ملخص
أعرب عدد من أعضاء المعارضة الروسية بسرعة عن مخاوفهم من أن تعاون دوروف مع السلطات الفرنسية قد يدفع موسكو إلى إغلاق المنصة محلياً أو فتح الباب أمام مطالب مماثلة للحصول على وصول إلى "تيليغرام" من الحكومة الروسية
اجتمع الناقد الشرس إيليا ياشين والمرأة المؤيدة المخلصة للكرملين مارغاريتا سيمونيان في لقاء نادر بعد ساعات من اعتقال مؤسس تطبيق "تيليغرام" بافل دوروف، بعد أن اجتمعا إلى جانب آلاف الروس للمطالبة بالإفراج عنه مما يبرز المكانة الفريدة التي يحتلها "تيليغرام" باعتباره أكثر تطبيقات الرسائل شعبية في روسيا.
وفي مساء أول من أمس الإثنين أعلن المدعون في فرنسا أن دوروف يُحتجز على خلفية تحقيق في شأن الأنشطة الإجرامية على المنصة وعدم التعاون مع إنفاذ القانون.
وقالت المدعية العامة في باريس لور بيكوا إن "التحقيق يتعلق بجرائم تتعلق بالمعاملات غير القانونية، وإساءة استخدام الأطفال والاحتيال ورفض تقديم المعلومات للسلطات".
وكتب ياشين على منصة "إكس"، "لا أعتبر دوروف مجرماً وأتمنى أن يتمكن من إثبات براءته في المحكمة".
وتكرر هذا الشعور عبر المعارضة التي بدأت تعجب بدوروف، وبخاصة عندما كان الرئيس التنفيذي للشبكة الاجتماعية الروسية "VKontakte" التي تعرف اختصاراً بـ"VK" تلقى طلباً من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ""FSB لإزالة صفحات الجماعات المعارضة.
وبدوره رفض دوروف قبل أن يجبر في النهاية على بيع الشبكة للدولة الروسية، مما جعله واحداً من القلائل من عمالقة التكنولوجيا الذين تحدوا السلطات الروسية.
ثم جاء مشروع دوروف التالي المتمثل في تطبيق الرسائل "تيليغرام" الذي بُني على مبدأ خصوصية المستخدم، وقدم "القنوات" التي تتيح للمشرفين نشر المعلومات بسرعة إلى أعداد كبيرة من المتابعين، وهي ميزات جعلت منه منصة رئيسة لتنظيم الاحتجاجات ضد بوتين.
وعلى رغم تزايد الإشاعات حول أن دوروف قد يكون قد وقع تحت تأثير الكرملين فإن "تيليغرام" بقيت القناة الأساس للمعارضة في روسيا خصوصاً بعد اندلاع الحرب، إذ شن الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين حملة ضد وسائل الإعلام المستقلة، بل وفرض حظراً على المنصات الاجتماعية الغربية.
الاعتقال قدم ضربة دعائية مفاجئة
لذلك، أعرب عدد من أعضاء المعارضة الروسية بسرعة عن مخاوفهم من أن تعاون دوروف مع السلطات الفرنسية قد يدفع موسكو إلى إغلاق المنصة محلياً أو فتح الباب أمام مطالب مماثلة للحصول على وصول إلى "تيليغرام" من الحكومة الروسية.
وبالنسبة إلى الكرملين الذي اصطدم مراراً مع دوروف إذ حاول حظر "تيليغرام" من دون نجاح، فإن الاعتقال قدم ضربة دعائية مفاجئة.
ففي البرامج الحوارية التلفزيونية ووسائل الإعلام المطبوعة صور اعتقال دوروف من قبل المسؤولين الروس كمثال على النفاق الغربي في شأن حرية التعبير.
وسارعت المؤيدة المطلقة للكرملين مارغاريتا سيمونيان إلى طرح نظريات لا أساس لها من الصحة، إذ تزعم بأن وكالات الاستخبارات الغربية دبرت اعتقال دوروف للوصول إلى خبايا وأسرار "تيليغرام" بما في ذلك المحادثات الخاصة وبيانات ملايين الروس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذ حذرت سيمونيان في منشور على "تيليغرام" كل من يستخدم المنصة للمحادثات الحساسة حذف تلك المحادثات الآن وعدم القيام بذلك مرة أخرى.
وأضافت في المنشور "تم اعتقال دوروف للحصول على مفاتيح ’تيليغرام‘ وسوف يقدمها".
وأفادت قناة "بازا" على "تيليغرام" المرتبطة بجهاز الأمن الروسي بأن "وزارة الدفاع ورجال الأعمال البارزين وضباط من وكالات أمنية عدة تلقوا تعليمات بسرعة حذف الرسائل المتعلقة بالعمل من التطبيق".
مستقبل "تيليغرام" موضع تساؤل
إلى ذلك، فمع التشكيك في صدقية دوروف أصبح مستقبل "تيليغرام" أيضاً موضع تساؤل، إذ يعتقد المحللون أن الاعتقال قد يعوق جهود "تيليغرام" في جمع التبرعات في المستقبل ويقوض استقراره المالي، وتتزايد المخاوف في شأن قدرة التطبيق على الحفاظ على حماية خصوصيته الأساس، خصوصاً بعد تقارير من وسائل الإعلام الفرنسية تفيد بأن وكلاء إنفاذ القانون يحاولون الوصول إلى قاعدة بيانات "تيليغرام" للمحادثات الخاصة.
وقد يكون لانهيار "تيليغرام" (كان يتعامل في أوائل عام 2023 مع نحو 80 في المئة من إجمال حركة المراسلات في روسيا) تأثير بعيد المدى في المجتمع الروسي.
القلق الروسي
في غضون ذلك قالت صحيفة الـ"غارديان" أن مجموعة واحدة قلقة بصورة خاصة من اعتقال دوروف هي الجيش الروسي إلى جانب مجموعة من المدونين والمراسلين المؤيدين للحرب الذين اكتسبوا شهرة بتغطيتهم للصراع على "تيليغرام"، فمنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا خلال فبراير (شباط) 2022 كان "تيليغرام" أداة الاتصال داخل الجيش الروسي ومنصة لنقل رواية الكرملين عن الحرب إلى الروس العاديين.
وقالت قناة "المدونين العسكريين الروس" الشهيرة في منشور على "تيليغرام" "لقد اعتقلوا فعلياً رئيس الاتصالات للجيش الروسي".
أيضاً يستخدم الأوكرانيون العاديون وجيش البلاد "تيليغرام" لجمع الأموال للجيش والتدوين عن الحرب، ومع ذلك من المعروف أن الجيش يعتمد بصورة أساس على منصة "سيغنال" للاتصالات الداخلية.
ووصف المحلل العسكري البارز المقرب من القيادة الروسية رايبار "تيليغرام" أنه "ربما الوسيلة الرئيسة للقيادة والسيطرة للوحدات".
وأضاف رايبار أن "اعتقال دوروف كشف عن نقاط الضعف في قنوات الاتصال الروسية وأكد الحاجة الملحة لتطوير تطبيقات تحت سيطرة الدولة"، واختتم قائلاً "سيكون الأمر محزناً إلى حد ما ومضحكاً إذا تبين أن اعتقال دوروف كان الحافز للتغييرات في الاتصالات داخل القوات المسلحة الروسية".