، لكنها مساعي لا تلقى الترويج الإعلامي اللازم، لتبقى هذه الجهود بحاجة إلى دعم أكثر من أجل الاهتمام بالبيئة، لأن إهمال هذه الأخيرة سيزيد من الأخطار المحدقة بها.

تغيرات هيكلية

بدوره يقول الباحث الجزائري في تكنولوجيا الطاقات المتجددة المقيم بألمانيا محمد غزلي إن تغير المناخ والتدهور البيئي يسبب تغيرات هيكلية لها عواقب على النشاط الاقتصادي، بالتالي على النظام المالي.

ويوضح غزلي أن الأخطار المناخية والبيئية تشمل محركين رئيسين يتمثل الأول في الأخطار المادية التي تشير إلى التأثير المالي لتغير المناخ، وتشمل هذه الآثار زيادة تواتر حدوث الظواهر الجوية المتطرفة والتغير المناخي التدريجي، فضلاً عن التدهور البيئي مثل تلوث الهواء والمياه وتلوث الأراضي والإجهاد المائي، وكذلك فقدان التنوع البيولوجي وإزالة الغابات.

ويعتبر الخطر المادي حاداً إذا نشأ نتيجة لأحداث متطرفة مثل الجفاف والفيضانات والعواصف، أما إذا كانت نتيجة تغيرات تدريجية مثل ارتفاع درجات الحرارة أو منسوب مياه البحر، وكذلك الإجهاد المائي وفقدان التنوع البيولوجي وتغير استخدام الأراضي وتدمير الموائل وندرة الموارد، فإنها تصنف على أنها مزمنة، كما يمكن أن تحدث التأثيرات في شكل مباشر على سبيل المثال في شكل أضرار تلحق بالممتلكات أو في شكل انخفاض الإنتاجية أو تؤدي في شكل غير مباشر إلى أحداث لاحقة مثل تعطل سلاسل الإمداد، وفق غزلي.

 

 

ويضيف المتحدث أن المحرك الثاني يتعلق بأخطار الانتقال، وهي الخسائر المالية التي قد تتكبدها المؤسسات بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة لعملية التكيف نحو اقتصاد أقل كربون وأكثر استدامة بيئياً، ويمكن أن تتحقق هذه الأخطار على سبيل المثال نتيجة للتدابير السياسية المفاجئة لحماية المناخ والبيئة، أو التقدم التكنولوجي أو التغيرات في معنويات السوق وتفضيلاته.

وأوضح غزلي أن العوامل المحركة للأخطار المادية وأخطار الانتقال تؤثر في النشاط الاقتصادي، التي بدورها تؤثر في النظام المالي وتشمل القطاعات التي من المرجح أن تتأثر بالأخطار المادية الزراعة والغابات والثروة السمكية والرعاية الصحية والطاقة والتعدين والنقل والبنية التحتية والسياحة، فيما تشمل القطاعات التي من المحتمل أن تتأثر بالانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون الطاقة والنقل والتصنيع والبناء والزراعة.

وتابع المتحدث "من المهم أن تتبع المؤسسات نهجاً تطلعياً، وأن تدرج أفقاً زمنياً أطول من المعتاد في اعتباراتها، علاوة على ذلك، يمكن للمؤسسات، من خلال منظور استشرافي، أن تستجيب في الوقت المناسب في حال تأخر الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، ويجب على المؤسسات أن تفهم التأثيرات القصيرة والمتوسطة والطويلة الأجل للأخطار المناخية والبيئية في بيئة أعمالها حتى تتمكن من اتخاذ قرارات استراتيجية وتجارية مستنيرة".

ويقول الباحث "يجب اعتماد استراتيجية للتكيف مع عواقب تغير المناخ في الجزائر، ويتبع التحديث هيكل الاستراتيجية الموجودة حالياً، التي تهدف أيضاً إلى الحد من هشاشة البلاد وتقليل الآثار المناخية المحتملة والأخطار والأضرار والتكاليف الناتجة عن ذلك، واستغلال الفرص التي تنشأ، وهي تندرج في سياق استراتيجية التكيف العالمية وتوفر مظلة للأنشطة العديدة الجارية على المستوى الوطني، وتدمج المعرفة الموجودة وتحيل إلى مزيد من المعلومات وبالتالي توفر توجهاً مجمعاً للتكيف في الجزائر".

ويرى أنه يجب إعطاء أولوية أكبر لأربعة تأثيرات مناخية رئيسة هي الحرارة مع التركيز على المناطق المكتظة بالسكان والمدن والجفاف وقلة المياه، مع التركيز على المناطق الريفية، وكذلك هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات والأحداث المتطرفة الأخرى، وأخيراً التغيرات في الموائل والأنواع، مشيراً إلى أن معظم التدابير المذكورة هي مسؤولية مباشرة للإدارة العامة، ومن دون تدابير تكيف مناسبة، يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تكاليف تبعية عالية.

وخلص غزلي إلى القول إن الاستثمار في حماية المناخ والتكيف معه يزيد من الأمن، وهو أمر يستحق العناء من الناحية المالية، إذ يمكن توقع مجموعة واسعة من تأثيرات تغير المناخ المختلفة، ومن ناحية أخرى تستند تقديرات تطور المناخ في المستقبل إلى سيناريوهات مختلفة، كما أن تدابير التكيف غير موحدة بالمقارنة مع جهود حماية المناخ، لأن تدابير التكيف ليس لها "عملة" موحدة وقابلة للقياس، كما أن أهدافها أقل قابلية للقياس الكمي وتختلف أهداف تدابير التكيف باختلاف الأثر المناخي المراد مواجهته.

صحوة بالغة

من جهته يقول الناشط المتخصص في الجيولوجيا محمد صاولي قوادري إن الجزائر تملك واحداً من أكبر مخازن احتياط المياه الجوفيه في العالم يقع في جنوب البلاد، إلا أن التغيرات المناخية تؤثر في الموارد المائية تأثيراً بالغاً.

وأوضح قوادري أن العالم يشهد تزايداً كبيراً في درجات الحرارة التي تتجاوز 60 درجة مئوية صيفاً في بعض المناطق الجزائرية الجنوبية، ولكن بفعل ندرة الأمطار والارتفاع الرهيب في درجات الحرارة يحدث تناقص رهيب في مخزون المياه الجوفية في الجزائر والعالم، مما يؤدي الى كوارث حقيقية على المستويات الاقتصادية والفلاحية والبيئية على حد سواء.

وبخصوص درجة الوعي بالأخطار التي يمكن أن تسببها التغيرات المناخية، يضيف المتحدث "لا نستطيع أن نقول إنه يوجد وعي لدى جميع الشباب الجزائري في ما يخص التغيرات المناخية لكننا نشهد صحوة بالغة أخيراً، فأنا كشاب متخصص في المجال لا أضيع أية فرصة للتوعية بأهمية هذا الأمر وأخطاره وكذلك نخبة كبيرة من الشباب حولي وهو أمر إيجابي، فيمكننا أن نقول إننا على الطريق الصحيح حالياً في الوصول إلى وعي شبابي جيد في ما يخص التغيرات المناخية وأخطارها".

وتابع "التغيرات المناخية حالياً مدرجة في بعض البرامج التنموية الجزائرية، فنشهد وجود تشديدات أمنية بيئية شديدة على المصانع والسيارات، كما نشهد كذلك تحقيقات دائمة حول التسربات، وأكبر مثال في المؤتمر الوطني الذي نظمه المجلس الأعلى للشباب في ولاية بشار، واقترحنا إدراج مادة التربية البيئية في المرحلة الابتدائية، والقضية تدرس حالياً".

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة