Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أمطار سوداء في دارفور تثير الهلع وتنذر بتلوث بيئي

متخصصون يعدونها ضمن الآثار الخطرة للحرب وتحذيرات من أخطار مستقبلية على حياة الناس

ملخص

باحثون أرجعوا الظاهرة إلى الصراعات المتتالية الذي ظل يشهدها السودان عموماً وإقليم دارفور خصوصاً منذ عام 2003، وأثرت في مجملها بشكل ملاحظ في الغطاء النباتي في المنطقة، بالتالي أسهمت في تشكيل واقع بيئي هش.

بعد الأمطار والسيول الكارثية التي يشهدها السودان الذي تتناوشه المحن من كل الاتجاهات منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ أكثر من عام ونصف عام، تشهد ولايات إقليم دارفور ظاهرة غريبة أثارت الرعب والقلق وسط مواطني ولايتي شمال وجنوب دارفور بخاصة سكان مدينتي الفاشر ونيالا وبعض البلدات القريبة منها، بهطول أمطار سوداء اللون قبل يومين فجرت موجة من الهلع والمخاوف وسط الأهالي، فما السر وراء هذه الظاهرة وما أخطارها وأسبابها؟

دخان وسموم

كانت ولايات وسط وجنوب وغرب وشمال دارفور شهدت أمطاراً وسيولاً تسببت في فيضان عديد من الأودية الموسمية، بخاصة في مدن الفاشر (شمال دارفور) والجنينة (غرب دارفور) وزالنجي (وسط دارفور).

ويتفق متخصصون على خطورة ظاهرة الأمطار السوداء وارتباطها بحدوث تلوث بيئي بسبب الانبعاثات الكثيفة للأدخنة، إذ أشار الراصد الجوي المنذر أحمد الحاج إلى أن ظاهرة اسوداد المطر دائماً ما يكون في مناطق الحرائق الكبيرة حيث يكون تساقط المطر مخلوطاً بذرات من الدخان.

في السياق نفسه يرجح المتخصص البيئي بشري حامد أن يكون ظهور الأمطار السوداء ضمن الآثار البيئية الخطرة للحرب الدائرة في السودان التي بدأت في الظهور بالفعل في عدد من مناطق البلاد، لكنه يرى أيضاً أنها تقود إلى مشكلات أخرى أكبر وأكثر خطورة، في ظل عدم التمكن من القيام بالإجراءات المهمة المطلوبة المتمثلة في التحليل الكيماوي والفيزيائي أو الميكروبيولوجي المعملي للعينات، لمعرفة حقيقة ما تنطوي عليه تلك الأمطار بشكل علمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يوضح حامد أن الاحتمالات التحليلية الأولية الأقرب لهذه الأمطار، تشير إلى أنها ناتجة من تلوث مصادر المياه والتربة والهواء في تلك المناطق، وهو تلوث ناتج من المواد الكيماوية المستخدمة في الحرب والرصاص والمقذوفات النارية، التي قد لا تكون مرئية لكثيرين.

لم يستبعد المتخصص البيئي أن تكون أطرافاً دولية استغلت حرب السودان، كمسرح لتجريب أسلحة جديدة توزع مجاناً بهدف اختبار آثارها البيئية.

تلوث مجهول

يرى حامد أن "أخطر ما في ظاهرة الأمطار السوداء تأثيراتها المستقبلية في حياة الناس، واحتمالات ظهور طفرات جينية لدى الإنسان أو الحيوان أو حتى النبات، مما يهدد بتشوهات المواليد أو الإصابة بالعقم لدى البشر والحيوانات، وتدهور الجودة بالنسبة إلى النباتات والمنتجات وكلها آثار مدمرة".

يوضح المتخصص البيئي أن خطر التلوث يتعاظم على نحو خاص في إقليم دارفور المعروف بكثافة الثروة الحيوانية واعتماده على الزراعة والمراعي الطبيعية، كما يعتمد سكان الإقليم في غذائهم على اللحوم والمنتجات الزراعية، علاوة على أن تأثيرات التلوث ستنعكس أيضاً في اقتصادات تلك المناطق.

وقال مواطنون من شمال دارفور إن هطول الأمطار السوداء كان أمراً غريباً ومخيفاً وغير مألوف بالنسبة إلى طبيعة الأمطار التي يعرفونها، مما شغل المجتمعات لأيام عدة في تلك المناطق، وأوضح محمدين عيسى من سكان مدينة الفاشر، أن الظاهرة أثارت جدلاً اجتماعياً وتوزع الناس ما بين من فسرها كنذير شؤم وتطير به بأن أياماً سوداء قادمة على المنطقة، وبين من ألبسوها صبغة دينية واعتبروها نوعاً من الغضب الإلهي.

يوضح عيسى "كان الناس يخشون التعرض المباشر لقطرات المطر الداكنة، بخاصة أن لا أحد يعلم ماذا تحمل بداخلها، مما دفع الناس لحبس أنفسهم داخل بيوتهم حتى توقفت الأمطار قبل أن يخرجوا مشاهدة آثارها في الأرض الرملية سريعة الامتصاص للمياه وهم لا يعرفون حتى اليوم كيف حدثت وما آثارها في البشر والأرض".

الحرائق والمناخ

على الصعيد نفسه يعتقد الباحث في الشؤون البيئية جلال محمد ياسين أن هطول مثل هذه الأمطار السوداء غالباً ما يحدث في المناطق التي تتأثر بحرائق ضخمه وكثيفة، مثل حرائق الغابات الاستوائية الناتجة من التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، وكذلك حرائق مناطق آبار النفط والحرائق التي تخلفها الحروب.

 

يرجع ياسين الظاهرة إلى الصراعات المتتالية الذي ظل يشهدها السودان عموماً وإقليم دارفور خصوصاً منذ عام 2003، التي بدأت كنوع من النزاع على موارد ثم تحولت إلى صراعات قبلية مسلحة ومواجهات مع الحركات المسلحة هناك، أثرت في مجملها بشكل ملاحظ في الغطاء النباتي في المنطقة، بالتالي أسهمت في تشكيل واقع بيئي هش.

يتابع "مع اتساع دائرة الحرب الحالية واستخدام طرفي الحرب أنواعاً مختلفة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، نتج منها حرائق على نطاق واسع في المساكن والمصانع والمزارع والغابات، مما أدى بدوره إلى انضمام مئات الأطنان من الجسيمات الدقيقة المتصاعدة إلى الغلاف الجوي".

سواد وحموضة

يشير الباحث إلى أن تفاعل الغازات السامة مثل ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت والنيتروجين مع بخار الماء، كلها أسباب قد تؤدي إلى تكوين غيوم وسحب دخانية سوداء قد تؤدي إلى هطول الأمطار السوداء عالية الحموضة في الوقت نفسه.

وفي حوادث قريبة مماثلة كانت مدينة أسيوط جنوب مصر تعرضت في 2017 لظاهرة شبيهة بهطول أمطار سوداء أثارت أيضاً الخوف والفزع وسط سكان المدينة، ودفع الخوف وقتها الأهالي إلى إغلاق محالهم التجارية والاعتكاف داخل منازلهم، وتوقف كذلك حركة المرور في بعض شوارع المدينة.

واعتقد سكان أسيوط حينها أن الأمطار ربما تكون بسبب سحابة سوداء كانت ناجمة عن حرق بقايا محصول الرز، التي ربما تكون اختلطت مع قطرات الأمطار الخفيفة المتساقطة وحولت لونها إلى الأسود.

أربعات والشمالية

من جانب آخر وعطفاً على التداعيات الكارثية لانهيار سد خور أربعات الذي كانت تعتمد عليه مدينة بورتسودان في مياه الشرب أقر الفريق ركن مصطفى محمد نور، والي ولاية البحر الأحمر، بأن ما حدث كان كارثة وأن الوضع بكل من مناطق طوكر وأربعات كارثي، لكنه شدد على أن حكومة الولاية ستستخدم كل الحلول الممكنة عبر الآبار والسدود مثل سد سلالاب من أجل توفير المياه لمواطني بورتسودان، مشيراً إلى معالجات إسعافية تجرى الآن بنقل كميات كبيرة من المياه عبر تناكر للأحياء والقرى بالمدينة.

 

ضربت الأمطار والسيول طوال اليومين الماضيين 127 منزلاً بشكل كلي وجزئي في ولاية البحر الأحمر، بعد أن جرفت طرقاً عدة وأجزاء واسعة من محلية الدبة.

وغمرت السيول المندفعة مساحات زراعية واسعة، كما أدت إلى نفوق عشرات الرؤوس من الماشية، بجانب الخسائر في المؤسسات والمرافق.

ارتفاع الوفيات والخسائر

من جهة أخرى ارتفع العدد التراكمي لحالات الإصابة بالكوليرا إلى 1223 حالة، بتسجيل 102 حالة جديدة، و48 وفاة بزيادة خمس حالات وفاة في ولايات كسلا والقضارف والجزيرة والخرطوم ونهر النيل، وفق أحدث تقرير للوضع الوبائي بالبلاد.

فيما أشار تقرير الاستجابة إلى فتح مراكز عزل بالولايات الخمس المتأثرة بالوباء مع تأكيد الحاجة إلى مزيد من المراكز.

ووجه وزير الصحة الاتحادي هيثم محمد إبراهيم بتنشيط عمل جميع لجان عمليات الطوارئ بجميع الولايات، وتحديد الإمداد المتوفر والاحتياجات الفعلية المطلوبة لإكمال النقص.

وكشف أحدث تقارير غرفة طوارئ الخريف الاتحادية حول أضرار الخريف الحالي عن ارتفاع حالات الوفاة إلى 138 حالة، بينما وصل عدد الأسر المتضررة إلى 36142 أسرة و156995 شخصاً.

وفق التقرير تأثرت بكارثة الأمطار والسيول حتى الآن عدد 50 محلية من مجمل محليات البلاد البالغة 89 محلية شملت 440 منطقة في عموم ولايات البلاد، فيما بلغ عدد المنازل المتضررة بشكل كلي وجزئي 30288 منزلاً، انهارت منها 16188 منزل كلياً، وتضرر جزئياً 14099 منزلاً.

المزيد من متابعات