Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تعني عودة موسكو للتلويح بقوتها النووية؟

تسعى روسيا إلى إظهار تأثيرها الذري لتهديد أوكرانيا وأوروبا ومن ورائهما الولايات المتحدة

محطة نووية روسية في كورسك (أ ف ب)

ملخص

على رغم أن روسيا تمتلك كثيراً من الأوراق الرابحة لمواجهة الغرب، ومنها امتلاك أسلحة نووية أكثر من دول الـ "ناتو"، فإن هناك من الأسباب التي تدعوها إلى التريث خوفاً من تفعيل حلف الأطلسي المادة الخامسة من فقرته المتعلقة بالدفاع الجماعي.

التصريحات الرسمية الروسية تقول إن موسكو لم تستخدم بعد أوراقها الرابحة في الحرب الدائرة مع أوكرانيا ومن ورائها الغرب، بكل تنوعاته، كما تشير إلى أنها استوعبت حقيقة أن النزاع القائم مع كييف لن ينتهي بقرار حول السلام في المنطقة.

وكشفت الأحداث الأخيرة، ومنها ما تمثل في احتلال القوات الأوكرانية للمناطق الحدودية المتاخمة لأوكرانيا في مقاطعة كورسك الروسية، عن كارثة جديدة تتمثل في احتمالات تحول روسيا إلى ما سبق وهددت به أكثر من مرة حول احتمالات اضطرارها إلى استخدام قواتها النووية التكتيكية التي سبق ودفعت بها إلى المناطق المجاورة في بيلاروس، كما أجرت كثيراً من مناوراتها في تلك الأراضي المجاورة لحدودها مع حلف شمال الأطلسي الـ (ناتو) في بولندا، ويذكر مراقبون كثر ما سبق وقاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وعلى رغم أن روسيا تمتلك كثيراً من الأوراق الرابحة لمواجهة الغرب، ومنها ما أشار إليه بوتين حول أن موسكو تمتلك أسلحة نووية أكثر من دول الـ "ناتو"، فإن هناك من الأسباب التي تدعوها إلى التريث وعدم استخدام بعض هذه البطاقات أو استخدامها بحذر شديد، على حد قول بعض خبراء السياسة الغربيين، ومن أسباب ذلك ما أشار إليه هؤلاء حول أن حلف الـ "ناتو" والمادة الخامسة من فقرته المتعلقة بالدفاع الجماعي، يستند إلى تأكيد الولايات المتحدة على أنها سوف تهب للدفاع عن شركائها الأوروبيين إذا أصبحوا هدفاً لعدوان من دولة أخرى.

ويؤكد المراقبون الغربيون أن كل المعطيات تفيد بأن القيادة الروسية تعتبر هذا الضمان الأمني الأميركي ذا صدقية بصورة عامة، وتقوم بتشكيل نهجها تجاه الجناح الشرقي لهذا الحلف وفقاً لذلك، وفي الوقت نفسه فإن التحدي الأخطر الذي يواجه روسيا والذي من المحتمل أن يتجاوز التحديات التي تواجهها في ساحة المعركة في أوكرانيا، وهو إيجاد سبل لمنع الغرب بصورة موثوقة من الاستمرار في تقديم المساعدات والإمدادات إلى أوكرانيا.

وثمة من يقول إن موسكو قادرة على منع الغرب من التدخل العسكري المباشر، ولو لمجرد أن مثل هذه الخطوة قد تتصاعد إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً وعلى وشك المواجهة النووية، فضلاً عن أنه إذا كانت هناك أي أعمال تهدد سيادة روسيا ووحدة أراضيها فإن موسكو "تعتبر أنه من الممكن استخدام كل الوسائل المتاحة لها إذا تعلق الأمر بتهديد وجود الدولة، والإضرار بسيادة البلاد واستقلالها، وإن عاد ليؤكد امتثال بلاده للمعاهدات والمواثيق الدولية بهذا الصدد".

مراجعة العقيدة النووية الروسية

وقال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، خلال أحد أحاديثه الأخيرة في معرض الإشارة إلى تحذيراته للغرب من دعم الهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية، إن لدى روسيا عقيدتها الخاصة، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية، مشيراً إلى أنه "يجري الآن توضيحها".

 

 

وكان لافروف تناول هذه القضايا في معرض تناوله لاحتمالات نشوب الحرب العالمية الثالثة التي قال إنها لا يمكن أن تقتصر على أوروبا فقط، في إشارة غير مباشرة إلى احتمالات أن تطال أراضي الولايات المتحدة.

وفي حديثه عن موضوع "موافقة الدول الغربية على استخدام الأسلحة التي ترسلها لضرب أهداف على الأراضي الروسية، وتزويد كييف بالصواريخ بعيدة المدى"، قال لافروف إن محاولات كييف استخدام الأسلحة الغربية على الأراضي الروسية ابتزاز، مؤكداً أن "الغرب، بالمصطلح الروسي، يواجه مشكلات" من دون الإشارة إلى ماهية ونوعيات هذه المشكلات، مضيفاً أن "هذه محاولة للتظاهر بأن الغرب يريد تجنب التصعيد المفرط، ولكنه في الحقيقة خداع".

أما عن العقيدة النووية الروسية وما يقال حول تفكير روسيا في مراجعتها وإدخال التعديلات اللازمة عليها بما يتفق مع الأوضاع المتغيرة، فقال الخبير الروسي في الشؤون الأميركية ديمتري يفستافييف في تعليقه على ما قاله لافروف، إن الرئيس بوتين ومنذ بعض الوقت كشف عن "إننا نراجع ونوضح مذهبنا النووي، ثم كرر كل هذا من قبل كبار المسؤولين الآخرين في بلدنا، وتظهر روسيا ببساطة أن محاولات الغرب لدفع نظام كييف إلى التصعيد ستكون لها عواقب وخيمة للغاية".

وأشار يفستافييف إلى أن النسخة القديمة من العقيدة كانت كافية تماماً لذلك الوقت والمهمات العسكرية التي كانت موجودة، ومع ذلك فإن الوضع يتغير الآن وهناك أخطار جديدة لتصعيد الصراع منخفض الكثافة من خلال وكيل، وتحتاج روسيا إلى فهم كيف ستقيد رعاة نظام كييف، ولا تزال أدوات النفوذ السياسية على الولايات المتحدة تعمل بطريقة ما لكنها لم تعد موجودة في أوروبا، ومضي ليقول إن روسيا لا تنوي استخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن الأكثر أهمية في ما قاله البروفيسور يفستافييف قد يتلخص في تأكيده أن الجميع في الغرب لن يكونوا سعداء إلا بالضربة النووية على أراضي "جمهورية أوكرانيا الإشتراكية السوفياتية" السابقة، وإذ أعرب عن يقينه الكامل فيما وصفه بـ"زيلينسكي الجماعي" وهو نوع من النظام المضاد، وأن منطقه هو أن الجميع سيموتون، وأضاف أن "مهمة روسيا ليست الضغط على أوكرانيا ولكن جعلها مخيفة في الولايات المتحدة، وهذا هو الغرض من تأثير روسيا النووي".

التصعيد أم المفاوضات؟

يقف الجانبان الروسي والأوكراني أمام خيارين أحلاهما مر، فإما التصعيد الذي قال عنه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إنه "لعب بالنار"، وإما المفاوضات التي لم يعد الجانب الروسي يثق في جدواها كثيراً، وقد علّق الرئيس بوتين على هذه المسألة بعد هجوم القوات المسلحة الأوكرانية ضد مقاطعة كورسك بأنه لا يوجد شيء يمكن الحديث عنه مع الأشخاص الذين "يهاجمون المدنيين بصورة عشوائية، أو البنية التحتية المدنية، أو يحاولون خلق تهديدات لمنشآت الطاقة النووية".

ولعل ما خبره الجانب الروسي من تجارب تفاوضية، سواء مع الجانب الأوكراني أو مع ممثليه الغربيين، يقول بعدم جواز تكرار ما جرى من مناقشات ومفاوضات شارك في بعضها ممثلو بلدان الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك على مستوى الزعماء.

ويذكر المراقبون ما حدث إبان مفاوضات الجانبين في عامي 2014 و2015 التي أسفرت عن "اتفاقات مينسك 1-2" واكتشفت روسيا بعد أعوام طوال أنها لم تكن سوى خدعة من الجانب الغربي كشفت عن مضمونها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، بما قالاه حول أنها استهدفت توفير المساحة الزمنية اللازمة لإعداد وتسليح الجيش الأوكراني لمعاركه في المناطق الانفصالية التي أعلنت استقلالها عن أوكرانيا من جانب واحد، وهي المناطق التي أعلنت انضمامها لاحقاً إلى روسيا، وذلك ما قد يكون وراء ما قاله نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف حول موقف الجانب الروسي من الهجوم الأوكراني ضد مقاطعة كورسك، "لن نتوقف إلا عندما نعتبر ذلك مقبولاً ومفيداً لأنفسنا".

 كما توقف الرئيس بوتين في أكثر من مناسبة عند فشل الاتفاقات التي توصل إليها الجانبان الروسي والأوكراني في إسطنبول تحت رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مارس (آذار) 2022، وتراجع عما توصلت إليه من نتائج بإيعاز من رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون.

أما عن الجانب الأوكراني فلا يزال يعيش نشوة الفوز بنتائج احتلاله المناطق المتاخمة لحدوده الشمالية في مقاطعة كورسك الروسية، وقال زيلينسكي إن كييف "ستنهي الحرب بالطريقة التي تحتاجها أوكرانيا ودولتنا وشعبنا"، كما قال إن ذلك سيسمح أن ينتهي الصراع بالشروط الأوكرانية التي يذكر المراقبون ما نصت عليه من طلب الجلاء عن الأراضي المحتلة والعودة لحدود عام 1991، وهو ما تعتبره موسكو غير قابل للنقاش أو التنفيذ.

 

 

ويظل الجانب الأوكراني عند رأيه الذي أعرب عنه مستشار رئيس مكتب رئيس أوكرانيا ميخائيل بودولياك في وصفه غزو القوات المسلحة الأوكرانية لمقاطعة كورسك بأنه أداة عسكرية تهدف إلى إقناع روسيا بالدخول في عملية مفاوضات عادلة، ووفقاً له فإن أوكرانيا "ليست مهتمة باحتلال الأراضي الروسية، ولكن سيتعين عليها أن تضع روسيا الاتحادية على طاولة المفاوضات بشروطها الخاصة"، وهو أمر يظل بعيد المنال، وذلك أيضاً ما تسخر منه روسيا، وهو ما علق عليه سيرجي لافروف بقوله "إذا كانوا يريدون ذلك فلتكن النتائج في ساحة المعارك هي الفيصل".

دعوة الأصدقاء إلى المحادثات

من جانبه قال رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو على خلفية دخول القوات الأوكرانية أراضي مقاطعة كورسك، "اجلسوا إلى طاولة المفاوضات وأنهوا هذه المعركة"، وبهذه الطريقة يمكن للغرب، في رأيه، تجنب حرب مشتركة مع روسيا وبيلاروس، وشدد لوكاشينكو على أن "موسكو ومينسك لا تريدان حرباً ضد حلف شمال الأطلسي برمته، لكن في حال انتهاك حدود الدولة فسنرد بصورة فورية وكافية".

وأضاف، "إذا كانوا يريدون ألا يحدث هذا فلنجلس إلى طاولة المفاوضات وننهي هذه المعركة"، وقال الزعيم البيلاروسي "لا الشعب الأوكراني ولا الروس ولا البيلاروسيون بحاجة إليها".

ويقف عند دعوة الرئيس لوكاشينكو كثير من أصدقاء روسيا، ومنهم الزعيم الصيني شي جينبينغ بما سبق وتوجهت به الصين من خطة سلام قبلتها موسكو ورفضتها كييف، وإن عادت لتعرض عقد مؤتمر للسلام من دون مشاركة روسية، غير أنها وإن عادت لتعرض دعوة العاصمة الروسية إلى الدورة الثانية لهذا المؤتمر فإن ذلك يعيد للأذهان ما سبق وشاركت فيه من خدعة "اتفاقات مينسك للسلام" التي لم تنفذ بنداً واحداً من نتائجها طوال ما يزيد على سبعة أعوام من تاريخ توقيعها، وهو ما يدعم وجهة النظر الروسية القائلة بعدم وفاء الجانب الأوكراني بكل ما يتعهد به، على قول ممثلي الجانب الروسي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير